يبدو بأن روري بيرن عاد للمساهمة بشكلٍ قوي مع فيراري، ولكن يجب أن تكمن أولوية الفريق الإيطالي في الفورمولا 1 على إيجاد حلول لمشاكله الثقافية ودوافع الأشخاص بدلاً عن توظيف وطرد الأشخاص بشكلٍ هستيري.
خلال مجريات جائزة المكسيك الكبرى، علم موقع أوتوسبورت من خلال مسؤول رفيع المستوى في فيراري بأن روري بيرن عاد إلى مصنع الفريق الإيطالي في مدينة مارانيللو بشكلٍ كامل وأنه يبذل مجهوداً كبيراً بالعمل على سيارة 2017.
لا بد من الإشارة إلى أننا شعرنا بالحماسة بعد هذه المعلومة. ولكننا تذكرنا بعد ذلك أننا سمعنا هذا الأمر سابقاً، أليس كذلك؟
كان بيرن من أبرز أسرار نجاح فيراري والسيطرة المطلقة بين أعوام 1999 و2007، وهو مصمم خبير ومبتكر قام مدير الفريق جان تود بضمه هو والنجم الألماني مايكل شوماخر والمدير التقني روس براون عام 1996.
ورغم تأمين مكتب له في مارانيللو منذ شبه اعتزاله نهاية عام 2006، إلا أن مساهمته مع فيراري اقتصرت على حوالي ثلث عام وارتبط بشكلٍ كبير بقسم تصنيع السيارات التجارية.
ومع مطلع العقد الحالي من الزمن، تم تشخيص إصابته بسرطان البروستات، ولكن بعد أن شُفي منه عام 2012، وذلك بعد عناية صحية مكثفة وعدة جلسات علاجية في ‘منزله الثاني’ في تايلندا، ازدادت مساهمة بيرن مع فيراري مرةً أخرى، وأصبح أقرب إلى مهندس ثابت ضمن صفوف الفريق. ولكن يبقى، حتى الآن، من غير الواضح إلى أي درجةٍ كان يساهم مع الفريق.
واستُدعي بيرن 3 مرات لتقديم دورٍ استشاري في ما يتعلق بتصميم سيارات فيراري في الفورمولا 1، أولاً عام 2012 عندما كانت تأدية السيارة مضطربة خصوصاً في المراحل المبكرة من الموسم، ومن ثم في عامي 2013 و2015 مع أنظمة إدارية مختلفة.
وعام 2013، وصفه فريق فيراري بأنه ‘‘زوجٌ إضافي من الأعين والأيدي’’، وكان جزءاً من الفريق الذي عمل على سيارة عام 2014 الهجينة، ولكن دون حصوله على منصبٍ رسمي.
وبعد تغيير مدير فريق فيراري مرتين ووجود مدير تقني جديد، عاد بيرن للعمل على سيارة عام 2015، ولكن بمنصب ‘مُلهِم’ لكبير المصممين سيموني ريستا.
وفي الفترة الشتوية التي سبقت عام 2015، لم يتخلص فريق فيراري من مدرائه مثل ستيفانو دومينيكالي ومن ثم ماركو ماتياتشي وحسب، وإنما قام بطرد العديد من المهندسين الذين لديهم خبرات ونجاحات كبيرة، أمثال رجل ماكلارين السابق بات فراي، المصمم نيكولاس تومبازيس، مخضرم المحركات لوكا مارموريني، إذ دفع هؤلاء الأشخاص الثمن غالياً بعد الفشل الذريع لسيارة عام 2014.
ومنذ ذلك الحين، استمرت خيبات آمل سيارات فيراري في الفورمولا 1، ما أدى إلى مزيدٍ من الإقصاءات، خصوصاً المدير التقني السابق جايمس آليسون وهو أخصائي انسيابية ومدير ممتاز السمعة، ومن المؤكد أنه لن يبقى دون عملٍ لفترةٍ طويلة.
وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، وهي أمرٌ لا بد من التطرق إليه حتى قبل عودة بيرن للمساهمة بشكلٍ فعلي: فيراري عادت إلى عادتها السيئة التي تتمثل بالنزاعات الداخلية.
ففي مقابلةٍ لمجلة ‘أف 1 رايسينغ’ الشقيقة لموقع أوتوسبورت، تحدث روس براون عن العديد من الأسباب التي أدت إلى نجاحات فيراري في تلك الفترة من السيطرة المطلقة، إضافةً إلى ضرورة التخلص من العديد من العادات السيئة لضمان نشر ثقافة الفوز في الفريق.
حيث قال براون: ‘‘بحلول عام 2001 لم نكن نخشى من الفشل لأننا نخشى على مناصبنا ونريد الاحتفاظ بأعمالنا، وإنما كنا نخشى من الفشل لأننا أحببنا الفوز بشكلٍ كبير. كان الجميع يضغط الفريق، لم تكن هناك قوى عليا تخبرنا بأن علينا النجاح أو سنجد أنفسنا في مأزق. تمكنت من التخلص من ثقافة اللوم التي كانت متواجدةٍ عندما انضممت إلى فيراري وكانت هي الأكثر ضرراً بالفريق’’.
وأضاف: ‘‘أذكر اجتماعاً في الأيام الأولى عندما واجهنا مشكلةً، وكان [رئيس فيراري آنذاك] لوكا دي مونتزيمولو على وشك بدء تحقيقات لمعرفة من يتحمل المسؤولية، وقلت له بأن ليس عليه القيام بذلك. أنا المسؤول عن هؤلاء الأشخاص، وإن كان يريد لوم أحد، عليه لومي. لعبت وسائل الإعلام الإيطالية دوراً كبيراً في هذا المجال، إذ كانت لديهم عادة بتوجيه انتقادات نارية لأي شخصٍ في حال كانت هناك مشاكل ولم تسر الأمور على ما يرام’’.
وأضاف: ‘‘اتبع جان تود [مدير الفريق] النهج ذاته، وأعتقد أن العديد من مسؤولي الإدارة رفيعي المستوى لاحظوا بعد فترة بأن هذا هو الأسلوب الصحيح في العمل، ألا وهو حماية الأشخاص الذين نشرف عليهم، إذ أن ذلك سيؤدي إلى تقديمهم لأداءٍ أفضل’’.
ويخوض براون في العديد من التفاصيل الإضافية في ما يتعلق بهوس فيراري بما تقوله وسائل الإعلام، وذلك في كتابه الجديد الذي كتبه مع الرئيس التنفيذي السابق في ويليامز آدام بار. بعد قراءته، ظننا بأن رئيس تحرير صحيفة ‘لا غازيتا ديللو سبورت’، وكتاباته، هو من يملي على فيراري السياسة التي يجب اتباعها:
يقول براون: ‘‘عندما انضممت إلى فريق فيراري كانت هناك وجهة نظر سائدة بأن كل مدير رفيع المستوى عليه معرفة ما يُقال في الصحافة عن الفريق. وكانت هناك قصاصات من الصحافة والمجلات التي توزع على المكاتب كل يوم. وكانت سميكةً للغاية، وكانت تزداد في حال وجود سباق، خصوصاً في حال وجود قضايا مثيرة للجدل. لم تكن هناك عدة إنجازات في الساعات الأولى من الصباح، إذ كان الجميع يشرب القهوة ويقرأ هذه القصاصات’’.
وأكمل: ‘‘قلت بأن ذلك سخيف، ومن الجنوني دفع أولئك الأشخاص بالتركيز بما تقوله وسائل الإعلام، وأمرت بإيقاف ذلك’’.
وإذا نظرنا إلى الأسلوب الذي تتعامل به فيراري مع ما تقوله وسائل الإعلام الإيطالية في 2016، يبدو أن حكم وسائل الإعلام عاد في يومنا هذا إلى أروقة مارانيللو. كما توجد دلائل كبيرة على عودة ثقافة اللوم وتوجيه أصابع الاتهام ضمن أقسام فيراري الهندسية.
وبالتالي يمكننا تفهّم، نتيجةً لذلك، الحاجة لإيجاد حلول سريعة لإيقاف هذه السيول من الانتقادات اللاذعة. ولربما الحل الأسرع يقضي بإعادة ضم المصمم اللامع والمحترف روري بيرن، أليس كذلك؟
إلا أن هذا التكتيك لم يعمل في السابق، وبالتالي علينا عدم رفع آمالنا بنجاحه في 2017 مجدداً.
لا يجب أن يكون هذا هو الوضع الاعتيادي. فبشكلٍ أو بآخر، تقوم فيراري بتصميم الهياكل والمحركات تحت سقفٍ واحد، ولا توجد أعذار لعدم ملاءمة التصاميم بين مختلف الأقسام، خصوصاً وأن فريق مرسيدس يحقق نجاحاتٍ كبيرة رغم أن تصنيع المحركات والهياكل يتم في مصنعين مختلفين في بريكسوورث وبراكلي على الترتيب، وأن أعضاءً من قسم مرسيدس لتصنيع المحركات فائقة الأداء يعقدون اجتماعاتٍ مفصلة لإملاء تصميم السيارة وتموضع الأنظمة.
وتحدث براون عن الوضع الذي أغراه بالانضمام إلى فيراري في 1996 قائلاً: ‘‘رأيت فرصةً رائعةً لتصميم سيارة، ليس المحرك لوحده، أو الهيكل لوحده، وإنما سيارة كاملة. كانت هذه من أبرز نقاط قوة فيراري. ولكن هذه النقطة لم تُستغل أو تُستخدم بشكلٍ جيد’’.
وأكمل: ‘‘كان باولو مارتينيللي هو المشرف على قسم المحركات، وكان يحبذ مفهوم ‘السيارة الواحدة’، ولذلك قمنا بوضع مكتب تصميم هيكل السيارة الجديدة إلى جانب مكتب تصميم المحركات، وكان هناك أشخاص يعملون على التعاون بين القسمين والتنسيق. كانت هناك العديد من التوجهات المشتركة بيني وبين باولو ولهذا السبب، فإن آلية العمل هذه كانت ناجحةً بالنسبة لنا، وكنا نتشارك بأعضاء الأقسام أيضاً عندما كانت هناك حاجة’’.
وأضاف: ‘‘كانت هذه عملية تناسقية جميلة، وأدت إلى تصميم الهيكل والمحرك كسيارةٍ واحدة. هذا الأمر يستمر إلى يومنا هذا، كمنظومة واحدة. ماتيا بينوتو كان مدير قسم المحركات، ويشغل الآن منصب المدير التقني. وبالتالي هم يعملون حتى الآن كمجموعةٍ واحدة، ولكنني لا أعلم سبب عدم التنسيق بينهما وعدم التوافق’’.
لربما السبب يكمن بانعدام الثقة. فمع ضم جايمس آليسون (الذي يدرك الوضع في فيراري نظراً لأنه أمضى خمسة أعوامٍ هناك كمدير قسم الانسيابية) من فريق لوتس ومنحه منصب المدير التقني، قامت فيراري على الفور بزعزعة استقراره مع استمرار المحاولات بضم عبقري التصميم أدريان نيوي من ريد بُل.
في نهاية المطاف رحل آليسون عن فيراري عندما اتخذ رئيس فيراري سيرجيو ماركيوني قراراتٍ مستقلة لإعادة هيكلة الإجراءات العملية في الفريق، والذي جاء بمثابة إعرابه عن عدم ثقته إطلاقاً بالمدير التقني آليسون. أصبح فريق فيراري الآن يائساً لضم المواهب اللامعة، ولكنه يفشل في التعامل معها بشكلٍ لائق.
منذ رحيل آليسون، أعلنت فيراري عن وجود مدير جديد لقسم الانسيابية، دافيد سانشيز، ولكن الفريق الإيطالي رفض التعليق عن مصير الشخص الذي استلم هذا المنصب قبله، ديرك دو بير، وهو من قام آليسون بتوظفيه. لا نعلم الأسباب حتى الآن، ولكنه اختفى عن ساحة فريق فيراري في الفورمولا 1 بالكامل.
كما توجد شائعات الآن في بادوك الفورمولا 1 بأن فيراري قدمت عرضاً بمبالغ خيالية لضم المدير التقني في فريق مرسيدس بادي لو، الذي يُعتقد بأن عقده يقترب من نهايته. ولكن حتى إن اختار لو الرحيل عن براكلي للانضمام إلى قلعة مارانيللو الحمراء، فإن شروط عقده تعني وجود فترة من ‘الراحة’، وبالتالي لن يتمكن من العمل مع فيراري إلا قبل انطلاق موسم 2018، أي أنه لن يؤثر على عملية تصميم السيارة قبل موسم 2019.
في تلك الفترة قد تكون هناك المزيد من المحاولات البائسة لضم موظفين، أو وجود حالات طرد اعتباطية للأعضاء الحاليين للفريق، لا أحد يعلم. وربما سيفقد وجود روري بيرن رونقه.
وكما يقول براون في كتابه: ‘‘برامج العمل طويلة للغاية ولا يجب الاستمرار بتغيير المهندسين. هناك حاجة ضرورية لوجود الاستمرارية والثبات’’.
لربما على فيراري الأخذ بنصيحة المدير التقني السابق ودراسة ما يقوله في كتابه الجديد. ففي نهاية المطاف، حاولت فيراري ضمه مؤخراً لكنه رفض العودة إليهم.