يعتقد البعض أنه ليس علينا القلق كثيرًا بخصوص موضوع إصابات ارتجاج الدماغ، يشرح لنا إد سترو في هذا المقال لما علينا القلق كثيرًا من الحادث الذي تعرض له السائق اﻹسباني فرناندو ألونسو.
وسط انتشار نظريات المُؤامرة التي أحاطت بغياب فرناندو ألونسو عن حُضور سباق جائزة أستراليا الكبرى، هنالك أمر واحد واضح تمامًا: هنالك الكثير من اﻷشخاص الذين ما يزالون يستخفون بحوادث ارتجاج الدماغ.
في عدد كبير من المرات التي تلت حادث ألونسو، تمت اﻹشارة ﻹصابته على أنها ارتجاج في الدماغ “فقط“، كما لو أنها صدمة خفيفة على الرأس لا تستحق كل هذه الضجة.
يعرف المُجتمع الطبي هذه اﻷمور ويأخذ موضوع اﻹصابة بارتجاج الدماغ على محمل الجدّ، ولذلك لن يذهب ألونسو إلى أستراليا. ولكن خارج هذه المجموعة المُتخصصة، يبدو بأن هنالك قطاعًا كبيرًا من الناس التي تعتبر “الضربات على الرأس” غير هامة.
أنا لستُ ضليعًا في مجال الطب، لذا سيكون من غير المُجدى شرح اﻹصابة بارتجاج الدماغ بالتفصيل، ولا يُمكني إﻻ أن أؤكد لكم بأن حتى الضربات “الخفيفة” ليست باﻷمر الهين في بعض اﻷحيان. ولكي تعرفوا المزيد من المعلومات من الخُبراء في ذلك، طالعوا مُدونة الطبيب غاري هارتشتاين الطبيب المُفوض السابق في الفورموﻻ واحد.
ولكن ليس هنالك أسهل من الحديث عن المواقف بالنسبة للرجل المُتمدد مُسترخيًا براحة على أريكته. ولحسن الحظ أن معظم الرياضات، التي فيها احتمالية التعرض ﻹصاباتٍ في الرأس، تأخذ في السنوات اﻷخيرة هذا الموضوع على محمل الجد.
وكانت رياضة المُحركات جُزءًا كبيرًا من ذلك، وشاهدنا عددًا لا يُحصى من المُتخصصين في المجال الطبي ممن أمضوا أوقاتًا طويلةً – وفي مُعظم الحاﻻت كانت جهودًا بلا مُقابل – من أجل التقليل من مخاطر اﻹصابة ﻷؤلئك السائقين الذين يتسابقون من أجل تسليتنا.
وهنالك عدد كبير من الحاﻻت التي اتخذ فيها السائقون إجراءاتٍ مُتطرفة لكي يتفادوا مخاطر التأثيرات الخطيرة التي قد تقلب حياتهم رأسًا على عقب، مثل السائق البريطاني داريو فرانكيتي الذي اعتزل رياضة المُحركات بناءً على نصيحة طبية له بسبب إصابته إصابة قوية في حادث واحد.
كما يُعطينا الدوري الوطني لكرة القدم اﻷمريكية (أن أف أل) أمثلةً عن اﻷسباب التي تدفعنا للتعامل بجدية مع أي نوعٍ من اﻹصابات في الرأس مهما تكُن بساطتها.
وفي العام الماضي اعترف الدوري الوطني لكرة القدم اﻷمريكية (أن أف أل) بمعلومة مُذهلة على أن واحدًا من بين ثلاثة ﻻعبين سابقين سيُعانون من مشاكل ذات صلة بإصابات في الدماغ.
تكشف لنا هذه اﻷمور عن جانبين. أولها وأهمها، ينبغي حماية نظام الرعاية الاجتماعية للمُشاركين في هذه الرياضة.
وسيُجادل البعض في ذلك، من ذا الذي سيتساءل حول نوعية اللغة التي ينبغي أن نتركها خلفنا في القرن العشرين حول “الشعور بالنضوج والتعامل مع اﻷمر“.
إنه أمر غير معقول، عادةً ما يتم توفير ذلك من طرف الذين يقومون بالقليل أو الذين لا يُحاولون فهم الظروف الطبية التي يتحدثون عنها (وهنالك اقتراح: ابحثوا عنها في غووغل) وربما ستشعرون بالسعادة لرؤية المُصارعين يذبحون بعضهم بعضًا من أجل تسليتهم.
هنالك عامل آخر، وهو أن الدوري الوطني لكرة القدم اﻷمريكية (أن أف أل) قد تعلم عن الطريقة الصعبة، حيث تكمن مهمته في الرعاية، وقد يُؤدي اﻹخفاق في التعامل مع ذلك بجدية إلى تعقيدات قانونية خطيرة.
وما أختاره هو دعوة كرة القدم “الحقيقية” (آسف، يا مُشجعي ملاعب كرة القدم) إلى اتخاذ إجراءات حقيقية. أصدر الدوري اﻹنجليزي المُمتاز لكرة القدم (البريميير ليغ) أنظمة في بداية هذا الموسم تُشدد على وجوب خضوع اللاعبين الذين عانوا من ضربة بالرأس إلى تقييم قبل السماح لهم بالعودة للعب.
وكان على قمة هذه ذلك القاعدة التي تقول بأنه ينبغي عدم السماح أي لاعب يفقد وعيه باللعب – كما تسبب نظام آخر ببعض الجدل، مع حاﻻت شهدت استمرار بعض اللاعبين بعد أن قاموا بهذا اﻷمر بوضوح، مثل ما حصل مع حارس مرمى فريق توتينهام هوتسبير هيوغو لوريس خلال موسم 2013/ 2014.
لقد أخذت رياضة المُحركات اﻷمر على محمل الجدّ خلال العقود اﻷربعة اﻷخيرة تقريبًا، وبالتحديد منذ أن أصبح الطبيب اﻹنغليزي سيد واتكينز، واﻷستاذ في جراحة اﻷعصاب، يعمل بدوامٍ كامل ونقل سباقات الجوائز الكبرى إلى مُستوى أصبحت فيه اﻹصابات الفظيعة مثل تلك التي حصلت للسائق اللفرنسي جول بيانكي على حلبة سوزوكا اليابانية العام الماضي أمرًا نادرًا الحُدوث جدًّا ،بعد أن كانت أمرًا يحدث بشكلٍ مُتكرر.
وبالعودة إلى ألونسو، حصل بعض اﻻرتباك من طول بيان فريق ماكلارين عندما شدَّد على أنه “لا يُعاني من أعراض أي مشاكل طبية” وبأنه “بحالةٍ صحية مُمتازة من كلا الناحيتين: العصبية والقلبية“.
لم يقرأ الكثيرون الفقرة اﻷولى سابقًا، والتي تبعها شرح لمخاطر المُعاناة من حالة ارتجاج أخرى في الدماغ.
وهذا هو جوهر الموضوع. في كثيرٍ من اﻷحيان يتم اعتبار أي نوع من اﻹصابات على أنها شيء يُمكن علاجه. حصلت بعض اﻷمور الخاطئة، إذًا تناول هذا الدواء، وخذ راحة وستُشفى.
فكرة اتخاذ إجراءات وقائية بسبب ارتفاع مُستوى المُخاطرة في شيءٍ ما تطور ﻷمور خاطئة يُعتبر تلقائيًا على أنها نوعٌ من إخفاء أمورٍ أخرى.
أعرف القليل من التاريخ الطبي لألونسو – إنها معلومات سرية، وهذا يُعتبر أمرًا صحيحًا وجيدًا فقط! ولكنه تعرض لبعض الصدمات القوية من قبل (لعل من أبرزها حادثته في سباق جائزة البرازيل الكبرى عام 2003، عندما اصطدم بحُطام سيارة فريق جاكوار التي كان يقودها اﻷسترالي مارك ويبر).
ومما شك فيه بأنه سيكون هنالك حوادث أخرى. وكما يُوضح لنا مثال فرانكيتي، هنالك تأثير تراكمي نتيجةً للمُعاناة من إصابات اﻻرتجاج في الدماغ أو اﻻصابات الخفيفة في الرأس لعدة مرات وينبغي أن تُؤخذ على محمل الجد.
وإذا نظرنا للأمر من منظور ألونسو وماكلارين، ما الذي يُمكن أن نجنيه من خوضه السباق في أستراليا؟
في أسرع لفة حققها فريق ماكلارين خلال أيام التجارب الشتوية الثمانية على حلبة برشلونة اﻹسبانية كان الفريق مُتأخرًا بفارق 2.5 ثانية عن توقيت أفضل لفة، أما من ناحية الموثوقية فبالكاد تمكنت السيارة من الحفاظ على نفسها. لذا فمن المُحتمل أن تتأهل السيارة في مركزٍ مُتأخر ورُبما قد لا تتمكن من إنهاء السباق.
لا أقصد أن أقول بأن هذا القرار كان سيكون مُختلفًا لو كان فريق ماكلارين اﻷسرع في البُطولة، إذ أن اﻷطباء لا يُقدمون نصائحهم بناءً على المواضيع الرياضية. ولكنهم يهدفون للتشديد على أن يكون الفريق والسائق راضيان عنها.
اﻷمر اﻷكثر سوءًا حول هذا الموقف برمته هو أن هنالك عجز أساسي في جوهر العديد من المُؤامرات – ورُبما رفض – مُحاولة فهم الحالة التي فيها ألونسو.
ضعوا أنفسكم في هذا الموقف. عندما يتم إخباركم بأن تعرضكم لصدمة أخرى بعد وقتٍ قليل من اصابتكم بارتجاج في الدماغ قد تتسبب بتأثيرات ستُغيِّر من حياتكم، فما أنتم فاعلون؟
هل ستكتفون بمجرد اﻻستمرار بالعمل، على افتراض أنكم ستكونون بخير وتصدمون سياراتكم بسعادة في حائط من الخرسانة المُسلحة على سُرعة 180 ميلًا في الساعة (290 كيلو مترًا في الساعة تقريبًا).
وكما أخذنا العبرة من الحادث اﻷليم الذي تعرض له السائق السابق مايكل شوماخر أثناء تزلجه على الثلج، حتى للحوادث البسيطة نسبيًا يُمكن أن يكون لها عواقب فطيعة.
وماذا بعد، يُمكنني أن أؤكد لكم من تجربتي الشخصية بأن اﻻصطدام بجدار من الخرسانة المُسلحة حتى في سيارة يُفترض أن تكون سيارة فورموﻻ واحد، على سُرعات مُنخفضة نسبيًا قد ينتج عنه ضربة خطيرة، حيث عانيت من أثرٍ كبير نتيجةً لحادثٍ على حلبة سيلفرستون البريطانية قبل تسعة أعوامٍ مضت.
قد يكون هنالك أمورٌ أخرى في حادث التصادم الذي تعرض له ألونسو أكثر من تلك التي تم الكشف عنها لغاية اﻻن. ويُظهر لنا اهتمام اﻻتحاد الدولي للسيارات (فيا) بما حصل بأن هنالك أمرًا ما قد تسبب برفع اﻷعلام الحمراء ﻹيقاف فترة التجارب الشتوية، ولكن اﻷمر المُرجح هو طبيعة الصدمة – الزاوية الصحيحة، وطبيعة الصدمة (أو الصدمات)، وبعض النواحي الحيوية للحادث – بحيث تكشف عن الثغرات الموجودة في أنظمة اﻷمان لسيارة الفورموﻻ واحد وتحديدها لمُعالجتها.
وبعد كل هذا، قادتنا الدروس التي تعلمناها من خلال التحليل المُعّمَّق للحوادث مُباشرةً إلى حقيقة وجود عددٍ من السائقين الذين يسيرون بيننا اليوم والذين لم يكونوا ليستمروا في التسابق من دون المجهود الذي بذله المُتخصصون في مجال الطب والسلامة لتحسين ظروف التسابق.
لذا دعونا نُظهر بعض الاحترام لهذا العمل الرائع بدلاً من أن نكون من خُبراء التنظير في “حزب الكنبة” وأن نُشكك في دوافعهم.