دخلت فيراري موسم 2016 من بطولة العالم للفورمولا 1 بسقف طموحات مرتفع وفلسفة تصميم جديدة، إلا أنها فشلت في تحقيق ما كانت تطمح إليه وخسرت أيضاً مديرها التقني، ما هو الخطأ؟ ومن يستطيع أن ينتشل الفريق من هذا الوضع؟
قامت فيراري بإعادة هيكلة الفريق بعدما وصلت إلى الحضيض عام 2014، حيث لم تتمكن السيارة الحمراء من الفوز بأي سباق في ذلك الموسم، وهذا شيءٌ لم يحدث منذ عام 1993، إلا أن الفريق استطاع أن يحقق تقدماً في الموسمين التاليَين، وكان من المتوقع عودة فيراري هذه السنة إلى القمة بالنظر إلى إمكانياتها وإمكانيات خصومها، وأن تضغط بأقصى ما تستطيع للفوز في السباقات والظفر بالبطولة.
لم تصل فيراري بعد إلى مستويات أداء مرسيدس في موسم 2016، ومع إصرار رئيس الشركة سيرجيو ماركيوني وطلبه من الفريق تحقيق النتائج، فالضغط على طاقم العمل يتزايد في مارانيللو.
فشل سائقا فيراري في المجر وألمانيا من التغلب على أي من سائقي ريد بُل، بينما كان الفارق كبيراً جداً عن مرسيدس، ومن ثم أتت أخبار مغادرة المدير التقني للفريق جايمس أليسون بمفعول فوري.
إذاً أين الخطأ في سيارة فيراري “الجديدة” وعملية إعادة الهيكلة بعد عام 2014؟
منذ نهاية حقبة مايكل شوماخر، جنن تود، روس براون وروري بيرن مع فيراري، بحث الفريق في تطوير وترقية المواهب من خلال المؤسسة، هذا ما أعطى الفريق الاستمرارية ونيل البطولات في عامي 2007 و2008، إلا أن هذا الزخم تباطأ منذ عام 2009.
هذا لا يعني أن فيراري لم تكن تنافسية، لكن سيارتها لطالما كانت متخلفة بخطوة واحدة عن المتصدر الجديد للبطولة، فريق ريد بُل، رغم أن فيراري كان لديها فرص للفوز ببطولة السائقين مع فرناندو ألونسو في عامي 2010 و2012، لكنها لم تتمكن من تحقيق ذلك.
فشلت فيراري بتطوير تقنية فعالة لتدفق غازات العادم في المراحل الأخيرة من حقبة المحركات ثماني الأسطوانات ‘V8’، وعندما تغيرت القوانين وانتقلت لاستخدام المحركات الهجينة ذات الست أسطوانات ‘V6’ مع شاحن توربيني، فشلت فيراري بالتعامل معها بشكل ناجح.
تم تعيين أليسون في منصبه عام 2013 بعد أن كان في فريق تورو روسو، وبدأ يحاول إحداث تغيير في الاتجاه التقني، قام بتغيير استراتيجية العمل إضافة إلى تغييرات طالت طاقم العمل، حيث قَدِم جوك كلير من مرسيدس نهاية عام 2015 كجزء من خطة أليسون لإعادة تشكيل الفريق.
سيارة فيراري “أس أف 16-أتش” السيارة الأكثر تقليدية في الأعوام الأخيرة، حيث ابتعدت عن مفاهيمها الخاصة والمخالفة للآخرين، وصممت سيارة ذات مواصفات انسيابية، وأنظمة تعليق، وأنظمة نقل القوة تتشابه مع الآخرين على شبكة الانطلاق.
على الورق، يمتلك التصميم كل الإشارات على إمكانيته التنافسية العالية، وأثبتت تجارب ما قبل الموسم وسباق ملبورن الافتتاحي أن فيراري في الموقع الصحيح للمنافسة على لقب البطولة.
كان من الواضح جداً أنها سيارة تسابق مختلفة كثيراَ عن أسلافها، بالتالي ستأخذ وقتاً أطول في التطوير والاستيعاب، لكنها تملك إمكانيات أكبر من خصومها، الذين أمضوا عامَين في التطوير والبحث وكانوا على خط ثابت من منحنيات تطويرهم.
تمتلك سيارة “أس أف 16-أتش” ارتكازية أكبر، طاقة أكبر، استهلاك وقود أفضل وأنظمة استعادة طاقة أقوى من السيارة السابقة، كما تقدّم هذه السيارة أسلوب انعطاف أفضل (مناسب للسائق كيمي رايكونن)، وأبقت على كفاءة سيارة عام 2015 “أس أف 15-تي” في الحفاظ على الإطارات ووقايتها.
لكن المشاكل التي بدأت تظهر في الشاحن التوربيني أجبرت الفريق على التخفيض من أداء وحدة الطاقة لضمان الموثوقية، وبالتالي الدوران على الحلبة مع طاقة أقل حرم فيراري من أهم مفاتيحها الأساسية من أجل اللحاق بمرسيدس.
كان واقع فيراري في المراحل المبكرة من هذا الموسم عبارة عن فرص ضائعة، عدم الموثوقية والافتقار للتطوير، وانتقال التركيز إلى حل مشاكل التربو، ومن ثم في المراحل الأخيرة من القسم الأول للموسم بدأت مشاكل علبة التروس بالظهور، التي تسببت بعقوبات إرجاع على شبكة الانطلاق.
لم تكن فيراري هي الوحيدة التي تواجه مشاكل الموثوقية، حيث أصابت مرسيدس المشكلة نفسها، لكن فيراري لم تكن في موقع يسمح لها بأخذ الأفضلية، مما سمح لفريق ريد بُل بالفوز في إسبانيا بعد أن أصطدم سائقا مرسيدس ببعضيهما في اللفة الأولى وانسحبا من السباق.
من الصعب تحديد نقاط القوة الفعلية في مرسيدس، ومن الصعب تحديد المنطقة التي تتفوق بها، والقول إن هذه المنطقة هي التي تفشل فيها فيراري، على صعيد المواصفات وأداء السيارة، فإن فيراري تقترب في كل مرحلة، إلا أنها متخلفة قليلاً في كل مرحلة من هذه المراحل عن مرسيدس.
على صعيد الهيكل، تفتقر السيارة للارتكازية بالمقارنة مع مرسيدس، ولم يتمكن الفريق من تحدد تفاصيل القطع الانسيابية التي تجعل فريقا مرسيدس وريد بُل متفوقان عليه في هذه المنطقة، وبشكل غير قابل للنقاش، فإن فيراري تفتقر بعض من تفاصيل قطعها الانسيابية التي كانت حاضرة على سيارة موسم 2015.
كان تطوير الهيكل محبطاً للفريق بالنظر إلى موارده، وتقييم القطع الرئيسية التي أُضيفت للسيارة كان منخفضاً، العديد من المناطق الأساسية في التطوير الانسيابي في سيارة فيراري بقيت مشابهة، إذا لم تكن نفسها، لتلك التي كانت في ملبورن.
يجب تعديل الفعالية الانسيابية عند الافتقار للارتكازية، فإذا ما كانت الارتكازية منخفضة فستتعرض الإطارات للخطر والحرارة الزائدة، وإذا ما كانت مرتفعة فإن قوة الجر ستقضم من قدرة المحرك البخارية في المسارات المستقيمة.
وحتى مع القوانين التي تفرض القيود على الاختبارات الانسيابية، فمن الصعب شرح سبب ضعف فيراري على هذا الصعيد، رغم خبرتها ومواردها.
على صعيد السرعة، ما زالت السيارة تعاني عند التسارع، رغم أن ذلك يمكن أن يكون متعلقاً بالإطارات، ولكن بشكل مساوٍ يمكن أن يكون السبب الرئيسي هو الارتكازية، أنظمة التعليق، وحدة الطاقة، هندسة السباق، أو مزيج من كل هذه العوامل.
تطورت وحدة طاقة فيراري 2014 بشكل كبير جداً، وأصبحت الآن قريبة من مستوى مرسيدس على صعيد التأدية واستعادة الطاقة، ومع اعتماد تقنية شركة “ماله” في احتراق الوقود [التقنية النفاثة]، تم تحسين احتراق الوقود في فيراري بشكل كبير من أجل استخراج طاقة أكبر، مع أن مرسيدس اعتمدت على تقنية احتراق مختلفة، لا تشابه طريقة الاحتراق في “الغرفة المتقدمة” التي تعتمدها فيراري/ ماله.
ربما بسبب ذلك، مرسيدس قادرة على إيجاد قوة أكبر في الحصة التأهيلية، بحيث تتقدم بعدة أعشار في القسم الثالث من الحصة التأهيلية “كيو 3″، حيث لا تُظهر تقنية الاحتراق في الفيراري قدرتها على دفع أداء المحرك بالكامل، أو وضع السيارة في نمط فعال على صعيد الوقود في الحصة التأهيلية، وإلى جانب هذا تظهر مشاكل ارتفاع درجة حرارة الإطارات، وعقوبات تغيير علب التروس، التي ساهمت بوصول فيراري إلى الوضع الحالي.
وعكس وجود فيراري في مؤخرة شبكة الانطلاق نقاط قوة فيراري: الانطلاقة القوية والمتماسكة والإدارة الجيدة للإطارات في السباق، وحالياً مع احتلال ريد بُل للمساحة بين مرسيدس وفيراري على شبكة الانطلاق، أصبحت السابقات أصعب على فيراري.
اقتربت فيراري من نهاية مسار تطوير المحرك لموسم 2016، مع كل المفاتيح التطويرية التي استهلكتها، حيث استخدمت ثلاثة مفاتيح على الشاحن التوربيني، نظام استعادة الطاقة الحرارية وتصاميم النوابض، ويمكن أن تستهلك المفاتيح الثلاثة المتبقية على تحديثات رئيسية في استهلاك الوقود، لكن من المرجح ألا يغير هذا الأمر أي شيء بالنسبة إلى الحصص التأهيلية.
لذا فالسيارة تحتاج للعمل على جميع الأصعدة، لكن فرص التطوير تقلصت مع رحيل المدير التقني جايمس أليسون عن الفريق، تاركاً ماركيوني، ومدير الفريق في الفورمولا 1 ماوريزيو أريفابيني، ومن شغل منصبه ماتيا بينوتو لقيادة الأقسام التقنية.
من المرجح أن تعيين بينوتو، المدير السابق لقسم تطوير المحرك في فيراري والرجل الذي يُحسب له تطوير أهم عنصر من العناصر التقنية التي ساهمت في انتعاش فيراري، سيكون مؤقتاً في منصب المدير التقني، وستبحث فيراري عن بديل لأليسون من أجل منصب قيادي صعب.
الفورمولا 1 مليئة بالمهندسين العباقرة على مستوى الإدارة التقنية، تملك معظم الفرق ثلاثة مهندسين بإمكانهم استلام مهام منصب المدير التقني، ومثلهم لشغل مدير قسم التصميم.
لكن على عكس غالبية الفرق، فإن منصب المدير التقني في فيراري ليس بتلك البساطة، ربما هو أصعب من أي مؤسسة أخرى، على المدير التقني في فيراري أن يكون سياسياً، بإدارة الأقسام، التعامل مع أعلى مستويات الإدارة، والتلاعب بالأوليات لجني المكاسب للفريق.
هذا يتطلب خطة محكمة وحازمة، وقائد بدرجة عالية من الدبلوماسية، عادة ما كان منصب المدير التقني في الفيراري عبارة عن “مقعد مقذوف” لأولئك اللذين كانوا غير قادرين على التعامل مع الضغوط الداخلية والخارجية في قيادة القسم الهندسي في السكوديريا.
هذا يعني أيضاً أنه بدون شخص كهذا، في هذا الوقت، سيكون هنالك تضارب ما بين التركيز على بقية الموسم الحالي والتخطيط لموسم 2017، كالحالة التي سادت عام 2014.
هذا يهدد آمال فيراري باستعادة تفوقها في المستقبل القريب، فكما هو معروف أن ماركيوني وأليسون أرا الفوز في هذا الموسم وبالتالي إبقاء التركيز على سيارة “أس أف 16-أتش” في الموسم الحالي (مشروع 667) إضافة إلى التركيز على السيارة الجديدة (مشروع 668) لموسم 2017.
إذاً من سيشغل هكذا منصب؟ ومن يريد ذلك؟
هنالك الكثير من المواهب في الفورمولا 1، لكن بالنظر إلى المرشحين، نرى أنه هنالك عدد قليل من الخيارات، إذا ما أخذنا بالحسبان ضرورة وجود سجل مميز من السباقات من أجل شغل هذا المنصب.
روس براون خيار محتمل، لكنه تقاعد، ويبدو أنه سعيد كثيراً بذلك، لذا فإنه من غير المرجح أن المدير التقني السابق في فيراري سيعود لشغل منصب دائم، مع عدم إغفال احتمال عودته لشغل منصب استشاري، هذا شيء فعله زميله السابق في العمل روري بيرن عندما عاد لشغل هكذا منصب في فيراري، لكن هذا سيُبقي على منصب المدير التقني شاغراً.
خيار مشجع آخر وهو أدريان نيوي، لكنه للتو ابتعد قليلاً عن الفورمولا 1 للتركيز على اهتمامات تقنية أخرى، اقترب نيوي للعمل لدى فيراري سابقاً، لكنه من غير المرجح أن يوقّع عقداً مع السكوديريا لمنصب يلزمه تفرغ كامل.
هذا يعني أن على فيراري توسيع نطاق البحث، يبدو بادي لو سعيداً، وناجحاً، في مرسيدس، فهل تكون فيراري قادرة على اجتذابه واقناعه للعمل معها؟
وإذا لم يكن الرجل الأهم في مرسيدس، فربما بعض من كبار زملائه في الشركة؟ يُعتبر آلدو كوستا أو جوف ويليس خياراً جيداً، كان كوستا مديراً تقنياً سابقاً في فيراري، وانفصل عن الفريق عندما أتى بات فراي في عام 2011، ربما تكون انتقادات كوستا اللاحقة لفيراري عاملاً سلبياً في عودته، لكن على الجانب الآخر فإنه يبدو مثالياً لحل مشاكل الفريق.
أما ويليس فهو الحصان الأسود من أجل هذا المنصب، بعد انفصاله عن فريق “بار-هوندا” ذهب ليدير القسم الهندسي في ريد بُل تحت إدارة أدريان نيوي، ومن ثم قام بدور مشابه في تطوير الموارد ووسائل التطوير والبحث في براكلي لصالح مرسيدس.
ربما تجعله حكمته في العمل وطلاقته في اللغة الإيطالية مثالياً لشغل هذا المنصب.
وهنالك خيار آخر هو بوب بيل، الذي عاد إلى رينو، وسبق له تأدية دورٍ مماثلٍ لدور ويليس في مرسيدس.
إضافة إلى ذلك، يوجد اسم آخر ترشحه التقارير الصحفية بقوة، وهو المدير التقني في تورو روسو جايمس كي، ما من شك أن هذا الرجل يقوم بعمل رائع، وهو يملك حالياً خبرة كبيرة في طريقة العمل الإيطالية من خلال عمله في قاعدة تورو روسو في فاينزا، لكن كي ليس ذلك الشخص الذي ينقاد بتقارير الصحافة التي ترشحه لشغل منصب المدير التقني في فيراري.
هو مدير هادئ وناجح، لكنه من المرجح أنه لا يتناسب مع النمط المكيافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) والسياسي في مارانيللو.
ومع ذلك، بالنظر إلى أدوار ويلليس وبيل، فإن كي يُعتبر منفعة كبيرة جداً لفيراري.
مع هذه الأمثلة، أو ربما خيارات من بطولات أخرى في رياضة المحركات، فإن أي شخص يستلم مهام هذا المنصب عليه أن يبذل مجهوداً كبيراً حتى لا يتم استبعاده، وهذا يعني أنه من غير المرجح أن يكون هنالك مدير تقني جديد في ملبورن 2017، بل من المرجح أن يكون بعدها بستة أو سبعة أشهر على الأقل.
وبالتالي سيتم اسقاط موسم 2016 من الحسابات، وسيكون موسم 2017 هو الهدف الأول للمدير التقني الجديد، ولن يظهر تأثيره حتى موسم 2018، ومن ثم سيأخذ الأمر عدة مواسم لكي تنضج عملية التطوير.
هذا الأمر يستغرق موسمين أو ثلاثة، حتى تكون فيراري في أفضل شكل لها، وبالتالي فإن مرحلة الأداء غير المستقر والصوم عن الإنجازات ستمتد لفترة طويلة جداً.