لا يعتبر الهولندي ماكس فيرشتابن مشهوراً نظراً لأسماء منافسيه في بطولة العالم للفورمولا واحد، حسب رأي إيان باركس، إلا أن البطولة بحاجةٍ إلى سائقين يحتاجون لمواصفات الهولندي وموهبته سواءً كان ذلك داخل أو خارج مقصورة القيادة.
جميعنا ندرك وجود أمر مميز يتعلق بماكس فيرشتابن، وإلا لما كان فريق ريد بُل استقدمه وتعهّده عندما كان يبلغ من العمر 16 عاماً فقط. لكننا أصبحنا ندرك الأن وجود شخصية مميزة خلف تلك الموهبة.
لطالما تذمّر عراب بطولة الفورمولا واحد بيرني إكليستون من انعدام الشخصيات المميزة في الجيل الحالي من السائقين، وصرح أنه نظراً لسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على عالمنا، تحوّل سائقو الفورمولا واحد إلى نجوم واقع افتراضي مؤتمت.
جاءت تصريحات إكليستون السابقة في شهر أيار/ مايو في ظل التحضيرات لجائزة موناكو الكبرى عندما قام البريطاني، فعلياً، بإهانة سائق فريق مرسيدس الألماني نيكو روزبرغ عندما قال إنه ‘‘ليس جيداً’’ لأعماله.
وبعد ذلك قام إكليستون بالإشادة بزميل روزبرغ، البريطاني لويس هاميلتون، مؤكداً أنه يروّج لبطولة الفورمولا واحد بشكلٍ ممتاز.
وقال إكليستون: ‘‘بصراحة، أعتقد أن هاميلتون هو أفضل بطل عالم حظينا به منذ مدةٍ طويلة للغاية’’.
‘‘يتمكن من تغطية كافة مجالات الحياة. الشهرة، الأزياء، الموسيقا، والعديد من الأمور’’.
كما بالغ إكليستون لدرجة انتقاده لسائقٍ حظي بدعمه لفترةٍ طويلة، ألا وهو سائق فيراري الألماني سيباستيان فيتيل، إذ يعتقد بأن بطل العالم الرباعي لا يبذل مجهوداً كبيراً من أجل تحسين وجه الفورمولا واحد.
وكان من الواضح، بشكلٍ لا يحتمل الشك، من تصريحات إكليستون أنه يريد تمتّع سائقي الفورمولا واحد بشهرةٍ أكبر وعدم الشعور بالخجل عندما تسنح الفرصة لترويج البطولة خارج حدود الحلبات.
ينبغي على إكليستون أن يحب فيرشتابن إذاً، كما أنه يأمل ألا يخضع لقيودٍ عديدة في عالم وسائل التواصل الاجتماعي مع مرور الوقت، خصوصاً وأن هذه الوسائل لا تغفر الأخطاء.
فإذاً علينا أن ننحني احتراماً لماكس فيرشتابن، لأنه أظهر لإكليستون أن الأمل ما يزال موجوداً ضمن صفوف سائقي البطولة وأن هاميلتون ليس الوحيد الذي يروّج الفورمولا واحد.
لا بد أن كل من انتقد مشاركة فيرشتابن – نظراً لصغر سنه – يظهرون بمظهر سخيف في الوقت الحالي بعد الإنجازات التي تمكن المراهق الهولندي من تحقيقها هذا الموسم مع تورو روسو.
سرعة فيرشتابن وتحكمه بالسباقات كان ممتعاً للغاية، ورغم وجود بعض الأخطاء نتيجة تهوّره، إلا أنه أثبت قدرةً على التعلم من أخطائه بسرعةٍ كبيرة.
كما أظهر فيرشتابن قدرةً على الدفاع عن نفسه في عالم الفورمولا واحد خارج الحلبة أيضاً، وهذا ما حصل عندما انتقد علنياً فيليبي ماسا خلال مؤتمرٍ صحفي قبل مجريات جائزة كندا الكبرى.
ففي التحضيرات لهذا السباق أشار فيرشتابن، من وجهة نظرٍ صحيحة، إلى أن سائق لوتس رومان غروجان حوال اختباره تحت الكبح في موناكو، ما أدى إلى اصطدام فيرشتابن بشكلٍ مذهل عند الحواجز المعدنية لمنعطف ساينت ديفوت في بداية الحلبة.
ورغم أن هذه الملاحظات كانت سخيفةً بعض الشيء، وأدت لتلقيه وابل من الانتقادات من قِبل زملائه، بما فيهم ماسا الذي أشار إلى أن قيادة فيرشتابن خطيرة.
وبالتالي عندما ظهر كل من فيرشتابن وماسا جنباً إلى جنب في مؤتمر الاتحاد الدولي للسيارات قبل انطلاق مجريات جائزة كندا الكبرى، قام البرازيلي بصب زيتٍ ساخن على النيران المستعرة عندما قال: ‘‘عندما تشارك في موسمك الأول من بطولة الفورمولا واحد، وتبلغ من العمر 17 عاماً، وتقوم بمثل هذه التصرفات، يجب أن تحصل على عقوبة كبيرة بالتأكيد’’.
وبشكلٍ عنيد، دافع فيرشتابن عن أسلوب قيادته في موناكو، بل ووجه انتقاداً إلى ماسا عندما قال: ‘‘ربما يجب عليك مراجعة ما حصل بسباق العام الماضي هنا [في كندا] من جديد’’. في إشارةٍ منه إلى حادث اصطدام ماسا مع سائق فورس إنديا المكسيكي سيرجيو بيريز في سباق جائزة كندا الكبرى لعام 2014.
نعم، كان الأمر غريباً للغاية، ولكنه أظهر عدم استعداد فيرشتابن تقبّل تعرضه لهذه الانتقادات اللاسعة من قِبل السائقين المخضرمين.
لننتقل سويةً إلى ما حصل خلال سباق جائزة سنغافورة الكبرى عندما تمكن فيرشتابن من تقديم تأدية لعلّها من الأفضل من بين كافة السائقين لهذا الموسم حتى الآن، إذ أنه وجد نفسه بالمركز الأخير متأخراً بلفة كاملة عن الصدارة في المراحل المبكرة من السباق عندما تعطل نظام مانع توقف المحرك عن العمل في سيارته عندما حاول الانطلاق من المركز الثامن.
وساعد فيرشتابن دخول سيارة الأمان في مرحلةٍ مبكرة من السباق، إذ تمكن من إلغاء تأخره بلفة كاملة وليحتل المركز التاسع عشر نظراً لانسحاب سائق فريق فورس إنديا الألماني نيكو هولكنبرغ في المراحل المبكرة من السباق.
ومنذ ذلك الحين، تمكن فيرشتابن من شق طريقه عبر الترتيب بوتيرةٍ ثابتة طوال مجريات السباق، وليقدم تجاوزات جريئة كعادته ليعود إلى المركز الذي انطلق منه – المركز الثامن – خلف زميل هولكنبرغ في فريق فورس إنديا، المكسيكي سيرجيو بيريز.
ولعشرة لفاتٍ، طارد فيرشتابن بيريز دون كللٍ أو ملل، إلا أن سرعة وحدة طاقة مرسيدس الخاصة بسيارة بيريز كانت أفضل بكثير من تلك الخاصة بوحدة طاقة رينو، ما سمح للمكسيكي الاحتفاظ بمركزه وتوسيع الفارق في الأجزاء الهامة من الحلبة.
ومع تبقي خمس لفات على نهاية السباق، جاء نداء مهندس التسابق الخاص بفيرشتابن – كزافي بوجولار – ليسمح لزميله الإسباني كارلوس ساينز بتجاوزه من أجل إعطاء الأخير فرصةً لتجاوز بيريز.
جاء جواب فيرشتابن حازماً: ‘‘لا!’’
وعاود بوجولار طلبه من فيرشتابن، إلا أن الأخير لم يتنازل عن مركزه ويمكننا أن نفترض أن جوابه لم يكن لائقاً لبثه على شاشات التلفزيون.
وقال فيرشتابن: ‘‘عندما طلب مني الفريق، للمرة الثانية، السماح لساينز بالمرور أوضحت لهم أنني لن أسمح حصول ذلك إطلاقاً’’.
منذ ذلك الحين اعترف فريق تورو روسو أنه أخطأ بهذا الطلب، نظراً لأنه يعتقد أن تزود ساينز بالإطارات فائقة الليونة في اللفات الأخيرة سيعطيه أفضليةً مقارنةً بفيرشتابن من أجل تجاوز بيريز.
إلا أن ساينز لم يكن قادراً على الاقتراب من فيرشتابن حتى أو محاولة خطف مركزه، وبالتالي كان من المستبعد أن يتمكن من تجاوز بيريز نظراً لسرعة الأخير على الخطوط المستقيمة.
كما اعترف مدير فريق تورو روسو، فرانز توست، بأن فيرشتابن كان محقاً لعدم إفساحه المجال أمام زميله، كما أشاد بشخصية السائق الشاب.
كان هذا الأمر نوعاً من التحدي الذي أصبح نادراً للغاية في عالم الفورمولا واحد، إذ رفض فيرشتابن التخلي عن أي جزءٍ في السباق الذي وصفه على أنه الأفضل له هذا الموسم.
وزَعم ساينز أنه كان يريد لفتين فقط من أجل محاولة تجاوز بيريز، وفي حال فشل كان سيسمح لفيرشتابن استعادة مركزه من جديد.
لا يمكننا أن نعلم مدى جدية ساينز، وتبقى هذه التصريحات نظريةً لن نعرف صحتها أبداً.
ولكنني أشيد بتأدية فيرشتابن وتمتعه بجراءة للتمسك بموقفه، ولإظهاره طباعاً تفتقدها بطولة الفورمولا واحد.
وأخيراً، أترككم مع كلمات والد فيرشتابن، يوش، والذي لخّص شخصية ابنه التي من شأنها مساعدته لتحقيق إنجازات كبيرة في الفورمولا واحد.
وقال فيرشتابن الأب، وهو نفسه سائق فورمولا 1 في تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الحالي: ‘‘كنت سأغضب من ماكس بشكلٍ كبير في حال تخلى عن مركزه. هذا أمرٌ لم أقم به إطلاقاً’’.
‘‘لطالما تحدثنا عن هذا الموضوع مراراً وتكراراً، وكنت أدرك أنه لن يقوم بذلك. كان بإمكانكم سماع الحزم بردة فعله عندما قال ‘لا!’. إن ماكس سائق تسابق، ولن يسمح لأحد بتجاوزه بسهولة’’.
‘‘في حال جاء مثل هذا الطلب من أجل المنافسة على لقب بطولة العالم، كان بإمكانه تفهّمه، ولكنه لن يكون مستعداً للتخلي عن مركزه بعد هذا السباق الرائع’’.
‘‘ماكس ليس سائق من الدرجة الثانية أو سائق مساند. أثبت في سنغافورة ذلك ليس لفريق تورو روسو وحسب، وإنما لكافة الفرق’’.
أعتقد أن ما قام به فيرشتابن في سنغافورة حظي بانتباه جميع الشخصيات رفيعة المستوى في عالم الفورمولا واحد.