طُلب مني مرات عدة وفي عدة مناسبات كتابة مواضيع عن الفورمولا واحد. أنا محظوظ جداً لتواجدي في عالم رياضة السيارات حيث أشغل عدة أدوار، وأتمنى دوماً أن أخدم هذه الرياضة والعالم العريبي ومحبي هذه الرياضة بكل طاقتي لنصل بها إلى الطريق الصحيح في عالمنا العربي.
وبسبب وجودي الدائم في بريطانيا، والعمل اليومي في هذه الرياضة، وبفضل خبرتي كسائق في سباقات السرعة، وخبرتي كمحلل للفورمولا واحد على شاشات التلفزة، وإنغماسي في عدة مشاريع عالمية، وبما أنه الآن بات لدينا موقعاً متخصصاً في رياضة السيارات، وإسماً كبيراً كـ “أوتوسبورت”، أحببت أن أبدأ بكتابة مواضيع عن السباقات المختص بها، وهي سباقات السيارات على الحلبات فقط. وبما أني مقرب جداً من عالم الفورمولا واحد والفرق والسائقين سأبدأ بأخبار هذا الموسم والفورمولا واحد; وآمل أن تنال اعجابكم.
الموضوع الأول هو عن بطل العالم سيباستيان فيتيل لعام 2013.
بدون شك كان لموسم 2013 العنوان التالي الوحيد: فيتيل
كانت بداية موسم 2013 مبشرة بالنسبة لعشاق الفورمولا واحد عندما فاز كل من فرناندو ألونسو، كيمي رايكونن وفيتيل بالسباقات الثلاثة الأولى. وعندما أقول عشاق الفورمولا واحد، أقصد بذلك متتبعي هذه الرياضة بصفة عامة، وليس عشاق سيباستيان فيتيل. وأقصد بالضبط هؤلاء المتتبعين الذين سئموا من هيمنة فيتيل على جميع السباقات. هؤلاء الأشخاص الذين يقولون بأن الفورمولا واحد أصبحت مملة بسبب فيتيل، وهم أيضاً يقولون أن فيتيل يفوز لأنه سيارة الـ “ريد بُل” خارقة.
أعترف بأنني كنت من بين الأشخاص الذين قالوا أن فيتيل هو من السائقين الجيدين، ولكن ليس بمستوى لويس هاميلتون وفرناندو ألونسو. كان ذلك في عامي 2010 و 2011، ولا زلت أعتقد أن هاميلتون أسرع سائق خلال لفة واحدة، وأن ألونسو هو السائق الأكثر تكاملاً.
ولكن مهلاً، موسم 2013 أثبت العديد من الأشياء عن فيتيل. ذلك الشاب الألماني يكتسب المزيد من الثقة بالنفس ويزداد نضجه مع مرور كل موسم، وهو من أذكى السائقين سواءً على الحلبة أو خارجها. لنتذكر سباق ماليزيا، الذي يؤكد أنه يحب أن يسيطر ويريد أن يفوز، ولا شيء في قاموسه غير الفوز!. وهنا نتساءل: هل يمتلك أفضل سيارة؟ الجواب سهل، وهو: نعم. إذ يقف خلف سيارة الـ “ريد بُل” نابغة إسمه أدريان نيووي، وبدون شك يمتلك فيتيل أفضلية على غيره. لكن ثقوا بنا، إذا لم يكن لديك سائق قادر على إستخراج كل إمكانات السيارة، ومنح شرح مثالي لإعداداتها، لن تحصل على تلك السيارة الممتازة.
هل هو بارع في التسابق؟ كان الجميع يقول: لو تضع فيتيل وسط شبكة الإنطلاق أو عند المركز الثالث أو الرابع فلن يفوز وسيرتكب العديد من الأخطاء. عندما إصطدم بجنسون باتون عند منعطف “باس ستوب” على حلبة سبا ـ فرانكورشان في بلجيكا عام 2010، أطلق عليه الجميع، وخاصةً مدير ماكلارين، لقب “فتى الحوادث”. نعم، حسناً الكل يتعلم، لكن ليس هناك أفضل من أن تتعلم من أخطائك. فبعد بضعة سنوات شاهدنا ما بإمكان فيتيل فعله. وهل تتذكرون سباق أبوظبي 2012 ؟ عاد بقوة من المركز الأخير ليصعد الى منصة التتويج. وهل تتذكرون سباق اليابان هذا الموسم؟ نعم أعتقد أنه برهن عن براعته في التسابق من أي خط إنطلق منه ومن أي مركز.
هل هو سريع في اللفة الواحدة؟ إنطلاقه 45 مرة من المركز الأول خير دليل على ذلك. وبإستطاعة مارك ويبر بالتأكيد أن يُحدثنا أكثر عن ذلك. لنتذكر سباق سنغافورة عندما قال له الفريق بعد دخول سيارة الأمان أن باستطاعته الضغط، فكان أسرع من باقي السيارات بفارق ثانيتين في كل لفة.
نعم قد يقول بعض الناس أن نيكو روزبرغ (مرسيدس) كان يحاول الحفاظ على إطاراته، لكن فارق الثانيتين هو رقم مذهل. لا يمكنني أن نُحصي لكم عدد اللفات الرائعة التي قام بها خلال الفترة الثالثة للتجارب التأهلية، فهي لفات مثالية بالفعل.
نعم أيها السائق لويس هاميلتون، هناك من يمكنه منافستك في اللفة الواحدة!. كما يجب علينا أن لا ننسى كيف يُخيف فريقه، فهو يحب أن يُرعب مهندسه “روكي” أحياناً لأنه يرغب بتحقيق أسرع لفة في كل سباق حتى يُثبت نفسه أكثر. وكم مرة حقق فيها أسرع لفة في آخر لفة بالسباق؟، هذا بالفعل شيء مبهر خاصة مع إستخدام إطارات بيريللي هذا العام.
هل هو سائق متكامل ؟ نعم، بدون شك ألونسو سائق ممتاز جداً، قائد فريق جيد، مُكافح ويُجيد إستخراج كل امكانات السيارة وحصد النقاط بإستمرار. لكن هل قام “الماتادور” ألونسو بزيارة مقر شركة بيريللي قبل بداية موسم 2011 لمعرفة المزيد عن الإطارات الجديدة وتحليلها مع مهندسي الشركة الإيطالية؟ هل قام أي سائق آخر من بين 21 سائقاً في الفورمولا واحد بفعل ذلك؟ بالتأكيد كلا. فسيباستيان فيتيل وحده فعل ذلك. وهو كان السائق الوحيد الذي زار مقر بيريللي، والوحيد الذي تعرف على كل تفاصيل الإطارات الجديدة وتحليلها. وبالفعل كان أفضل من عرف كيف يتعامل معها منذ الجولة الرابعة.
دعونا نواجه الأمر، نحن نكره تلك الإطارات، ولا أحد يحبها، والكل يريد رؤية السائقين يضغطون على دواسة الوقود للوصول الى أعلى سرعة خلف مقود السيارة. لكن القوانين، وبيرني إيكليستون، فرضا ذلك, وفيتيل يعرف بالضبط ماذا يفعل.
وعندما نتحدث عن مدى تكامل السائق، لا بد أن نشير أن فيتيل يعمل جاهداً مع مهندسيه، وهو هادئ، وذكي، يعطي الكثير من التفاصيل حول سلوك سيارته، وهذا ما يُسهّل عمل هؤلاء المهندسين عن طريق منحه التوازن والإعدادات المثالية للسيارة.
يعرف فيتيل كيف يقود الفريق، فسرعته تعزز مكانته ليكون الرقم واحد، لكن أيضاً مع مرور كل موسم يصبح أكثر صرامة. يقوم بلعبته الـ “بسيكولوجية” في الفريق الذي يقوده، ويستطيع التفوق على زميله. هذا الشيء يُذكّرنا قليلاً بصديقه ومواطنه مايكل شوماخر. قد يقول عنه البعض أنه لا يمتلك الروح الرياضية بعد أن خطف الفوز من زميله مارك (ويبر) في سباق جائزة ماليزيا الكبرى. لم يتقبّل أن يكون السائق الثاني بالفريق ولو لسباق واحد فقط، وكانت تلك رسالة واضحة لفريقه ولزميله إذ أوحى للجميع وكأنه يقول: “أنا الرقم واحد وسأقودكم للقب”.
ولنكن صريحين،كان فيتيل الأسرع حينها ويستحق ذلك. إن كان بإستطاعة مارك ويبر الفوز، فهل كان بإمكانه تغيير الخطة ومطاردة فيتيل، أم لا؟ لا يمكننا التكهن بذلك ولكن فيتيل عرف كيف يستخرج الأفضل من السيارة ومن الإطارات.
لنرى كم عدد الأخطاء التي إرتكبها فيتيل هذا العام؟؟ لا نستطيع حقاً أن نحصي أكثر من إثنين أو ثلاثة!!
وفي النهاية، ما يجعل فيتيل أكثر تكاملاً هو سلوكه وسمعته، فهو شخص متواضع ومعقول جداً، يتحدث ويصافح الجميع داخل الـ “بادوك” أو أينما كان، و لا ترى فيه ذلك الغرور الذي ينتاب باقي السائقين. وهو أيضاً ذكي جداً، فعندما تستمع لأجوبته وخطاباته (مثلاً في حفل توزيع جوائز الـ “أوتوسبورت”) تعرف ما نقصده. لديه روح الدعابة… إنه البطل المثالي وأفضل ممثل للرياضة.
ما قيمة عظمته؟ إنه جد ممتاز. أرقامه و إنجازاته فقط خير دليل على قوته. هل هو الأفضل على الإطلاق،؟ لا، ربما ليس بعد. لم نراه ينتقل لفريق آخر و يفوز معه بالبطولة، لا أعني أنه لن يستطيع، أعتقد حقا أنه قادر على ذلك، و سنعرف ذلك مع مرور الزمن. لكن الآن باستطاعتنا بالتأكيد أن نقدر و نحترم هذا السائق في انتظار ما ستأتي به المواسم القادمة.