بعد تعرضه للهزيمة الثانية على التوالي وعلى حلبةٍ كان يريد الفوز عليها، تذمر لويس هاميلتون من قوانين بطولة العالم للفورمولا واحد وسياسات فريق مرسيدس. ولكن في الواقع، وكما يقول بن أندرسون، فإن نيكو روزبرغ كان أسرع بكل بساطة.
مهما حاول، يبدو أن لويس هاميلتون لا يمكنه الفوز بسباق جائزة البرازيل الكبرى.
هذا السباق يعني الكثير بالنسبة لهاميلتون، نظراً لأنه كان السباق المحلي لبطله أيرتون سينا، إلا أن الهزيمة الثانية على التوالي التي تعرض لها هاميلتون ضد زميله في فريق مرسيدس نيكو روزبرغ مع اقتراب نهاية الموسم الحالي من بطولة الفورمولا 1 تعني أن هاميلتون فشل في الفوز بسباق جائزة البرازيل الكبرى بعد تسعة أعوامٍ من المحاولات.
لويس هاميلتون بطل عالم ثلاثي، وفاز بـ43 سباقاً في مسيرته الاحترافية، إلا أنه لم يتمكن من الفوز على حلبة إنترلاغوس. هذا الأمر دفع العديد للاعتقاد بأن علاقة هاميلتون مع هذه الحلبة منحوسة…
وكان هاميلتون قريباً في السابق من الفوز، خصوصاً عام 2012 عندما انطلق من المركز الأول وتصدر السباق قبل حادثٍ بينه – عندما كان ضمن صفوف ماكلارين – وبين سائق فورس إنديا نيكو هولكنبرغ. كما حاول الفوز العام الماضي أيضاً، إذ ضغط على روزبرغ لحين انزلاق سيارته قبل الدخول إلى منعطف ‘كورفا دو لاغو’ وقبل إجراء توقف الصيانة الأخير.
ما زال المركز الثاني هو أفضل نتيجة لهاميلتون في سباقٍ يرغب الفوز به. وكان سينا انتظر ثمانية أعوام قبل الفوز بهذا السباق، في حين يشارك هاميلتون بسباقه العاشر السنة المقبلة، كما تطارد هاميلتون حقيقة أن زميله في فريق مرسيدس يقدم تأدية مذهلة منذ حسم لقب بطولة العالم لمصلحة هاميلتون في جائزة الولايات المتحدة الكبرى.
قد يقول البعض بأن هاميلتون استرخى بعد فوزه بلقبه الثالث، إلا أن الفروقات الضئيلة بين ثنائي مرسيدس على حلبة إنترلاغوس تشير إلى أن هاميلتون – وبغض النظر عن إنهاكه من الحمى والاحتفالات الصاخبة منذ حسم اللقب على حلبة أوستن – كان يضغط ويسعى جاهداً للتغلب على حظوظه السيئة في البرازيل.
وكان سباق البرازيل عبارة عن نسخة مكررة مما حصل في المكسيك منذ أسبوعين. تمتع فريق مرسيدس بأفضلية واضحة مقارنةً مع بقية الفرق، في حين تمتع روزبرغ بأفضلية طفيفة، ولكن ضرورية، أمام زميله في الفريق.
في نهاية المطاف، قد يشعر هاميلتون بأن فارق الـ0.078 ثانية (وهو الفارق بينه وبين روزبرغ بعد نهاية الحصة التأهيلية) هو الذي حسم نتيجة السباق. نعم، كان عبر خط النهاية متأخراً بـ7 ثواني خلف روزبرغ، إلا أن هذا الفارق هو الذي حسم معركة الانطلاق من المركز الأول.
كان روزبرغ أسرع بعض الشيء عبر منعطف ‘سينا’ الأول من الحلبة، كما أن قيادته كانت أفضل في المقطع الثاني من الحلبة أثناء لفته التي ضمنت انطلاقه من المركز الأول، وبعد انطلاقته الممتازة ودفاعه عن مركزه في ظل محاولات هاميلتون الهجوم عبر المسار الخارجي للمنعطف الأول، كان السباق محسوماً لمصلحته.
شعر هاميلتون أن سرعته كانت تسمح له بالفوز، كما صرح ذلك بشكلٍ علني بعد نهاية السباق. في الواقع، فإن روزبرغ كان يتحكم بالسباق من الصدارة، وهي الأفضلية الطبيعية التي تمتع بها بعد انطلاقه أمام زميله ومحافظته على المركز الأول.
في ما يتعلق بمعدل السرعة، كان هاميلتون أسرع من روزبرغ بين إجراء التوقفين الثاني والثالث، كما أنه كان أسرع في المراحل المبكرة بعد إجراء التوقف الأول عندما بذل مجهوداً كبيراً من أجل خطف الصدارة.
واستخدم هاميلتون نظام التقليل من قوة السحب ‘دي أر أس’ على الخط المستقيم الرئيسي من أجل البقاء قريباً من روزبرغ، كما أنه حاول اتباع مسار مختلف في بعض المناسبات (لعل أبرزها محاولة التجاوز عند المنعطف الأول عندما اتبع روزبرغ مساراً مغايراً في إحدى المرات)، ولكن إحباطه كان يزداد بشكلٍ متواصل – إذ أنه لم يتمكن من تجاوز روزبرغ، ونظراً لأنه لم يكن قريباً بما فيه الكفاية من أجل شن هجوم حقيقي، ونظراً لأن الاقتراب من روزبرغ كان يؤدي إلى تآكل إطاراته بسرعة، فضلاً عن انعدام البدائل الاستراتيجية التي كانت تُعتبر فرصته الوحيدة للفوز.
وبعد نهاية السباق، صرح هاميلتون أن الفورمولا واحد بحاجةٍ إلى التشجيع على مزيدٍ من التجاوزات وضمان وجود سباقات أفضل.
إذ قال: ‘‘يجب أن يتغير أمرٌ ما. هناك حلبات يمكن المطاردة عليها، مثل أوستن، وهذا يجعل السباقات حماسية. في ما عدا ذلك تكون السباق غير حماسية بالنسبة للمشجعين’’.
‘‘في نهاية المطاف، لا يهم ما نقول إذ أن ذلك لن يحصل. الشخصيات الكبيرة هي التي تتخذ القرارات، وعلينا تنفيذها بغض النظر إن كانت صحيحةً أم لا…’’
وكان من غير المفاجئ حرص روزبرغ على التأكيد بأن لم يكن بإمكان هاميلتون تجاوزه، لأن سرعة الألماني كانت أفضل.
وقال روزبرغ: ‘‘كنت أسرع من لويس هاميلتون وبالتالي لم يكن بإمكانه تجاوزي. عبرت خط النهاية متقدماً بـ6 ثواني، لن يتمكن من تجاوزي بمثل هذه السرعة’’.
وكان هاميلتون خفف سرعته بعض الشيء قبل إجراء توقفه الثاني، إذ حاول في تلك المرحلة المحافظة على إطاراته لحوالي 28 لفة في حال كان يريد فريق مرسيدس عبور خط النهاية مع إجراء توقفي صيانة، كما كان من الواضح أنه لم يضغط في اللفات الـ7 الأخيرة من السباق، وتذمر بأن إطاراته انتهت.
حصل ذلك رغم انتقال فريق مرسيدس إلى استراتيجية التوقف 3 مرات خلال السباق، وذلك من أجل حماية مراكزه من تهديد فريق فيراري الذي كان سريعاً للغاية خلال السباق. إذ حافظ فيتيل على فارق حوالي 10 ثواني خلف ثنائي مرسيدس في اللفات الـ30 الأولى من السباق.
وقال المدير التقني لفريق مرسيدس بادي لو: ‘‘كنا نريد إجراء توقفي صيانة، ولكن عندما قرر سيباستيان فيتيل الانتقال إلى ثلاثة توقفات كان من البديهي اتباع ما قام به، خصوصاً وأنه كان لدينا فارق يسمح لنا بالانتقال هذه الاستراتيجية مع ضمان المحافظة على مراكزنا. كان هناك قلق بعض الشيء من كيمي رايكونن، ولكنه كان بعيداً’’.
وقبل بضعة لفات كان هاميلتون يسأل عن إمكانية الانتقال إلى الخطة الثانية من أجل محاولة منافسة روزبرغ. ولكن في تلك المرحلة أخبره الفريق أن كل ما بإمكانه القيام به هو إطالة عمر إطاراته في محاولةٍ للهجوم على زميله في الفريق مع إطارات أفضل مع قرب نهاية السباق.
لربما كان بإمكان هاميلتون وضع فريقه تحت الأمر الواقع والدخول إلى منطقة الصيانة من أجل اعتماد استراتيجية التوقف ثلاث مراتٍ لوحده. في حال كانت المعركة على اللقب لا تزال مفتوحةً أعتقد أنه كان خرق هذا البروتوكول الذي يقضي بدخول السيارة في المقدمة إلى منطقة الصيانة أولاً.
كان من الممكن أن تنعكس مثل هذه الحركة سلباً خصوصاً مع اقتراب فريق فيراري، إلا أن تجاوز هاميلتون السهل على رايكونن عندما قرر البريطاني الانتقال إلى الاستراتيجية الثانوية يستبعد مثل هذا الاحتمال.
وتابع لو: ‘‘أعلم أن لويس هاميلتون كان يطلب اتباع استراتيجية أخرى في السباق، ولكن في الواقع سياسة الفريق لا تسمح بذلك’’.
‘‘كان هاميلتون محبطاً لأنه لم يتمكن من التجاوز. أعتقد أن التجاوز على هذه الحلبة ممكنة، ولكن على السائق أن يتمتع بأفضلية 0.5 ثانية على الأقل، وبالتالي أفضلية 0.2 ثانية لن تؤدي إلى تغيير النتيجة’’.
وبالتالي كانت فرصة هاميلتون الوحيدة للفوز بالسباق هي خطف الصدارة على الحلبة. وبذل مجهوداً كبيراً مع مجموعة الإطارات الأخيرة، ولكنه واجه ازحاماً كبيراً مع تجاوزه لسيارات متأخرة بلفة كاملة، وبالتالي استهلك إطاراته بشكلٍ كبير وهو يحاول اللحاق بروزبرغ.
وقال هاميلتون: ‘‘أحب هذه الحلبة. إنها حلبة رائعة ولكن لسوء الحظ التجاوز هنا صعب للغاية. مع تقليص الفارق ليصبح أقل من ثانية نخسر قوة الارتكازية، وبالتالي لم يكن بإمكاني الاقتراب أكثر من ذلك’’.
‘‘وعلى خلاف ما قاله نيكو روزبرغ، في إحدى مراحل السباق كنت ملتصقاً به ولم أتمكن من تجاوزه. كنت أمتلك السرعة اللازمة للفوز اليوم’’.
وكانت الجهود الجريئة لسائق تورو روسو ماكس فيرشتابن أكبر مثال على إمكانية التجاوز على حلبة إنترلاغوس. إلا أن الهولندي (والذي تجاوز منافسيه مرتين عند المنعطف الأول مع سيارة تفتقر لسرعة قصوى في الخطوط المستقيمة) أشار أن التجاوز أسهل عندما لا تكون السيارتين لفريقٍ واحد.
وقال فيرشتابن: ‘‘بالنسبة لفريق مرسيدس، أعتقد أن لديهم مشاكل أكبر عندما تقترب سياراتهم من بعضها. كما أن سرعتهم أفضل، وبالتالي الأمور أصعب بالنسبة لهم’’.
‘‘بالنسبة لنا، فإن سرعة اجتيازنا للمنعطفات جيدة للغاية. وبالتالي خلف سيارات فورس إنديا أو لوتس أو ساوبر، يمكننا تعويض فارق كبير خلال المنعطفات حتى عندما يكون الفارق كبيراً. وهذا أمرٌ مختلف من دون شك’’.
‘‘ولكن بالنسبة لفريق مرسيدس، إنهم أقوياء في مختلف مناطق الحلبة: في المنعطفات والخطوط المستقيمة. وبالنسبة لهاميلتون، كان يخسر الكثير في المنعطفات السريعة نتيجة لحاقه بروزبرغ، وبالتالي أستوعب وجهة نظره’’.
ولعل رفض فريق مرسيدس اتباع استراتيجيات مختلفة والاستجابة لمطالب هاميلتون كان نتيجة اقتراب فيراري غير المريح خلال السباق.
إذ أن تأدية فيراري في تجارب الجمعة أشارت إلى أن الفريق الإيطالي كان أبعد من العادة، إلا أن الفريق شعر بأن سرعته لم تظهر بسبب وجود ازدحام على الحلبة القصيرة (مع إكمال ثنائي فيراري لتجارب محاكاة سباقات على مدار سلسلة طويلة من اللفات دون انقطاع)، وبالتالي فإن تأدية سيباستيان فيتيل القوية في طريقه لإنهاء السباق بالمركز الثالث (وخلف هاميلتون بأقل من 7 ثواني) تشير إلى أن مهندسي الفريق الإيطالي كانوا محقين.
وأكد فيتيل ذلك قائلاً: ‘‘بشكلٍ عام أعتقد أننا أقرب مقارنةً مع ما كان الحال عليه في أستراليا [الجولة الافتتاحية]. جولة ماليزيا كانت مختلفة بالنسبة لنا، ولكن بشكلٍ عام أعتقد أننا تمكنا من تقليص الفارق على مدار الموسم’’.
‘‘لا أعلم ما الذي حصل مع هاميلتون في نهاية السباق، وبالتالي أعتقد أن الفارق الحقيقي هو ذلك الذي يفصلنا عن نيكو روزبرغ. أعتقد أن سرعتهم تراجعت بعض الشيء في اللفات الأخيرة وتمكنت من تقليص الفارق’’.
‘‘لم يكن سباقي جيداً في المكسيك، لكنني أعتقد أن سرعتنا هناك كانت قوية أيضاً. جاء ذلك نتيجة بذل مجهود كبير. تمكنا من إجراء تحسينات من ناحية المحرك، قسم المحركات في مارانيللو [حيث تتواجد مقرات فيراري] قام بمعجزاتٍ في الموسم الحالي’’.
في نهاية المطاف لم يكن فريق فيراري قريباً من أجل منافسة مرسيدس بشكلٍ مباشر في البرازيل، رغم أنه كان قريباً بما فيه الكفاية من أجل حرمان هاميلتون من فرصة اتباع استراتيجية مغايرة في معركته الشخصية ضد روزبرغ. العام الماضي، لم يكن فريق مرسيدس مضطراً للانتباه لما يحصل خلفه في البرازيل، إلا أن الحكاية اختلفت في الموسم الحالي’’.
ولكن بغض النظر عما إذا كان هاميلتون حُرم فرصة تجاوز روزبرغ عن طريق اتباع استراتيجية مختلفة، وبغض النظر عن مدى صعوبة التجاوز على هذه الحلبة، لا يجب أن يقلل ذلك من أهمية ما قام به روزبرغ. والذي كان، ببساطة، سائق مرسيدس الأفضل في السباقين الماضيين.
لا يوجد سبب واضح لهذه التأدية القوية، وإما يكون روزبرغ غير قادر، أو غير راغب (أو كلاهما!) على شرح سبب امتلاكه لليد العليا بهذا الشكل المفاجئ. حيث قال روزبرغ: ‘‘تسير الأمور بشكلٍ أفضل في الوقت الحالي. لا يوجد تفسير واضح لسوء الحظ، وهذا الأمر من شأنه جعل الأمور أكثر بساطة’’.
هناك نظرية بأن فرض بيريللي لحدود على ضغط الإطارات، ابتداءً من جائزة إيطاليا الكبرى شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أثرت على هاميلتون أكثر من روزبرغ.
فمنذ فوز هاميلتون في ذلك السباق بعد انطلاقه من المركز الأول، فشل البريطاني في الحصول على مركز الانطلاق الأول. إذ واجه فريق مرسيدس كارثةً غامضةً في سباق سنغافورة التالي، عندما لم يتمكن من ضمان عمل الإطارات اللينة ‘سوفت’ وفائقة الليونة ‘سوبر سوفت’ بشكلٍ صحيح.
لم تتكرر كوارث سنغافورة منذ ذلك الحين، إلا أن ذلك التعديل في معايير ضبط الإطارات ترافق مع تألق روزبرغ الحالي في الحصص التأهيلية. لربما هناك جوانب تقنية في سيارة ‘دبليو 06’ تصب لمصلحة روزبرغ بدلاً عن هاميلتون؟
وقال هاميلتون: ‘‘منذ جولة سنغافورة وحتى الآن كان هناك تغيير في السيارة، لا أعلم إن خلق ذلك فارقاً أم لا. علينا الانتظار، ولكن تغيرت عدة أمور منذ سنغافورة’’.
الأمر الذي لم يتغير هو إخفاقات هاميلتون المتكررة ، والمثيرة للدهشة، في جائزة البرازيل الكبرى. تسع محاولات، انطلق فيها من المركز الأول مرةً واحدة، لم يتمكن من الفوز، وصعد على منصة التتويج مرتين فقط.
من الواضح أن هاميلتون يريد الفوز بهذا السباق، ليشعر باقترابٍ أكبر من بطله البرازيلي. قد يحصل ذلك في يومٍ من الأيام، ولكن على هاميلتون الانتظار لسنةٍ كاملة على الأقل قبل تحقيق ذلك. كان روزبرغ أفضل بكل بساطة هذه المرة.