لا شك أن سوء الإدارة والتخطيط لعب دوراً أساسياً في ما وصلنا إليه اليوم من أزمة مالية محدقة ببطولة العالم للفورمولا واحد.
لكن آندي فان دير بورغت يشرح لنا أن الفورمولا واحد ليست باهظة مقارنة بكرة القدم، وكيف يُمكن ضمان مستقبل هذه الرياضة بما يتناسب مع مصالحها العليا وليس مصالح مالكي الحقوق التجارية فيها.
.
.
غياب فريقي ماروسيا وكاترهام عن جائزة الولايات المتحدة الكبرى، بسبب الصعوبات المادية التي يواجهها الفريقين، ألقى بظلاله مرةً أخرى على مشاكل بطولة الفورمولا واحد وكيفية توزيع العائدات المالية.
من وجهة نظرٍ رياضيةٍ بحتة، كان من سوء الحظ أن غياب هذه الفرق لم يشكل تأثيراً كبيراً في سباق أوستن بحد ذاته، كما أن المعركة على المراكز الأخيرة التي كانا يخوضانها بشكلٍ منعزل عن بقية الفرق تحولت لمعركةٍ محتدمة على المركز العاشر وحصد النقاط. وجاء ذلك في وقتٍ كانت فيه البطولة بأمس الحاجة للحصول على منافسات شرسة على الحلبة تتصدر العناوين، بدلاً من العناوين المضجرة عن توزيع العائدات المالية.
لسوء حظ فريقي كاترهام وماروسيا، ومن قبلهم فرق هيسبانيا و ‘يو أس أف1’، فإنهم استُدرجوا إلى الفورمولا واحد بناءً على أحلامٍ لم تتحقق. إذ أن أفكار الرئيس السابق للاتحاد الدولي للسيارات ماكس موسلي، حول وضع سقف لميزانيات الفرق، بلغ 30 مليون جنيه استرليني في البداية قبل أن يتم رفع هذا الرقم ليصل لـ 40 مليون، فشلت فشلاً ذريعاً عند محاولة تطبيقها بشكلٍ عملي.
خلال مجريات جولة أوستن، كشف مالك فريق لوتس جيرارد لوبيز أنه من الضروري أن يمتلك كل فريق مبلغ حوالي 70 مليون جنيه استرليني من أجل المشاركة فقط في الفورمولا واحد، ولهذا السبب كان من السهل معرفة أسباب فشل مخططات موسلي بخفض ميزانيات الفرق لتصل لحوالي نصف هذا المبلغ.
ورغم أن مبلغ 70 مليون جنيه استرليني يعد باهظاً للغاية من أجل الإنفاق على مصنع وسيارتَي تسابق على مدار الموسم، خصوصاً وأن هذه السيارات أسرع بشكلٍ طفيف من سيارات سلسلة “جي بي 2″، حيث أن مبلغ 3 مليون جنيه استرليني كفيل بإدخال فريق في هذه السلسلة، إلا أن هذا المبلغ هو نفسه الذي قام نادي برشلونة الإسباني لكرة القدم بدفعه لقاء خدمات مهاجم موقوف عن اللعب في أول شهرين من مدة العقد، ألا وهو لويس سواريز.
في الواقع، مبلغ 70 مليون جنيه استرليني يُعدُّ قيمةً جيدةً مقارنةً بملبغ 150 مليون جنيه استرليني الذي قام نادي مانشستر يونايتد بإنفاقه على لاعبيه خلال الفترة الصيفية. ومع وصول مرتّب أفضل هؤلاء اللاعبين لحوالي 15 مليون جنيه استرليني، فإن كرة القدم مكلفة بشكلٍ مساوي للفورمولا واحد هي الأخرى. عدد سائقي الفورمولا واحد الذي يتقاضون مثل هذه المرتبات يُعدّون على أصابع اليد الواحدة.
ونظراً للعائدات المالية والأرباح التلفزيونية في الفورمولا واحد، والتي تصل لحوالي 450 مليون جنيه استرليني، فإن مبلغ الـ300 مليون جنيه استرليني، والذي يُشاع أن فريق مرسيدس قام بإنفاقه هذا الموسم، مشابه لتكلفة إدارة نوادي تشيلسي، مانشستر سيتي، باريس سان جيرمان، أو ريال مدريد.
الاختلاف الجذري هو أنه، في كرة القدم، العائدات التلفزيونية تعتبر خيالية وهائلة. إذ أن الدوريات الإقليمية المختلفة تقوم بالترويج لبطولاتها بأفضل طريقة ممكنة، إلا أن معظم العائدات المادية يتم توزيعها على الأندية. وفي حين تحصل الأندية الأكثر نجاحاً على أكبر العائدات المادية، إلا أنه يتم توزيع مبلغ حوالي 50 مليون على الأقل لكافة الفرق، وبعدها يتم توزيع الفائض لكل نادي وفقاً لترتيبه في الدوري.
وفي إسبانيا، يحظى كل من ريال مدريد وبرشلونة بالحصة الأكبر من العائدات المالية ولهذا السبب تتمتع هذه الأندية بأكبر قدرة على الإنفاق وتتمتع بتحقيق نجاحات كبيرة (رغم موسم أتليتكو مدريد الأخير المذهل). في حين تصارع بقية أندية الدوري الإسباني على النجاة وتحقيق نتائج جيدة.
وهذا ما يحصل تماماً في الفورمولا واحد. كيفية توزيع العائدات المالية تأخذ بعين الاعتبار عراقة الفرق وإرثها بدلاً من تأديتها بشكلٍ أساسي.
لم يكن ذلك سيشكل مشكلةً كبيرةً في حال حصلت الفرق على حصصٍ أكبر من العائدات التلفزيونية. إذ أنها تحصل في الوقت الحالي على نسبة أقل من 50% من هذه العائدات.
لا تُعتبر بطولة الفورمولا واحد جمعيةً خيرية. ولا يحق لأي فريق التواجد على خط الانطلاق لمجرد رغبته في المشاركة. وفي حال لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم بسبب السيارات السيئة والقسم الهندسي الضعيف إضافةً للفريق الإداري السيئ فإنهم يتحملون لوم ما وصلوا إليه من دون شك.
ولكن رغم ذلك، يجب على البطولة أن تقدّم عرضاً في كل سباق. إلا أن القرارات المتخذة على مدار الأعوام الخمسة الماضية جاءت في سبيل زيادة مدخول مالكي البطولة بدلاً من تحسين الاهتمام وشعبية الفورمولا واحد.
الانتقال للبث التلفزيوني المشفر في مختلف أنحاء العالم لعب دوراً كبيراً في انخفاض نسب المتابعة التلفزيونية. هذا الأمر يجعل جذب الرعاة من قِبل الفرق صعباً للغاية. لنقارن فقط سيارة ماكلارين للموسم الحالي مع تلك المشاركة في عام 2008 وسنشهد انخفاضاً كبيراً في الرعاة.
كما أن روزنامة البطولة صُممت بشكلٍ أساسي من أجل ضمان حصد مالكي البطولة لنسبة أكبر من الأموال. في حال سألنا الفرق والرعاة إن كانوا يفضلون إقامة سباق آخر في الولايات المتحدة أم الذهاب إلى باكو، لن تضطر لسماع العديد من الأشخاص وهم يحاولون لفظ ‘أذربيجان’.
لربما يجب على هذه البلدان الغنية بالبترول أن تستضيف جولات لا تُشكّل جزءً من البطولة بحيث تُمنح فيها جوائز مالية كبيرة من أجل جذب الفرق. وجود ثلاثة أو أربعة سباقات مثل هذه سيؤدي لتشكيل سلسلة ثانوية ضمن البطولة. وبالتالي لماذا لا يتم عقد هذه السباقات في منتصف الأسبوع، وبيع الحقوق التلفزيونية بمبالغ أكبر وسيصبح لدينا ما يُشبه دوري بطولة أبطال أوروبا لكرة القدم. ويُمكن تحديد ‘البطل’ وفقاً لنظام اليمداليات من أجل ضمان عدم الاختلاط بين هذه السلسلة الثانوية وبطولة العالم الأساسية الحالية.
من الصحيح أنه يمكن خفض نفقات الفورمولا واحد في عدة مجالات، مثل استخدام علب التروس الموحدة بين الفرق، إلا أن الفرق تقوم بتوظيف عدد كبير من المُصممين والتقنيين بسبب وجود أفضلية في الأداء نتيجة لذلك.
إلا أن ما تحتاجه الفورمولا واحد هو ضمان إدارة البطولة بما يضمن المصلحة العليا لها وليس المصلحة العليا لمالكي الحصص فيها. هذا الواقع يعتبر مألوفاً على بيرني إكليستون، الذي واجه وضعاً مماثلاً عندما قام بالسيطرة على الفورمولا واحد في بداية ثمانينيات القرن الماضي.