مع الأحداث العالمية الملحوظة التي تقلي بظلالها على مجريات بطولة العالم لسباقات الفورمولا واحد خلال الأسبوع الماضي، يعتقد إد سترو أن هذه البطولة ليست ‘دون معنى’، بل هي هامّة للغاية.
عندما بدأت أخبار إسقاط الطائرة الماليزية تتصدر الأحاديث على حلبة هوكنهايم الخميس الماضي، كان هناك رأي عام متفق عليه بأن هذا الموضوع غير مرتبط ببطولة العالم للفورمولا واحد.
بالنظر للأرواح التي أزهقت، والعائلات الحزينة، كيف يعقل أن يكون لتعطل مكابح لويس هاميلتون، وفوز نيكو روزبرغ، إضافةً للمنصات الفارغة على حلبة هوكنهايم أي تأثير على ما حصل؟
ولكن رغم إسقاط طائرة الركاب الماليزية، إضافةً للعنف المتصاعد في مختلف أنحاء العالم والذي لا يتم الإشارة إليه، إلا أن بطولة الفورمولا واحد تبقى ذات أهمية.
قد يبدو هذا الرأي على أنه تبريرٌ مهينٌ للذات. إذ أن الفورمولا واحد تعتبر سطحية للغاية ومن دون معنى، ما هي المتطلبات التي يواجهها الإعلاميون الذين يقومون بتغطية مجريات هذه البطولة؟
شبه معدومة، بالمقارنة مع المنظمات الإخبارية العالمية والمليئة بموظفين يخاطرون بحياتهم عند تغطية الأحداث التي تؤثر على مجريات العالم، وغالباً ما تكون هذه الأحداث مريعة.
نمرّ جميعاً، كصحفيين، بأوقات نشعر فيها بأنه يجب علينا تغطية أمور ذات أهمية عالمياً. ستكون هذه مسيرة مهنية بإمكانها أن تصنع فارق في هذا العالم.
في نهاية المطاف، يسطع نجم أبرز صحافيي العالم في مثل هذه المواقف. عند المقارنة، كتابة تقرير عن نتائج إحدى حصص الفورمولا واحد، إجراء مقابلة مع مختلف شخصيات عالم البطولة، أو حتى كتابة تحليلات عن أهمية هذه البطولة يعتبر عملاً بسيطاً وطفولياً أمام العمل الحقيقي.
إلا أن التدمير الذاتي للإنسانية بسبب الميول الإجرامية والنزاعات الحدودية والتي توجب عليها أن تندحر خلال القرن الماضي، إضافةً للحروب التي تؤثر، وغالباً ما تحصد، أرواح الملايين تمثّل أسوأ ما في الإنسانية.
ورغم كل الفساد، الطمع، والمصالح الذاتية المحيطة بها، إلا أن الفورمولا واحد تعبّر في الصميم عن محاولات استثمار أفضل ما في الإنسانية.
تتعلق بطولة العالم للفورمولا واحد بالمحاولات الدائمة للتحلي بالمثالية.
وبغض النظر عن المجالات، سواءً كانت الرياضية، العلمية، الفنية، المعمارية، أو أي ما يمكن ذكره، تعتبر المثالية أمراً ذات أهمية. إذ أنها نقيض المخاوف التدميرية التي تحتل أجزاءً واسعةً من العالم. بطولة الفورمولا واحد تتعلق بالبناء والابتكار، لا التدمير.
تصميم سيارات التسابق بحد ذاته لا يعتبر من وسائل المساهمة في الإنسانية. ولكنه يغنيها من دون شك. لا يجب على أحد تلقّي جائزة نوبل بسبب إنجازاته في هذه الرياضة. إلا أن سيارات الفورمولا واحد تأتي ثمار مجهود هندسي مبدع، وهي نتاج أنقى النوايا الإنسانية، والتي تهدف لرفع المستوى التقني العالمي على الدوام.
سيارات الفورمولا واحد لا تساعد أي شخص بشكلٍ مباشر، لا تساهم في التأثيرات الاقتصادية للفرق التي تقوم بإنتاج هذه السيارات، ولكن هذا الأمر ليس ذات أهمية ولا يجب مناقشته.
لا يجب قياس المجهود الإنساني بناءً على الاستخدامات وقدرة البطولة على إغناء معلومات وخبرات البشرية، ولو حتى بأبسط الطرق. ولكن مع تسخير الملايين من التعهدات المشابهة، إلا أنها تأتي بمثابة شهادة لما يمكن إنجازه.
لطالما لعبت العلوم والتقنيات دوراً كبيراً. من أبرز إنجازات البشرية هو تحوّلنا لكائنات بإمكانها غزو الفضاء، خصوصاً وأن ثروة المجد جاءت عندما خطا نيل آرمسترونغ وباز آلدرين على سطح القمر في شهر تموز/ يوليو من عام 1969.
من المهام الأقل شهرة تلك التي جاءت بعد ستة أعوامٍ وبعد إلغاء مهمة اتخاذ لقطات تصويرية للقمر. كان العالم يعاني من تفاقم الحرب الباردة، ورغم ذلك تعاونت الولايات المتحدة الأميركية مع روسيا من أجل تصنيع مركبة من طراز أبولو مع كبسولة سويز وإطلاقها إلى المدار الأرضي.
كانت دوافع هذا المشروع سياسة، ولكنها تطلّبت بذل مجهود جبار من أجل ضمان تلاؤم الطاقمَين. وتعاوَن كلٌّ من الطرفين، رغم الكره الكبير الذي يجمعهما، بشكلٍ مذهل ومؤثر.
ورغم عدم وجود بوادر الانفراج، إلا أن قيمة علماء الطرفين ارتفعت لتصبح أعلى من الحرب ثنائية القطبية التي كانت تسيطر على العالم. هل استفاد أي شخصٍ بشكلٍ مباشر؟ لا. ولكن ما حصل كان هاماً للغاية.
من الصعب ربط كل ما سبق بعالم الفورمولا واحد، ولكنه يساهم في توضيح الفكرة التي أهدف لإيصالها. بإمكاننا تحقيق إنجازات رائعة. بالعودة لمجال الفضاء، ورغم أن المهمات والبعثات كانت سياسية، هناك حقيقة متوارثة في خطاب الرئيس الأميركي جون كينيدي الشهير إزاء الطموحات التي يجب التطلع إليها.
يقول كينيدي خلال ذلك الخطاب: ‘‘اخترنا الذهاب إلى القمر في هذا العقد وإجراء أمور إضافية، ليس بسبب سهولة هذا الأمر، بل بسبب صعوبتها، ولأن هذه الطموحات ستؤدي لتنظيم وقياس أفضل مهاراتنا وطاقاتنا’’.
لا تعتبر الفورمولا واحد بطولة سهلة على الإطلاق، بل هي صعبة للغاية، وللنجاح فيها نحتاج لنفس التعاون الذي تحدث عنه كينيدي.
في نهاية المطاف، هل كان الحال سيكون أفضل في حال عمل أدريان نيوي على تصميم أنظمة توجيه الصواريخ؟ أو في حال كان جايمس آليسون يعمل على تصميم الطائرات الحربية؟ طبعاً لا. من الأفضل استثمار خبراتهم في هذا المجال البنّاء.
لا يتعلق الأمر بالمصممين، المنتجين، ومن يقومون بإدارة السيارات ضمن الفرق. من أبرز ميزات تغطية بطولة العالم للفورمولا واحد هو إمكانية رؤية أفضل المبدعين عالمياً يتنافسون على مدار الموسم.
هم أيضاً يسعون للكمال، ومشاهدة أفضل سائقي العالم يقومون بتقديم أقصى ما لديهم يهدف لرفع مستوى التحدي والإمكانيات، لمجرد فعل ذلك.
قد تكون التفاصيل، مثل السائق الذي يفوز في السباق، غير منطقية. إلا أن وجود مجالات مثل الفورمولا واحد تدفعنا للتفاؤل إزاء وجود البشرية.
المصائب العالمية تصعّب من إمكانية النظر لأعيننا بشكلٍ مباشر من العار.
إلا أن التسابق خلال مجريات الجوائز الكبرى يعتبر من أبرز إجراءات البشرية التي تسمح لنا النظر للمرآة وملاحظة أنه، رغم كل الأمور الشنيعة المحيطة بها، لسنا سيئين على الإطلاق.
هذا برهان على أنه بإمكاننا الابتكار، وليس التدمير فقط.