الغُموض المُثير في موسم 2014..هو بالضبط ما تحتاجه الفئة الأولى بعد السيطرة التامة التي حققها السائق الألماني سيباستيان فيتيل وفريقه ريد بُل – رينو على مُجريات هذا الموسم من البطولة، في هذا المقال يشرح لنا جوناثان نوبل هذه الحاجة.
لقد دخلت الفورمولا واحد في جُنون الفوارق بين المناطق الزمنية خلال السباقات الأخيرة التي أُقيمت خارج القارة العجوز – حيث كان فارق التوقيت يصل لثماني ساعات زيادةً عن توقيت أوروبا في سباقات اليابان وكوريا الجنوبية هُناك في أقصى الشرق حيث تُشرق الشمس، إلى ست ساعات أقل عن توقيت أوروبا في سباق أوستن في تكساس في الولايات المُتحدة الأمريكية في المقلب الآخر من العالم حيث تغيب الشمس، وبين هذين النقيضين تقع سباقات البحرين وأبوظبي والهند بفارقٍ مقبول عن أوروبا.
إلا أن الصدمة الأكبر هي تلكم التي شهدناها في البرازيل في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، إذ لم يكُن الفرق مُجرد اختلاف في المناطق الزمنية بين قارةٍ وأخرى – بل تعدى ذلك ليُصبح اختلافًا في الأشهر والسنوات – إذ أصابت الحيرة منطقة الحظائر نتيجةً للأحداث الذي جاءت من الماضي وظهرت في أفق السباق.
من الجهة الأولى، كان هُنالك إنعكاسات لنهاية حقبةٍ بدت غامضةً بالنسبة للعديدين.
لقد حصل السائق الأسترالي المُخضرم مارك ويبر على وداعِ طغت عليه العاطفة من فريق ريد بُل رايسينغ، حيث قال صراحةً بأنه لو أجبرته المشاعر على إخراج المناديل لمسح دموعه فإن ذلك يعني أنه اتخذ قرارًا خاطئًا بمُغادرة عالم الفورمولا واحد.
شهدنا هذا الموسم وداعًا من نوعٍ آخر، هو وداع فريق سكوديريا فيراري لسائقه البرازيلي فيليبي ماسا حيث وصلت مسيرته المهنية مع القلعة الحمراء إلى نهايتها، وأيضًا ودَّع صانع مُحركات السباقات المُستقل الوحيد وصاحب التاريخ المجيد (كوزوورث) عالم الفئة الملكة.
إلا أن أكثر لحظات الوداع إثارةً هي تلك التي حصلت عشية يوم الأحد، عندما عاد كلاُّ من سيباستيان فيتيل ومارك ويبر وفريقهُم ريد بُل ليصموا آذان الجميع بالهدير الأخير لمُحركات الفورمولا واحد من فئة (في 8) من ثمانية إسطوانات.
ومع نهاية هذا الموسم الحافل بالمشاعر والعواطف والإنجازات والخيبات، وحيث أن مُحرك رينو من فئة الإسطوانات الثمانية لن يعود لخوض السباقات مُجددًا في مُؤخرة سيارة فريق ريد بُل من طراز (آر بي 9)، فقد بذل الجميع مُحاولاتهم لوداع هذه المُحركات بأفضل طريقةٍ مُمكنةٍ من خلال السماح لها بالهدير بأقصى ما يُمكنها في لحظاتها الأخيرة قبل أن تصبح من التاريخ.
وفي سبيل إنجاح هذه المُحاولة عمد الفريق إلى وصل المُحركات إلى أجهزة تحكمٍ يدويةٍ، في ما أُطلق العنان لحدود دورات المُحرك، وأُفلت المُحرك من عقاله، حيث بذل كلاً من سيباستيان فيتل ومارك ويبر أفضل ما لديهما ليُنهكا المُحرك، إلا أن هذا (الثور الهائج) صمد أمامهما، مُؤكدًا سُمعة هذه الحقبة بأنها حقبة الإعتمادية العالية.
لقد ضغطَ السائقان على المُحرك بأقصى ما يُمكنهما – إلى درجة أن أنابيب العادم قد ابيضت من جراء إرتفاع درجة الحرارة والإثارة، وخرجت ألسنة اللهب الزرقاء اللون منه وأصبحت المرائب كالحمامات البُخارية – إلا أنها لم تنفجر، حتى عندما إرتفعت درجة حرارتها جدًّا لتصل إلى حد المُخاطرة بإحراق السيارة.
وبعد كل ذلك، كانت هُنالك ظلالٌ من الشك تُحيط بموسم 2014 من بطولة الفورمولا واحد.
وعلى الرغم من أن فرق المُقدمة قد رتبت أنفسها لاستقبال الموسم القادم، إلا أن المعركة الجارية بين السائقين للحُصول على مقعد لدى فرق الوسط كانت أقوى مما ظننت.
حيث ما تجولُ بنظركَ في منطقة الحظائر، تجد المُحادثات والمُفاوضات جارية على قدمٍ وساق، إذ يدخل ويخرج المُدراء من مقار الفرق في مُحاولةٍ منهم لإيجاد مُستقرٍ لسائقيهم، وتدور في خلدُهم أسئلة من قبيل: هل لسائقنا فُرصةٌ في قيادة إحدى السيارات؟ وما مدى جدية الفريق؟ وما هي الشُروط على عُروضهم؟
ويُمكن أن ترى في دقيقةٍ واحدة إيريك بولييه مُدير فريق لوتُس يتحدث إلى ورنر هاينز مُدير أعمال السائق الألماني نيكو هولكنبرغ، وبعد لحظات تجد أن والد السائق الفنزويلي باستور مالدونادو يستغرق في حديثٍ مع رؤساء الفريق في مكتب فريق لوتُس.
ويُمكنك أن تلمح مُباشرةً، وبعد مُؤتمر صحفيٍّ لفريق مرسيدس، أن الفرنسي نيكولاس تود يأتي من إجتماعٍ مع توتو وولف وروس براون، وماذا سيُحقق ذلك لكلٍّ من باستور مالدونادو أو فيليبي ماسا أو حتى لجيمس كالادو؟
هُنالك الكثير من الأمنيات التي تراود جميع المُشاركين في أكثر المواسم جُنونًا وسخافةً لإيجاد من هو قريبٌ فعلاً إلى شيءٍ مُعين، ومن يُمارس الخداع في المُفاوضات، ومن الذي لديه مقعدٌ شاغر بالفعل.
والمسألة ليست مسألة سائقين يعملون حيث ما ذهبوا بين فرق الفورمولا واحد، بل إن المسالة بالنسبة للبعض، مثل الأسكتلندي بول دي ريستا، تنحصر قضية العمل بأن يجد شاغرًا مُتاحًا في أي مكانٍ في الفورمولا واحد.
أما بالنسبة للفرق، فإن الأفكار مُركزّةً أكثر على الأيام والأسابيع المُقبلة ضمن إطار مساعيهم الحثيثة لتجهيز سياراتهم الجديدة للموسم القادم الجديد أيضًا من الناحية التقنية.
ومع مُرور الوقت تحوَّل ما كان عبارةً عن إثارةٍ طويلة الأمد ومشاريع التخطيط للأنظمة والقوانين الجديدة لموسم 2014 المُقبل، تحَل إلى جُهودٍ ضائعة لتجهيز السيارات لفترة الاختبارات الشتوية الأولى، والتي ستجري خلال أقل من شهرين.
وقد تلاشى ذلك الهُدوء الواثق الذي كان يسود عالم الفورمولا واحد بأن كل شيءٍ تحت السيطرة للوصول للموعد النهائي مع نهاية شهر يناير/ كانون الثاني، ليس ليحُلَّ محله الرعب، بل صدمة الواقع حول حجم المهام التي واجهت الجميع لهذه الحقبة الجديدة.
وإذا تحدثت إلى المُهندسين ورؤساء الفرق بشكلٍ وديٍّ وبعيدًا عن عالم الصحافة، من دون آلات للتسجيل ودفاتر صحفية مُغلقةٍ تمامًا، فإنكَ ستُفاجئ بأنهم واقعيين ولا تُراودهُم الأوهام حول الأمور الصعبة التي يُواجهونها في هذه الفترة الانتقالية.
ستكون فترة الاختبارات الشتوية على حلبة خيريز الإسبانية فوضوية، ويتوقع العديدون بأن اللفات المئة التي على السيارات الجديدة اجتيازها في اليوم الأول من فترة الاختبارات هذه ستكون طويلةً وحافلةً بالكثير.
حيث تسود المخاوف بأن يكون اليوم الافتتاحي يومًا سيتخلله رفع الأعلام الحمراء اللون (بوقف التجارب) عدة مرات، كما أن بعض الفرق لن تخوض أكثر من بضعة لفاتٍ معدودة على أصابع اليد الواحدة، إذ ستظهر لهم المشاكل مُشكلةً تلو والمُشكلة.
ناهيكم عن ذلك، يكثر الحديث في أروقة فرق الفورمولا واحد بأن تكون السباقات الأولى من موسم 2014 عبثيةً بعض الشيء، إذ من المُمكن أن تضرب مطرقة مشاكل الإعتمادية والموثوقية الفرق على سندان حرارة المُنافسات.
ومن المُمكن أن نشهد مُرور بضعة سياراتٍ فقط لخط النهاية، ومن المُمكن أن يترك السائقون السريعون الصراع على النقاط في وقتٍ مُبكرٍ من هذه الحملة، إضافةً إلى الفرق المُتوسطة التي قد لا تكون الأسرع وتدفع بذلك الثمن مُبكرًا.
وربما لا تجعل مثل هذه الظروف المُتشائمة أيًّا من السائقين والمُهندسين سُعداء بما سيحصل، ومن المُمكن أن لا يُحب بعض المُشجعين الأوفياء للفورمولا واحد هذه البداية المُضطربة للموسم.
ويقع على عاتق سيباستيان فيتيل حملٌ كبير بسلسلةٍ من تسعة إنتصارات مُتتالية عليه إستكمالها، ومع ذلك ربما يكون القليل من الجُنون والإثارة أمرًا مطلوبًا لإثارة الحماسة والإثارة مُجددًا في أوصال الفورمولا واحد، حيث تحتاج البطولة إلى عودة الإستعراض المُثير إلى مساراتها.
ولذلك يحُثُّ سيباستيان فيتيل طاقم فريقه لعيش اللحظة والتمتع بالإنجازات والإستمتاع بهذه الأيام من الهيمنة المُطلقة على عالم الفورمولا واحد.
وفي رياضةٍ تتميز بطابعها وطبعها السريع كالفئة الأولى، يمضي الوقت بسرعة ومن النادر أن تعيش فيها الحاضر إذ سُرعان ما يُصبحُ ماضيًا.
وبالعودة إلى اليوم، هُنا في البرازيل ومع الأجواء الختامية لموسم 2013 لا ينصب تركيز الجميع على اليوم – بل تركيزهم تخطى الفوارق الزمنية للعودة إلى حلبة خيريز في القارة العجوز نحو يوم 28 يناير/ كانون الثاني، ومن بعدها إلى حلبة الأمير آلبِرت في مدينة ميلبورن الأسترالية يوم 16 مارس/ آذار موعد انطلاق موسم 2014 المُثير منذ الآن – حيث ستعود الإثارة.