رغم أن ‘صحوة’ نيكو روزبرغ جاءت في وقتٍ متأخر من أجل المنافسة على لقب موسم 2015 من بطولة العالم للفورمولا واحد، إلا أن تأديته في المراحل الأخيرة من الموسم ستسبب قلقاً كبيراً لزميله في فريق مرسيدس لويس هاميلتون طوال الفترة الشتوية. يحلل بن أندرسون أفضل انتصار لنيكو روزبرغ في هذا الموسم، والذي جاء في سباق جائزة أبوظبي الكبرى.
اشتعلت المعركة بين لويس هاميلتون ونيكو روزبرغ في المراحل الأخيرة من موسم 2015 من بطولة العالم للفورمولا واحد لكنها كانت متأخرةً للغاية.
إذ تُوِّج هاميلتون بلقب بطولة العالم منذ عدة جولات، وهذا أمرٌ لن يخسره، ولكن في حال كانت تأدية روزبرغ في منتصف الموسم الحالي مشابهة لما كان الحال عليه في السباقات الأخيرة من الموسم كان هاميلتون ليجد نفسه في مأزقٍ كبير.
ولثلاثة سباقاتٍ على التوالي فشل هاميلتون في التغلب على زميله في مرسيدس، ولكن لولا مشكلة دواسة الوقود في روسيا و‘نسمات الرياح’ (وضغط الزائد على حلبة رطبة) في الولايات المتحدة، لكان بإمكان روزبرغ الفوز بسهولة في السباقات الخمسة الأخيرة من الموسم.
هذا الأمر أكثر من مجرد صدفة. إنه نقلة نوعية في الأداء. إذ أن التوازن في التأدية بين الثنائي ابتعد عن هاميلتون، وعليه اكتشاف أسباب ذلك، وكيف يمكنه استعادة أفضليته في حال كان يريد الحصول على لقبه الثالث على التوالي (والرابع في مسيرته الاحترافية) السنة المقبلة.
تأدية روزبرغ في طريقه للفوز في أبوظبي، ولينتقم من الهزيمة الموجعة التي تعرض لها العام الماضي مع خسارته للقب، كانت أفضل مثال على تحسن تأديته بشكلٍ ممتاز في الربع الأخير من موسم 2015.
إذ أن أفضليته في الحصة التأهيلية أمام هاميلتون، كنسبةٍ مئوية، كانت هي الأكبر طوال الموسم، كما أن عبوره لخط النهاية متقدماً على هاميلتون بفارق 8.271 ثانية كان مشابهاً لتأديته في النمسا عندما تغلب على هاميلتون بعد تقدمه على زميله في الانطلاقة.
وللسباق الثالث على التوالي تمكن روزبرغ من إحباط آمال هاميلتون للفوز بعد انطلاقته القوية من المركز الأول ومن ثم ليتحكم بمجريات السباق بأكمله.
كان روزبرغ أسرع بمعدل 0.515 ثانية في كل لفة قبل إجراء توقفات الصيانة الأولى وذلك باستخدام الإطارات فائقة الليونة ‘سوبر سوفت’ لفترةٍ وجيزة، إذ وصلت أفضليته إلى 4.5 ثانية قبل إجراء توقف الصيانة الأول في نهاية اللفة العاشرة.
وبعد ذلك كان هاميلتون أسرع بـ0.276 ثانية في كل لفة من روبزرغ في اللفات الـ19 التالية قبل إجراء توقفات الصيانة الثانية وذلك باستخدام الإطارات اللينة ‘سوفت’، وليتقلص الفارق إلى 1.5 ثانية قبل إجراء روزبرغ لتوقف الصيانة الثاني في اللفة 31 من أصل 55.
هذا الأمر حرمنا من معركةٍ شرسة بين ثنائي مرسيدس، إذ تخلص روزبرغ من ضغط هاميلتون وأجرى توقف صيانة فوري ما أجبر زميله على الرد بسرعة أو تجربة أمر مختلف…
وبعد تذمره في سباق البرازيل الأخير من انعدام الخيارات الاستراتيجية البديلة من أجل تحدي زميله في الفريق، حصل هاميلتون على فرصة تجربة استراتيجية مختلفة هذه المرة، وقرر بطل العالم تأخير موعد إجراء توقف الصيانة الأخير من أجل التمتع بإطارات أفضل في اللفات الأخيرة من السباق وليشن هجوماً عنيفاً.
وقال المدير الرياضي لفريق مرسيدس توتو وولف: ‘‘انتقدتونا جميعاً السباق الماضي عندما كنا نتحكم بتأدية السيارات بشكلٍ كبير’’.
‘‘هذه المرة اتبعنا استراتيجيتين مختلفتين مع السائقين، وتركنا الخيار بيد هاميلتون ومهندس السباق الخاص به’’.
‘‘كانت استراتيجية مغايرة. وكان يمكن أن نأخذ بالحسبان تأخير التوقف الأخير ومعرفة ما سيحصل نتيجةً لذلك، إن كان بإمكانه تأخير توقفه لبضعة لفات إضافية لكان بإمكانه الانتقال إلى الإطارات فائقة الليونة وكان سينجم عن ذلك معركة حقيقية من أجل الفوز’’.
‘‘إلا أنه لم يتمكن من المحافظة على إطاراته، وبالتالي انتقل إلى ثالث خيار وهو لم يكن خياراً مثالياً’’.
في اللفات التسع التالية كان معدل تواقيت هاميلتون أبطأ بـ1.209 ثانية من زميله في الفريق، وذلك مع ضغط روزبرغ العنيف مع الإطارات اللينة الجديدة (وكان معدل تواقيته 1:45.671 د) فيما حاول هاميلتون إبقاء إطاراته على قيد الحياة.
وفي إحدى المراحل، تساءل هاميلتون عن إمكانية إكمال السباق دون إجراء التوقف الأخير إلا أن فريق مرسيدس اخبر هاميلتون أن ذلك سيكون ‘‘مستحيلاً’’.
انصاع هاميلتون لأوامر فريقه، وبعد ذلك توجه إلى منطقة الصيانة مع تبقي 15 لفة على نهاية السباق.
وقال هاميلتون: ‘‘اتبعت تعليمات الفريق. بذلت مجهوداً كبيراً في المرحلة الأولى من السباق وأبقيت على فارقٍ معقول خلف نيكو روزبرغ وحافظت على إطاراتي’’.
‘‘بعد إجراء توقف الصيانة الأول كنت أسرع واقتربت من نيكو بشكلٍ كبير وكان بإمكاني المحافظة على إطارات للفاتٍ أكثر’’.
‘‘لا أعلم إن كان بإمكاني إنهاء السباق دون إجراء توقف إضافي. هناك جزءٌ داخلي يتمنى لو أنني حاولت القيام بذلك’’.
وقال هاميلتون أن فريقه اتخذ قراراً بإجراء التوقف الأخير للتزود بالإطارات اللينة من أجل محاولة خطف المركز الأول في اللفات الأخيرة.
وكان أسرع من روزبرغ في المراحل الأخيرة من السباق، وبمعدل 0.329 ثانية، ولكن ذلك لم يكن كافياً لتعويض الوقت الذي خسره قبل إجراء توقف الصيانة الأخير.
هذا الأمر يدفعنا للتساؤل: هل أخطأ فريق مرسيدس في عدم تزويده لهاميلتون بالإطارات فائقة الليونة السريعة للغاية في تلك اللفات الأخيرة؟
وكان سائق فيراري سيباستيان فيتيل أبطأ من هاميلتون بفارقٍ طفيف مع استخدامه للإطارات فائقة الليونة في اللفات الأخيرة من السباق، رغم إجرائه توقف الصيانة قبل لفتين من هاميلتون، كما أن فيتيل واجه ازدحاماً كبيراً في طريقه إلى إنهاء السباق بالمركز الرابع في سيارةٍ أبطأ من سيارة هاميلتون – ولكن تجدر الإشارة في الوقت ذاته إلى أن سيارة فيراري تتعامل مع تلك النوعية من الإطارات بشكلٍ أفضل من سيارة مرسيدس.
واعتقد وولف أن ذلك الخيار كان فيه مخاطرة كبيرة، رغم تأكيده أن الخيار كان متاحاً أمام مهندسي هاميلتون إن كانوا يريدون تجربته.
وقال وولف: ‘‘أعتقد أنهم كانوا قلقين من عدم إكمال الإطارات فائقة الليونة لمسافة السباق’’.
‘‘في المرحلة الأولى من السباق، حافظنا على هذه الإطارات لمدة حوالي 10 لفات مع كمية كبيرة من الوقود، وفي التوقف الأخير كان على هاميلتون إكمال 15 لفة وبالتالي كان ليحصل انهيار دراماتيكي في تأدية الإطارات لينجم عنه إنهاء هاميلتون للسباق في مركزٍ أسوأ’’.
وقلص هاميلتون أفضلية روزبرغ من 12.573 ثانية إلى 8.584 ثانية في أربع لفاتٍ فقط بعد إجراء توقف الصيانة الأخير، ولكن بعد ذلك تمكن روزبرغ من رفع تأديته وتحكم بهذا الفارق. اقترب هاميلتون ليصل الفارق إلى 6.829 ثانية مع تبقي ست لفات على نهاية السباق، ولكن هذا أفضل ما تمكن من تحقيقه.
وكانت هناك تلميحات من هاميلتون بعد نهاية السباق أنه لم يُسمح له استخلاص أقصى قوة من محرك مرسيدس الخاص به في محاولة اللحاق بروزبرغ. ولكن لطالما شدد فريق مرسيدس على اتباع معايير ضبط متماثلة بين ثنائي الأسهم الفضية (خصوصاً بعد المشاكل المثيرة للجدل في القسم الأول من عام 2014)، وبالتالي فإن أية محاولات من أجل اتباع معايير ضبط أقوى للمحرك كان لينجم عنها حركة مماثلة من نظيره – وذلك رغم أن محرك روزبرغ كان أقدم بشكلٍ ملحوظ من محرك هاميلتون.
وقال هاميلتون: ‘‘كانت معايير ضبط المحرك تتغير باستمرار ولا أعلم لماذا كان يحصل ذلك، إذ أن محرك سيارتي كان جيداً وكان بإمكانه تحمّل الضغط’’. فيما اعتقد صرح وولف بأن التحكم بمعايير الضبط لضمان عدم تعطل المحركات كان كالمعتاد.
بغض النظر عن كل تلك العوامل، يبقى على هاميلتون أن يفكر بتلك الهزيمة الإضافية التي تعرض لها من قِبل زميله في الفريق.
وكان هاميلتون أشار قبل بداية السباق إلى أنه لم يكن مرتاحاً نتيجة تغير المسار التطويري الذي اتبعه فريق مرسيدس بعد جائزة سنغافورة الكبرى الكارثية للفريق، عندما لم يتمكن فريق مرسيدس من التأقلم مع الإطارات اللينة وفائقة الليونة. وحصلت بعض التغييرات كردٍّ فوري على ما حصل، إلى جانب التطوير المعتاد لهيكل السيارة، ونتيجةً لذلك أصبحت التأدية التنافسية لهاميلتون أسوأ.
وقال هاميلتون قبل بداية السباق: ‘‘كنت أعلم أننا أجرينا تغييرات لكنني لم أعتقد أنها ستؤثر بهذا الفارق الكبير’’.
‘‘ولكن منذ سباق سوزوكا أصبحت أقود السيارة بحذرٍ أكبر. كنت أضغط بشكلٍ متواصل على أمل تحقيق أفضل نتيجة ممكنة، ولكنني خسرت الأفضلية في سوزوكا’’.
‘‘هذا أمرٌ أدركه تماماً’’.
من الممكن أن توازن السيارة لم يرق لهاميلتون منذ سنغافورة، ومن دون شك على فريق مرسيدس الاستجابة فورياً من أجل تفادي تلك الكارثة التقنية.
ولربّما استغل روزبرغ الأدوات المتاحة له بشكلٍ أفضل منذ ذلك الحين، إذ عانى هاميلتون من عدم شعوره بارتياحٍ مع السيارة كما كان الحال عليه في السابق.
علينا ألا ننسى أن هاميلتون تمكن من الفوز في اليابان، وكان واثقاً من إمكانية تحقيق مركز الانطلاق في ذلك السباق لولا تعرض سائق ريد بُل دانيل كفيات لحادث في القسم الثالث من الحصة التأهيلية.
وفي حال نظرنا إلى تأدية هاميلتون في الحصص التأهيلية منذ ذلك الحين، تمكن روزبرغ من الانطلاق من المركز الأول في كل جولة، إلا أن الفارق بين الثنائي كان متغيراً. ففي الولايات المتحدة والبرازيل كان الفارق ضئيلاً (تقريباً أقل من 1%)، ولكن في روسيا، المكسيك، وأبوظبي كان الفارق أكبر من المعتاد (2% إلى 4%).
كان هاميلتون على بعد 0.1 ثانية من خطف مركز الانطلاق الأول في البرازيل، كما أنه كان الأسرع في المراحل الأولى من الحصة التأهيلية في أبوظبي قبل تراجع تأديته على نحوٍ مفاجئ في القسم الثالث من الحصة التأهيلية.
وبشكلٍ عام يبدو أن ثنائي مرسيدس تبادل الأدوار – حيث أصبح روزبرغ الأسرع في الحصص التأهيلية فيما كان هاميلتون هو الأسرع في السباقات لكنه لم يتمكن من إظهار أفضليته إلا عن طريق ضغطه عند المنعطف الأول بعد الانطلاق (كما حصل في الولايات المتحدة) أو في حال مواجهة روزبرغ لمشكلة كما حصل في روسيا.
وبغض النظر عن العوامل التقنية التي لعبت دوراً في هذا التغيير، ولكن من المرجح أيضاً أن هاميلتون خسر بعض الحوافز التي ساهمت في نيله للقبه الثالث في وقتٍ مبكر من الموسم.
إذ أن المحافظة على طاقة هائلة من أجل الإبقاء على الأفضلية طوال الوقت يعتبر صعباً للغاية، وبالتالي عندما لا يكون ضرورياً للغاية تمكن روزبرغ من الانقضاض بسهولة والتمتع بالأفضلية أمام هاميلتون.
وأضاف وولف: ‘‘كانت هناك عدد نقاشات حول إذا كان روزبرغ حسن تأديته، أو في حال فضّل المسار التطويري الجديد للسيارة، أو في حال خفف هاميلتون من ضغطه مقارنةً مع ما كان الحال عليه في السابق، لا أعلم’’.
‘‘لا أعتقد أنه أمرٌ قد يقوم به السائق عن إدراك ووعي، إذ أن هاميلتون استمر بالضغط بقوة كبيرة طوال الموسم، وما زال هو السائق ذاته وبنفس الموهبة ويبذل المجهود ذاته. علينا أن نسأله إن كان لهذا الأمر دورٌ في تراجع تأديته أم لا’’.
‘‘وبعد جائزة سنغافورة الكبرى اتبعنا مساراً تطويرياً مختلفاً – اكتسبنا العديد من المعلومات بعد تلك الجولة. ولا أعلم إن كانت السيارة تلائم روزبرغ بشكلٍ أفضل من هاميلتون بعد ذلك. قد يكون ذلك لعب دوراً’’.
‘‘لا أريد حصر ما حصل بعامل وحيد. من المرجح وجود عدة عوامل ساهمت في ما حصل’’.
‘‘علينا التوصل إلى قائمة من أجل اكتشاف ما حصل وتحليل كافة المعطيات. أعتقد أن الفوز باللقب يهم أكثر بالنسبة للويس هاميلتون ولكننا شهدنا قيادةً رائعةً من نيكو روزبرغ في السباقات الأخيرة…’’
من الضروري عدم التقليل من أهمية الجهد الذي بذله روزبرغ في السباقات الأخيرة من الموسم. إذ أنه واجه سيطرة هاميلتون المطلقة في القسم الأول من الموسم، وخسر العديد من النقاط الثمينة نتيجة المشاكل التقنية في إيطاليا وروسيا، كما أنه خسر البطولة مع تبقي ثلاثة سباقات على نهاية الموسم، ولكنه لم يستسلم إطلاقاً. بل تمكن من العودة أقوى من السابق’’.
وقال روزبرغ: ‘‘أنا سعيدٌ بما حصل. تحكمت بمجريات السباق بأكمله، وحافظت على إطاراتي وقمت باستخدامهم بشكلٍ مثالي، كما أنني اجتزت لفاتٍ أكثر من هاميلتون في المراحل الأخيرة من السباق وبسرعةٍ جيدة’’.
عند انطلاق سائق من المركز الأول ومحافظته على صدارته، بإمكان هذا السائق التحكم بسرعة السباق. ويبدو أن تأدية روزبرغ المتحسنة بشكلٍ متواصل وبذله لمجهود كبير بدأ يثمر. المشكلة هي أنه لم يكن ينافس من أجل أية ألقاب، وإنما من أجل الكبرياء، وعليه الاستمرار بتقديم هذه النتائج القوية عندما يُعاد فتح باب المنافسة على اللقب.
وتابع روزبرغ: ‘‘أنا أستمتع بالتقدم الذي حققته على مدار الموسم. تأخرت من أجل المنافسة على اللقب، ولكن من الرائع التمتع بهذه التأدية’’.
هناك إمكانية كبيرة بأن هاميلتون لم يضغط على زميله بشكلٍ كبير في تلك السباقات الأخيرة، ولكن عليه من دون شك العودة إلى تأديته المعهودة واستغلال الفترة الشتوية من أجل شحن طاقاته والمنافسة من جديد.
وتبقى مهمة روزبرغ التمتع باليد العليا. لم يعد هاميلتون يتمتع بأفضليته السابقة، إلا أن روزبرغ تمكن من خطف هذه الأفضلية في وقتٍ متأخر من أجل المنافسة على اللقب.