لربّما لم يكن سباق جائزة البرازيل الكبرى، الجولة ما قبل الأخيرة من موسم 2015 من بطولة العالم للفورمولا واحد، هو الأكثر إثارة لهذا الموسم. ولكن رغم ذلك، كانت هناك العديد من الأمور والأحداث التي من شأنها أن تخلق فارقاً نوعياً للموسم المقبل من البطولة. في زاويته المعتادة، يأخذنا أُبي الزكار خلف كواليس جائزة البرازيل الكبرى.
> تقييم أداء السائقين في جائزة البرازيل الكبرى
> كيف تمكن روزبرغ من التغلب على هاميلتون في البرازيل
بعد سباقات الولايات المتحدة والمكسيك المثيرة، بإمكاننا القول أننا لم نحصل على السباق المنشود على حلبة إنترلاغوس. كان جميعنا بانتظار تلك المعركة الملحمية بين ثنائي مرسيدس لويس هاميلتون ونيكو روزبرغ، ولكن سباق الأحد شهد فرض سيطرة الأخير دون ارتكاب أخطاء في قيادةٍ مثالية نال الثناء عليها.
> معرض الصور: جائزة البرازيل الكبرى
ولكن لنذهب سويةً إلى بادوك حلبة إنترلاغوس المُحدّث ليصبح أكثر اتساعاً من البادوك الضيق سابقاً، ما الذي دار بين أبرز شخصيات الفئة الملكة من عالم رياضة المحركات؟
> تحليل تقني: شرح الـ‘S-duct’ الخاصة بسيارات مرسيدس
هل أصبحت اليد العليا لنيكو روزبرغ في مرسيدس؟
مرةً أخرى، تمكن نيكو روزبرغ من فرض سيطرته المطلقة لينطلق من المركز الأول وليتصدر السباق في طريقه لتحقيق الفوز. ومرةً أخرى، لم يمتلك زميله لويس هاميلتون أية إجابات لأسباب تفوّق الألماني.
حسناً، قد يقول البعض أن هاميلتون استرخى بعد فوزه باللقب. إذ أنه حقق كافة أهدافه الأساسية. ولكن في حال نظرنا إلى التواقيت التي سجلها هاميلتون نجد أنه كان يضغط بشكلٍ كبير من أجل محاولة خطف هذا الفوز الثمين في البرازيل.
هل وجد روزبرغ ذلك الحل السحري الذي سيؤدي إلى وضع أسس متينة لضمان المنافسة بشراسة على لقب السنة المقبلة وعدم السماح لهاميلتون بنيل اللقب ‘‘بسهولة’’ نسبياً كما حصل العام الحالي؟
جميعنا نذكر تصريحات هاميلتون بعد نهاية جولتي الولايات المتحدة والمكسيك، والتي وصفها زميله السابق جنسون باتون بـ‘‘الغرور’’. ولكن يبدو أن هذه التصريحات أدت مفعولاً عكسياً مع نيكو روزبرغ.
ففي حين كان هاميلتون يأمل أن تؤثر تصريحاته على نفسية روزبرغ وإضعافه بشكلٍ أكبر، إلا أن الأخير صرح، وبعد فوزه في البرازيل، أنه استلهم هذه التأدية القوية من تصريحات هاميلتون.
إذ قال روزبرغ لشبكة قنوات سكاي سبورتس البريطانية: ‘‘تلك التعليقات التي قالها هاميلتون بعد جولة أوستن أعطتني حوافز إضافية من أجل التغلب عليه. وصلت إلى المكسيك وأنا أشعر بهذه الحوافز الجديدة، وكنت أتعطش للفوز من جديد. كان سباق أوستن صعباً للغاية، وخسارة البطولة بهذه الطريقة مؤلمة جداً’’.
كما وصف روزبرغ تأديته منذ المكسيك على أنه سمح للأصول الفنلندي فيه بإطلاق العنان لسرعته، نظراً لأنه يتمتع بالجنسيتين الفنلندية – من والده بطل العالم لعام 1982 كيكي روزبرغ، والألمانية من والدته. ولم يتوقف روزبرغ عند ذلك الحد، إذ أعلن استعداده الكامل للمنافسة على لقب بطولة السنة المقبلة.
حيث أضاف: ‘‘أشعر بالإحباط مما حصل في الموسم الحالي ولكنني سعيدٌ لأن لديّ فرصة لتكرار المنافسة السنة المقبلة. علينا أن نراقب فيراري، إذ أن الفريق الإيطالي يشكل تهديداً، لكني آمل ألا يتمكنوا من تحسين تأديتهم بشكلٍ كبير لتستمر سيطرتنا’’.
‘‘أنا واثق أن المعركة ستكون رائعة بيني وبين لويس هاميلتون السنة المقبلة’’.
أما بالنسبة لهاميلتون، اكتفى بانتقاد القوانين الحالية للبطولة التي تعيق إمكانية لحاق سيارة لسيارةٍ أخرى، كما أشار إلى تغييراتٍ في السيارة لم تلائم أسلوب قيادته منذ جائزة سنغافورة الكبرى الكارثية بالنسبة للأسهم الفضية.
كما انتقد هاميلتون سياسة فريقه التي تقضي باعتماد استراتيجية واحدة لكل من سائقيه، وعدم السماح للسائقين باتخاذ قرارات استراتيجية.
هذا الأمر دفع روزبرغ إلى الإدلاء بمزيدٍ من التصريحات الجريئة، إذ وصف هاميلتون بـ‘‘السائق الذكي الذي يسعى دوماً إلى اختلاق الأعذار عندما يكون بحاجةٍ إليها’’.
هناك العديد من الأشخاص الذين يصفون المنافسة بين هاميلتون وروزبرغ كتلك المنافسة الأسطورية بين أيرتون سينا وألان بروست. ولكن رغم وجود اختلافات كبيرة بين المعركتين – سواءً من ناحية الوضع الحالي للفورمولا واحد أو طبيعة كل من السائقين – سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما ستؤول إليه الأمور السنة المقبلة، وإن كنا سنصل إلى نقطةٍ حرجة تؤدي إلى انهيار العلاقة بين الثنائي بالكامل.
بيريللي تريد زيادة الإثارة في السنة المقبلة؟
منذ دخولها إلى بطولة الفورمولا 1 بداية عام 2011، كانت بيريللي حريصة على تزويد الفرق بإطارات سريعة التآكل من أجل خلق تنوّع استراتيجي كبير من شأنه زيادة إثارة السباقات، وكان من النادر رؤية سباق يقوم فيه سائق بإجراء توقف صيانة وحيد.
ولكن في الموسم الحالي لاحظنا عدة سباقاتٍ كانت استراتيجية التوقف لمرةٍ وحيدة هي الأكثر فعالية، ما يخالف سياسة بيريللي.
وبعد جائزة البرازيل الكبرى، تكلم المدير الرياضي في بيريللي، بول هيمبري، عمّا يحصل. وأن المصنّع الإيطالي لا يتمكن من تصنيع الإطارات التي يريدها نظراً للقيود الكبيرة الموضوعة على تجارب الإطارات.
جميعنا يذكر في السابق كيف كانت شركتي ميشلان وبريدجستون تقومان بتجارب عديدة من أجل تطوير الإطارات في ظل المعركة المشتعلة والتي دامت لبضعة أعوامٍ مطلع القرن الحالي. وبغض النظر عن أن تلك التجارب كانت من أجل ضمان تفوق أحد الصانعين على الآخر، إلا أن إجراء تجارب مستمرة وباستخدام سيارات حديثة أمر أساسي من أجل جمع بيانات ضرورية لمعرفة كيفية تعامل الإطارات مع مختلف الظروف والحلبات.
ويبدو أن بيريللي تمكنت من فرض مطالبها على الفرق، والتي تنص على زيادةٍ ملحوظة في أيام تجارب الإطارات. إذ أن الثلاثاء الذي يتبع جائزة أبوظبي الكبرى الختامية لهذا الموسم سيشهد إجراء اختبارات للإطارات تشارك فيها كافة الفرق – باستثناء فريق مانور – من أجل تقييم إطارات السنة المقبلة واستخدام الإطار ‘ألترا سوفت’ بنفسجي اللون والذي سيكون أكثر ليونة من الإطار ‘سوبر سوفت’.
هذه التجارب ستتسم بالسرية الكاملة، إذ يُمنع حضور الصحافيين ووسائل الإعلام إلى الحلبة. وهو أمرٌ انتقده مدير فريق فيراري ماوريزيو أريفابيني إذ قال: ‘‘أعارض هذه الفكرة وكنت أفضل فتح الأبواب أمام وسائل الإعلام – تحتاج الفورمولا واحد للدعم من الناحية الإعلامية ولا نريد إجراء تجارب خلف الأبواب المغلقة’’.
كما تجدر الإشارة إلى أن بيريللي تسعى إلى إجراء المزيد من تجارب الإطارات خلال شهر كانون الثاني/ يناير المقبل على حلبة بول ريكار الفرنسية.
وبالتالي كافة المؤشرات تدل على أن الموسم المقبل سيشهد مزيداً من التنوع الاستراتيجي مع تعديل تصميم الإطارات، قبل اعتماد القوانين التقنية الثورية لسنة 2017 والتي من شأنها تغيير تصميم الإطارات بشكلٍ جذري أبرز ما فيه زيادة عرض الإطارات الخلفية لزيادة تماسك السيارات وتحسين سرعتها.
متى ينتهي كابوس ماكلارين هوندا المؤلم؟
مرةً أخرى، ومع قرب نهاية هذا الموسم، تستمر النتائج المخيبة للآمال لفريق ماكلارين. إذ أن هوندا لم تتمكن حتى الآن من إيجاد حلول لمشاكل نظام استعادة الطاقة ‘إي أر أس’، فضلاً عن ضعف قوة وحدة الطاقة ككل وانعدام وثوقيتها.
لاحظنا ذلك عندما انفجر محرك سيارة فرناندو ألونسو في حصة التجارب الثانية، وليستبدله الفريق بمحركٍ آخر انفجر في الحصة التأهيلية. هذا الأمر أدى إلى شعور ألونسو بالإحباط، وجلوسه إلى جانب الحلبة.
الصور الملتقطة لألونسو أصبحت شهيرةً للغاية على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وبعضها مضحك للغاية. كما أن ألونسو وزميله جنسون باتون صعدا على منصة تتويج البرازيل قبل انطلاق القسم الثاني من الحصة التأهيلية. إذ شعر الثنائي أن هذه هي الفرصة الوحيدة للصعود على منصة التتويج في الموسم الحالي.
ورغم أن إحباط كل من ألونسو أدى إلى قيامه بمثل هذه المواقف المرحة، أكد المدير الرياضي في هوندا ياسوهيسا أراي أنه لا يمانع تصرفات ألونسو، إذ قال لصحيفة ‘آي أس’: ‘‘من الواضح أن ألونسو يشعر بإحباطٍ كبير، كما أننا نشعر بإحباطٍ أيضاً’’.
‘‘ولكن السائقين يتمتعان بحس الفكاهة وهذا الأمر من شأنه مساعدة كافة العاملين ضمن صفوف الفريق. أحترم الاحترافية والحالة الذهنية التي يتمتع بها كل من ألونسو وباتون’’.
ولكن إلى متى بإمكان تحالف ماكلارين هوندا تلقي الضربات الموجعة؟
فعقب نهاية جائزة البرازيل الكبرى، أُعلن عن رحيل أشهر رعاة فريق ماكلارين تاريخياً ‘تاغ هوير’ من أجل الانضمام إلى ريد بُل، فضلاً عن إمكانية رحيل الراعي الكبير جوني والكر من أجل تمويل فريق فورس إنديا الذي يسعى للحصول على شراكة مع أستون مارتن.
نتيجةً لذلك نلاحظ انخفاضاً ملحوظاً في المساحات الدعائية على سيارات فريق ماكلارين. ورغم أن مجموعة ماكلارين ضخمة اقتصادياً وبإمكانها تحمل الخسائر، إلا أننا نتحدث عن الملايين من الدولارات التي كان من شأنها مساعدة الفريق في عملية تطوير السيارة.
في حال لم يتمكن تحالف ماكلارين هوندا من إيجاد حلول سريعة للمشاكل الحالية، سيستمر الرعاة بالهرب من هذا الفريق، ما يؤدي إلى تدهور الأوضاع المادية شيئاً فشيئاً. كما لا بد لنا ألا نغفل دور ذلك على نفسيات أعضاء الفريق الذين لن يتمتعون بنفس الحوافز والدوافع من أجل العمل على تطوير السيارة والسعي إلى إيصالها إلى مقدمة الترتيب من جديد.
وضع ماكلارين الحالي يذكرني بفريق ويليامز بعد انفصاله الشهير عن ‘بي أم دبليو’ إذ تراجع إلى منطقة متوسط الترتيب ليصبح – عام 2013 – من إحدى أضعف الفرق من ناحية التأدية على الحلبة ومن الناحية المادية على حدٍّ سواء.
ولكن من جهةٍ أخرى، أصبحت الأدلة على استمرار مشاركة فريق ريد بُل في الفورمولا 1 بعد نهاية الموسم الحالي أقوى من السابق.
يأتي ذلك مع تصريحات مدير الفريق كريستيان هورنر بأن الفريق تقدم بطلبٍ للمشاركة في بطولة السنة المقبلة، فضلاً عن انضمام تاغ هوير إليه. وبالتالي من المفترض أن نحصل على إعلانٍ رسمي عن استمرار العلاقة بين ريد بُل ورينو مع إعادة هيكلة طبيعة هذه العلاقة، وذلك رغم عدم وجود بشائر خير من معسكر رينو.
إذ أن فريق ريد بُل استخدم المحرك المطور في جائزة البرازيل الكبرى مع سائقه الأسترالي دانيال ريكياردو، إلا أن التأدية لم تُظهر تقدماً كبيراً من ناحية القوة الحصانية للمحرك مقارنةً مع النسخة القديمة غير المطوّرة والتي استخدمها الروسي دانيل كفيات.