هناك العديد من الأسئلة التي تُطرح حول الهوية الحقيقية للسباقات الاحترافية، إلا أن هذه الأسئلة تُهدد باحتمال نشوء بعض التقاليد الغير محبوبة والتي سيتم التخلي عنها لاحقاً. يعتقد إد سترو أنه قد حان وقت اتباع منهج مختلف في التعامل مع مشاكل الفورمولا واحد.
إن الأسئلة المتداولة في الوقت الحالي حول ما يجب أن تكون عليه بطولة العالم للفورمولا واحد، وما يجب القيام به من أجل إعادة إحيائها أصبحت تشكّل خطراً كبيراً على مستقبلها.
قد يبدو هذا التهديد الواقعي على البطولة مخفياً في الوقت الحالي، بل أنه يبدو ظاهراً على أنه من إحدى الأمور الجيّدة التي ستفيد البطولة. وقد ساهم مُعظم مالكي حصص الفورمولا واحد، من دون قصدهم، بتقوية هذا التهديد على مدار السنوات، ظنّاً منهم أنهم يقومون بعملٍ جيد.
لا أُناقش بضرورة إجراء تغييرات في الوقت الحالي، إذ توجد العديد من المشاكل التي يجب على الفورمولا واحد الانتباه إليها (ولا يجب علينا أن ننسى وجود العديد من الأمور الصحيحة والناجحة أيضاً). إلا أنّ التعديلات والتغييرات في القوانين التي يقودها الحنين إلى الماضي، إضافةً لمحاولة إيجاد حلول سريعة لكافة المشاكل، أدى لتناقص شعبية هذه الرياضة بشكلٍ غير مسبوق، وهو الأمر الذي يُخاطر بتدهور الأمور بشكلٍ كبير.
من الصعب انتقاد إحدى الاقتراحات الأخيرة بشكلٍ منفصل عن الأخرى. الشرارات المتطايرة عن السيارات؟ من المؤكد أن الجميع يؤيد وجود هذه الشرارات إذ أنها تُضفي متعةً إضافية عند مشاهدة السيارات، خصوصاً وأن الشرارات تعطي لمحة عن الطاقات والقوى التي تتعرض لها سيارات الفورمولا واحد. نفس الأمر يُقال عن مشهد التيارات الهوائية المُضطربة الصادرة عن السيارات.
إلا أن هذه التغييرات منفردة، ويحاول الجميع فرضها، دون تمييز، ضمن حزمة قوانين موضوعة بشكلٍ سيئ لا يتناسب مع هذه التعديلات. والسعي لفرض هذه التغييرات يأتي لمجرد الحنين لحقبة وجودها في السابق، بدلاً من محاولاتٍ أوسع في جعل قوانين الفورمولا واحد متماسكة، فعّالة على المدى الطويل، وعملية.
وكما هو الحال في قصّة ‘وحش فرانكنستاين’ الخاصة بالأطفال، فإن نوايا كافة المعنيين تعتبر صالحة بشكلٍ كبير. الرؤية قد تبدو مخادعة، إلا أن نتائج هذه التعديلات ستخذل الجميع عندما يتم تطبيقها على أرض الواقع.
وكما أظهرت ‘ماري شيلي’ في تلك القصة، من الممكن إنشاء أمر لأسبابٍ صحيحة، ولكن تحقيق ذلك بأساليب خاطئة، ولن تقوم برفض هذا الأمر لاحقاً وحسب نتيجةً لذلك، بل إنه قد ينعكس عليك بشكلٍ سلبي.
في حال أردنا افتراض حصول أسوأ سيناريو ممكن، سيتجلّى ذلك بانقراض بطولة العالم للفورمولا واحد نتيجةً لهذه التعديلات الغير منتهية في قوانين البطولة. ولكن في سوقٍ تجارية مزدحمة، ومع اهتمام معظم الرياضات والبطولات بآراء المُشجعين الغير قادرين على إبداء آراء بنّاءة، فإن المشكلة خطيرة للغاية. وفي معظم الأحيان لن يتم ملاحظة هذا المفعول التآكلي لحين حصول أضرار كبيرة.
قد يعتقد العديد بأنه يجب التوقف عن إجراء تغييرات في القوانين، ويشيرون إلى كرة القدم على سبيل المثال، والتي بقيت على حالها لفترةٍ طويلةٍ، كأفضل مثال على عدم ضرورة إجراء تغييرات. إلا أن وجهة النظر هذه قد تكون متخلخلة على عدّة مراحل. ففي بداية المطاف، قد تغيرت كرة القدم بشكلٍ ملحوظ على مدار ستين عاماً. تغيّرت نوعية الكرات المستخدمة، نوعية الأحذية المستخدمة، كيفية تعامل الحكّام واتخاذ القرارات، بالإضافة لتطوّر قوانين احتساب التسلل وما غلى ذلك.
الأمر الثاني الذي يجب الانتباه إليه هو أن كرة القدم تعتبر رياضةً بسيطةٍ بشكلٍ أساسي. رياضة المحركات تستدعي وجود آليات بإمكانها توليد طاقة، الأمر الذي يستدعي وجود قوانين أكثر تعقيداً من أجل إلقاء الضوء على التغييرات في التقنيات المستخدمة. وعندما كانت التقنيات المستخدمة، إضافةً للأموال، هي الأمور التي أبقت الفورمولا واحد تحت السيطرة، توجد في يومنا الحالي عوامل أخرى أصبحت كفيلة بالسيطرة على البطولة.
كَثر الحديث في الفترة السابقة عن معايير الأمان، خصوصاً مع قدوم الذكرى السنوية العشرين لجائزة سان مارينو الكبرى لعام 1994. وكما شرحنا سابقاً، فإن الانتصار الحقيقي لعملية تحسين معايير الأمان يكمن في جعل هذه العملية محكومة بمعطيات وبيانات دقيقة، بدلاً من اتباعها للحدس. ونحن نحتاج لحصول ثورة شبيهة بذلك عندما يتعلق الأمر بالاتجاه الذي تسلكه الرياضة.
يمتلك كل شخص مفهوماً معيناً عما يجب أن تكون عليه الحال في بطولة العالم للفورمولا واحد، وكُلٌّ من هؤلاء الأشخاص لا يعتقد بأن مفهومه هو الصحيح وحسب، بل يعتقد بأن غالبية المتابعين يوافقونه الرأي أيضاً. في الواقع، فإنّهم جميعاً مهتمون بالنتائج فقط – يجب على الفورمولا واحد أن تكون بهذا الشكل، أو بشكلٍ آخر – بدلاً من العملية والإجراءات الواجب اتخاذها من أجل الوصول لهذه النتائج.
ولكن عن طريق جعل العملية محكومة بمعطيات وبيانات دقيقة، سيصبح من الممكن فهم ما قد يجعل البطولة ناجحة بشكلٍ مُعمّق. أو الأفضل من ذلك، ما هي الإجراءات الواجب اتخاذها لضمان نجاح البطولة في ظل العوامل التي يمكن السيطرة عليها، إذ يجب أخذ التأثيرات الخارجية بعين الاعتبار أيضاً.
لن تكون عملية جمع البيانات سهلةً على الإطلاق. ففي حال حصول حوادث، يمكن قياس القوى المطبقة، كما يمكن إعادة ظروف الحادث عن طريق أجهزة المحاكاة ودراسة الأرقام الناتجة عن ذلك، بينما ستكون الأمور أكثر صعوبةً في دراسة الأمور التي تجعل الرياضة ناجحة.
ولكن بدلاً من وجود أشخاص يطالبون بسباقات أقصر، منح نقاط مضاعفة، وجود تنوّع كبير في الاستراتيجيات، زيادة الضجيج الناجم عن المحركات وما إلى ذلك من المقترحات التي قد تخطر على بال أي متابع، فإن هذه التحليلات ستسمح للفورمولا واحد بالنظر إلى الصورة الأكبر للمرة الأولى. يجب إنشاء بروتوكول ومنهج تعامل من أجل تحليل وفهم الأهداف التي يجب تحقيقها قبل محاولة تحقيقها على الفور.
من الصحيح أنه قد تم إجراء استطلاعات لآراء المشجعين، ولكن هناك احتراف في طريقة إنشاء مثل هذه الاستطلاعات بطريقةٍ تسمح بحصد نتائج مفيدة ومساعدة. ولكن يجب توجيه هذه التقنيات بحيث يمكن للفورمولا واحد فهم ما يريده المتابعون بشكلٍ واقعي، دون الاقتصار على آراء اصوات، الأقلية، المسموعة فقط.
نظام التخفيف من قوة الجر ‘دي آر إس’ هو أفضل مثال على ذلك. طالب المشجعون بزيادة نسبة التجاوزات في الفورمولا واحد، وأوجدت الفورمولا واحد حلاً، وإن لم يكن أنيقاً، ساهم في زيادة نسبة التجاوزات أكثر من أي حدٍّ آخر. إلا أن الانتقادات لم تختفِ على الرغم من ذلك. إن النتائج الصحيحة ليست كل ما يهم. يجب تحقيق هذه النتائج بأسلوبٍ صحيح أيضاً.
يجب على الفورمولا واحد التفكير بشكلٍ أوسع لمرةٍ واحدة على الأقل، بدلاً من إيجاد حلول سريعة وبسيطة تأتي كردّة فعل على كُل اقتراح. لا يمكن لإنسان وحيد أن يحظى بكافة الأفكار الصحيحة، بنفس الطريقة التي لا يجب توجيه اللوم فيها لشخصٍ وحيد نتيجة كافة الأخطاء المرتكبة. في حال تمكّنت بطولة الفورمولا واحد من إنشاء عملية تعاونية لتحقيق ذلك، قد تكون النتائج مذهلة. ولحصول ذلك، يجب الاعتماد على الوقائع والبيانات، وليس على استطلاعات الرأي وحسب.
كما أن محاولة إجراء تعديلات في قوانين الفورمولا واحد من أجل جعل مظهر السيارات أثناء السباقات مُشابهاً لما كانت عليه قبل ثلاثين عاماً سيكون أمراً خطراً للغاية. هذا الأسلوب سيؤدي لجعل الفورمولا واحد أشبه بصورة شاحبة عمّا كانت عليه في الماضي.
لا يجب الاستهان بهذه العملية إذ أنها تعتبر صعبةً للغاية. ولكن في الوقت ذاته، لا يُعتبر تصميم سيارة تسابق أو إدارة بطولة عالم أمراً أسهل، حيث أن الفورمولا واحد أظهرت كفاءتها في تلك المجالات بشكلٍ كبير على مدار الأعوام الماضية. ومع وجود النوايا على تحقيق ذلك، إضافةً للأموال الكفيلة بدعم هذه المشاريع، من الممكن إنجاح هذه العملية.
سيستغرق الأمر فترةً زمنيةً طويلة، إلا أن نقطة البداية يجب أن تتمثل بتعيين شخص، أو مجموعة أشخاص، لتقييم كيفية تحقيق هذه العملية، من أجل إجراء مشاورات مع مالكي الحصص في البطولة، ومن ثمّ اقتراح كيفية جمع البيانات التي ستكون مفيدة لتحديد الدرب الذي يجب على الفورمولا واحد سلوكه. وبإمكان هذه المجموعة اتباع منهج تعامل مختلف كلياً عن المنهج القديم، إضافةً لطرح حلول مدروسة بدقّة فضلاً عن تقديم مقترحات حدسية.
ومع اتباع هذا المنهج التحليلي، من الممكن تحقيق كافة أهداف الفورمولا واحد بشكلٍ داخلي. فكما هو الحال في الوقت الحالي، عندما تمّ فرض استخدام محركات جديدة باهظة الثمن في الوقت ذاته الذي تسعى فيه البطولة لتخفيض النفقات، سنحصل على العديد من التناقضات في الأهداف عند عدم اتباع مناهج تحليلية.
لا يجب السماح باستمرار النهج الحالي، والذي يعتمد على اتخاذ قرارات مبنية على المصالح الشخصية، إضافةً لإجراء تعديلات مستمرة في القوانين بناءً على استطلاعات للرأي غير مجدية.
لا تقوم فرق الفورمولا واحد بإنتاج أفضل السيارات عن طريق عدم النظر إلى المعطيات والبيانات التي توفرها التقنيات المتعددة، متمثّلة بحواسب التصميم العملاقة وأنفاق الهواء. فإذاً لماذا لا يمكن اتباع نفس المنهج لمعالجة ما قد يُحدد المصير بعيد الأمد لهذه البطولة؟