توتر العلاقات بين كيمي رايكونن وفريق لوتس ألقى الضوء على العديد من المشاكل المهمة التي تواجه بطولة العالم للفورمولا واحد. فيما يلي سيبين جوناثان نوبل ذلك.
لقد واجه عالم الفورمولا واحد، خلال أحداث جائزة أبوظبي الكبرى، مخاوفاً وإحباطات تجاه مستقبل البطولة ربما كانت هي الأقوى منذ أن بدأت الأزمة الاقتصادية العالمية بالتفاقم، في الأسبوع الذي تصادف مع أحداث جائزة اليابان الكبرى في عام 2008 على حلبة فوجي.
ففي الوقت الذي قامت الشخصيات المشهورة بركن يخوتها في مرسى ياس، ومع وجود تجهيزات وبنى تحتية رائعة على حلبة أبوظبي التي قامت بتصوير البطولة على أنها رياضة يتم فيها إجراء الاستثمارات بمليارات الدولارات، كانت تتردد كلمات مثل ‘‘كارثة’’ في زوايا حظائر الفرق وفي نادي البادوك.
لم تكن تغيرات القوانين الرياضية، انخفاض نسب المشاهدة، أو حقيقة أن شركة سي في سي المالكة تقوم بسحب نقود أكبر من الرياضة هي السبب وراء تلك المخاوف، بل كانت المشاكل المادية بين فريق لوتس وسائقه الحالي، الفنلندي كيمي رايكونن، هي العامل الأكبر لتشكل تلك الغيوم السوداء حول مستقبل الرياضة.
فبعد أن تم التكتم عن تلك المشاكل وراء الكواليس، ظهرت إلى العلن بطريقة لم يكن يتوقعها أحد.
رسم رايكونن خطوطاً حمراء وهدد بأنه في حال لم يتلقى مستحقاته المالية بالكامل، فلن يقوم بالمشاركة في سباق جائزة أبوظبي الكبرى.
في نهاية المطاف، توصل الطرفان إلى اتفاق يشارك بناءً عليه رايكونن في أبوظبي، لكن توتر العلاقات أثار الانتباه إلى مستقبل فريق لوتس في البطولة، الأمر الذي شغل شاغل جميع الفرق المشاركة بالتأكيد.
يمر فريق لوتس بضائقة مالية شديدة في الأوقات الحالية، كما يبدو ذلك واضحاً عندما صرح أعضاء من الفريق بأنهم لم يقبضوا راتبهم في نهاية الشهر الماضي.
المشاركة في بطولة العالم للفورمولا واحد ليست أمراً سهلاً. وكما يقول رون دينيس من فريق ماكلارين، ‘‘إذا لا تستطيع تحمل الحرارة العالية، اخرج من المطبخ.’’
هناك العديد من الفرق التي شاركت في الفورمولا واحد، ثم اختفت، وهو ما جعل البطولة مثيرةً للاهتمام لأن السمة الأساسية فيها هي ‘‘البقاء للأقوى’’. الفرق الغير منافسة لا يحق لها التواجد على شبكة انطلاق السباقات.
ولكن ما يجري الآن أمر مختلف تماماً. فالفريق الذي يمر بضائقة مالية تهدد مستقبله ليس فريقاً ضعيفاً.
فإذا كان فريق بقوة فريق لوتس، المتمركز في إينستون، والذي تمكنه لوحده من منافسة فريق ريد بل المهيمن منذ نهاية العطلة الصيفية، يواجه مخاوف جدية حول مشاركته في البطولة، يوجد خطب كبير في وضع الفورمولا واحد الحالي.
مدير الفريق، إيريك بوييه، حاول تصوير نفسه على أنه متماسك وواثق في أبوظبي، لكنه لم يتمكن من إخفاء الضغط الكبير الذي يتعرض له من قبل سائقه الغاضب، والنقص الحاد في الأموال، وضمان مستقبل الفريق.
وفي الوقت الذي اعترف بوييه عن المشاكل التي يواجهها فريقه، إلا أنه كان محقاً عندما قال بأن لوتس ليسوا هم الوحيدون في مواجهة تلك المشاكل، حيث أشار إلى الضائقة المالية التي كادت أن تنهي فريق ساوبر في فترة سابقة من الموسم والتي تم توثيقها بشكل كامل.
حيث يقول: ‘‘تهتم بمشاكلنا جميع وسائل الإعلام في الوقت الحالي، لكننا لا نواجه هذه المشاكل لوحدنا. فإذا كان أي فريق مشارك في البطولة غير خاضع لرعاية شركة استثمارات مهمة مادياً، يمكن اعتبار الفريق بحكم الميت. يتفق الجميع بأن الكلفة مرتفعة جداً في بطولة الفورمولا واحد. لكي نتمكن من المنافسة على مراكز المقدمة، يوجد حد أدنى من التكاليف المتوجب صرفها، وهذا الحد الأدنى يعتبر أقل ب50% على الأقل من ميزانية الفرق الكبرى. علماً أن هذا الحد الأدنى يمثل كميات كبيرة جداً من المال، ومن الصعب تحصيلها. وبالتالي يجب أن نقوم بخفض تكاليف النفقات، أو رفع نسبة الأرباح. يجب أن يحدث تغيير.’’
وعند النظر إلى فرق أخرى، فإن وجهة نظر الفرق المنافسة تعتمد على أن فريق لوتس هو الملام الوحيد على وضعه الحالي. وبحالة لم تتوفر لديهم الموارد الكافية للمشاركة، يجب عليهم الحد من النفقات بشكل هائل، أو الانسحاب من البطولة.
لم يقم مدير فريق مرسيدس، توتو وولف، بالتحفظ عن أفكاره عندما أكد أنه على كل فريق تحمل كامل المسؤولية عن أفعاله في حال أنفق أكثر من طاقته.
يصرح وولف: ‘‘بالتأكيد فإن عدم تمكن فريق منافس بشكل كبير على دفع فواتيره أمر ليس جميل، لكن بالنسبة لي فالأمر يتعلق بالطريقة التي تدير فيها المؤسسة. لن أكون قاسياً في أحكامي، فأنا لا أعلم آلية عمل الفريق، لكن سوف يكون لديك ميزانية محددة هي المبلغ المتاح، معظم المؤسسات تدار بهذه الطريقة. عند الحديث عن أن بطولة الفورمولا واحد في وضع سيئ، في الواقع العالم بأسره في وضع سيئ ويجب علينا التفكير بيكفية تمويل برنامج تطوير فريقنا. لا يجب تخطي حدود النفقات، هذا الأمر ليس جيد وسوف يضر ببطولة الفورمولا واحد.’’
وفي الوقت الذي يمكن اعتبار تصريحات وولف واقعية، فإن السبب الذي يجعل وضع فريق لوتس أمراً حساساً على مختلف الأصعدة هو أن فريق لوتس يعتبر من فرق الطليعة، بوجود طاقم فني ممتاز، سائقين بارعين، وبإمكانه المنافسة على إحراز الانتصارات بشكل متكرر.
تعتمد بطولة الفورمولا واحد على المنافسة. لكي يقوم الفريق بتجاوز منافسيه، يجب عليه أن ينفق. وفي حال تخلي الفريق عن سعيه لتحقيق الأفضل، لا يمكن اعتبار هذا الفريق منافس حقيقي في البطولة وسوف يكون الأمر بمثابة إعلان الهزيمة.
التوقف عن الإنفاق سوف يعني التراجع في سرعة ومدى تنافسية الفريق، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع نسبة الأرباح، وبالتالي مواجهة الواقع الأليم لضرورة إغلاق الفريق ومغادرة ساحات البطولة.
إذا كنت تريد إحراز البطولات، يجب عليك أن تنفق بشكل كبير، ولا يوجد أمامك خيار آخر. وهذا هو السبب الذي يدفع الفرق للحد من النفقات لتنقذ نفسها من تصرفاتها.
يجب أن يكون نجاح فريق لوتس كفيلاً بإيجاد مخرج للنجاة. عندما ينافس أي فريق على الانتصارات لا يجب أن يرغم على مغادرة البطولة. وفي حال حصول ذلك، فهذا يعني حصول خلل كبير في الطريقة التي تدار بها بطولة الفورمولا واحد.
يقال بأن تعريف الجنون هو القيام بنفس الأمر مرة تلو الأخرى مع توقع نتائج مختلفة في كل مرة. ولكن يبدو أن الفورمولا واحد أصبحت عالقة في هذه الدوامة، مع وجود العديد من التصريحات بضرورة إحداث تغيير، وبنفس الوقت عدم تحريك ساكن.
في الأسابيع التي تلت سباق جائزة اليابان الكبرى لموسم 2008، أعلن فريق هوندا انسحابه من البطولة، لتنتقل ملكيته إلى روس براون ثم ليصبح ما يعرف الآن بفريق مرسيدس الذي يقوم وولف بإدارته. وبعد 12 شهراً من إعلان هوندا، تبعتها كل من بي إم دبليو وتويوتا إلى الانسحاب.
هذه الوقائع دفعت منظمي البطولة لمحاولة تخطيط مستقبل أفضل للرياضة. ولكن الآن عادت نواقيس الخطر لتقرع.
من المتوقع أن يتم إنهاء الصفقة بين فريق لوتس وشركة كوانتوم للاستثمارات خلال هذا الأسبوع، ليتمكن الفريق عندئذ من تنفس الصعداء. ولكن حتى في حال استرجع فريق إينستون قواه، من سيكون الضحية التالية في عالم الفورمولا واحد؟ أو إذا لم تر الصفقة المنتظرة النور لسبب أو لآخر، ما الذي سيحصل لفريق لوتس؟
عندما سألت بوييه في أبوظبي عن أفضل الحلول لتحسين مستقبل البطولة، سواء كان ذلك في رفع نسبة الأرباح، أو تخفيض نسبة النفقات، ابتسم ثم أجاب: ‘‘إنه أمر سهل. ارتفاع نسبة النفقات.’’
يعتبر هذا الحل أشبه بضرب من الجنون. لكن الجنون الحقيقي يكمن في حقيقة عدم وجود أي شخص لتقديم حلول مناسبة لتفادي الكوارث القادمة.