الرجل الذي قام بمزاملة أيرتون سينا مع آلان بروست من أجل إيجاد إحدى أفضل المنافسات الشرسة في تاريخ بطولة العالم لسباقات الفورمولا واحد. يتحدّث مدير فريق ماكلارين رون دينيس بشكلٍ صريح عن علاقته مع المايسترو البرازيلي.
لا يوجد هناك العديد من الأشخاص المؤهلين للتكلم عن أيرتون سينا بشكلٍ أفضل من رون دينيس، مُدير السائق البرازيلي في فريق ماكلارين. ومع اقتراب الذكرى السنوية العشرين لوفاة بطل العالم الثلاثي، سيأخذ عالم الفورمولا واحد استراحةً بسيطةً من أشغاله الحالية، من أجل التركيز على على إرث وتأثير الرجل الذي يعتمده الكثيرون أفضل سائق فورمولا واحد على مر التاريخ.
ولكن من المرجح أن صوت رون دينيس هو الذي يدعم هذه الآراء بشكلٍ أفضل عندما يتحدث عن العديد من المواقف. إذ لم تقتصر علاقته مع السائق البرازيلي على علاقة عمل أدت لإحدى أفضل الشراكات التاريخية، إلا أنها كانت أعمق من ذلك بكثير.
كان ذلك بمثابة رحلة حياة. فتحت إمرة دينيس، تمكن سينا من النضوج من سائق فورمولا واحد غير خبير لأحد ألمع نجوم السباقات. ونتيجة عمله مع سائقه، تعلّم دينيس العديد من الأمور التي تتعلق بالشغف، التضحية، والالتزام الواجب التحلي به من أجل تحقيق النجاح.
ولكن حتى الآن، بعد كُل هذه السنوات منذ تلك الجائزة الكبرى المشؤومة في إيمولا، ما زال دينيس يشعر بالألم والحزن عند تحدثه عن هذه المشاعر التي حطّمت نفسيته في اليوم الذي انتهت فيه حياة سينا. كما أنه يشعر بخيبة أمله عندما يقوم العديد من الأشخاص بالإدلاء عن آرائهم في هذا الموضوع.
يقول دينيس عند الحديث عمّا حصل في إيمولا منذ عشرون عاماً: ‘‘من المؤكد أنه قد تحصل في حياة كُل إنسان مواقف ستغير مجرى الأمور بالكامل. في تلك اللحظة، اتخذت قراراً من حائط الفريق الهندسي أنني سأقوم بالتكتم وعدم الاختلاط بأي شخص بكل بساطة. من المستحيل أنني سأستطيع مُشاركة ما كُنت أشعر به في تلك اللحظة.’’
‘‘بإمكانك أن تبقى مُبتهجاً، وتلوح بذراعك والزعم بأنك تعرفه أكثر من أي شخص آخر. وهناك العديد من الأشخاص الذين تكلّموا في الفيلم الوثائقي الذي تحدث عن حياة سينا الذين لا يعنون شيئاً. إذ أنهم لم يكونوا قريبين من سينا طوال حياته.’’
‘‘لم تربطهم معرفة شخصية بسينا. ولكن ها هم يجلسون ويتحدثون في هذا الفيلم الوثائقي كما لو أنهم خسروا أحد أصدقائهم المقربين. لم تكن هذه هي حقيقة ما حصل.’’
علاقة مليئة بالمشاعر
انقضاء هذه المدة الزمنية الطويلة قد خفف من آلام دينيس. بالفعل، أصبحت العديد من الحوادث الشهيرة بينه وبين سينا بمثابة قصص تقليدية تُحكى وتُكرر بشكلٍ دائمٍ في أوساط عالم الفورمولا واحد، مثل حادثة رمي القطعة النقدية من أجل تحديد رواتبه عند انضمامه لماكلارين، والمراهنة على مبلغ 10 آلاف دولار حول إمكانية تناول الفلفل الحار في إحدى السنوات في المكسيك.
ولكن تبقى المشاعر العاطفية التي سادت علاقة سينا ودينيس من الأمور التي لم يتحدث عنها الأخير بشكلٍ علني: كيف تلاقت دروبهم، قبل أن تتباعد، لتتقارب من جديد قبل أن تتباعد بشكلٍ مؤبد. يملك دينيس إيماناً عميقاً بأننا جزءٌ من عمليةٍ إنسانية حيث يُكتب لكل شخص المرور بمواقف معينة من أجل الحصول على أحداث قد توصف بأنها جاءت كمشيئةٍ للأقدار.
يقول دينيس: ‘‘لدى حياتك نصٌ مكتوب مُسبقاً، أنت تقوم بوضع الأحداث في داخله. لا يمكن لأحد مناقشة بأن هذا هو نص حياة سينا، لأنه برهن على حقيقة ذلك.’’
يعتقد دينيس أن هذا ما حصل لسينا بالضبط في سباق جائزة موناكو الكبرى عام 1988، بعد لفاته الشهيرة في الحصة التأهيلية. إذ حسب رأيه يكون السائق في حالة لا وعي، أو يخوض تجربةً دينية بشكلٍ أو بآخر، عندما يمر في مثل هذه المواقف.
يشرح دينيس الأمور بشكلٍ أكثر بساطة فيقول: ‘‘في الواقع، كان هو سائق تسابق لم نشهد له مثيلاً.’’
من المثير للاهتمام أن دينيس لا يختار إعادة كتابة التاريخ عند الحديث عن علاقته بسينا. إذ من السهل للغاية، نظراً لطبيعة كُل من الشخصين، أن مشيئة الأقدار كانت ستجمعهم سويةً.
في الواقع، فإن ما يتذكره دينيس عن أولى المواقف التي جمعتهم سويةً كانت عدم إعجابه بطريقة تصرف سينا، على الرغم من عدم تردده في الموهبة التي كان يملكها.
بعد النجاحات المبهرة التي حققها البرازيلي الشاب في فئات فورمولا فورد البريطانية والأوروبية عام 1982، حاول دينيس التواصل معه. وعرض دينيس تمويل سينا بالمبالغ اللازمة لانتقاله إلى سلسلة فورمولا 3 البريطانية لعام 1983 مُقابل توقيع سينا لعقدٍ مبدئي يضمن انتقاله لماكلارين.
يُتابع دينيس في حديثه: ‘‘لا أذكر مطالبه بالضبط، ما إذا كان يطالب ببندٍ معين في عقده، أو الحصول على يوم اختبارات في سيارة فورمولا واحد. ولكنني قلت له، في حال قدمت لي ضمانات بقيادته لمصلحتنا في المستقبل، سأضمن بالمقابل تمويل موسمك في الفورمولا 3. ولكن كان من الواضح أنه لم يكن مهتماً بذلك، على الرغم من أنه لم يكن فظاً. كان يمتلك المواهب الفذة، وكان يريد أن يبقى مستقلاً. لم يرق لي الأمر بشكلٍ كبير، ولكنني احترمت قراره.’’
استرجع دينيس ذكريات هذه الحادثة بشكلٍ سريع عندما قام سينا باختبار سيارة ماكلارين في شتاء عام 1983.
‘‘عندما قام باختبار السيارة، كان مغروراً للغاية إذ كان يحرص على أن لا يقوم بقية السائقين الشباب بإلحاق الضرر بالسيارة، إضافةً لطلبه التزود بإطارات جديدة وما إلى ذلك.’’
‘‘كنت أرى أنه يعتمد أسلوب ‘أنا دوماً على ما يرام’ في التعامل. كان شخصاً ذو مبادئ معينة. وبالتالي لم يرق لي ذلك كثيراً، لقد كان سريعاً ولكنني لم أكن مهتماً بالتعامل معه. لم يكن الأمر مهماً للغاية إذ كان صغير السن من أجل القيادة لمصلحتنا على أي حال. أخبرناه بأنه يجب عليه أن يبحث عن فرصة دخول الفورمولا واحد مع فريقٍ آخر.’’
إلا أن القدر كان سيجمعهم مرةً أخرى.
يقول دينيس بأن سينا لفت انتباهه مرةً أخرى في سباق جائزة موناكو الكبرى لعام 1984، عندما كان السائق البرازيلي يطارد متصدر السباق آلان بروست في ظروفٍ مناخية قاسية قبل أن يتم إيقاف السباق قبل نهايته.
وبعد أربعة أعوامٍ كان سينا، والذي قد حقق الفوز في مسيرته مع فريق لوتس آنذاك، هو فتى ماكلارين الذهبي الذي دشّن حقبةً لا تُنسى للفريق الذي يتخذ من مدينة ووكينغ مركزاً له، والتي بدأت بإحراز سينا لأولى ألقابه عام 1988.
وبعد عدم إعجابه ببعض صفات سينا الشخصية، لم يقم دينيس باحترام هذه الصفات فحسب، بل تمكّن من الاستلهام من هذه الصفات لكي يتحلّى بها هو أيضاً.
يُتابع: ‘‘قمت برفع المستوى المطلوب لأنني لاحظت مستوى الالتزام في قيادته.’’
‘‘يحصل معنا ذلك في العديد من مواقف الحياة، في حال أشار أحد الأشخاص أنه بإمكانك المحاولة بشكلٍ أكبر وبذل مجهود أفضل، ستفعل ذلك.’’
‘‘أظهر لنا استعداده الكبير لتحقيق أهدافه. وبالتالي توجّب عليّ رفع مستوى أدائي نتيجةً لذلك. أعتقد أنه يجب عليك أن تكون بنفس جودة الشخص الذي تعمل معه، أعجبتني مبادئه.’’
تميزت أعوام سينا في ماكلارين بالعديد من النقاط الجيدة والسيئة، إضافةً للعديد من الأوقات العصيبة. كانت هناك لحظات توجب فيها على دينيس القيام بالأفضل لمصلحة الفريق، وإن كان ذلك يعني التضحية بالعديد من مصالح الشخصية نتيجةً لذلك.
يتذكّر تدهور العلاقة بين سينا وبروست في جائزة إيمولا الكبرى لعام 1989، عندما أعرب عن ازعاجه عن انهيار العلاقة بين السائقَين وظهور ذلك بشكلٍ واضح لوسائل الإعلام.
يقول: ‘‘لست فخوراً بهذه القصة على الإطلاق. كان لدينا حافلة من نوع مرسيدس يوجد بداخلها مقعدين متقابلين جلسنا عليهم. وكنت غاضباً للغاية لأنهم لم يقوموا بالتعامل مع وسائل الإعلام بشكلٍ صحيح.’’
‘‘ذهبت إلى مدينة بيمبري، وأنا لست شخصاً جباناً كما تعلم. قمت بتوبيخهم بشدّة، والمنهج الذي قمت باتباعه هو أن أحاول الظهور بمظهر الشخص السيئ، ففي حال كنت سيئاً في التعامل معهم، لن يتعاملا مع بعضهم البعض بشكلٍ سيئ. كنت آمل بأن يتوافقا في الرأي ويقولا ‘أليس رون رجلاً سيئاً؟’. هذا ما حاولت القيام به من أجل إجبارهم على التعاون مع بعضهم البعض، عن طريق تحويل نقطة التركيز نحوي.’’
كانت الأضرار قد حصلت على أي حال، وفشلت جميع محاولات دينيس بتحسين العلاقة بين سينا وبروست. وتُعرف الفترة التي تواجد فيها السائقان في فريق ماكلارين على أنها فترة تنافس شرس وشديد للغاية. ولكن على الرغم من ذلك، كان من الممكن ملاحظة تحسن كبير في هذه العلاقة المتوترة في الأشهر الأخيرة من حياة سينا عندما لم يكونا يتنافسان مع بعضهما البعض بشكلٍ مباشر.
وبالنسبة لدينيس أيضاً، فقد أدت نهاية العلاقة بين سينا وماكلارين عام 1993 لوجود تغييرات كبيرة في العلاقة بين دينيس والسائق البرازيلي، ويعترف بأنهم لربّما كانوا يحتاجون لبعض الوقت بعيداً عن بعضهم.
يتذكّر دينيس ما حصل: ‘‘كان شخصاً وفياً. ولكنني أعتقد أننا كنا نحتاج لبعض الوقت بعيداً عن بعض بحلول آخر سباق له مع فريق ماكلارين في استراليا من عام 1993. إذ كانت علاقتنا متوترةً للغاية.’’
وعلى الرغم من توقيعه لعقدٍ مع فريق ويليامز، كان سينا متردداً للغاية في الرحيل عن فريق ماكلارين. كان دينيس عازماً على عدم السماح له بالرحيل بشكلٍ سهل، ويعترف بأنه كانت مجريات الأحداث ستكون مختلفة بشكلٍ كبير لو كان توقيت توقيع الشراكة بين ماكلارين وبيجو لعام 1994 مختلفاً.
‘‘في آخر جائزة كبرى من عام 1993، تواجد في الفريق العديد من الأشخاص المتأثرين جداً من الناحية العاطفية. لن أقوم بتسميتهم، ولكن كان هناك بعض الأشخاص المنهارين عاطفياً. قلت لهم ‘بحق السماء، أنا أحاول أن أضمن عدم رحيله عن الفريق. لا أريد أن تكونوا على هذه الحال، اهدؤوا!’’
‘‘كان من الواضح أنه كان متردداً. كان متردداً للغاية. ولكنه قال ‘قمت بتوقيع عقد معهم’. قلت له أنه من الممكن عدم تحقيق شروط العقد والتوصل إلى تسوية. وعلى أي حال أنا سأتكفل بكُل ما سينجم عن ذلك في حال قرر عدم الالتزام بعقده. ولكنه قال ‘ولكنني ملتزمٌ معهم. هذا العقد بمثابة التزام من طرفي’. جعلتهم متردداً طوال ليلة السباق. وعلى الرغم من أن علاقتنا مع بيجو كانت كارثيةً على كافة المستويات، في لحظة توقيعنا عقد للحصول على محركات مصنعية من بيجو –بعد رحيله- اتصل بي وقال ‘لو قمت بالإعلان عن هذه الصفقة مننذ شهرين لكنت قد بقيت مع الفريق’ لأنه كان يعلم أنه من المستحيل تحقيق الانتصارات من دون وجود محركات مصنعية.’’
لم تستمر علاقة سينا مع فريق ويليامز وقتاً طويلاً، إذ دامت ثلاثة سباقات فقط قبل أن يرحل عالمنا في إيمولا. هذه النهاية المزعجة لمسيرة أحد أنجح سائقي الفورمولا واحد حرمت الرياضة من ألمع نجومها، ولكنها ساهمت في شكلٍ من الأشكال بجعل سينا أسطورةً.
يعترف دينيس بذلك، فكما هو الحال مع نجوم الموسيقا أو نجوم هوليوود الذين تنتهي حياتهم وهم في أوج عطائهم، فمن تأثيرات الوفاة في سنٍّ مبكرة وجود سمعة خالدة لهؤلاء الأشخاص. وعند سؤاله لماذا يُعتبر سينا الأعظم من قِبل العديدين، يقول دينيس: ‘‘أعتقد لأنه كان جيداً أكثر من اللازم طوال فترة حياته.’’
‘‘لا أرى أي إيجابيات في أنه تعرض لحادثٍ أدى لوضع حدٍ لحياته، ولكننا لم نرغب بأن نشهد تدهور أدائه مع كبر سنه. نتذكّر أنه كان تنافسياً بشكلٍ غير مسبوق، ومن ثم لم يعد هنا بشكلٍ مفاجئ. وبالتالي هذه هي ذكرياتنا الوحيدة عنه.’’
‘‘لم أفكر في يومٍ من الأيام عمّا كانت ستكون حال سينا في ما لو بقي على قيد الحياة. ولكن لعلّه كان سيبدو كبيراً في العمر بالتأكيد، ومن المرجح أن حياته كانت ستحتوي على العديد من الأمور التي كانت ستضر بسمعته.’’
إلا أن دينيس كان حريصاً، على الرغم من ذلك، من توضيح أن تبجيل سينا والصورة الحالية له لا تقتصر على وفاته وحسب.
يُضيف: ‘‘كان عظيماً، وهذا الأمر يفوق كل الأشياء أهميةً. كانت لديه مبادئ إنسانية جيدة. كان شخصاً ذو مبادئ وقيم ثابتة. من دون شك أتذكر سباق جائزة اليابان الكبرى على حلبة سوزوكا عام 1990، عندما تعرض هو وبروست لحادث اصطدام عند المنعطف الأول من اللفة الأولى. نظرت إلى كافة المعطيات الصادرة عن سيارته، ولم يجب عليك أن تكون نابغةً من أجل اكتشاف حقيقة ما حصل. وعندما عاد إلى منطقة الصيانة قلت له: ‘لقد خاب ظني بك’.’’
‘‘استوعب ذلك. لم يقم بقول أي شيء. كانت هذه إحدى نقاط ضعفه النادرة.’’
فإذاً هل كان سينا السائق الأعظم حسب رأي دينيس؟
يجيب رون عن هذا السؤال فيقول: ‘‘أعتقد أن الأكثر دقة أنه كان الأفضل في زمنه، من دون شك.’’
‘‘هناك العديد يسألون ما الذي كان سيحصل في حال تسابق سيباستيان فيتيل ضد أيرتون سينا في نفس السيارة؟ ولكن يجب النظر إلى هذا الموضوع من وجهة نظر موضوعية. أظهر سيباستيان، بالنسبة لي، ماهية الانضباط والتضحية بأسمى معانيها. إنه سائقٌ ملتزم بدرجةٍ كبيرة. بالتأكيد نسمع العديد من القصص عن أنه يجعل صديقته تجلس في المدرجات بدلاً من وجودها في منصة الصيانة [إذ يعتقد سيباستيان أن وجودها في منطقة الصيانة سيشكل إلهاءً بالنسبة له].’’
‘‘ماذا يعني ذلك؟ هذا الأمر يعني أنه سائق يقدم تضحيات كبيرة. وكأنه يقول أنه يريد تقديم أقصى طاقة ممكنة في كل مرة يقفز فيها داخل مقصورة القيادة.’’
بالتأكيد فإن حلول الذكرى السنوية لوفاة سينا في الأول من شهر أيار/ مايو يؤدي لاندلاع مثل هذه النقاشات على الدوام، بخصوص من هو أفضل السائقين أو متى كانت أفضل حقبات الفورمولا واحد.
ولكن في الحقيقة فإن العلاقة التي ربطت سينا ودينيس مرّت بالكثير من الأمور، إذ أنها حققت النجاح، السعادة، التوتر، والمشاعر وبالتالي أصبح من المستحيل انتقاء لحظة مميزة.
لعل الأمر صحيح بالنسبة لسينا أيضاً: العديد من انتصاراته كانت عظيمة. كما أن العديد من لفاته التأهيلية كانت على مستوى آخر مقارنةً بكافة المنافسين ورفع معيار المنافسة بشكلٍ كبير.
يختتم دينيس مقابلته بقوله: ‘‘هناك العديد من الأمور التي تأتي في بالي. عندما قام ميكا هاكينن بتجاوز مايكل شوماخر بعد منعطف أو روج الشهير في حلبة سبا البلجيكية [عام 2000]، قمت بحبس أنفاسي لحوالي 30 ثانية بعد إتمام التجاوز. كانت حركة تجاوز مذهلة على كافة الصعد.’’
‘‘ولكن لفّات أيرتون في الحصص التأهيلية كانت مذهلةً على الدوام. كان رائعاً بحيث أنه من الصعب التمييز بين اللحظات المذهلة. كان إنساناً رائعاً بالفعل.’’
وفوق كُل ذلك، ما زال سينا إنسانٌ نفتقد لوجوده بعد كُل هذه الأعوام.
أفتقد للمرح الذي كنت أحظى به مع سينا
عندما نفكر بأيرتون سينا و ماكلارين، غالباً ما يخطر ببالنا تلك الخوذة الصفراء في السيارة الحمراء والبيضاء التي تجتاح الحلبات الحلبة تلو الأخرى في طريقها لإحراز الألقاب.
ولكن بالنسبة لرون دينيس، ليست الانتصارات والنجاحات التي كان يحققها مع سائقه البرازيلي هي أكثر ما يفتقد لوجوده.
يقول دينيس: ‘‘أفتقد للمرح. معظم الأشخاص يظنون أنني أفتقد للانتصارات والنجاحات. ولكن لا. كنا نؤدي عملنا عندما كنا نقوم بتحقيق تلك الانتصارات. وبالتالي لم يكن هذا كل ما أفتقد لوجوده.’’
هذا التغير في طريقة تعامل سينا كان واضحاً بعد انضمام غيرهارد بيرغر إلى فريق ماكلارين عام 1990، الأمر الذي أدى لوجود العديد من المقالب والأوقات المرحة.
يُتابع دينيس: ‘‘ لم يمتلك غيرهارد أي حدود للمقالب. وأنا أعني ذلك. كان يصل به الحد لتنفيذ مقالب خطرة أحياناً.’’
‘‘في مرةٍ من المرات كنا في جزيرةٍ استراليّة وكنا نقوم بالغطس تحت سطح الماء بأعماقٍ كبيرة، وقرر بيرغر عندئذٍ إيقاف عمل مضخة الهواء الخاصة بي. وقد وجد هذا الأمر مضحكاً!’’
‘‘صادف ذلك اليوم عيد ميلادي وكان بيرغر وسينا يريدون منحي قالباً من الحلوى. ولكن بدلاً من ذلك قرروا الإلقاء بي في مياه المحيط والتنبؤ إذا ما كنت سأجذب أسماك القرش نحوي! كان تلك أوقاتاً مرحة بالتأكيد. ولكنني لم أشعر بأنها كانت مضحكة في ذلك الوقت.’’
كما يذكر دينيس العودة إلى غرفته في أحد الفنادق الفاخرة في إيطاليا خلال مجريات جائزة إيطاليا الكبرى لأحد الأعوام، ليجد أن جدران غرفته أصبحت مكسيةً بصورٍ من مجلات إباحية.
يُكمل دينيس: ‘‘بإمكانك تصوّر أن إيجاد حل لهذا المأزق لم يكن أمراً سهلاً، لأن هذه العملية لم تتم دون تخريب أساسات الديكور في الغرفة، الأمر الذي لم يرق لإدارة الفندق من دون شك.’’
‘‘في ذلك المساء كان هناك مأدبة عشاء للفريق، وعندما عاد أحد أعضاء الفريق إلى غرفته لم يجد أي شيء فيها. لا مفروشات ولا ألبسة.’’
‘‘هذه هي الأمر التي أفتقد لوجودها بشكلٍ كبير وهي كُل ما أتذكّره. الضحكات والأوقات الممتعة.’’
أفكار رون عن…
بداية التوتر بين سينا وبروست
‘‘كُنا قد أعلنا عن انضمام سينا لصفوف فريقنا لموسم 1988 في جائزة إيطاليا الكبرى على حلبة مونزا. كانت تلك أول مرة ألحظ فيها توتّر آلان، كان يفكر إذا ما كانت العلاقة بينهم ستنجح؟ كان آلان قد أسس نفسه كسائقٍ أساسي يقوم بقيادة الفريق، وها هو سينضم إليه سائقٌ شابٌ جديّ. لم يُعرب آلان عن أي مشاكل في ما يتعلق بالتنافسية بينه وبين سينا، ولكنّه لم يكن مُعجباً بشخصيات السائقين الذين ينحدرون من أميركا الجنوبية. قال لي ‘‘لننتظر ونرى ما ستكون النتيجة. سيكون الأمر صعباً للغاية.’’
أسباب تعرّض سينا لحادث اصطدام في سباق جائزة موناكو الكبرى لعام 1988
‘‘فقد تركيزه للحظةٍ معينة. كُنا نطلب منه التخفيف من سرعته باستمرار، وعندما يُطلب من السائقين القيام بذلك خلف مقود سيارة تسابق، فإنهم سيفقدون تركيزهم من دون شك. كان مجرد تشتت في التركيز، ولا شيء أكثر من ذلك، وكان سينا غاضباً بشكلٍ كبير في ذلك الوقت لأنه ارتكب خطأً لا يُعبر عن ميزاته. لم يعد إلى منطقة الصيانة، بل ذهب إلى شقته على الفور، إذ أنه عبر الحلبة مشياً وذهب إلى شقّته ولم يخرج منها لساعاتٍ متأخرة من مساء ذلك اليوم.’’
كيفية إدارة ما حصل في إيمولا عام 1989
‘‘لم تتم إدارة ذلك الموقف. ما حصل أنهم فقدوا الثقة ببعضهم البعض. أعتقد أنه يجب توجيه اللوم لكلاهما [سينا وبروست]. إذ أنهم قدموا التزامات لبعضهم البعض في العديد من المرات. وفي تلك الجائزة تم الكشف عن إحدى هذه الالتزامات بشكلٍ علني. كانت هناك حالة من الغضب والتوتر الغير مسبوق.’’
استئناف قرار الاتحاد الدولي للسيارات بعد حادثة سوزوكا من عام 1989
‘‘بالتأكيد كانت تجتاحني العديد من المشاعر الجياشة آنذاك لأن قرار الاتحاد الدولي للسيارات كان خاطئاً بشكلٍ كبير. قدّمت مقاطع فيديو للعديد من الحوادث التي خرجت فيها السيارات عن مسار الحلبة لتعاود الانضمام بنجاح دون أن يتم فرض عقوبات على السائقين. أذكر أن ماكس موسلي [والذي أصبح لاحقاً هو رئيس الاتحاد الدولي للسيارات] كان متواجداً، وكان يشنّ حملةً انتخابيةً ضد جان ماري باليستر [رئيس الاتحاد الدولي للسيارات في تلك الفترة]. كان يُظهر دعمه لي بشكلٍ كبير. قال لي ‘سأقوم بكُل ما أستطيع القيام به، أرجوك صوّت لي فحسب!’ لقد كنت سطحياً للغاية وقمت بتصديقه أليس كذلك؟ يجب أن نكون حذرين في اختياراتنا على الدوام…’’
جان ماري باليستر
‘‘هناك أحد المشاهد في الفيلم الوثائقي الذي يتحدث عن حياة سينا، في كُل مرة أشاهد الفيلم أضحك عند عرض هذا المشهد. عندما كان باليستر يتحدث عن المنعطفات المزدوجة في حلبة هوكنهايم الألمانية، وبالتأكيد كان يتعرض لضغطٍ كبير من قبل السائقين. كان مشهداً ساخراً بشكلٍ لا يُصدق، وأظهر عدم معرفة باليستر في ما يتعلق بالفورمولا واحد على الإطلاق.’’
اقتراب سينا من الاعتزال عام 1990
‘‘طلبت منه الهدوء وعدم التعجل باتخاذ قراراته. قلت له ‘إذا توقفت الآن، يكونوا قد فازوا. هذا هو ما يريدون تحقيقه. لن تربح في حال توقفت الآن، ستكون أنت الخاسر.’’
مُعتقدات سينا الدينية
‘‘لم يكن الأمر كما تصوّره عامة الناس. كان مُتديناً بالتأكيد، ولكن ليس بشكلٍ كبير كما يتصور العديدون. أعتقد أن أُخته قامت بإعطائه بعض النصائح وطلبت منه التوجه إلى الإنجيل من أجل معرفة أسباب أمرٍ معين. بالنسبة لأيرتون، كان يجب وجود سبب لحصول كُل شيء، كان يطلب المساعدة على الدوام من أجل معرفة أسباب حصول كافة الأمور.’’
أقوى ذكرى له مع أيرتون
‘‘قدّم أيرتون لي ظرفاً يحتوي على 10 آلاف دولار في إحدى المرات بخصوص رهان عن عدم قدرتي على تناول كميات كبيرة من الفلفل الحار في المكسيك. إذ لم تسنح له الفرصة قبل أن أقوم بتنفيذ الرهان. وكانت تلك هي رابع مرة يخسر فيها رهاناً كبيراً. ما زلت أحتفظ بذلك الظرف، وأتذكر عندما أعطاني إياه. قال لي آنذاك ‘لن أقوم بالمراهنة معك بعد الآن. أن الذي أدخلتني إلى عالم المراهنة والقيام بذلك لا يُعتبر صائباً!’ كان من الصعب رسم البسمة على وجه أيرتون، ولكن حمله على تقديم النقود كان يفوق ذلك صعوبةً! كانت تلك لحظةً رائعةً، ولكنني دفعت الثمن غالياً بعد عدّةِ أيام.’’
اعتقاد سينا بأنه كان ينافس سيارة غير قانونية عام 1994
‘‘لا أملك أي معلومات عن حيثيات الحادث. ولا أعلم نمط قيادته مع ويليامز ذلك العام. كل ما كان يفكر به هو ‘هل المنافسة ستكون مجدية؟ أنا أخوض منافسةً غير عادلةٍ.’ وبالتالي أستطيع أن أؤكد وجود أحاديث مباشرة مع البروفيسور سيد واتكينز [الطبيب الخاص ببطولة الفورمولا واحد آنذاك، وأحد الأصدقاء المقربين لسينا]، إضافةً لوجود أحاديث غير مباشرة معي بشأن الاعتزال والرحيل عن ساحات البطولة.’’
تأثير وفاة سينا على عالم الفورمولا واحد
‘‘هناك العديد من التغييرات التي تحصل، إضافةً لوجود العديد من المشاعر التي تتبع حصول الحوادث. خصوصاً بعد خسارة السائقين لحياتهم بعد تلك الحوادث. وسيستمر حصول ذلك في المستقبل. ولكن هل كانت هي لحظة معينة قامت بتغيير عالم الفورمولا واحد بالكامل؟ لا أعتقد ذلك. حصلت العديد من ردات الفعل، كما هو متوقع، بالنسبة لعالم وسائل الإعلام.’’