تشكل بطولة سيارات تسابق المقعد الأحادي، والتي تتميز بمحركها الكهربائي، نقطة مفصلية في تطور التقنيات المستخدمة في التسابق. إلا أن إد سترو يعتقد أن نجاحها، أو فشلها، لا يُغير من حقيقة ضرورة تأقلم رياضة المحركات على ظروف العالم الجديد.
من الضروري للغاية ألا نعتبر نجاح، أو فشل، بطولة فورمولا إي على أنه مجرد اختبار لفكرة التسابق الصديق للبيئة.
هناك العديد من الأشخاص في عالم رياضة المحركات الذين يرفضون الاستماع للآراء الجديدة، إذ أن التسابق ليس معزولاً عن ضرورة تقليل اعتماد عالمنا على الوقود الذي أصبح بمثابة إدمان له تأثيرات مدمرة، وذلك رغم اختلاف الآراء حول التأثيرات طويلة المدى لهذا الموضوع.
التغييرات المناخية أمرٌ واقعي. ما يُطلق عليه مصطلح ‘مناظرة’ هو في الواقع إثبات صحة نظر التجارب العلمية أمام بعض الأقليات الخاطئة. وبكافة الأشكال، وفي حال تمكنا من التوصل لأدلة عن الأسباب، التأثيرات، والعلاجات المحتملة، لا يجب علينا تجاهل المشكلة.
هناك بعض النقاشات التي تتعلق بدرجة وكمية تأثير هذه التغيرات المناخية. هناك العديد من الأشخاص المتعصبين، الذين يملكون وجهات نظرة متطرفة، من جانبي هذه المناظرة. كما أن آراء الناس بشكلٍ عام تتخذ منحى سياسي، بدلاً من اتخاذها لمنحى علمي.
ولكن في حال لم تقم رياضة المحركات بجعل نفسها جزءً من الحل، هذا لن يعني أنها لن تكون جزء من المشكلة. هذا يعني أنه لن يكون لها علاقة بأي شيء كان.
أولئك الذين يزدادون تعنتاً يوماً بعد يوم، ويصرون بأنه لا ينبغي على رياضة المحركات أن تنصاع وأن تضحي يقومون في الواقع بزيادة قوة الأشخاص الذين يرغبون رؤية رياضة المحركات تموت شيئاً فشيئاً.
هناك أشخاص سيحاولون الترويج لبطولة فورمولا إي من أجل إثبات صحة آرائهم الشخصية.
في حال كان التسابق مثيراً ودراماتيكياً، سيسارع العديد للإشادة بروعة التسابق الصديق للبيئة وما إلى ذلك.
أما في حال كان التسابق مملاً ورديئاً، ستكون هناك العديد من التصريحات التي تشير لأن انعدام الضجيج والوقود الذي يحترق في المحركات يحرم التسابق من كل ما هو مثير وبالتالي سنستمر بالإلقاء بأنفسنا نحو التدمير الذاتي.
لا يجب اعتماد أي من الآراء السابقة. في حال كانت متابعة سلسلة فورمولا إي مثيرة هذا سيعني أمراً واحداً: هذه السلسلة تم تنظيمها وتشكيلها بشكلٍ جيد.
هناك أسئلة مطروحة حول مدى جودة سلسلة فورمولا إي بالنسبة للمتابعين. وأعتقد أننا سنتمكن من الحكم عليها بعد نهاية موسم كامل منها ولنتأقلم معها، وسيبدأ ذلك من الجولة الافتتاحية للسلسلة في بكين يوم السبت المقبل.
ضمن الإيجابيات، نرى أن البطولة تتميز بوجود تشكيلة قوية من السائقين، مع وجود العديد من سائقي الفورمولا واحد السابقين ضمن سائقين آخرين أثبتوا قدراتهم في مختلف المستويات.
فكرة إنشاء حلبات في مراكز المدن تعتبر ممتازة لضمان جلب التسابق للجماهير بدلاً من دفعهم على السفر والاعتماد عليهم للقدوم إلى الحلبات. هذا الأمر سيدفع عدد أكبر من الناس لمتابعة هذه السلسلة، ولربما تكون نسب المشاهدة هي الأعلى بالنسبة لبطولة تشهد موسمها الأول على الإطلاق.
الأمر المثير للجدل، حقيقة شبه انعدام الصوت الصادر عن هذه السيارات يعتبر أمراً جيداً. إذ أن التلوث الضجيجي يعد من أكبر المخاطر التي تواجهها رياضة المحركات، بالإضافة للقوانين الصارمة التي تتعلق بهذا الموضوع، وبالتالي إمكانية التسابق بصمت قد تُعتبر أمراً إيجابياً عند النظر من هذا المنظور.
تبدو السيارات فضائيةً نوعاً ما، يمكن معرفة أنها سيارات مقعد أحادي على الفور ولكنها مميزة بحيث تدل على أن سلسلة فورمولا إي تُعد مختلفةً عمّا سبق. كما أن ضرورة تقسيم طاقة السيارة تعني أن سرعة السيارات ستختلف على مسافة سباق كامل، الأمر الذي سيخلق فرصاً للتجاوز من دون شك.
هذا الأمر يقودنا إلى أولى الجوانب السيئة: عملية إدارة طاقة السيارة، خصوصاً في بداية الموسم، قد تكون زائدةً عن حدها ومتطرفة أكثر من اللازم.
يعود سبب ذلك، جزئياً، لأن هذه المحركات في جيلها الأول ومواصفات المحرك تمثل نقطة بداية من الممكن تحسينها فور التأقلم مع تقنية المحرك والبطارية الحاليين.
السيارات، بحد ذاتها، لن تكون سريعة بالمقارنة مع الفئات الأعلى من التسابق، إلا أن الحدود الضيقة لحلبات التسابق في شوارع المدن ستلعب دوراً في التخفيف من أثر هذا العامل.
المشكلة الأكبر تكمن بضرورة تبديل السيارات في منتصف السباق. هذه إعاقة مريعة لأي سلسلة تسابق تسعى لتحفيز تقنية التسابق الكهربائي. في نهاية المطاف، هذا يؤدي لتدعيم الآراء السائدة التي تؤكد أن السيارات الكهربائية لا تتمتع بمجال عمل كبير.
ولكن بغض النظر عما ستؤول إليه الأمور في فورمولا إي، وكما هو الحال مع أي سلسلة تسابق جديدة يجب أن يُحكم عليها بعقلية منفتحة وبما ستقدمه لنا، إلا أن حاجة التطور في عالم رياضة المحركات أصبحت ملحةً للغاية.
التقنيات المستخدمة تعتبر مذهلةً. إلا أن سباقات المحركات اكتشفت للتو جزءً بسيطاً في هذا المجال، ومن المثير للغاية رؤية تطبيق هذه التقنيات في عالم التسابق.
ولكن لا يجب النظر على سلسلة فورمولا إي على أنها ستقوم بإيجاد الحلول لكامل مشاكل العالم في وقتنا الحالي. كل شخص يفضّل اتجاهاً معيناً في التعامل مع الأمور، مثل إيجاد الحلول السريعة والمثالية، التقنيات التي بإمكانها إيجاد الحلول لكامل المشاكل التي تمثل المستقبل.
ففي نهاية المطاف، رغم عدم حرق هذه السيارات للوقود بشكلٍ مباشر، إلا أن الشحن اللازم للبطاريات سيأتي من محطات توليد طاقة تقوم بحرق الوقود. هذا الأمر يلقي بظلاله على السياسات المضطربة إزاء توليد الطاقة في بعض مناطق العالم دون التركيز على المحركات الكهربائية بحد ذاتها.
نعم، يحق لسلسلة فورمولا إي الزعم بأنها لا تُصدر أي انبعاثات للكربون. ولكن بالمقابل، الوقود المحروق الناجم عن المحطات الكهربائية يؤكد أنه لا يجب غض النظر عن بعض النقاط دون الأخرى.
هناك أسئلة جدية تُطرح حول استخدام بطاريات الليثيوم، خصوصأً ما يتعلق بعملية التخلص منها وإتلافها.
في حين بذلت سلسلة فورمولا إي كل ما بوسعها لمعالجة هذه المشاكل، إلا أن النموذج المقدم في النهاية لا يعتبر مثالياً.
ولكن هذه السلسلة لا تعلن عن أي أمور إضافية أكثر مما أعلنته حتى الآن. ما زالت فورمولا إي تمثل نقطة البداية في هذه الرحلة. لم يتم تصميم هذه السلسلة بحيث تتطور من الناحية التقنية وحسب، إلا أن هذا الأمر سينطبق على رياضة المحركات وتقنية تصنيع السيارات ككل.
نتيجةً لذلك، ما زالت فورمولا إي أشبه بحقل تجارب، وهو حقل سيقودنا لفهم وتطوير أكبر في هذا المجال. أولئك الذين يشيرون لعدم مثالية هذه السلسلة ويشككون بأهمية وجودها يغضون النظر عن حقيقة أن الإجابات السهلة، والفورية تعتبر قليلةً للغاية في عالمنا.
ستواجه السلسلة بعض الطرق المسدودة في مسيرتها، ولكن طبيعة تطوير التطبيقات التقنية تعني أنك ستدرك أنك عند حائط مسدود فقط عند وصولك لهذا الحائط.
من دون شك، ستكون هناك بعض خيبات الأمل والإحباطات. محركات الاحتراق الداخلي تحظى بأكثر من قرن كامل من التطوير عبر الزمن، وبالتالي من الغباء توقّع أن تتمكن السباقات الكهربائية من الحلول بدلاً من المحركات الاعتيادية وتقديم نفس الأداء.
ولكن، في الصميم، يبقى المحرك هو ذاته. وشريطة إيصاله لقوة إلى العجلات، وكمية كبيرة من الطاقة بشكلٍ مثالي، فإن الغاية من تصميم سيارة تسابق، بإمكانها السير بأقصى سرعة ممكنة، تكون قد تحققت.
وكما كان الحال عليه في العقود الأولى من التسابق، احتاجت المحركات وقتاً كبيراً للتطور حتى وصلنا إلى الجيل الحالي من محركات الاحتراق الداخلي. سلسلة فورمولا إي تعتبر جزءً من ذلك. يجب توجيه المديح، ولا شيء سوى المديح، لأولئك الذين قاموا بإنفاق مبالغ كبيرة من المال من أجل ضمان نجاح هذه البطولة.
عندما نجمع ما سبق مع التقنيات الهجينة في سيارات التسابق وفي بطولة العالم للفورمولا واحد، نجد أن سلسلة فورمولا إي مجرد قمّة بسيطة من هرمٍ سيكون كبيراً للغاية.
كل ذلك شريطة عدم ذوبان السيارات في حال ارتفاع درجات الحرارة، عندها أعتقد أن النظرة العامة لسلسلة فورمولا إي ستكون سلبيةً للغاية…