المركز الثاني الذي تمكن دانيال ريكياردو من تحقيقه خلال سباق جائزة استراليا الكُبرى يبرهن على صحة خَيار فريق ريد بُل لاختياره كسائقٍ أساسي. كما يعتقد إد سترو بأنه يُثبت إمكانية منافسة ريكياردو لسيباستيان فيتيل بشكلٍ شرس.
حامت العديد من الشكوك في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي بعد إعلان فريق ريد بُل عن انضمام دانيال ريكياردو لصفوف الفريق كسائقٍ أساسي بعد رحيل مارك ويبر ابتداءً من موسم 2014.
حيث أنه لحين ذلك كان قد أمضى موسمَين ونصف فقط على ساحات الفورمولا واحد، بدأت مع فريق إتش آر تي قبل الانتقال إلى فريق تورو روسو، ولم يتمكن السائق الاسترالي المُبتسم طوال تلك المدة سوى من التأهل للقسم الثالث من الحصص التأهيلية لمرّاتٍ معدودة، مع تسجيله لبعض النقاط.
عندما كانت الفرصة مُتاحة لضم كيمي رايكونن، وأُخذ هذا الخيار بعَين الاعتبار، تساءل العديد عن مصير ريكياردو ضمن برنامج ريد بُل. بينما رأى البعض الآخر في ريكياردو البديل الأمثل، حيث أن راتبه السنوي لن يكون مُرتفعاً، كما أنه سيلعب دوراً ثانوياً يقوم بمُساعدة سيباستيان فيتيل في الوقت الذي لن يستطيع به رايكونن تحقيق ذلك.
بينما ظنّ العديد بأن انضمام ريكياردو كان بمثابة واجب على ريد بُل للإثبات على جدوى برنامجهم لتطوير السائقين الشباب في فريق ريد بُل. حيث لم يكن السؤال هو عن هوية البديل الأفضل للسائق مارك ويبر، وإنما كان عن هوية السائق الأفضل بين ريكياردو وجان إيريك فيرن.
من المرجح أن هذه العوامل لعبت دوراً كبيراً في اتخاذ فريق ريد بُل لقرارهم. إلا أن السبب الأمثل لهذا الخيار هو أن ريكياردو قام ببذل جُهد كافٍ لإثبات أحقّيته باستغلال هذه الفرصة.
في بادئ الأمر كان من الواضح بأن فيرن هو الأفضل. حيث يتمتّع بحدّية إضافية في أدائه، كما أنه يسعى دوماً لاستغلال كافة الفرص من أجل اختبار جهاز مُحاكاة القيادة أو إجراء عروض استعراضية خلف مقود سيارة فورمولا واحد. أما ريكياردو، فيعتبر أكثر استرخاءً الأمر الذي أشار إلى إمكانية عدم امتلاكه لما هو لازم من أجل الحصول على الترقية.
إلا أن طِباع ريكياردو لعب دوراً أساسياً في هذا القرار، كما هو واضح. فعلى عكس فيرن، يتعامل ريكياردو مع التنوع بارتياحٍ أكبر خلال العامَيين الماضيين.
الشخصية التي ظهر بها خلال سباق جائزة البحرين الكُبرى لعام 2012 يُسكت كافة النقاد الذين اتهموا ريكياردو بأنه مُسترخٍ أكثر من اللازم.
بدء ريكياردو ذلك السباق من المركز السادس، وفي أفضل لفة له خلال الحصة التأهيلية كان أسرع من فيتيل صاحب المركز الأول في عدّةِ أجزاء. كان هذه اللفة هي أفضل لفة تأهل مُنفردة طوال الموسم.
ولكن في بداية السباق، كانت انطلاقة ريكياردو سيئة. ومن ثم اتخذ عدة قرارات سيئة في محاولةٍ منه للحد من الضرر واستمر بالتراجع عبر المراكز. نتيجة لذلك، أنهى ريكياردو اللفة الأولى من السباق في المركز السادس عشر بعد إلحاق الضرر بسيارته.
وعند التحدث مع ريكياردو بعد نهاية السباق بفترةٍ قصيرة، كان قاسياً جداً في إطلاق الأحكام على نفسه. لم يقم بالإدلاء بأي أعذار، وإنما اعترف فقط بأنه أضاع فُرصة خوض سباق ممتاز وبأنه يتحمّل كامل اللوم.
هُناك العديد من السائقين الذين قد يُحاولون الاختفاء خلف أعذارهم، ولكن ليس ريكياردو. لم يستغرقه الأمر سوى بضع دقائق بعد عبور خط النهاية ليتأكد بأنه كان مسؤولاً عمّا حدث وارتكب العديد من الأخطاء.
وفي المرة التالية التي تأهل ريكياردو فيها في مركزٍ متقدمٍ للغاية، خلال مُجريات جائزة الصين الكُبرى من العام الماضي، لم يُكرر أخطاءه وإنما بدء السباق وأنهاه في المركز السابع. فخلال توجّهه لذلك السباق، كان يُفكر في سباق البحرين الكارثي طوال الوقت وأكّد بأنه تمكّن من طرد هذه الأرواح الشريرة التي طاردته على حلبة صخير البحرينية.
عملية التطوير مُستمرة دون توقف بالنسبة للسائقين، حتى بعد دخولهم عالم الفورمولا واحد. إلا أن الفرق بين السائقين المُمتازين والسائقين الجيّدين هو أنهم قابلون على التطور بطريقةٍ أفضل.
العامل الأساسي في ضمان القدرة على التطور بشكلٍ أفضل هو التفهم الكبير، كما هو الحال مع ريكياردو. عندما تسير الأمور على ما يُرام، من الضروري أن يُدرك السائق الأسباب وراء ذلك لكي يتمكن من تكرار ذلك. ولكن عند حصول العديد من المشاكل والأخطاء، من الضروري أن يقوم السائقون بتحليل ذاتهم من أجل ضمان عدم ارتكاب هذه الأخطاء مرةً أخرى.
عندما تم الإعلان عن ترقية دانيال ريكياردو، لم يكن الشعور السائد ضمن أروقة فريق ريد بُل مختلفاً عن عندما تمّ الإعلان عن ترقية سيباستيان فيتيل قبل بداية موسم 2009.
يعلم أصحاب القرار في ريد بُل بأن ريكياردو قد أظهر لمحاتٍ كافية من قدرته وسرعته الحقيقية مع تورو روسو لنيل فرصة مع ريد بُل. ولكن لم تتواجد أي ضمانات عن كيفية تعامله وسرعته في مُقدمة الترتيب.
وفي الوقت الذي انضم فيه فيتيل لفريق ريد بُل وفي سجلّه انتصارٌ مُذهل في سباق جائزة إيطاليا الكبرى لعام 2008، تمكّن ريكياردو من التألق في عدّةِ مرات وإن لم يتمكن من مُماثلة تلك النتيجة.
تمكّن من تقديم أداء مُذهل في بعض الحصص التأهيلية التي تركت انطباعاً قويّاً، كما أنه تمكّن من سحق زميله في الفريق فيرن عندما كان الأمر يتعلق بتسجيل لفات سريعة مُنفردة.
وبالتالي كان السؤال المطروح هو، هل سيتمكن ريكياردو من تحويل هذه السرعة المُذهلة خلال بعض المناسبات لتسجيل نتائج جيّدة باستمرار عند مُنافسته سائقين مثل فيتيل، ألونسو، وهاميلتون؟
ما حصل في جولة استراليا من هذا الموسم لن يُمكننا من تقديم إجابة مُفيدة على هذا السؤال. إلا أن ريكياردو تمكّن من التأهل وإنهاء السباق في المركز الثاني خلف مقود سيارة كانت تُعتبر مُتأخرة بفارق كبير عن تلك المزودة بمحركات مرسيدس. بمعنى آخر، لم يكن بإمكانه تحقيق نتيجة أفضل.
بالإضافة لذلك، تمكن من تحقيق هذه النتيجة مع وجود ضغط كبير بسبب مُشاركة ريكياردو الاسترالي بين جماهيره، الأمر الذي فشل ويبر في تحقيقه طوال مسيرته في الفورمولا واحد. فضلاً عن أن فريق ريد بُل لم يكن، خلال عام 2014، قد اختبر السيارة الجديدة عبرة مسافة سباق كامل قبل انطلاق سباق استراليا.
هذه العوامل قد تؤدي لتضليل العديد من السائقين وبالتالي تحقيقهم لنتيجة سيئة في سباقاتٍ مُعينة، ولكن لا ينطبق ذلك على ريكياردو.
كما أن سباق جائزة استراليا الكُبرى أجاب عن عدّة أسئلة تتعلق بأداء ريكياردو خلال السباقات، الأمر الذي كان موضع شك خلال فترة تواجده مع تورو روسو. ففي الوقت الذي كان يتمكن به من استخلاص أقصى طاقات السيارة خلال الحصص التأهيلية، لطالما كان التراجع السمة الأساسية لسباقاته.
لم يكن سائقاً سيئاً للغاية خلال السباقات، ولكن تم تضخيم بعض المخاوف قبل بداية سباق استراليا، ولكن بعد هذه النتيجة هل سيكون بإمكانه مُنافسة الأفضل؟
هناك العديد من العلامات المُشجعة. بعد بدايته الصعبة مع فريق تورو روسو بدأ من تحقيق نقلات نوعية في الأداء خلال النصف الثاني من موسم 2012. فخلال سباق جائزة اليابان الكُبرى من ذلك العام ترك انطباعاً كبيراً عندما تمكّن من حجز مايكل شوماخر خلفه من أجل إنهاء السباق في المركز العاشر.
كان سائق فريق مرسيدس آنذاك أسرع بشكلٍ ملحوظ، إلا أن توضع سيارة ريكياردو على الحلبة كان مثالياً ولم يظهر أي مؤشرات عن ارتكابه أخطاءً تحت الضغط الناجم عن مُطاردته من قِبل أنجح سائقي الفورمولا واحد على الإطلاق. هذا الأمر أدى لنيله المركز العاشر وتسجيل نقطة وحيدة بدلاً من إنهاء السباق في المركز الحادي عشر وخارج النقاط، وهو المركز الذي كان من المُفترض أن يُنهي السباق به.
أداؤه الذي نال إعجاب المُشجعين في ملبورن، والذي لم يتمكن ويبر من تحقيقه، يُظهر بأنه لن يلعب دوراً مُساعداً لأحد. كانت تأدية ريكياردو من دون شك من إحدى أفضل الأمور فيما يتعلق بالسباق.
عنوَنت صحيفة ‘هيرالد صَن’ الصادرة في ملبورن خيبة الأمل الكبيرة الناجمة عن شطب نتيجته بسبب تجاوز تدفق الوقود على متن سيارته الحد المسموح به بعنوانٍ على الصفحة الرئيسية ألا وهو ‘المهزلة الكُبرى’.
إلا أن القصة الرئيسية تكمن بأن البطل المحلي تمكن من إظهار أسباب وجوده في فريقٍ من فرق المقدمة بغض النظر عن نتيجته النهائية.
هناك آراء تُشير إلى أن قرار شطب نتيجته كان خاطئاً، خصوصاً أن سبب شطب النتيجة كان لوجود مشاكل في مُعدل تدفق الوقود. الأمر الذي حال دون ضمان تحقيق نتيجة قد تُزيد من شعبية الفورمولا واحد. بينما هناك بعض الآراء الأخرى التي تُشير إلى أن الإعلان عن شطب نتيجة سائق ما بعد خمس ساعات من نهاية السباق يُعتبر أمراً قاسياً، إلا أنه لا يجب مخالفة القواعد. وبالتالي لا يجب على الفورمولا واحد التردد في تطبيق أي عقوبات، وإن كانت قاسية، في حال ثبت عدم مُطابقة أي سيارة لمعايير القوانين.
عدم تطبيق هذه العقوبة كان سيُؤدي لحصول فوضى كبيرة في الفورمولا واحد فيما يتعلق بتطبيق القواعد التقنية، الأمر الذي يعتبر أسوء بمراحل من تطبيق عقوبة قد تٌضر بصورة الفورمولا واحد العامة بشكلٍ طفيف. لا يجب على الفورمولا واحد أن تخاف من شطب نتيجة السائقين في حال كانت تُريد إثبات جدارتها وهيبتها.
سباق ريكياردو للصعود على منصة التتويج دفع العديد من الأشخاص للتشكيك بأهمية تطبيق قوانين الفورمولا واحد أمام الانطباع الكبير الذي تركه السائق الاسترالي.
ولكن تحقيقه لنتيجة جيدة لا يعني أنه ممتاز، وبالتالي ما زال على ريكياردو بذل مجهود كبير من أجل إثبات أنه لن يكون مجرد سائق ثاني يقوم بدعم سيباستيان فيتيل.
لن نتمكن من ملاحظة ذلك بعد تحقيق ريكياردو لمركز ثاني وحيد، خصوصاً وأن هذه النتيجة لن تكون موجودة ضمن سجلات الفورمولا واحد بعد الآن. على الرغم من كل ما حصل، بطل العالم الرباعي فيتيل يُعتبر من أحد عُظماء الرياضة، وبالتالي لن تنصب الاحتمالات في صالح ريكياردو من أجل تشكيله تهديداً لفيتيل بشكلٍ دائم.
إلا أنه حقق بدايةً ممتازةً لموسمه وأثبت خطأ العديد من مُشككيه.
اتخذ فريق ريد بُل القرار الصحيح في اختيار ريكياردو الواعد بدلاً من رايكونن لعدّة أسباب. ما حصل في استراليا يُثبت صحّة هذه النظرية.
سيكون من المذهل رؤية تطور ريكياردو على مدى السباقات الـ18 القادمين. إذا تمكّن من تهديد فيتيل بنفس الطريقة التي قام بها ويبر خلال عام 2010، قبل أن ينضج السائق الألماني خلف مقود السيارة، فإنهم سيعملون بطريقة مذهلة خلال هذا الموسم.
كُل ذلك من دون ذكر تشكيلة سائقين رائعة لفريق ريد بُل في حال تمّ ذلك…