في الوقت الذي يمكن فيه لأي فريق أن يستفيد من وجود أحد أبرز العقول العظيمة التي شهدها تاريخ عالم رياضة المحركات، يشرح لنا إد سترو لماذا تملك فيراري قيادة تقنية قوية.
أصبح أدريان نيوي محط أنظار جميع فرق الفورمولا واحد، كما لو أن الحصول على خدماته يضمن بكل بساطة نجاحات لا متناهية، كما برهن غيابه عن بعض الفرق تراجع مستواها وغيابها عن المنافسة.
نيوي غير متواجد في صفوف فيراري. وبالنظر إلى أن مدير فيراري ماركو ماتياتشي ونيوي نفسه قللا من احتمالية انضمام الأخير إلى السكوديريا، لا يبدو أن أمراً من هذا القبيل سيحدث في المستقبل القريب.
مما لا شك فيه أن نيوي هو أحد العظماء الذي مروا على تاريخ الفورمولا واحد، ويستحق التصنيف في خانة العظيم كولين شابمان، لكن غالباً ما يتم التغاضي عن أمرين.
الأمر الأول، هو أن تواجده في ريد بُل يشكل فقط نصف المعادلة. لاستخراج الأفضل من نيوي، لا يجب إعطاءه مكتب ببساطة، بل يجب إفساح المجال له للحصول على ما يريد وتوقع تدفق السحر. سُمح له في ريد بُل ببناء الطاقم التقني وفقاً لنظرته الخاصة، إذ قام بهيكلته ليتناسب مع قدراته الخاصة وطريقة عمله. قد يستعين به البعض لتحقيق أربحاً كبيرة، ويصبحون لاحقاً غير مرنين على الاطلاق لجعل أسلوبه بالعمل ناجحاً.
الأمر الثاني والأهم، هناك مسؤولين تقنيين آخرين، برهنوا عن أنفسهم بين الكبار في السنوات القليلة الماضية. ويمكن الجزم أن فيراري تملك الأفضل بينهم.
بدأ جايمس أليسون العمل في فيراري رسمياً كمدير تقني للهيكل في شهر أيلول / سبتمبر الفائت. وسط الإشاعات الأخيرة المتعلقة بنيوي، يعتبر النظر إلى المشكلة التقنية على أنها مشكلة الفريق الوحيدة، نوع من الغباء.
عند وصول أليسون إلى فيراري، كان العمل على سيارة 2014 قد أوشك على الانتهاء. وعند سؤاله خلال جائزة موناكو الكبرى عن مقدار مساهمته في بناء السيارة الحالية “أف 14 تي”، نأى بنفسه عن الإجابة على مسألة بسيطة، لكنه أوضح أن قرابة ثلاثة أرباع التطوير المتاح كان قد تم الانتهاء منه. لذا سيارة الموسم الحالي بعيدة كلياً عن تجسيد إدارة أليسون التقنية.
تم تفويض أليسون ليقوم بقلب ضعف الإنجازات داخل السكوديريا. في كثير من الأحيان، يمكن لتغييرات جذرية أن تجعل من الفريق يرقى لطموحاته. لكنها فكرة خيالية، في حال أراد إعادة الفريق إلى السكة الصحيحة.
الوصول إلى القمة في الفورمولا واحد يتطلب وقتاً طويلاً. اتخاذ القرارات اليوم لن يثمر إلا بعد عدة سنوات. على سبيل المثال، عندما كان روس براون مشغولاً بإعادة هيكلة مرسيدس، استقدم آلدو كوستا وغيوف ويليس في أواخر عام 2011. وعند سؤاله عن حصد نتائج الخطوات التي اتخذها، افترض أن تكون المكاسب جزئية سنة 2013 وكاملة في الموسم الحالي. وهذا ما حصل.
بالاعتماد على هذا المقياس، يجب إعطاء أليسون بضعة سنوات لتأتي تغييراته بثمارها، على الصعيدين البنيوي والتوظيفي.
يمكن تطبيق هذا النقاش على أي مدير تقني، إذاً لم الثقة موضوعة بأليسون؟ كبداية، يملك مسيرة فيها الكثير من القواسم المشتركة مع نيوي. في حين كان نيوي ناجحاً أيضاً كمهندس سباقات في ثمانينيات القرن الماضي، انصب تركيزه باستمرار على الناحية الانسيابية. بشكل عام هناك نوعان من المدراء التقنيين. هؤلاء الذين يأتون بخلفية هندسية أو انسيابية. وما من شك أن أليسون يأتي بالخلفية الثانية.
وفي حال كانت هناك بعض نقاط الضعف لدى أليسون من الناحية الهندسية، سيقوم بات فراي بتغطيتها، وهو الشخص الذي تم تعيينه ليشغل منصب المساعد الهندسي لأليسون، لكنه يحتفظ بدور أساسي في السكوديريا. ويرجع هذا إلى قرار فيراري الصائب، إذ لم يقم الفريق بالاستغناء عن خدمات أليسون بعد سنتين ونصف شغل فيها منصب المدير التقني، بل لا يزال مساهماً بشكل كبير داخل الفريق. وهذه خطوة صحيحة.
في الوقت الذي لا تعتبر فيه خبرة أليسون في عالم الفورمولا واحد طويلة مقارنة بخبرة نيوي، إلا أنه يشارك في هذه الرياضة منذ وقت طويل. جاء إلى عالم السباقات عام 1989 عندما انضم إلى قسم بينيتون الانسيابي، وأمضى موسمين (1993-1994) على رأس القسم الانسيابي لفريق لاروس، الذي عانى من قلة التمويل.
عاد بعدها إلى بينيتون، قبل أن ينتقل إلى فيراري ويمضي المرحلة الأولى في الفريق منذ عام 1999 حتى 2005. ليعود بعدها إلى فريقه السابق بحلة رينو. لذا خبرته ليست عائقاً.
أصبح مديراً تقنياً في رينو بعد أن قام الفريق بإعادة هيكلة طاقمه، إثر رحيل فلافيو بيرياتوري وبات سيموندس القسري، بعيد فضيحة حادث سباق سنغافورة الشهير.
يعني هذا أنه كان المهندس الرئيسي في فترة صعبة تخطاها الفريق بثبات، رغم وجود علامات استفهام حول العائدات المادية ومصيره على المدى البعيد. بغض النظر عن موسم 2011، عندما قام أليسون باعتماد تصميم عوادم أمامي (حيث بدأ الموسم بشكل قوي، لكنه سرعان ما تراجع بسبب ضعف التطوير التي كان سببها الأساسي وجود مشاكل في النفق الهوائي)، كانت فترة مليئة بالنجاحات.
في حين فازت سياراته في سباقين فقط، مع كيمي رايكونن في سباق أبوظبي عام 2012 والسباق الافتتاحي لموسم 2013 في أستراليا، ارتفعت أسهم أليسون خلال هذه الفترة. باستثناء ريد بُل، ومن ناحية الأداء في مواجهة التوقعات، يمكن الجزم أن فريق لوتس كان أكثر الفرق نجاحاً خلال هذه الفترة. وما من شك أن عدة فرق، منها فيراري، كانت خلفه.
السؤال هو، هل يمكن هيكلة فيراري بطريقة مماثلة لاستخراج الأفضل من قدرات أليسون؟ يأتي أليسون بالعديد من الأفكار، ويملك سمعة أنه يعمل بطريقة قاسية للغاية، حتى بأساسيات الفورمولا واحد. لذا مع الإبداع الذي يبدو مفقوداً داخل الفريق، يمكن له أن يشكل بالتعاون مع ديرك دي بير قوة جيدة في تقديم ما ينقص فيراري.
وما يشجع هو أنه يلقى الدعم الكامل من فيراري على ما يبدو، في وقت يمكن له أن يكون غير سعيد. أجرى أليسون الكثير من التغييرات في بنية الفريق، ما من شك أن خبرته في الفريق السابقة ساعدته بذلك، لكنها عملية مستمرة.
وعند سؤاله من قبل أوتوسبورت خلال جائزة موناكو الكبرى عن التطور في إنجاز البنية الصحيحة وممارسات العمل، أجاب أليسون: “لا أقوم بعمل لأنساه لاحقاً، بل أقوم به وأستمر بالقيام به ثم القيام بأمور أخرى”.
“هذه رياضة تقتلك في حال كنت راضٍ عن نفسك. هناك عدد كبير من التغييرات التنظيمية التي حدتث منذ انضمامي إلى الفريق، وسيكون هناك المزيد، ما أن ندرك كيفية القيام بالأمور بطريقة أفضل في المستقبل، وسيكون هناك المزيد بعد ذلك”.
“آمل حقاً أن تأتي الخطوات التنظيمية التي أقوم بها حالياً بنتائج إيجابية مع الوقت”.
من ناحيتها، فيراري واقعية جداً من ناحية الوقت الذي يتطلبه قلب الأمور. وتعلم جيداً أن تركيبة وحدة الطاقة الحالية، هي إحدى أكبر نقاط ضعفها في الوقت الحالي، وهذه منطقة يمكن لمدير تقني مثل نيوي أو أليسون فقط أن يكون له تأثير محدود عليها.
لكن في حسابات أليسون، تملك فيراري القدرة لبرهنة أنه بوسعها تحقيق النجاحات في الفورمولا واحد في السنوات القليلة المقبلة، من دون الاستعانة بخدمات نيوي.
إنه سؤال كبير، وما من ضمانات لتحقيق النجاحات، لكن هناك أمل بالنسبة لمارانيلو.