كان فريق فيراري هو الوحيد الذي تمكن من التغلب على مرسيدس في موسم 2015 من بطولة العالم للفورمولا 1، ولكنه لم يتمكن من المحافظة على تهديده على مدار الموسم. يحلل غاري أندرسون ما على فيراري القيام به من أجل منافسة مرسيدس بوتيرةٍ أعلى.
كلّما اقترب أحدٌ من القمة، سيكون من الصعب تحقيق تلك القفزة النوعية التي تضمن وصوله إلى الذروة. هذا الأمر ينطبق بشكلٍ فعلي على عملية تطوير سيارات الفورمولا 1.
عندما تتغير القوانين بشكلٍ جذري، كما حصل عام 2014 وقبله عام 2009، سيتمكن أحد الفرق من التقدم على منافسيه والتمتّع بأفضلية. في هذه الحقبة من القوانين، هذا الفريق هو مرسيدس، والذي كانت تأديته متواضعة نسبياً في السابق بعد استحواذه على فريق براون الذي تمتع بنجاحات كبيرة في آخر ثورة تقنية للقوانين قبل ذلك.
كافة المؤشرات تدل على أن وحدة طاقة مرسيدس هي الأفضل في عالم الفورمولا 1، ولكنني لا أمتلك أي شكوك حول جودة الهياكل أيضاً. إذ أن السيارة تنافسية في مختلف الحلبات كما أنها تستخلص عادةً أفضل ما يمكن من الإطارات على مدار لفة وحيدة. كما أنها قوية في ما يتعلق بالمحافظة على الإطارات، وبالتالي بشكلٍ عام فإن هذه السيارة متكاملة من الصعب التغلب عليها.
إذا كان بإمكان فريقٍ واحدٍ التغلب على مرسيدس، يجب أن يكون هذا الفريق هو فيراري. ففي عدة مناسباتٍ من موسم 2015 تمكن الفريق الإيطالي من منافسة مرسيدس ولكنه لم يحظَ بتلك الأفضلية الحاسمة من أجل التغلب عليه. وبالتالي كانت هناك العديد من النجاحات في ماليزيا، المجر، وسنغافورة ولكن المنافسة على بطولة العالم لم تكن جدية.
بين عامي 2014 و2015 حقق فريق فيراري نقلةً نوعيةً، وأنهى البطولة في المركز الثاني في ترتيب الصانعين بعدما كان أنهى العام السابق في المركز الرابع وبفارقٍ كبير. أعتقد أن معظم هذا التحسن في الأداء جاء عبر وحدة الطاقة بشكلٍ مشابهٍ لما قام به فريق مرسيدس عام 2014 عندما فاجأ الجميع بتأدية محركاته.
وخلال موسم 2015، لم يتمكن فريق فيراري من تقليص الفارق إلى مرسيدس بشكلٍ كبير. كانت هناك بعض الحلبات التي فضّلت سيارةً على أخرى، ولكن بناءً على متوسط أسرع اللفات في كل جولة، كان هناك فارق وصل إلى 0.8% بينهما. وبالتالي باعتبار أن متوسط توقيت اللفة هو 90 ثانية، يبلغ هذا الفارق 0.72 ثانية.
إن فيراري كانت واثقة في ما يتعلق بالنقاط التي يجب العمل عليها خلال الفترة الشتوية. إذ أنها قامت بتحليل كافة المعطيات الممكنة من سرعة سيارات مرسيدس على مدار موسم 2015 وقارنتها بتأدية سياراتها. ولكن العامل الأساسي هو تحديد المسار الذي يجب اختياره من أجل تقليص الفارق.
ما زالت هناك إمكانيات لتحقيق مكاسب كبيرة مع وحدة الطاقة، ولكن علينا ألا نقلل من أهمية مرسيدس وما يمكن للمصنع الألماني تحقيقه في هذا المجال. إذ أن تقليص الفارق لا يتعلق بإمكانية تحسين سيارتك وحسب، وإنما يتعلق ذلك بإمكانية تحسين سيارتك بقدرٍ موازٍ لمنافسيك ومن ثم وجود إمكانية لتحقيق مكاسب إضافية علاوةً على ذلك.
ومن ناحية الهياكل، فإذا كنت تفتقد لنسب الارتكازية الإجمالية هل تقرر المضي قدماً في إيجاد المزيد من الارتكازية على حساب الحساسية الانسيابية؟
وفي حال لم تكن واثقاً من إمكانية استغلال السائقين لهذه الارتكازية إلى أبعد الحدود، هل تحاول تقليل الحساسية الانسيابية من أجل توفير سيارة أكثر ثباتاً؟
هل عليك أن تجعل استجابة التوجيه سلسة وانسيابية أو عليك أن تجعلها أكثر عدائية وبحيث يبذل السائق مجهوداً خلف مقود السيارة؟
هذه بضعة تساؤلات على المدير التقني لفريق فيراري جايمس آليسون إيجاد الأجوبة لها. وفور قيامه بذلك، عليه وضع مواصفات للسيارة الجديدة وبعد ذلك تكون هناك مهمة أمام كافة الأقسام تقضي بالتعاون والتنسيق من أجل تحقيق هذه الأهداف.
إذ أن مواصفات السيارة تتطور باستمرار، ولكن يجب أن تكون موضوعة ومحددة قبل العطلة الصيفية في شهر آب/ أغسطس من العام السابق. في حال وُضعت مواصفات السيارة في وقتٍ أبكر، يمكن مراجعتها باستمرار، ولكن من تلك النقطة يجب تحديد مسار تطويري لا يمكن الانحياز عنه.
المشكلة الكبيرة هي أنه في حال الاستمرار بما قام به الفريق في السابق، من المرجح أنه سيواجه نفس المشاكل المتوارثة مرةً أخرى.
ففي كل عامٍ، يجب النظر بشكلٍ أعمق في النقاط التي تتطلب إجراء المزيد من الأبحاث. لا يستوعب أي فريقٍ ما الذي يجعل سيارة فورمولا 1 سريعة بنسبة 100%، وقد تكون محظوظاً في بعض الأحيان ولكن في معظم الأحيان الأخرى فإن هذا الحظ سينقلب عليك.
لنفترض مثلاً وجود فريق في الصدارة اسمه ‘x’، يستوعب بنسبة 80% ما يجب القيام به من أجل تصميم سيارة سريعة. هذا يعني أنه لا يدرك 20%. في أحد الأعوام، فإن هذا الفريق سيكون محظوظاً ولا يرتكب أية أخطاء في هذه الـ20%. ولكن في العام التالي يرتكب الفريق خطأً في هذا المجال ويواجه الفريق حظاً سيئاً ولن تكون تأدية السيارة كما هو متوقع.
وبشكلٍ اعتيادي، يقوم كافة أعضاء الفريق بالضغط في مجالات الأبحاث المتكررة، ولكنهم يكتشفون أن كافة العوامل في هذه الجوانب أفضل مما كان الحال عليه في العام السابق. وبالتالي ستكون هناك العديد من الصعوبات لحين محاولة الخروج فكرياً من مجال الـ80%. وبشكلٍ مفاجئ، سيتمكن الفريق من إيجاد الحل وبالتالي سينخفض مجال عدم الاستيعاب إلى 15%.
في حال كنت متواجداً مع فيراري، فإن السؤال الأبرز الذي يجب الإجابه عليه هو تقريرهم لعدم وجود مكاسب كبيرة من اعتماد مقدمة قصيرة للسيارة. إذ أن كافة الفرق الأخرى سلكت هذا المسار وتمكنت من اعتماد هذا المفهوم منتصف الموسم الماضي. ونظراً إلى أن تغيير بنى التصادم في مقدمة السيارة مكلف للغاية، لا بد أن المكاسب ستكون كبيرة.
إذ أن الجناح الأمامي ومقدمة السيارة يحددان كيفية تدفق الهواء إلى بقية أجزاء السيارة. في حال تمّ ذلك بصورة صحيحة، ستكون استجابة السيارة مثالية. ولكن في حال ارتكاب أخطاء فإن محاولة الحصول على مزيد من الارتكازية من السيارة سيكون أشبه بمحاولة اقتلاع الأسنان من فم الدجاج!
لا أمتلك أي شكوك بأن فيراري دققت في هذا المجال بشكلٍ عميق. لعلّ الأمر الأساسي الذي أثر في قرار فيراري هو اعتماد أذرع السحب في نظام التعليق الأمامي. إذ أن مهمة أنظمة التعليق، خصوصاً الأمامية، لا تقتصر على دعم العجلات وحسب، وإنما التحكم بتدفق الهواء القادم من الجناح الأمامي.
سيكون من السهل للغاية ارتكاب أخطاء في هذا المجال، وبالتالي عدم الحصول على الاستجابة المطلوبة من المقدمة والتي كانت ملائمة لكافة الفرق الأخرى.
قد يكون هذا هو الأمر الأساسي، ببساطة، الذي تسبب بتأخر فيراري عن مرسيدس بـ0.8 ثانية على مدار 2015. قامت فيراري بكافة الأبحاث، ولكنها لم تجد أية مكاسب بسبب المخاطر المحيطة بهذا المفهوم.
ومن أبرز الجوانب التي سيحقق فريق فيراري فيها مكاسب كبيرة هي وجود سيباستيان فيتيل في عامه الثاني مع الفريق. إذ أن مسيرة فرناندو ألونسو مع فيراري كانت انتهت فعلياً قبل عامٍ أو اثنين من رحيله إلى ماكلارين، وبالتالي في ما يتعلق بتصميم الهيكل ستكون هناك مساهمة كبيرة من وجهة نظر فيتيل مقارنةً مع ما كان الحال عليه بالنسبة لموسم 2015 أو حتى المواسم السابقة. وهذا أمرٌ إيجابي بامتياز.
ولكن رغم كل ذلك، لن تقف مرسيدس مكتوفة الأيدي. نسمع عادةً العديد من المفاهيم التقليدية أو المتطرفة في ما يتعلق بتصميم السيارة وهناك اختلافات كبيرة.
فلنأخذ مفهوم ماكلارين ومؤخرة السيارة الضيقة جداً على سبيل المثال. هذا أمرٌ متطرف جداً، ولكن عند الوجود في هذا الموقف لا بد من امتلاك خطة خروج عندما تسير كافة الأمور بشكلٍ خاطئ.
أعتقد أن فريق مرسيدس يمتلك معطيات كبيرة من شأنها ضمان عدم سلوك الأسهم الفضية للمسار التطويري الخاطئ. هدف فريق مرسيدس الفوز بالألقاب الثالثة على التوالي، وهو يدرك تماماً أن تحقيق ذلك يتطلب عدم اتخاذ العديد من المخاطر.
ولكن رغم ذلك، بإمكان فريق مرسيدس أن يتوقع أن الفارق من منافسيه، خصوصاً فيراري، سيتقلص خلال موسم 2016. هذا هو الموسم الثالث في هذه الحقبة من القوانين التقنية، وكما رأينا في السابق عندما تستقر القوانين التقنية تتقارب تأدية فرق شبكة الانطلاق.
فليبدأ هذا الموسم!