من السهل للغاية أن تتبع الفرق سياسةً محافظةً في عملية انتقاء السائقين. يشرح لنا إد سترو كيف يمكن لبقية الفرق المشاركة في بطولة العالم لسباقات الفورمولا واحد أن تتعلم من فريق ريد بُل ودانيال ريكياردو.
بدأ دانيال ريكياردو موسم 2014 بإمكانياتٍ مجهولة. وبالتوجه إلى العطلة الصيفية في شهر آب/ أغسطس، قام بتأسيس نفسه كأحد السائقين القادرين على نيل لقب بطولة العالم في المستقبل.
ما زال يتمتع بالسرعة التي كانت واضحةً خلال عامين مع فريق تورو روسو. ولكن إضافةً لذلك، أظهر ريكياردو قدرةً مذهلةً في السباقات، تأدية ثابتة بشكلٍ مدهش، والقوة الذهنية والنفسية الضرورية لتقديم أفضل ما لديه في كل جولة على التوالي.
لا يجب علينا الاستهانة بإمكانية تقديم أي سائق لمثل هذه المواصفات في هذه المجالات. وفي حين لم يَمضِ على مسيرته مع فرق المقدمة سوى 11 جائزة كبرى، إلا أن ريكياردو كان من ألمع نجوم الموسم حتى الآن.
تغلب على زميله في فريق ريد بُل سيباستيان فيتيل. وعلى عكس ما يحاول البعض لترويجه، لم يتم ‘الكشف’ عن هوية فيتيل وحقيقة سرعته دون امتلاكه سيارة سريعة، بل ما زال فيتيل سائقاً رائعاً يحاول التأقلم مع المتطلبات المختلفة بعد حقبة تدفق غازات العوادم عبر موزع الهواء الخلفي للسيارات القديمة.
حتى في مثل هذه الظروف، فيتيل يقود بشكلٍ جيد، وإن كانت قيادته لا ترتقي لمعاييره. كل ما في الأمر أن ريكياردو يقوم بعملٍ أفضل.
إمضائه لنصف موسم خلف مقود سيارة لفريق من فرق الصدارة، وتحقيقه لفوزين، لا يعني أن ريكياردو أصبح من أفضل السائقين بشكلٍ تلقائي، إلا أن تأدية ريكياردو كانت مقنعةً بما لا يترك مجالاً للشك عن أنه سيصبح من ألمع وأفضل السائقين عبر المواسم القادمة. إذ يبدو أن السائق الذي يبلغ من العمر 25 عاماً سيكون من القوى التي لا يُستهان بها خلال العقد المُقبل من الزمن.
يعود موقع ريكياردو الحالي أولاً وأخيراً لمديح ريد بُل الكبير له. كان من الممكن أن يتبع فريق ريد بُل سياسةً آمنة تقضي بجلب سائقين مخضرمين كانت لهم خبرة خوض سباقات مع فرق المقدمة وبالتالي لا توجد أي أمور خفية أو مفاجآت ناجمة عن خيارهم. ولكن في حال تمّ اتباع ذلك المنهج، هل كانت ستتاح أي فرص للسائقين الشباب؟
لنقارن منهج فريق ريد بُل مع منهج فيراري. في حين راهن فريق ريد بُل على ريكياردو، وإن نجحوا في رهانهم ولم يخسروا، إلا أن فريق فيراري أظهر عدم اتساع مخيلته على الإطلاق عندما قرر جلب رايكونن إلى الفريق من جديد.
كانت الظروف مختلفة من دون شك، إذ أن قرار استقدام الفنلندي ناجم عن توتر العلاقات مع نجم الفريق الحالي فرناندو ألونسو، ولكن هذا القرار ما زال دليل اتباع سياسة محافظة ومن دون مخاطر من قِبل بعض فرق المقدمة.
نعم، يملك رايكونن سجلاً رائعاً، وقدم لنا العديد من أعظم السباقات التي شهدناها في القرن الحادي والعشرين، وقدم تأديةً جيدةً مع فريق لوتس بعد عودته لساحات البطولة. ولكن كانت هناك أسئلة مصيرية إن كان استقدام رايكونن هو ما يحتاجه فريق فيراري بالفعل. في حين كان من المبكر ترقية السائق الواعد جول بيانكي، إلا أن الخيار الثاني لمزاملة ألونسو كان يكمن باستقدام نيكو هولكنبرغ، والذي كان سيسجل نقاطاً أكثر بكثير مما تمكن رايكونن من حصده خلف مقود تلك السيارة.
هناك العديد من الصيحات التي تأتي وترحل عن عالم الفورمولا واحد، وأعتقد أن نجاح ريكياردو، إضافةً لسطوع نجم فالتيري بوتاس، يبرهنان على ضرورة منح الخبرات الشابة الفرص اللازمة للتألق.
يتم تبني هذه الآراء من قِبل أولئك الذين يعتقدون بأن تطوير السائقين واكتشاف المواهب يقتصر على اختبار عدة سائقين يملكون سجلاً جيداً من النتائج ورؤية الحالات التي تنجح. ليس هذا ما يحصل.
النهج الصحيح الواجب اتباعه يقضي بالسماح للسائقين الشباب بإثبات قدراتهم وأحقيتهم بنيل مقعد مع إحدى فرق المقدمة. هذا ما حصل مع ريكياردو ولهذا السبب يقود إحدى أفضل السيارات التابعة لإحدى أفضل فرق الفورمولا واحد في يومنا هذا. هناك فارق كبير، ويعتمد النهج على حقيقة أنه من الممكن فعلاً انتقاء السائقين الذين تكون إمكانياتهم أفضل عندما يكونوا يشقون طريقهم عبر البطولات المساندة.
من الخاطئ قول أن التنبؤ بتأدية السائق عندما يسابق لصالح فريق صدارة أمرٌ مستحيل. ما يمكن حصوله هو منح فرصة مستحقة لسائق قام بإتمام كافة المهام المفروضة عليه في كافة البطولات المساندة وأظهر لمحات من القدرة الحقيقية التي يتمتع بها. قد يفشل البعض في تحقيق ذلك، ولكن إن كنت تقوم بتقييم الأداء بالطريقة الصحيحة، سيكون معدل النجاح لهذا المنهج مرتفعاً للغاية.
رغم تعرض برنامج دعم ريد بُل للسائقين الشباب لنقدٍ كبير، إلا نجاح سائقَي الفريق في الوقت الحالي، واللذان تمت ترقيتهما من فريق تورو روسو، تُظهر أن أولئك المسؤولين لديهم فكرة عن كيفية اتخاذ القرارات.
لا يُمكن إرجاع سر نجاح ريكياردو للحظ، بل هو نتيجة للاعتماد على المنطق والأحكام السليمة. لم يكن نجاحه مؤكداً، إذ من المستحيل التنبؤ بكيفية تعامل أي شخص مع الضغط الناجم عن وجوده في أفضل فريق. إلا أن كفة الميزان كانت تميل لاحتمالية تقديمه لأداءٍ جيد.
لا توجد أي شكوك حول سرعة الأسترالي، ولكن هناك لحظات كان يتعرض فيها لضغطٍ كبير، وقدم أداءً مذهلاً. العام الماضي، وعندما تمّ الإعلان رسمياً عن اعتزال مارك ويبر ووجود مقعد شاغر في فريق ريد بُل، كان ريكياردو يمر بفترةٍ عصيبةٍ في موسمه، لكنه تمكن من استعادة رباطة جأشه على الفور وانطلق في سباق جائزة بريطانيا الكبرى من المركز السادس، وهي نتيجة مبهرة. في حال كان أحد السائقين قادراً على التعامل مع الضغط الكبير في فرق متوسط الترتيب، هناك احتمال كبير بإمكانية تحقيق ذلك في مقدمة الترتيب.
هذه المواقف هي التي تميّز بين سائقي التسابق العاديين (والذين، رغم ذلك، يتمتعون بموهبة ممتازة)، وأولئك القادرين على مقارعة أفضل سائقي البطولة جولةً تلو الأخرى. تقضي مهمة فرق المقدمة في بطولة العالم للفورمولا واحد باكتشاف هذه المواهب في حال أرادوا استقدام نجوم الجيل القادم من السائقين قبل أي فريقٍ آخر.
كافة فرق الصدارة تمتلك، بشكلٍ أو بآخر، برنامجاً لتطوير وتنمية مواهب السائقين الشباب. بالنسبة لفريق ريد بُل، سائقا الفريق في الوقت الحالي هم نتاج هذا البرنامج، بينما قام فريق ماكلارين باتخاذ قرار جريء بترقية كيفن ماغنوسِن وجعله سائق أساسي في الفريق للموسم الحالي، وهو قرارٌ يبدو صائباً رغم ارتكاب ماغنوسِن لبعض الأخطاء.
استثمر فريق فيراري في أكاديمية السائقين الخاصة به، ولكن لم يتم وصول أي من المواهب إلى فريق الفورمولا واحد الأساسي. الحق يُقال بأن أكاديمية فيراري للسائقين الشباب ما زالت في بداياتها وليست جديدة بشكلٍ كبير، ومن المرجح أن بيانكي سيتمكن من الوصول لمقعد فيراري الأساسي. أما بالنسبة لفريق مرسيدس، وفي حين غياب برنامج معترف به وواضح، إلا أنه لعب دوراً كبيراً في مساعدة عدد كبير من السائقين في الأعوام الـ15 الماضية، خصوصاً في بطولات فورمولا 3.
الأمر الأساسي، والمشترك، في كافة هذه البرامج يقضي بأنه من الممكن عدم تحقيق السائقين المعنيين لأي تقدم، ولكن الفرق ستقوم بتمويلهم والسماح بترقيتهم في حال كانت هناك أي دلائل على إمكانية تحقيقهم للنجاح.
في نهاية المطاف، كافة الأموال التي قام فريق ريد بُل باستثمارها في مسيرة ريكياردو لا تُقارن بما كان يتوجب على الفريق إنفاقه في حال استقدام كيمي رايكونن الذي كان سيقدم تأدية أسوأ في هذا التوقيت من مسيرته الاحترافية. هذا لا يعني استقدام سائقين شباب لفرق المقدمة وتعيينهم كسائقين أساسيين بشكلٍ عشوائي، ولكن يمكن اكتشاف نجوم المستقبل عن طريق اتباع النهج الصحيح.
هناك درسٌ يمكن تعلمه في كل ما سبق. ويبقى السؤال، هل سيتم اتباع هذا النهج؟