تعود بطولة العالم للفورمولا 1 إلى هوكنهايم مرة أخرة نهاية هذا الأسبوع، بعد أن غابت عنها في عام 2015، لكن إرث الحلبة القديمة لا يخيم فقط على مجريات جائزة ألمانيا الكبرى وإنما على روزنامة البطولة بشكل كامل.
اعتادت هوكنهايم أن تبقى في ظل حلبة أعرق وأعظم، حلبة نوربورغرينغ، التي شكلت لدي محبي التسابق في ألمانيا منزلة روحية خاصة منذ عام 1927.
أما اليوم، أصبح لهوكنهايم منزلة كبيرة وظلاً أكبر، وهذا الظل يخيم في هذه الأيام على كل الجولات والحلبات الأخرى، خاصةَ مع تزايد الحلبات المستنسخة في البطولة.
مضى 14 عاماً منذ أن استضافت حلبة هوكنهايم “الجديدة” جائزة ألمانيا الكبرى للمرة الأولى، حيث تم مشاركة خصائص الحلبة الحالية والتي يبلغ طولها 2.8 ميل (4.5 كلم) مع التصميم القديم للحلبة والذي يبلغ طوله 4.2 ميل (6.75 كلم)، ما أدى ذلك إل فقدانها بعض ملامح شخصية الحلبة القديمة والأسطورية المهيبة.
هذا لا يعني أن المسار ليس جيداً، فهو يشكل تحدياً كافياً لدى السائقين، بدون أي شيء استثنائي، فالمسافة الطويلة حتى المنعطف السادس “الحاد” تشكل أفضل فرص التجاوز في روزنامة البطولة.
جرت على حلبة هوكنهايم سباقات لا تُنسى، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها غير ثابتة في روزنامة البطولة منذ السباق السنوي الأخير في عام 2006. بعد ذلك، استضافت سباق 2008، حيث اقترب نيسلون بيكيه الابن من أن يحقق الفوز لرينو قبل أن يتغلب عليه لويس هاميلتون، بينما في سباق عام 2010، شهدنا جميعاً الحادثة سيئة السمعة “فرناندو أسرع منك”، حيث قامت فيراري بفرض أوامر الفريق وإلزام فيليبي ماسا على السماح لألونسو بتجاوزه.
لكن من الصعب على هذه الحلبة أن تعود إلى روحها الأصلية. حيث كانت مدرجات مقطع “الملعب” من الحلبة تكتظ بالمشجعين لمشاهدة الأسطورة الألمانية مايكل شوماخر، وهذا ما يعجز عنه سيباستيان فيتيل أو نيكو روزبرغ حالياً. وبالتالي هي فقط حلبة أخرى مع بعض المشاهد الطبيعية الخلابة في الخلفية.
كانت حلبة هوكنهايم القديمة مختلفة، حيث اختفت مقاطعها المشهورة بعد أن تم تعديل المسار وإصلاحه، رغم أنه ما زال بالإمكان تحديدها، إلا أنك لن تدرك أنه كان هنالك شيء بالأصل، إذا كنت لا تعرف وجود هذه الأجزاء من قبل.
عادة، إذا ما كنت تريد إعادة اكتشاف حلبات خارج الخدمة، فإنك تبحث عن المنعطفات، لكن هوكنهايم هي واحدة من بين الحلبات القليلة، إلى جانب لومان، التي تميزها مساراتها المستقيمة، حالما تذكر اسم هوكنهايم، ستقفز إلى رأسك صور مساراتها، وستذكر ذلك المسار المستقيم الذي فقد فيه السائق جيم كلارك حياته خلال جائزة ألمانيا في الفورمولا 2 في عام 1968 رغم أنه لم يرتكب أي خطأ، هذا أكثر ما يخطر ببالك عندما تكون في هوكنهايم.
روح كلارك تخيم على الحلبة القديمة، ذكراه ما زالت موجودة في الحلبة عندما تشق طريقك عبر ما غطته أشجار الغابة حالياً، اقتفاء أثر كلارك وتذكره رحلة تستحق العناء، بدلاً عن زيارة الحبلة الجديدة ورؤية التعديلات التي طرأت عليها.
في أيامها الأخيرة، حلبة هوكنهايم القديمة كانت مشهورة بمساراتها الرهيبة والمنعطفات المتصلة، مع مقطع “الملعب” في نهاية اللفة، هذا ما جعل منها حلبة نموذجية في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، كنت هذه الحلبة شيءٌ مختلفٌ تماماً.
ما كان يميزها هي السرعة في المسارات المستقيمة، والصعود على الحفف الجانبية عند المنعطفات، ومن ثم التشبث مع مستويات الارتكازية المنخفضة عند مقطع الملعب، وكانت تعطي فرص لبعض الحلول التقنية الثورية، كتجربة فريق تيريل إطارات أمامية أصغر للتقليل من قوة الجر في عام 1996.
هذا ما يثبت حقيقة أن هذه الحلبة خلقت متطلبات مختلفة لكي يتم ضبط السيارة على أساسها، حتى بدون عبقرية تيريل هذه، فريق صغير استطاع تصميم سيارة ذات ارتكازية منخفضة جداً وقوة جر منخفضة جداً على أمل تحقيق شيء كبير في هوكنهايم، وهنالك حلبات أخرى بنفس شخصية حلبة هونكهايم كحلبة مونزا، وسبا فراكورشان أيضاً.
التنوع عنصرٌ أساسي من عناصر الجذب في الرياضة، كان هنالك أسباب للتقليص من حلبة هوكنهايم للحصول على طول مقبول، لكن من وجهة نظر مشجع متعصب للحبلة القديمة، فإنه بفضل أن يرى السيارات تدور حول الحلبة لـ 45 لفة بدلا من فوز سهل تحققه سيارة قامت بالدوران لـ 70 لفة.
بالطبع، هيرمان تيلكه هو المسؤول عن الحلبة الجديدة، وهنالك كمية كبيرة من الرهبة لدى ذكر اسم كبير مصممي الحلبات في العالم.
تلقى تيلكه انتقادات غير عادلة، ليس فقط لأنه معجب بالحلبات التي على نمط حلبة “نوردشلايفيه” (هو خاض هناك سباق 24 ساعة)، إلا أنه كان عليه أن يعدّل من تصميم الحلبة على أساس معايير السلامة العصرية باستخدام المواصفات المحددة.
من المحزن، أن الحاجة لمنح المشجعين المزيد، وترك الغابة تنمو، تصدرت قائمة الأولويات، فكانت النتيجة حلبة منظمة تقدم فرصة للتسابق النظيف مع إعادة مقطع الملعب، ولكن بدون إعادة روحه القديمة بشكل كامل.
قدمت الحلبة القديمة لنا أيضاً ذكريات لا تُنسى: فوز روبنز باركيللو الوحيد فيها في عام 2000، المعركة العظيمة بين مارك بلونديل وغيرهارد بيرغر على المركز الثالث في عام 1993، وفي نفس هذا السباق خسر دامون هيل فرصة تحقيق فوزه الأول عندما انفجر إطاره قبل لفة ونصف من النهاية، وبعد ثلاثة أعوام تمكن هيل من تحقيق الفوز بعد انفجار محرك سيارة رينو التابعة لبيرغر، والقائمة تطول.
كان العنصر الأساسي في هوكنهايم أنها تقدم نمطاً فريداً من التحديات، كانت شيء مختلف بالنسبة للسائقين، بالنسبة للسيارات وبالنسبة للمشجعين.
يجب أن تُؤخَذ الحاجة إلى هذه الأمور في الحسبان عندما يتم تصميم الحلبة، تُصمم الحلبات حالياً مع فرص كثيرة للتجاوز، لكن بدون وجود رغبة لخلق التنوع والاختلاف.
“حساسية الحلبة” هي العبارة التي تهمنا هنا، أن نعطي الحلبة روحاً خاصة، وما يدل على شخصيتها، على سبيل المثال، حلبة موناكو مشهورة بالتماسك المنخفض عند السرعة بشكل رئيسي بينما لا تعد السرعة في المسارات المستقيمة ميزة خاصة.
وبينما توجد بعض الاختلافات الجذرية بين الحلبات، إلا أنه هناك مجموعة من الحلبات مع اختلافات بسيطة، وبالتالي إذا كنتَ في سيارة مرسيدس، الأسرع من السيارات الباقية بنصف ثانية، وذهبت إلى حلبة لا تناسبك، ستكون خسارة عشر من الثانية ليست تلك المشكلة كبيرة.
إحداث تنوع كبير بين الحلبات أمر سهل على الورق، لكن مصممي الحلبات لديهم مجال واسع من الاعتبارات عندما يأتون لتصميمها على أرض الواقع، وتتضمن المساحة المُتاحة، الميزانية المالية، المسح الطبوغرافي للمنطقة … والقائمة لا تنتهي تقريباً.
ويجعل وجود العديد من القوانين والقواعد، والتي وُضعت لغايات جيدة، من تصميم الحلبة أمر ليس سهلاً كما يبدو للبعض، حيث هنالك خطر كبير ألا يكون للحلبة ملامح خاصة بها، خاصةً مع وجود هذه القوانين، كالقوانين التي تفرض حداً أقصى لطول المسارات المستقيمة على سبيل المثال.
هذا لا يعني أنه لا يوجد ابداع في تصاميم الحلبات الحالية، بعض الإضافات الأخيرة في روزنامة البطولة تهدف إلى منح الحلبات شخصية خاصة بها، فمثلاً باكو تميزها القلعة، أما أوستن فذلك الصعود الحاد باتجاه المنعطف الأول الأيقوني، وهنالك الكثير من الحلبات، خارج بطولة الفورمولا 1، ذات تصاميم مقنعة جداً.
حتى بعض الحلبات غير المحبوبة والتي لم تصمد لفترة طويلة مثل حلبة يونغاما الكورية، تملك بعض المنعطفات الجميلة، وربما كانت ستنجح لو أن المدينة لم تبالغ كثيراً في طموحها في منطقة أفضل وصف لها هو “أرض قافرة”.
يزيد التنوع بين الحلبات من السباقات المثيرة، إضافةً إلى منح المشجعين فرصة لكي يتحمسوا، هذا لا يعني بناء حلبة في ملعب للبايسبول في مدينة مكسيكو، لكن خلق شخصية تعطي تأثير دائم وتسابق جيد.
هذا لا يعني بالضرورة أنه على الحلبات أن تكون أطول، كما حلبة هوكنهايم القديمة، فعلى سبيل المثال حلبة ريد بُل رينغ النسخة العصرية من حلبة أوستريشرينغ، أفضل من ناحية التسابق، في مجالات عديدة، وتشكل تحديات أكبر بالنسبة للسائقين.
لكن هذا يعني أن على هذه القيود، بما فيها الميزانية، العوامل الجغرافية ومعايير السلامة، أن ترتفع قليلاً، مما يسمح بتصميم الحلبة بعيداً عنها، هناك حاجة لإبراز غاية ورسالة الفورمولا 1 مع الحلبات الـ 21 في بلدان مختلفة حول العالم، حيث أن البعض منها تبدو متشابهة بالنسبة للعين غير الخبيرة، ولا يهم بعض المنعطفات المختلفة هنا وهناك.
ربما هناك درس يمكن تعلمه بالنظر إل تلك الأشجار، وتذكر تلك الحلبات التي يتم فيها الضغط على دواسة الوقود بشكل كامل بدلاً من الاستمرار بالكبح والانعطاف كما هو الحال اليوم.
وبعد كل ذلك، يأتي الدرس الأهم من حلبة نوربورغرينغ، حيث أنها حلبة ذات أصالة وموثوقية تجعل منها أعظم حلبة طرقية في العالم.