بعد تطرّقه في الموضوع السابق الى ما قام به بطل العام سيباستيان فيتيل وتحليله لموسم الإلماني ومسيرته، يذهب خليل بشير الآن للتطرّق الى موسم 2013 وأكثر السائقين الذين لفتوا الأنظار خلاله استناداً الى ترتيبهم النهائي في البطولة، اضافة الى توقعات سريعة لموسم 2014.
كانت بداية عام 2013 تُنبئ بصراعٍ مفتوح على اللقب، وبصراعٍ بين عدة سائقين لا سيطرة فردية.
وبدأت المنافسات بفوز كيمي رايكونن (لوتس ـ رينو) في أوستراليا، وتبعه فوز سيباستيان فيتيل المثير للجدل في سباق ماليزيا، وبعدها فاز فرناندو ألونسو في سباق الصين، ثم عاد فيتيل ليفوز مرة أخرى في جائزة البحرين الكبرى، تلاه ألونسو ثانيةً في سباق إسبانيا، قبل ان تسيطر مرسيدس في موناكو مع نيكو روزبرغ.
في تلك الفترة كانت مرسيدس دائماً سريعة خلال التجارب التأهيلية وكل ما توجّب عليها فعله هو حلّ مشكلة تآكل الإطارات في السباق. كذلك فوز ألونسو على حلبة كان من المفترض أن تلائم سيارةـ “ريد بُل” بدا إيجابياً، إضافة الى الأداء المتطوّر لسيارة “لوتس” على مختلف أنواع الحلبات، ثم بدا هاميلتون في قمة مستواه مع فريق “الأسهم الفضية”… كل هذه الوقائع كانت مؤشرات جعلتنا نعتقد أن صراع البطولة سيدور بين أربعة سائقين على الأقل. بعدها جاء تبديل نوع الإطارات اثر السباق الكارثي في سيلفرستون، وكان ذلك قبل الفترة العطلة الصيفية.
بعدها كلنا نعرف القصة وما حدث، إذ فاز فيتيل في جميع السباقات وبسط سيطرته على المنافسات…
لكن لنلقي نظرة سريعة على عام 2013 ولنتحدث عن بعض السائقين المميزين وبعض التأديات الرائعة.
لقد تحدثنا كثيراً عن فيتيل، فهو بعد كل موسم يصبح أكثر نضجاً، واكثر ثقة بالنفس، واكثر إحترافاً، حيث يبدو دائماً أن سرعته تتضاعف. تحدثنا عنه كثيراً في التحقيق السابق، وبالتأكيد يستحق أن يكون بطلاً للعالم، وهو الذي يملك أفضل سيارة، لكن لا يوجد اي فائز باللقب توّج بطلاً للعالم للسائقين من دون حصوله على أفضل سيارة، وليس هناك أفضل سيارة من دون سائق ممتاز…
الأمر عبارة عن عمل مشترك وما قام به هذا الموسم كان رائعاً، وتحديداً خلال سباقات سنغافورة، اليابان وماليزيا عندما رفض أن يكون السائق الثاني في الفريق، أو خلال التجارب التأهيلية لجائزة البرازيل الكبرى… كل ذلك كان من أفضل التأديات التي يمكنك مشاهدتها. لكن يجب علينا أيضاً أن ننظر إلى عام كل من فرناندو ألونسو، كيمي رايكونن، لويس هاميلتون و نيكو هالكنبرغ.
نبدأ مع فرناندو ألونسو: يا له من محارب! كالعادة فهو يُخرج كل إمكانات السيارة.
كيف تمكن من تحقيق المركز الثاني في البطولة خلف مقود سيارة لا تستطيع أن تتأهل من مراكز أفضل من المركزين السابع أو الثامن في غالبية السباقات؟ لا أحد يستطيع فعل ذلك غيره. إنه مبدع في حصد النقاط، فأينما تضعه عند خط الإنطلاق ستجده يعود وينافس للصعود الى منصة التتويج أو أحد المراكز الخمسة الأولى.
في بعض الأحيان كان يتفوق عليه زميله فيليبي ماسا في التجارب التأهيلية، لكن كلنا نعرف أنه ما أن تُعطى إشارة الأضواء الخضراء، سيُسابق ألونسو كـ “الثور” لينهي السباق في مركز متقدّم ويحصد المزيد من النقاط.
هو سائق بارع في التسابق، لا يرتكب الأخطاء؟ حسناً ربما بضعة أخطاء هذا الموسم على غرار ما حصل في سباق ماليزيا، لكن من يستطيع لومه؟ يجب على “فيراري” تقديم سيارة ممتازة لسائقها في أقرب وقتٍ ممكن. الأمل الكبير يبقى معلّقاً الآن على الفريق التقني الجديد بقيادة جيمس أليسون.
والجدير ذكره أنه سبق لألونسو أن عمل مع اليسون عندما كان فريق “لوتس” تحت تسمية “رينو”، علماً أن أليسون أشرف على تصميم سيارة “لوتس” الرائعة هذه السنة. أنا متأكد أن عاماً آخر من الإخفاق مع “فيراري”، سيدفع ألونسو للإنتقال الى ماكلارين – هوندا في 2015… لا شك في ذلك.
كيمي رايكونن: عودته للفورمولا 1 كانت ناجحة ومن أفضل الأمثلة في الرياضات المختلفة، فهذا السائق إبتعد عن حلبات السرعة لمدة عامين، وأراهن أنه لم يتابع الفورمولا 1 بشكل منتظم، بل خاض غمار بطولة العالم للراليات وجلس خلف مقود سيارات الرالي التي تنزلق يميناً وشمالاً داخل المراحل الخاصة بالسرعة، والتي لا تمت للفورمولا 1 بأي صلة. سَهِر وتمتع بحياة الليل، ثم عاد لفريق لم يكن ليفوز، وفجأة فاز معه في أول سنة له وأنهى البطولة ضمن المراكز الخمسة الأولى.
بالنسبة لهذا العام كان منافساً قوياً على اللقب حتى فترة فصل الصيف. فاز بالسباق الأول، وقاد بروعة طول الموسم، وصعد الى منصات التتويج، وحصد النقاط في مطاردة فيتيل، وكان مرتاحاً مع إطارات “بيريللي” في النصف الأول من الموسم، إنه من صنف السائقين الذين يظهرون بصورة السائق السريع مهما كان نوع سيارته. يجب فقط أن تمنحه الحرية ومناخاً يلائمه، وسيحقق النتائج.
كيمي يمتاز أيضاً بشخصية فريدة، فهو عندما لم يتلقَ راتبه تحدث بالامر أمام الصحافيين من دون أن يخشى ردة فعل إدارة الفريق. إنه سائق هادئ، وسيكون من المثير أن نرى كيف سيتعامل مع زميلٍ مثل ألونسو في “فيراري”. نتمنى أن يبقى متحمّساً للفورمولا 1، وأن يتمتع بحريته داخل الفريق “الأحمر”… لنرى ماذا يمكنه فعله!.
لويس هاميلتون: كلنا يعرف أنه سريع، ربما الأسرع خاصة في لفة واحدة. الشيء الذي كان مثيراً للإعجاب هو قراره بترك فريق “ماكلارين” والقدوم الى “مرسيدس”. كانت لديه سيارة قادرة على الفوز في حين أن “مرسيدس” لم تستطع فعل ذلك. وهو قدم الى محيط جديد ليقابل زميله نيكو روزبرغ، الذي يعرف الفريق جيداً منذ 3 سنوات، وقد تغلب بوضوح على سائق يُدعى ميكايل شوماخر خلال 3 مواسم.
وليس من السهل على الإطلاق القدوم إلى فريق جديد والتفوق على سائق من هذا النوع. الا أن هاميلتون فعلها، وكان بالفعل السائق الأسرع وأنهى الموسم متقدّماً عليه من ناحية النقاط، ولم يكن محظوظاً في بعض الأحيان، بينما في المقابل إعتبر روزبرغ نداً قوياً له.
هاميلتون قام أيضاً بعمل جيد في التعامل مع الإطارات في غالبية السباقات، ويجب أن لا ننسى أن “مرسيدس” كانت سريعة جداً خلال التجارب التأهيلية لكن كانت تشكو من تآكل كبير للإطارات أثناء السباقات. كان الجميع يتوقع أن يعاني أكثر هاميلتون مع الإطارات، بالنظر لأسلوب قيادته العنيف لكنه تمكن من الصعود الى منصات التتويج وتحقيق نتائج جيدة. أفضل سباقاته كان على حلبتي سيلفرستون وهنغارورينغ حيث قاد بشكل رائع، ولكنه لم يكن محظوظاً في سيلفرستون، وفي المجر تفوق على فيتيل و”ريد بُل”. الا أن هاميلتون قام بما كان منتظراً منه، ولا شك في أنه سيكون السائق الأبرز السنة المقبلة مع تغيير القوانين والمحركات الجديدة. تذكروا ذلك.
سائق آخر يستحق أن يكون بين الخمسة الأوائل هو نيكو هالكنبرغ. أنا أعرف كل شيء عنه وقريباً سأوافيكم بموضوع شامل حول مسيرته وبعض الحقائق الرائعة عنه. لا زلت لا أصدق، مثل الجميع، أنه لا ينافس مع أحد فرق المقدمة، وصدقوني سيحصل ذلك في عام 2015. كان حظه سيئاً من ناحية إدارة أعماله في الأعوام الماضية، وليس من الجيد أن تقود لفريق جديد كل موسم، ولكن ما يحققه كل مرة شيء لا يصدق: هو يأتي الى الفريق ويتأقلم مع المحيط ويتعود على نظام عمل الفريق والسيارة، وبعد بضعة سباقات تستطيع رؤية بعض النتائج التي لا يمكن لأحد تحقيقها.
لقد قام بالفعل بدفع فريق “ساوبر” للأمام، الذي كانت لديه سيارة سيئة، لكن عمل معه لتحسينها، وتغلب على زميله في التجارب التأهيلية 19 مرة مقابل مرة واحدة فقط، وكان حينها يعاني من مشكلة في جهاز الـ “دي،آر،أس”… إنه جد سريع خلال التجارب التأهيلية، وموهوب في كل الظروف المناخية (تتذكرون تجارب سباق البرازيل 2010) وإحترافي ومتواضع، كما لا يرتكب الأخطاء في السباقات ويستطيع تسجيل أسرع اللفات بإستمرار. إذا وضعته في صراع مع سائقي المقدمة مثل ألونسو، رايكونن، فسينافس ويُعطي نتائج جيدة. لنأخذ سباق مونزا هذا العام كمثال، فهو إنطلق من المركز الثالث وأنهى السباق في المركز الخامس أمام روزبرغ السريع، وهو لم ينهِ السباق أمام منافسه الألماني فقط بل وسع الفارق وشرع في مطاردة المركز الرابع. أفضل مثال أيضاً قيادته الرائعة في سباق كوريا الجنوبية حيث أثبت مهارته أمام كل من هاميلتون، ألونسو ورايكونن. لا أحد يُشكك في مهارته، وأعتقد أنه قام بالإختيار الصحيح لعام 2014 بالنظر الى الفرص التي أُتيحت له، لكن أنا متأكد أيضاً أنه يوماً ما سيصبح بطلاً للعالم. إنه موهبة حقيقية، فثقوا بي!
عام 2013 لم يكن سيئاً على الإطلاق، حتى وإن سيطر فيتيل يمكننا تعلم الكثير من الموسم. أعتقد أنه من المخزي أننا سنفقد محر1كات الـ “في8″، لكن ممكن أن يكون مثيراً مع رؤية عودة الـ “توربو” (جهاز شاحن الهواء) في الفورمولا .
نعتقد أن “بيريللي” تعلمت الكثير من هذا الموسم، وأنا آسف لها. فقد طُلب من الشركة الإيطالية إنجاز هذ العمل، ثم بعد ذلك طلب منها تغييره، ولم يكن لديها فرصة لإختبار الإطارات على متن سيارة الفورمولا 1 مطابقة للقوانين الجديدة للعام 2013. على أية حال كان عام 2013 رائعاً، وتهانينا لفيتيل و”ريد بُل”. فهما بالفعل يستحقان الفوز والتتويج باللقب.
نتمنى أن تكون القوانين الجديدة لعام 2014 تحدياً كبيراً لكل الفرق وأن نرى صراعاً حقيقياً على اللقب يدوم حتى آخر لفة من عمر البطولة، على غرار ما حصل عام 2008. فالفورمولا 1 تحتاج لهذا التشويق.