ينتظر تحالف ماكلارين-هوندا أن يحقق أول منصة تتويج له منذ أن عاد مرة أخرى إلى الفورمولا 1 عام 2015، إلا أن التقدم يوحي بأن ماكلارين ستكون في مقدمة شبكة الانطلاق، بالرغم من أن نتائجها الحالية لا تدل على ذلك.
بناء على ذلك، إذا كنتَ مرسيدس، فيراري، أو ريد بُل، فإنك لن تراجع ما حصل في السباقات الثمانية الماضية في هذا الموسم من بطولة الفورمولا 1، بل ستكون قلقاً حيال ما يخبئه تحالف ماكلارين-هوندا.
حتى بالنسبة لفرق ويليامز وفورس إنديا ذات الإمكانيات المادية المنخفضة، والتي استطاعت أن تحقق مركزاً لها على منصة التتويج في آخر ثلاثة سباقات، من المرجح ألا تشكل هذه الفرق خطورة على صدارة ترتيب الصانعين في الفورمولا 1.
مضى على عودة ماكلارين-هوندا 27 سباق. خلال هذا الوقت لم يحقق الفريق أي فوز، ولا منصة تتويج، وفقط 51 نقطة، أقل بـ8 نقاط مما حققته فورس إنديا لوحدها في السباقات الثمانية الأولى لموسم 2016.
وبالنظر إلى النتائج في آخر جولتين على وجه الخصوص، فإنه ليس لدى خصوم ماكلارين أي سبب للقلق. حيث أنهى جنسون باتون سباق باكو متخلفاً بحوالي 20 ثانية عن المركز العاشر، وحوالي 1:45 دقيقة خلف الفائز في السباق نيكو روزبرغ، بينما أنهى زميله فرناندو ألونسو سباق كندا متخلفاً بـ 27 ثانية عن المركز العاشر، وتخلف عن الفائز لويس هاميلتون بلفة كاملة.
حتى الآن، ماذا إذن؟ المهم هو معدل التقدم الذي تحرزه ماكلارين. شعر ألونسو في الموسم الماضي على حلبة مونتريال أن السيارة تنقصها السرعة مما جعله يبدو كسائق مبتدئ. وكانت مشكلة في المحرك قد منعت جنسون باتون من المشاركة في الحصة التأهيلية، فيما حقق ألونسو المركز 15 فقط.
كان ألونسو سيبدو أبطأ من الجميع باستثناء سائقَي فريق مانور، لولا الأعطال الميكانيكية التي أصابت سيارة فيراري الخاصة بالألماني سيباستيان فيتيل وسيارة ويليامز التابعة للبرازيلي فيليبي ماسا. وسجل ألونسو بشق الأنفس توقيتاً أسرع من ساوبر في حصة التجارب الثانية، قبل أن يشتكي من قوة محرك هوندا خلال السباق.
استطاع ألونسو هذا الموسم أن يتأهل إلى حصة التجارب الثالثة، في ثلاثة من آخر أربعة سباقات، لم تتمكن ماكلارين على الإطلاق من التأهل إلى حصة التجارب الثالثة في الموسم الماضي.
ربما أفضل مؤشر على تقدم الفرق بالمقارنة مع موسم 2015 هو الجولة الروسية. قامت الفورمولا 1 بزيارتين لسوتشي خلال فترة أقل من ستة أشهر، مع استخدام تركيبات الإطارات نفسها خلال الزيارتَين.
التقدم المُنجز في توقيت اللفة في سوتشي، 2015-2016
- مانور، 4.294 ثانية
- ماكلارين، 2.092 ثانية
- ريد بُل، 1.880 ثانية
- فيراري، 1.842 ثانية
- مرسيدس، 1.696 ثانية
- فورس إنديا، 1.447 ثانية
- تورو روسو، 1.414 ثانية
- ويليامز، 0.896 ثانية
- ساوبر، 0.305 ثانية
- رينو، -0.160 ثانية
إذا قمنا بمقارنة تواقيت أسرع اللفات المسجلة عبر كل سيارة خلال السباقَين، ستجد أن مانور فقط أفضل من ماكلارين، حيث استطاع فريق مانور أن يحقق أكبر قفزة من عام 2015 حتى هذا الموسم. إلا أن ذلك ليس مفاجئاً، إذ استخدم فريق مانور معدات قديمة العام الماضي، وبالتالي اكتسب أكثر من أي فريق آخر مع استخدام محرك مرسيدس الحالي مع الهيكل الجديد.
نجد من خلال المكاسب التي حققها فريق ماكلارين بالنسبة لخصومه بين سوتشي 2015 و2016، أن الفريق حقق ما يزيد عن ثانية أكثر من ويليامز، وأكثر من ستة أعشار من تورو روسو، وفقط ستة أعشار أقل من فورس إنديا، وحوالي نصف ثانية أكثر من فيراري، وأكثر بثلاثة أعشار من مرسيدس، وحوالي عشر ونصف العشر من الثانية أكثر من ريد بُل.
بالطبع هذه البيانات متأثرة بتطور الحلبة بين الأقسام المختلفة للحصة التأهيلية، وفيما إذا كانت الفرق والسائقين قد تمكنوا من تحقيق اللفات المثالية، إلا أنها تعطينا مؤشراً.
ويقول مدير قسم التسابق في ماكلارين-هوندا إريك بولييه: “كانت فترة الستة أشهر مثالية بالنسبة لنا لكي نقارن أداء سيارتنا وكان ذلك مبهراً جداً”.
وتابع: “نتقدم إلى الأمام بخطى ثابتة، وبدأ المحرك بالتطور فعلاً”.
وأضاف: ” نحن في نفس المستوى مع الجميع بما بتعلق بنظام استعادة الطاقة الحرارية “أم جي يو – أتش”، والذي كان نفطة ضعفنا العام الماضي، نحن الآن بجاجة لبعض القوة فقط، ولسرعة على المسارات المستقيمة. هذا ما سنحصل عليه، وعندما يتحقق ذلك، سنحقق الكثير من المكاسب”.
وتعني محدودية قوة ماكلارين أن عليها أن تركز على إضافة المزيد من الارتكازية على السيارة بالإضافة إلى إنقاص السحب قدر الإمكان، هكذا تم التخطيط لسيارة “أم بي 4-31”. حيث أن الفعالية هي العامل الأهم لأي متخصص في مجال الانسيابية، بالطبع، علينا إيجاد تجد مجالات للمناورة إذا لم تساعد قوة المحرك في السحب.
ويشرح بولييه: “بسبب مشكلة السرعة على المسارات المستقيمة، لم نتمكن من تطوير ما نسميه “الارتكازية القذرة”، لذا علينا أن نمتلك سيارة ذات فعالية انسيابية كبيرة”.
وتابع: “عندما يكون لدينا المزيد من القوة، سيكون من السهل استخدامها واستغلالها”.
وأضاف: “قامت مرسيدس بتطوير سيارتها بناء على حقيقة امتلاكهم لمحرك قوي جداً. ولكن ما نقوم به أصعب بكثير. اليوم الذي نستطيع أن نقوم بنفس ما يقومون به سنكون قادرين على اللحاق بهم في المسارات المستقيمة”.
من الواضح أن ماكلارين حققت تقدماً كبيرة على صعيد الموثوقية. بالرغم من أن معدل استهلاك وحدات الطاقة بالنسبة لماكلارين أكبر من باقي الفرق على شبكة الانطلاق، إلا أن المحركات لم تعد تفشل كما في موسم 2015.
عدد مكونات وحدة الطاقة المُستخدمة في موسم 2016، بعد ثمانية سباقات
- ماكلارين-هوندا: 38
- فيراري: 31
- مرسيدس: 30
- ساوبر-فيراري: 28
- ريد بُل-رينو: 27
- هاس-فيراري، رينو: 25
- ويليامز-مرسيدس، فورس إنديا-مرسيدس: 24
- مانور-مرسيدس: 22
وأشارت هوندا إلى أنها قد وصلت لهدفها فيما يتعلق بأداء نظام استعاد الطاقة “أي آر أس” هذا الموسم، حيث تمكنت من مضاعفة كمية الطاقة المُسترجعة من الأنظمة الهجينة، وهذا بفضل التحسينات التي قامت بها في الشتاء وتحديث الشاحن التوربيني في جولة كندا.
هذا يعني أن ماكلارين لم تعد عرضة لخطر فقدان طاقتها الكهربائية عند الدوران على الحلبات الطويلة ذات المسارات المستقيمة الكبيرة، والآن يمكنها تجنب فقدان طاقة المحرك عند أقصى عدد دورات خلال السباقات، كما كان الحال في العام الماضي.
ويؤكد مدير برنامج هوندا في الفورمولا 1 يوسوكي هاسيغاوا: “من وجهة نظر تقنية، يبدو تحديث الشاحن التوربيني جيد جداً. أداء أنظمة استرجاع الطاقة لدينا ليست مختلفة كثيراً عن فرق المقدمة، أنا واثق من هذا”.
وتابع: “أستطيع القول إنها أفضل من الآخرين، ولكن من المنطقي القول إننا في مستوى آخر تماماً”.
وأضاف: “وصلنا لهدفنا مع نظام استعادة الطاقة الذي لدينا، بأن نصبح بنفس فعالية مرسيدس”.
ينصب التركيز الآن على استخراج طاقة أكبر من محرك الاحتراق الداخلي، والذي يمثل تحدياً كبيراً بدون المساومة على تلك المكاسب التي حققها الفريق مع نظام استعادة الطاقة.
ويشرح بولييه: “بدون وحدة الطاقة هذه، فإذا قمت بتحسين استعادة الطاقة ستنخفض القوة، لذا علينا العمل على الاثنين معاً. إذا قمنا بزيادة الضغط على العادم للحصول على استعادة أكبر للطاقة، علينا إذاً العمل أيضاً على تحسين محرك الاحتراق الداخلي”.
ويتابع: “الأمر أشبه بالموازنة. هذا ما عانت منه رينو سابقاً، حيث كانوا يرفعون معدل استعادة الطاقة بدون العمل على زيادة القوة [في الوقت نفسه]”.
ويكمل: “إذا ما قمت بتحسين القوة ستخسر استعادة الطاقة. تحتاج للاثنين معاً، وهذا سبب حاجتك لشريكك الذي يزودك بالوقود وزيوت لكي يعمل معك”.
ويضيف: “لتحسين محرك الاحتراق الداخلي، أو حتى ضغط غاز العادم، أنت تحتاج لفاعلية في الوقود”.
يقول هاسيغاوا إنه تم تطوير محرك الاحتراق الداخلي أيضاً عما كان عليه في عام 2015، إلا أن رفع أداء نظام استعادة الطاقة منع هذه المكاسب من الظهور للعلن. ويشعر أيضاً أن قوة المحرك الحالي ليست أقل من العام الماضي، وأنه تم تحقيق خطوة للأمام بشكل عام.
بإمكان السائقين الآن أن ينافسوا بشكل منتظم للتأهل إلى حصة التجارب الثالثة، خاصة على الحلبات التي يكون فيها تأثير قوة المحرك قليل، إلا أنهم يضطرون للتراجع بعد إظهار سرعة جيدة في يوم الجمعة، عندما يزيد الآخرون من قوة محركهم تحضيراً للحصة التأهيلية. هنا بالضبط تكمن مشكلة محرك هوندا.
لم تقدّم هوندا بعد أي تطوير للمحرك خلال هذا الموسم، بينما قام خصومها بتحسين محركاتهم. ويقول هاسيغاوا إن هوندا “ستقوم بكل تأكيد” بتحديث المحرك قبل نهاية الموسم، إلا أن التحديثات لم تأتِ بعد من مصنع “ساكورا أتش كيو” الخاص لتطوير محركات هوندا.
ويشرح هاسيغاوا: “الأمر بسيط جداً، إذا لم نتمكن من تحقيق أداء جيد من خلال التحديثات فأننا لن نقوم بتقديمها. نحن لسنا جاهزين، ليس لدينا أي قطع مثالية من أجل ذلك”.
نفترض هنا أنه لدى هوندا خطة لإيجاد القوة التي تحتاجها، لكن لا يمكنها أن تثق من نجاحها في ظل القوانين الحالية، والتي تحدّ من التطوير خلال الموسم عبر المفاتيح التطويرية.
لدى هوندا 12 مفتاح تطوير متبقي لموسم 2016، بعد تقديم الشاحن التوربيني الجديد في كندا، بالمقارنة مع أربعة مفاتيح تطويرية لفريق فيراري، 11 لفريق مرسيدس و21 لفريق رينو.
وتقول هوندا إنها ستقوم بتقديم بعض “القطع الإضافية” لتحسين المحرك الحالي، إلا أنها تشعر أن المفاتيح التطويرية المتبقية غير كافية لتحقيق القفزة الكبيرة التي تحتاجها.
يقول أحد المطلعين بدقة على عملية تطوير المحركات، إن المفاتيح التطويرية تقدم فرصة مهمة من أجل التطوير، وإن السبب الوحيد الذي يدفعك لعدم استخدامها هو أنك لا تعلم كيف ستجد أداء أفضل، أو أنك لن تتمكن من القيام بها بدون أن تقلل من الموثوقية.
استخدمت رينو ثلاثة مفاتيح تطويرية فقط على محركات الاحتراق الداخلي في موناكو في أيار/ مايو الماضي، حيث قُدِّر بأن تحقق 0.5 ثانية على حلبة تقليدية، ربما تعلمنا مرة أخرى كيف يختلف أداء المحرك الجديد على الحلبة بشكل لا يكاد يكون ملحوظاً.
هنا يبرز السؤال، على ماذا تراهن ماكلارين؟ هل وجدت محدودية في بنية محركها تمنعها من تحقيق خطوات ذات شأن على صعيد الأداء؟ أو أنها قررت ببساطة أن تركز على سنة 2017، عندما ستتغير القوانين التقنية التي تلغي اعتماد نظام المفاتيح التطويرية؟
هنالك شك يخيم حول مشروع ماكلارين-هوندا وفيما إذا كانت هوندا تمتلك الوسائل لتحقيق قفزة كبيرة في محركها للموسم المقبل. إلا أنه ما من شك على الإطلاق أنها في المركز الرابع من ناحية القوة، خلف مرسيدس، فيراري، ورينو، وبمستوى مواصفات محرك فيراري لعام 2015 الذي تعتمده تورو روسو. عمل المحرك والبحث والتطوير.
لكنها تطلق بعض التحذيرات لخصومها. فمن السهل نسيان أن هوندا انضمت متأخرة للبطولة خلال حقبة الأنظمة الهجينة والمحركات ذات الست أسطوانات على شكل حرف ‘V’. حيث تتخلف هوندا بعام كامل عن باقي المصنعين على صعيد خبرة التسابق، بالإضافة إلى نظام محاكاة.
أن تمتلك وحدة طاقة بعد 27 سباق تستطيع أن تقارب وحدة فيراري (رغم عدم وجود تطويرات خلال موسم 2014)، فهذا عمل جيد جداً.
وبقول هاسيغاوا: “في هذه اللحظة أشعر بثقة كاملة مع معدل التحسن”.
ويضيف: “أكثر مما حققه بعض الصانعين الآخرين. علينا أن نسرّع من تطورنا بأقصى ما نستطيع”.
ويكمل: “تمت مضاعفة كمية الطاقة التي بمقدورنا استعادتها عما كانت عليه العام الماضي، وهي تعمل بأفضل صورة. من المذهل أننا استطعنا أن نحقق ذلك في فترة عامين إلى ثلاثة أعوام، بينما احتاج البعض سبعة أو ثمانية أعوام”.
وبالتالي بينما لا تبدو هوندا في المكان الذي تريد أن تكون فيه في الوقت الحاضر، لا يمكن إنكار معدل التطوير، وأن على خصومها أن يكونوا حذرين من ذلك.
أعربت فرق متوسط الترتيب كتورو روسو وفورس إنديا عن قلقها من المستوى التنافسي الحالي لماكلارين، حيث تشعر ماكلارين أنه لو كان لديها قوة متقاربة مع خصومها في الحلبات التي تتطلب قوة في المحركات فإنها ستكون تنافسية بلا شك.
وقال بولييه بتهكم: “عليهم أن يتوتروا لأننا قريباً سنكون بعيدين جداً عنهم”.
وتابع: “السيارة تعمل. وبصراحة لا أهتم كثيراً بفِرَق متوسط الترتيب، الأهم أن تبدأ الفرق الكبرى بالتوتر”.
ويضيف: “سنبقي بعيدين عن الأضواء، لأننا لا نريد أن نغالي بتقديراتنا، لكن قوة السيارة بدأت بالتعاظم”.
تمثل السنة المقبلة فرصة كبيرة لماكلارين أيضاً. مع تركيز القوانين الجديدة على الانسيابية مرة أخرى، وستكون اختبار حقيقي لترميم السيارة منذ أن انضم بولييه للفريق في أواخر عام 2013.
يعمل الفريق جيداً، ولديه بطلَي عالم (بالإضافة إلى أشهر سائق شاب للسيارات ذات المقعد الأحادي خارج الفورمولا 1 ستوفيل فاندورن)، ولديه المصادر لكي ينافس مرسيدس، فيراري، وريد بُل.
بالطبع الكثير مازال يعتمد على هوندا، وفيما لو كان بإمكانها أن تحقق ما حققته من تطوير على نظام استعادة الطاقة، على محرك الاحتراق الداخلي في سنة 2017.
إذا كان باستطاعتها ذلك، لن ننتظر طويلاً لنرى ماكلارين تنافس الفرق الكبرى مرة أخرى. وإذا لم يكن باستطاعتها ذلك، فستكون لـ 12 شهر آخر بين الفرق المتوسطة، وهذا ما لا تريد ماكلارين التفكير به.