لننسى كل الحوادث، لقد برهن روبرت كوبيتسا في عالم الراليات لماذا كان الكل يعتبره سائق من العيار الثقيل في الفورمولا واحد. يستعرض دايفيد ايفانز ما حققه السائق البولندي خلال هذا الموسم وما يمكن أن يحقق في المستقبل في عالم الراليات.
روبرت كوبيتسا ليس قادماً. لكن لا أعرف كيف أقولها باللغة البولندية لصف الجمهور البولندي الغفير الذي ينتظر كوبيتسا على منعطف سويت لامب في رالي ويلز البريطاني.
بطلهم كان بين الأشجار، سيارته على سقفها، وللمرة الثانية خلال أيام قليلة. طرقات رالي ويلز كانت مهمة صعبة على السائق الذي سيطر على جائزة كندا الكبرى عام 2008 عندما فاز بأول سباق له في الفورمولا واحد. هذا السائق الذي نجا من كل صعوبات حائط الأبطال على حلبة جيل فيلنوف الكندية إستسلم للوحل على منعطف هافرين ولسوء التفاهم مع ملاحه على منعطف دايفري.
لم يكن كل هذا على بال روبرت كوبيتسا في أول رالي له مع فريق سيتروان.
لكن أيضاً التسابق في رالي بريطانيا في شهر نوفمبر لم يكن أبداً على بال السائق البولندي، بل وجوده في جائزتي أميركا والبرازيل كان المشروع الأساسي في مسيرته في عالم السيارات. لكن كلنا نعلم قصته والعائق الذي يقف بينه و بين عودته لعالم الفورمولا واحد.
يقول كوبيتسا ” على الأرجح العودة لبطولة على الحلبات أسهل بكثير من خوض الراليات، لكن هذه ليست شخصيتي. وضعت لنفسي هذا التحدي وأحب التحديات الصعبة.”
وبالفعل عالم الراليات كان تحدٍ صعب لكوبيتسا هذا الموسم. لطالما أحب روبرت عالم الراليات، لكن قبل تعرضه لذلك الحادث الكبير في إيطاليا عام 2011 والذي قضى على مسيرته في الفورمولا واحد، لم تكن بطولة العالم للراليات من أولويات كوبيتسا في مسيرته الرياضية. لكن الإنجاز بحد نفسه هنا؛ كان كالمدمن الذي إختار أن يشرب ويشرب للعودة إلى الحياة.
والحياة التي أتكلم عنها هي: المكان الموجود فيه كوبيتسا الآن.
لم أعرف كوبيتسا قبل هذه السنة، ولكن عندما أتكلم مع الأشخاص الذين يعرفوه من فترة أطول، من الواضح أن البولندي عاد كما كان في الفورمولا واحد, فضولي..
روبرت رجل يحب التفاصيل. طريقة دخوله عالم الراليات والتدقيق بكل التفاصيل وتقسيم عمله بطريقة دقيقة جداً كان مذهلاً. من دون أدنى شك لم يقم أي سائق بالجهد الذي قام به روبرت هذا العام ولا أحد يستحق النجاح أكثر من منه.
الرجل بنفسه يقول بأنه يحتاج لسنوات عديدة للوصول إلى قِمة عالم الراليات، لكنك تشعر دائماً بأن عناده وعمله الشيق سيسرّعان هذا الطريق وسيصل بوقت أقرب إلى ما يسمى القِمة. لكن ما لا يمكن تسريعه هو طبعاً مستوى الخبرة الذي يحتاج إليه، وهذا ما برهن عنه رالي بريطانيا في الأسابيع الماضية.
منعطفي هافرين ودايفي اللذان اعاقا كوبيتسا ليسا أبداً من المنعطفات الصعبة في عالم الراليات، كان ليجتاز مئات المنعطفات الشبيهة لو أكمل الرالي لكنه لن يتمكن من فعل ذلك إلا بعد 11 شهراً من الآن. من المؤكد بأنه سيجتاز هذه المنعطفات مرات عديدة على متن سيارة عادية خلال التمارين التي تسبق الرالي في المرة القادمة.
بإختصار، هذا جزء من خيبة أمل كوبيتسا. لو تمكن من إجتياز هذان المنعطفان لكانت له الفرصة بإعادة الكرّة مرة أخرى. ليس فقط في الفورمولا واحد، بل في عالم الراليات أيضاً على الجميع مراعاة قوانين الحد من التجارب.
ما كان عليه انتظار سنة أخرى.
الخبرة في عالم الراليات مثل رالي بريطانيا يجب إكتسابها وتعلمها. الطرقات هي نفسها، لكن الفارق يحدث عندما تمطر؛ إنها الخبرة بالتعاطي مع بقعة الوحل الموجودة على هذا المنعطف أو ذاك. يواجه هذه العقبة الكثير من السائقين الجدد في عالم الراليات في كل موسم.
إعتقد المشاهدين بأن سبب الحادث مغزاه أن روبرت يرى المراحل لأول مرة عند مشاركته الأولى هذه السنة. لكن الأمر ليس كذلك، فقد جاب عبر شبكة الإنترنت وشاهد كل المشاهد المتاحة على موقع يوتيوب في الأسابيع التي سبقت الحدث. وعند إنطلاقته في معظم المراحل في وايلز، كان كوبيتسا قد كتب لنفسه مسبقاً عدداً من التعليمات.
لطالما قلل كوبيتسا من شأن تحضيراته، ملمحاً أنه لا يقوم بأي أمر إضافي عن أي سائق آخر. لكن في الواقع لا يذهب البولندي إلى أي مكان دون القيادة لعدة أميال مسبقاً.
وهذا مايوضح لنا بأن أحد أبرز خيبات أمل كوبيتسا خلال مسيرته الرياضية هي إعلان ملاحه السابق ماكيك باران إعتزاله عشية الحدث الكبير.
بالنسبة لكوبيتسا، كان قرار باران عبئاً، وقد ساهم في إخفاقه. عمل الثنائي سوية وإتفقا سراً على إكمال ثلاث مواسم في بطولة العالم للراليات، لكن باران غادر بعد إنتاء الموسم الأول.
بعد إحرازه لقب الفئة الثانية للراليات “دبليو آر سي 2” غادر كوبيتسا الموسم تاركاً صورة تدل على مستقبل باهر. وكان من المتوقع أن يساعده باران في إجتياز المرحلة الأولى إذ عمل الثنائي على ما قد يكون عمل مميز في المستقبل.
يتسائل أولئك الذين يعرفون كوبيتسا هل يمكن أن تكون هذه نقطة التحول التي تعيده إلى الحلبات، حيث لا يتكل على أي شخص أخر للإنتقال من منعطف لآخر. في هذه الحالة، ستكون مأساة بالنسبة لبطولة العالم للراليات. التي يعتبر فيها كوبيتسا بطل أصيل وسائق يمكن أن يحدث فارقاً في المستقبل.
من المؤكد بأن الإنطلاق مجدداً من الصفر من دون باران سيكون له أثر سلبي على روبرت في هذه الفترة، لكن سبق له أن أتى من مكان أبعد بكثير في فترة قصيرة. وليست المرة الأولى.
إضافة إلى كونه علامة مميزة، يتحلى كوبيتسا بحس الفكاهة وخفة الدم. وقال مودعاً فريقه في بريطانيا”أراكم في مونتي كارلو…” بالتالي كانت الطريقة الوحيدة لمعرفة وجهته.
لكنه عاد وإستدرك قائلا: “آمل أن أراكم في مكان ما السنة المقبلة، لأنه عندما نلتقي يعني هذا بأننا ما زلنا على قيد الحياة!”