واجه رومان غروجان في الماضي بعض المشاكل، ولكن عندما بدأت الأمور تسير على ما يُرام، تراجعت تأدية فريق لوتس على شبكة اﻻنطلاق. في هذا المقال تحدث إِد سترو مع غروجان حول كيفية التعامل وتقبل الحياة في أروقة فريق ينتمي لمُؤخرة فرق الوسط.
تخيل لو أنك قدمت أداءً رائعًا، بعد سنواتٍ من العمل من أجل صقل موهبتك والتقليل من أخطائك وعثراتك الذهنية، حيث تنطلق وتبدأ في إظهار إمكانياتك. ومن ثم وفجأةً وعندما تصل لقمة عطائك، يُسحب البساط من تحت قدميك.
هذا ما حصل بالضبط مع السائق الفرنسي رومان غروجان طوال 18 شهرًا الماضية. وبعض أن وصل للحضيض في سباق جائزة موناكو الكُبرى العام الماضي، أظهر بعدها كم أنه سائقٌ سريعٌ ورائع ولكنه كان يصطدم بشكلٍ مُتكررٍ بمن حوله، ويُمكننا القول بأنَّ أداء غروجان قد تحسَّن إلى درجة أنه كان نجم النصف الثاني من الموسم.
وكانت جائزته هي أن يُدفن خلف مقود سيارةٍ غير تنافسية في هذا الموسم.
إنه اختبار جديد له وهو يتعامل معه بشكلٍ جيد. تمكّن من إنهاء سباقَين فقط في مراكز النقاط، عندما عبر خط النهاية في المركز الثامن في جولتي إسبانيا وموناكو، إضافةً لوجود بضعة مناسبات ثمينة لم يواجه فيها فريق لوتس أي مشاكل طوال مجريات الجولة.
وتستدعي الصياغة التقليدية لمثل هذه النماذج على وصفها بمرحلة ‘بناء الشخصية’. ونظراً لوضع الأعوام الخمسة الماضية من مسيرة غروجان التسابقية ضمن هذا العنوان، لا يبدو بأن من السهل عليه التعامل مع اﻷمر هكذا. إذ أن الخطر المُحدق به يُشير إلى أن هذا اﻷمر يُدمر مسيرته بدلاً من بنائها.
ويقول غروجان: “إنه جُزء جديد من شخصيتك عليك التغلب عليه”، حيث يصف تعامله مع موسمٍ افترض فيه، وبشكلٍ واقعي، تحقيق فوزه اﻷول في عالم سباقات الجوائز الكُبرى، ولكن مسيرته انحرفت نحو مسارٍ طويل وشاق.
“كانت جميع الأمور تسير بشكلٍ جيد وبالتأكيد تُفكر بالقول ‘نعم، يُمكنني فعل هذا’ ومن ثم تدخل سباقك اﻷول وتُدرك بأن هذا اﻷمر لن يحصل. إنه أمر مُحبط”.
“ولكن يُمكنك القول ‘سأخوض السباقات وسارى ما الذي يُمكنني فعله من دون بذل الكثير’، أو يُمكنك العمل بجد وأن تُوحد جُهودك مع الفريق”.
“وهذا اﻷمر ليس سهلاً دائمًا بسبب العواطف، أنت تقول كلماتٍ قد تكون قويةً نوعاً ما وهي ليست الكلمات التي ترغب بقولها تماماً!”
“ولكن على العُموم، لقد كُنا أقوياء معًا في مُحاولتنا فهم المُشكلة وكيف يُمكننا العمل بشكلٍ أفضل”.
وتُعتبر المُشكلة التي يُواجهها فريق لوتس مُضاعفةً. أوﻻً، يستعمل فريق لوتس مُحركات رينو، وهو اﻷمر الذي يجعله على الفور مُتخلفاً عن الفرق اﻷخرى. وحتى في بعض المرات التي لم يُواجه فيها الفريق مشاكل، إﻻ أنه واجه بعض الهفوات والتي كانت تتطلب إعادة ضبط بالنسبة للأمور الاعتيادية أو التعامل مع المشاكل البسيطة.
وهذا أمر سلبي جداً، ولكن قد يكون اﻷمر مُجرد تبسيط كامل للمشاكل بوضع كامل اللوم والمسؤولية عن إخفاقات فريق لوتس على عاتق مُزود المُحركات (رينو). ففي نهاية المطاف، تمكن فريق ريد بُل من الفوز بسباقين اثنين باستخدام مُحركات رينو وهو اﻵن في المركز الثاني على صعيد ترتيب بُطولة الصانعين، لذا وعلى الرغم من أن المُحرك هو نُقطة الضعف اﻷبرز إﻻ أنه ليس نُقطة الضعف الوحيدة.
والعامل الثاني يتمثل بالوضع الحالي للفريق. حيث اﻷمور أبعد ما تكون عن اﻻستقرار من الناحية المادية هذا الموسم وأسوأ مما كان عليه في العام الماضي، حيث تقلص حجم فريق لوتس. كما فقد عدداً كبيراً من المُوظفين الجيدين، حيث وظفَّ فريق فيراري جايمس آليسون وديرك دي بير وهُما من أبرز اﻷشخاص الذين غادروا لوتُس، ويُمكننا أن نرى عددًا كبيرًا من المُوظفين الذين غادروا إينستون حيث مقر الفريق باتجاه فرقٍ أخرى، بمن فيهم أشخاص توجهوا نحو فريق مرسيدس.
ومع ذلك ما تزال النوعية موجودة في الفريق وهو لم يفقد كل أوراقه، وحتى في حالة فريقٍ فعال وقوي كحالة لوتُس فإن اﻷمر يستغرق بعض الوقت من أجل التأقلم مع هذه التغير الكبير في أروقة الفريق. كما ساهم عدم حُضور الفريق لفترة التجارب الشتوية اﻷولى في إلحاق تأثيراتٍ سلبيةٍ على السيارة، إذ كان على الفريق أن يُواجه لاحقًا وخلال السباقات المشاكل التي كان من المُفترض أن يُواجهها ويحلها خلال فترة التجارب الشتوية وهو ما أخرَّ من تقدم الفريق في الوقت الذي كانت الفرق اﻷخرى تُظهر تحسناً كبيراً.
ولم تكن سيارة لوتُس لهذا الموسم من طراز (إي 22) بمُقدمتها ذات الأنف المزدوج سهلة القيادة أو مُستقرة، وكان ذلك واضحاً في العديد من المرات وعلى وجه الخُصوص خلال أيام السباق اﻷخيرة الماضية، عندما نرى غروجان على المسار كنا نلحظ كيف أنه يقوم بالضغط على سيارة بما يفوق طاقتها. ولكن نجمه يسطع في كل مرة يسمح له أداء السيارة بتحقيق ذلك.
ويقول حول هذا: “أعتقد بأني أقود بنفس الطريقة التي قُدتُ بها الموسم الماضي، بل رُبما أصبحت أفضل ﻷني حصلت على المزيد من الخبرة”.
وأضاف: “من الواضح أنني لا أحصل خلال فترة التجارب التأهيلية على نفس الشُعور من السيارة. في العام الماضي كانت [السيارة] مُستقرةً أكثر ويُمكنك توجيهها أثناء الضغط على المكابح ودُخول المُنعطفات. ولكن لا يُمكننا اﻵن الدُخول في جميع المُنعطفات بشكلٍ جيد خلال لفة التجارب التأهيلية كما كان يُمكننا أن نفعل في الماضي، هذا هُو الفرق”.
“يُصبح اﻷمر أكثر صعوبةً عندما يكون لديك سيارة لا يُمكنك المُنافسة فيها على الصُفوف الأمامية. وعندما تكون في سيارة مُنافسة على المراكز الصُفوف اﻷمامية فإن نسبة 99% من اﻷداء ستكون كافيةً لتقدم أداءً جيداً. ولكن في سيارة تحتل المركز السابع، قد لا يكون الضغط حتى نسبة 120% جيداً بما يكفي للتأهل إلى القسم الثالث من التجارب التأهيلية”.
مع اﻷخذ باﻻعتبار بأن فريق لوتس لديه ثامن أفضل سيارة بالنظر إلى التوازن، فإن من الواضح حجم المُعاناة التي يُعانيها غروجان خلف مقود سيارته.
وعندما سار كل شيء على ما يُرام وظهرت السيارة بتأدية جيدةٍ، في إسبانيا، كان غروجان قادرًا على التأهل وبصعوبة بالغة، في المركز الخامس على شبكة الانطلاق وإنهاء سباق يوم اﻷحد في المركز الثامن على الرغم من المشاكل التي واجهها في المُحرك.
وكانت تلك علامةً بأنه ما يزال قادرًا على تحقيق نتائج جيدة متى سنحت له الفُرصة واستغلها.
ولكن ما تزال علامات اﻻستفهام تدور حول مُستقبل غروجان، من دون شك، سيكون موسم 2015 بالغ الأهمية بالنسبة له. حيث أثبت قُدرته على العمل مع أفضل الفرق، وأظهر أداءه خلال سباقي جائزتي الوﻻيات المُتحدة واليابان الكُبرتين من العام الماضي بأنَّ لا شُكوك تحوم حوله. وفي شهر أبريل/ نيسان القادم سيبلغ غروجان من العُمر 29 عاماً، لذا يحتاج أن يقود في العام القادم سيارةً أفضل في الموسم الذي ينبغي أن يكون فيه في ذروة عطاءه.
ولكن مع سُطوع نجم السائقين اليافعين مثل دانيال ريكياردو وفالتيري بوتاس الذين استحقوا فعلاً تلقي الآراء الإيجابية على أدائهم المُمتاز هذا الموسم، فإن هُنالك خطر أن يغيب نجم غروجان في غياهب النسيان، وهو اﻷمر الذي قد يكون مأساوياً ﻷن السائقين الذين يُقدمون أداءً مُمتازاً مثله يُعتبرون سلعةً نادرةً جداً هذه اﻷيام.
وهُو يعترف بالقول: “كأي إنسانٍ عادي، هذا الأمر يقلقني”، ويُضيف: “إن أمر جميل جدًّا أن أرى ريكياردو وبوتاس يُقدمون أداءً جيداً جداً، وكُنت أود لو كان بإمكاني الصعود على منصة التتويج لهذا الموسم، وأن يتحدث عني الجميع، وأن أحصل على درجة 10 في تقييم أوتوسبورت للسائقين بعد كل سباق!”
“أنا قادرٌ على تحقيق الفوز، ولا أعتقد أني فقدت أي شيء خلال فترة الشتاء، لم تتلاشى سرعتي عند شجرة عيد الميلاد. ولكن وبالتأكيد أصبح من الصعب اﻵن إظهار قُدراتك. يُمكنك التفوق على زميلك في الفريق، وهو أمر جيد، ولكن عندما تخوض فترة التجارب التأهيلية فإن عليك التغلب على الجميع لتُحقق المركز اﻷول على شبكة اﻻنطلاق”.
وعندما نُلقي نظرة مُقارنة بين سجلي رومان غروجان وزميله باستور مالدونادو فإننا سنرى تفوق غروجان الواضح على زميله. حيث تمكن من التأهل أمامه 10 مرات خلال 11 سباقاً وخلال المُناسبات الثلاث التي تمكنت فيها السيارتان من إنهاء السباق كان غروجان مُتقدمًا على زميله في مرتين منها.
وفي حين يمتلك مالدونادو سُمعةً سيئة، إﻻ أنه قادر على تحقيق تحولٍّ كبير في سُرعته عندما تسير اﻷمور على ما يُرام، بحيث يُمكنهما معًّا توحيد جُهودهما لتقديم أداءٍ قوي. لذا يُمكن لغروجان وبوُضوح تقديم أداءٍ جيد عندما يتعلق به اﻷمر وحده.
وجُل ما يُمكن لغروجان فعله هو الحفاظ على أدائه والتأكد من عدم جعل اﻹحباط يُؤثر عليه. حيث أثبت للجميع، بمن فيهم نفسه، بأنه قادر على تقديم أفضل النتائج وفق أعلى المُستويات، كما أن كل ما يحتاجه هو التأكد من أن لا يُصبح مُفرطًا في العدائية أو أن يجعل اﻷخطاء تُعيقه.
وبالتأكيد يبدو رومان غروجان مُتصالحاً مع نفسه، بل ويُشير البعض إلى أن زواجه وبأنه أصبح والداً قد ساهما في جعل شخصيته أكثر نُضوجاً.
ومهما تكُن اﻷسباب، فإن غروجان يُعتبر سلعةً نادرةً في عالم الفورموﻻ واحد: سائق بارع من الدرجة اﻷولى، وينبغي على أحد الفرق المُمتازة اﻻستفادة منه.
يقول رومان غروجان عن هذا: “إنه ليس أمراً سهلاً. ليس من السهل الخوض في اﻷمر والبقاء هادئًا، وعدم تحقيق أية نتائج للفريق. ولكن من ناحيةٍ أخرى، الخُبرة تُساعد على ذلك”.
وأضاف: “لقد تحدثت إلى زوجتي [ماريون جول] حول مُستقبلي وسألتها إذا كانت تذكر موسم 2010. حيث كانت صحفيةً، وكُنتُ أمارس التزلج وفي طريقي للذهاب لرُؤية عائلتي في سويسرا عندما كانت مسيرتي في الفورموﻻ واحد قد انتهت بالنسبة لي. وها أنا اﻵن قد عُدت مُجدداً”.
“أنا أستمتع بقيادة السيارة، حتى لو لم أكن أنافس في المُقدمة. لقد أنجزت الكثير من اﻷعمال مع طبيب النفسي للوُصول لعدم مواجهة أي مشاكل من الناحية النفسية في الوضع الحالي. وكما تعلم، عليك أنت تجعل اﻷمور تمضي في حال سبيلها، وأن تنسى المشاكل وان لا تقلق بشأنها”.
“لذا ساعدتني هذه التجربة على أخذ اﻷمور في الاتجاه الصحيح على الرُغم من الشُعور الصعب حيال عدم القُدرة على المُنافسة في المُقدمة”.
بالمختصر المفيد، يقول غروجان أنه يتوجب عليه الانتظار والتمسك بموقفه الحالي. أعتقد أن تأدية غروجان كانت جيدةً للغاية في السابق وبالتالي لا يستحق سوى النجاح في سباقات الجوائز الكبرى، وفي حال تمكّن من العودة خلف مقود سيارة تنافسية، سيتمكن من تحقيق ذلك.
ولكن فيما إذا كانت هذه السيارة هي سيارة لوتس مزودة بمحركات مرسيدس، أو سيارة أخرى، الوقت كفيل بالإجابة عن هذه التساؤلات.