انبهرت من براعة قائد دراجات نارية عمره 21 سنة لا يعرفه إلا متابع سباقات بطولة العالم للدراجات النارية “موتو جي بي”، يعيد كتابة تاريخ الرياضات الميكانيكية.
أصبح مارك ماركيز أصغر بطل عالم لفئة “موتوجي بي” في عام 2013، محرزاً هذا اللقب من مشاركته الأولى له في الفئة الكبرى العريقة، والتي يعود تاريخ تأسيسها لعام 1949. ماركيز هو أصغر فائز بسباق، وأصغر حاصل على مركز الإنطلاق الأول، وأصغر دراج يحقق أسرع لفة في سباق، وأصغر متصدر لبطولة عالم، وأذكركم مرة أخرى أن ذلك قد حدث في موسمه الأول في الفئة الكبرى.
هذه الإنجازات لم تتوقف بعد، فهو مازال تلميذاً في مدرسة عظماء هذه الرياضة الممتعة، أمثال الدكتور روسي بطل العالم السباعي وخورخي لورينزو بطل العالم الثنائي، إلى جانب المخضرم داني بدروسا، زميل ماركيز منذ العام الماضي وربما أكثر من أصيب بفاجعة تفوق سائق يصغره سناً وخبرة من محاولته الأولى.
إذا كانت إنجازات عام 2013 غير كافية، قرر ماركيز بدء موسم 2014 بشكل أفضل، إذ أحرز مركز الانطلاق الأول في جميع الجولات الست الأولى لهذه السنة، متمماً اياها جميعها بالصعود إلى أعلى منصة التتويج.
وخاض معارك شرسة ضد روسي ولورينزو في بعض السباقات وانفرد بالصدارة من البداية حتى خروج علم المربعات. انبهرتُ بشراسة وشراهة المنافسة والاستفادة من كل مليمتر من الحلبة والكبح المتأخر لدرجة اختراق قوانين الفيزياء، ووقفت له احتراماً عندما سجّل درجة انحناء في المنعطفات وصلت إلى 63 درجة.
شيئ مدهش ومبدع رؤية ركبة وذراع هذا المايسترو تلامسان الأسفلت، ثم يدخل خطاً مستقيماً على سرعة 340 أو الإقتراب من حاجز الـ 350 كم في الساعة، ولو أن لورينزو سجّل في العام الماضي درجة إنحناء وصلت إلى 64 درجة والرقم القياسي للسرعة القصوى هذا العام سجّله الإيطالي أندريا إياننوني وبلغ تحديداً 349.6 في حصة تجارب سباق موجيلو يوم السبت الفائت.
متعة وإثارة وتشويق وانبهار بلا حدود لمدة ساعة كاملة، هو زمن سباق “موتو جي بي”، ومن يتمتع بمهارة قيادة الدراجات النارية يعرف تماماً صعوبة ما يحدث على أسفلت حلبة السباق، وأقولها بحذر شديد، ربما منافسات بطولة “موتو جي بي” والسوبر بايك والتي تتطلب مهارات قد تفوق مهارات قيادة سيارات الفورمولا واحد.
عنصر الخطر وحده والحوادث المروعة مخيفة، تنسيق القدم اليسرى للغيارات واليمنى للفرملة الخلفية واليد اليمنى للتحكم في سرعة المحرك، إضافة إلى الفرملة الأمامية واليسرى على القابض شيء من الخيال. يشكل تغيير اتجاه الدراجة يميناً ويساراً بسرعة جنونية من خلال القاعدة والذراعين والأرجل، في ظل التنافس والتخطي والاحتكاك، عملاً مدهشاً.
الغريب في الموضوع أن قصص النجاح لسائق سيارات رياضية ينتقل إلى الدراجات النارية ويحقق لقباً شبه معدومة، لكن العكس موجود في حالة واحدة فقط من الخمسينيات والستينيات، للبريطاني جون سورتيس، الحائز على أربعة ألقاب “موتو جي بي” (أعوام 1956 و1958 و1959 و1960)، ثم لقب بطولة العالم للفورمولا واحد عام 1964.
هناك بعض المحاولات الأخرى أذكر منها بطل العالم للفورمولا واحد عام 1996 دامون هيل الذي بدأ مسيرته كمتسابق دراجات نارية دون تحقيق أي نجاح يذكر، والأسترالي كايسي ستونر بطل العالم للدراجات النارية “موتو جي بي” عامي 2007 و2011، لم يحقق نجاحاً يذكر مع بطولة السيارات السياحية فئة ثماني اسطوانات “في 8” الأسترالية.
وطلب مارك ماركيز من فرناندو ألونسو مؤخراً أن ينسق له اختبار سيارة فورمولا واحد، ربما يتابع جيلنا الحالة الثانية في التاريخ: بطل عالم “موتو جي بي” يصبح بطل عالم للفورمولا واحد.