أثبت لنا نيكو روزبرغ أنه بوسعه التفوق على لويس هاميلتون، ولكنه أخفق مُجدداً في المحافظة على أفضليته في سباق جائزة الولايات المتحدة الكبرى، الجولة السابعة عشر من بطولة العالم للفورمولا واحد.
وهو اﻷمر الذي يجعله على وشك خسارة معركة المُنافسة على اللقب – وذلك وفقًا ﻹد سترو.
.
واجه روزبرغ من قبل حقيقة تحقيق زميله لويس هاميلتون سلسلة من 4 انتصارات مُتتالية، وما زال هذا الأمر عالقاً في ذاكرته حتى الآن من دون شك، عندما توجه إلى موناكو وخسر صدارته لترتيب بُطولة العالم لصالح زميله المُتحفز الذي بدا بأنه غير قابل للهزيمة.
يُمكنكم أن تقولوا ما تُريدون عما حصل في سباق موناكو قبل 6 أشهر – عندما خرج روزبرغ عن المسار خلال التجارب التأهيلية بطريقةٍ مُثيرةٍ للجدل مما حرم زميله في الفريق من فُرصة المُنافسة على تحقيق المركز الأول على خط اﻻنطلاق [الذي يُعتبر هامًّا على تلك الحلبة الضيقة] – ولكن لا يُمكنكم إنكار أنه وجد طريقةً لتحويل ذلك لصالحه.
توجه روزبرغ إلى جائزة الولايات المتحدة الأميركية الكُبرى التي جرت على حلبة أوستن في وضعٍ مُشابه، فاز هاميلتون بالسباقات الأربعة السابقة، وبذلك تمكن من تحويل تأخره البالغ 29 نُقطة إلى تقدم بـ 17 نُقطة. أنجز الألماني نصف ما توجب عليه القيام به في أوستن، عندما حقق المركز الأول في الحصة التأهيلية مُستفيدًا من مُعاناة هاميلتون من مشاكل في المكابح، ولكنه لم يتمكن من إنجاز المهمة بالكامل.
كما بدا هاميلتون – وعلى نحوٍ مُتزايد – كقوةٍ لا يُمكن إيقافها مُنذ أن ضغط على روزبرغ لدفعه ﻻرتكاب خطأ كلفه صدارة سباق جائزة إيطاليا الكُبرى. تمكن روزبرغ يوم السبت الماضي من تحقيق المركز اﻷول على خط اﻻنطلاق، وتصدر أول 23 لفة من السباق وكان بين يديه سيارة سليمة، ومع ذلك لم يتوافر بين يديه الوسائل ﻹنجاح اﻷمر والفوز في السباق على الرغم من الدافع الكبير والفُرصة المتاحة.
اﻻختلاف بينهما ضئيل – حيث كانت أوقات اللفات اﻷسرع التي سجلاها خلال السباق مُتشابهة، إذ كان الفارق بينهما ثلاثة أجزاء باﻷلف من الثانية. رغم هذا الفارق الضئيل، إلا أنه كان كافياً، حيث صب في مصلحة هاميلتون. هذه الفوارق الضئيلة صنعت فوراق جذرية في نتيجة السباقات الأخيرة.
الجدير بالملاحظة أن اللحظة الحاسمة في السباق كانت مُجددًّا عبارة عن أخطاء ثانوية من روزبرغ، وللمرة الثالثة خلال أربعة سباقات – بعد سباق مونزا واﻻنغلاق الكبير لمكابح سيارته في المُنعطف اﻷول في سباق سوتشي عندما كان قاب قوسين أو أدنى من تصدر السباق – جعل روزبرغ اﻷمور أكثر سُهولةً لزميله.
أُشير في بداية الموسم إلى موهبة روزبرغ على المسار وقُدرته على التأقلم مع المُتطلبات الذهنية ﻷنظمة التحكم في سيارة الفورموﻻ واحد التي أصبحت أكثر تعقيدًا مما مضى. حيث كان من المُتوقع أن يُصبح هاميلتون السائق الذي يرتكب اﻷخطاء المصيرية أثناء القيادة والتحكم بأنظمة السيارة، ولكن روزبرغ هو من ارتكب اﻷخطاء الكبيرة التي فتحت الباب لهاميلتون للمُرور منه باتجاه تحقيق اللقب.
على حلبة أوستن، دخل السائقان سويةً المقطع المُستقيم باتجاه إحدى أكثر مناطق الكبح إجهاداً في الفورموﻻ واحد – المُنعطف 12 اليساري – حيث شعر روزبرغ بأن اﻷمر تحت سيطرته. نعم، كان لهاميلتون اﻷفضلية بسبب استخدامه لنظام تقليص قُوة الجر (دي آر أس)، ومما زاد من هذه اﻷفضلية أنه قام بخفض ارتفاع الجناح اﻷمامي قليلاً خلال توقفه الأول في منصات الصيانة، إلا أن وجود دفعة إضافية من أنظمة استعادة الطاقة ‘إي.أر.أس’ في سيارة روزبرغ كان سيكون كفيلاً بإبقاء هاميلتون بعيداً عن الصدارة.
وشرح روزبرغ اﻷمر بالقول: “ارتكبت خطئاً ﻷني استعملت الشيء الخاطئ للحُصول على المزيد من نظام استعادة الطاقة الحركية [كيرز]” (حيث استعمل المُصطح القديم لنظام الطاقة الهجينة عوضًا عن النظام المُستخدم حاليًا من دون استغلال الطاقة الحركية).
وأضاف: “عندما رأيته قادمًا، قررت الاستعانة بدفعة إضافية، ولكني لم أحصل عليها. اعتقدت بأني استخدمت الإعدادات الصحيحة، ولكن حصل تأخير في هذا اﻷمر، لو فعلت ذلك من خلال الزر فإن اﻷمر سيكون فوريًا، ولكن هُنالك بعض التأخير في استخدام المفتاح ولذلك لم أحصل على مزيد من الطاقة من نظام استعادة الطاقة الحركية [كيرز]، حصل تراجع كبير ولذلك تمكن من التقدم علي في اﻷمتار اﻷخيرة بشكلٍ جيد”.
الطاقة اﻹضافية المُتوقعة التي لم تأتي مُطلقًا تعني بأن روزبرغ لم يُدافع بشكلٍ مُؤكد، شعر هاميلتون باﻷمر واستغله، ومع بُرودٍ ملحوظ من شخصٍ يدرك وجود الكثير على المحك، دفع بسيارة مرسيدس الخاصة به للجانب الداخلي. وأهدر روزبرغ فُرصة الفوز بشق اﻷنفس.
لقد قام بمُحاولةٍ ضعيفةٍ ﻹغلاق الفجوة، على أمل أن يكون هذا التهديد البسيط رادعًا لهاميلتون للتراجع، ولكنه لم يكُن كافيًا، كان لهاميلتون الجانب الداخلي ولم يُتح المجال لروزبرغ للتقدم عليه بعد الخُروج، مما أجبره على السير فوق الحافة الجانبية للمخرج لتجنب خطر اﻻصطدام. ورُبما كان ذلك الثمن الذي دفعه روزبرغ مُقابل اﻻصطدام على حلبة سبا البلجيكية، إذ لا يُمكنه تحمل تبعات التسبب في حادثٍ ثانٍ مُشابه للحادث الشهير.
ولكن الخطأ في نظام استعادة الطاقة لك يكُن العامل الوحيد خلف تغير الصدارة، اعترف روزبرغ بأنه لم يكُن متأقلماً بشكلٍ كبير مع المتغيرات التي شهدناها في النصف اﻷول من السباق، وبدا بأنه يميل ﻷن يكون حذرًا بعض الشيء في اللفات اﻷولى من السباق ثم انتقل لاستخدام اﻹطارات ذات التركيبة مُتوسطة الليونة، وكل هذا يعني بأن هاميلتون كان قادرًا على اﻻقتراب منه وشن هُجومٍ عليه.
كان روزبرغ يُسابق في ظل هاميلتون بعد أن خسر الصدارة، ولكنه لم يكن قادرًا على اﻻقتراب بما يكفي ﻻغتنام أي فُرصة ليقوم باﻻنتقام، لقد كان سريعًا بما يكفي، رُبما بسُرعة هاميلتون، ولكن روزبرغ كان مكشوفًا وأخطاءه جعلت منه ضعيفًا.
وبعد أن كسب مركزًا إضافيًا على المسار، لم يكن هاميلتون في وارد التخلي عن هذه اﻷفضلية على اﻹطلاق، بل اعترف بأنه كان يتوقع الفوز بالسباق قبل وقتٍ طويل من تصدر السباق.
قال هاميلتون: “ذهبت للسباق وانا أفكر بأني أحتاج لسباق آخر مثل سباق عام 2012 وكان اﻷمر مثل ذلك”، وأضاف: “لقد تجاوزته في نفس النُقطة التي تجاوزت فيها سيباستيان [فيتيل، قبل عامين من اﻵن]. حيث لم يخطر ببالي في أي لحظة خلال السباق عن التفكير بأني لن أتمكن من تجاوزه”.
وتابع: “وحالما تجاوزته، كان بإمكاني اﻻسترخاء للحظة وحاولت فعلاً الحفاظ على اﻹطارات، ﻷني أدركت بأنه قد يضغط علي في بعض النقاط، لذا كان علي أن كون جاهزًا للرد دائمًا”.
اﻻختلاف الوحيد عن سباق 2012 كان بأن هاميلتون لم يتلقى مُساعدة من السائقين المُتأخرين ليتجاوز روزبرغ. وبعد ستة أعوامٍ على نيله لقب بطولته الوحيد (أم يجب علينا أن نقول الأول) تمكن هاميلتون من التغلب على زميله في الفريق من حيث سرعة السباق، وبالتالي كان فوزه مستحقاً.
لشاهدنا هاميلتون الهادئ، هاميلتون المُفكّر ذلك الجانب الذي مضى وقتٌ طويل مُنذ تحقيقه للقبه العالمي اﻷول، في سباق جائزة اليابان الكُبرى لموسم 2008، كان توق هاميلتون يقوده لمُحاولة تأخير الكبح أمام الجميع عند المُنعطف اﻷول لحلبة فوجي. وحتى قبل أشهر مضت، ارتكب بعضًا من اﻷخطاء الخطيرة خلال فترة التجارب التأهيلية مما سمح لروزبرغ ﻷن يتصدر جدول النقاط ويبني فارقًا مُريحًا من النقاط.
ولكن اﻵن يبدو بأن قناعته الواثقة هي ما تُخفف من اﻻعتراف بأنه لا يضغط على هذا الموضوع، كما لا يُمكن لروزبرغ اﻹخفاق في اﻻعتراف بأنه الوقت لديه ينفد من أجل كسر هيمنة زميله الذي يبدو قويًّا كما كان في ما مضى.
ما أعطاه روزبرغ هو إظهار القليل من الحماسة مع السائق الذي شارك سائقي مرسيدس منصة التتويج .. ومُجددًّا، كان هذا السائق هو دانيال ريكياردو والذي تفوق مع تنفيذ قيادة رائعة مُنطلقًا من المركز السابع ليصل ثالثًا.
لقد أصبحنا معتادين على تفوق هذا اﻷسترالي المُبتهج خلال هذا الموسم لدرجة أنه نادرًا ما يُذكر، ولكن جسدَّ هذا السباق الصفات التي جعلته سائقًا أساسيًا في فريق ريد بُل لموسم 2014، موضوع السُرعة كان أمرًا مُسلمًا به، ولكن قُدرته على التفوق عليه في كل نُقطة ضغط أذهلتنا كثيرًا، لذا سيكون من الصعب علينا أن نتصور بأن ريكياردو كان سيتنازل عن الفوز لهاميلتون لو كان يقود سيارة مرسيدس.
كما أظهر لنا ريكياردو مجموعةً كبيرةً من مهارات التسابق، رُبما باستثناء قُدرته على التفوق في اﻻنطلاقة. كانت ذلك نوعًا من الضعف، ولعلّه الضعف الوحيد الذي برز هذا العام، واعترف اﻷسترالي بأنَّ مشاكل التحكم تُهدد عملية البداية لديه، ولكن تعافيه كان مُذهلاً.
استغرق اﻷمر منه نصف لفة للتخلص من الدنماركي كيفن ماغنوسن في سيارة ماكلارين، ولكن دُخول سيارة اﻷمان إلى الحلبة عنى بأنَّ عليه اﻻنتظار حتى يتمكن من اﻻنقضاض على فرناندو ألونسو. ويكاد اﻹسباني يُعتبر أنه أصعب سائق يُمكن تجاوزه على المسار، ولكن ريكياردو تجاوزه كما لو أنه يُحاول اجتياز سائقًا مُبتدئًا من خلال الدفع بسيارة ريد بُل إلى الجانب الداخلي أثناء الدُخول للمُنعطف الأول خلال إعادة انطلاق السباق، ولفعل هذا اقترب بشكلٍ خطير من مُؤخرة سيارة ويليامز التي يقودها فالتيري بوتاس، ولكنه ابتعد عنها، حيث جمع الزخم في الجانب الخلفي خلال هذه العملية وخرج من هذه المُناورة وهو في المركز الخامس.
قال ريكياردو: “رأيت فرناندو ألونسو مُتخفيًا بعض الشيء، ولكن المجال واسعٌ جدًّا في المُنعطف اﻷول وأنا اعرف بأنه هُنالك مُتسعٌ بعض الشيء من الجانب الداخلي”، وأضاف: “أعتقد بأني تعمدت فعل ذلك، خرجت بالفعل من المُنعطف اﻷخير عندما عرفت بأني كُنت قريبًا بما يكفي، ولكن فالتيري اعترضني مُتأخرًا، كُنت في وضعٍ سيء في ذُروة المُنعطف وكُنت تقريبًا على وشك تجاوز سيارة ويليامز، وأنا مُتأكد بأن فرناندو كان يُراقبني ويقول (سينتهي كل شيء هُنا، لقد تأخر في الكبح، ولد سخيف) لقد كان اﻷمر قريبًا ولكن اﻷمر جرى بشكلٍ جيد”.
لم يكُن على ألونسو القلق كثيرًا، لأنه لم يكن يُسابق ريكياردو فعلاً، في الحقيقة أنهى سباقه في المركز السادس، بفرقٍ كبير عن أصحاب المركز الخمسة اﻷولى وصل ﻷكثر من دقيقة، وبالتالي لا عجب بأنه كان يحلم بالحُصول على واحدة من السيارات الفضية – وليس على واحدة من ووكينغ [حيث مقر فريق ماكلارين].
وما قدمه ريكياردو كان عبارةً عن سباقٍ رائع وفعال، إذ لم يُضيِّع الوقت في التعويض عن انطلاقته السيئة، وهذا يعني بأنه لم يُضيع وقتًا لتجاوز سيارتي ويليامز أمامه لبوتاس وفيليبي ماسا صاحب المركز الثالث، ولكن أمامه مهمة التقدم عليهما، وكان ريكياردو بحاجةٍ لاعتماد طريقةٍ مُختلفة لتجاوزهما نظرًا لقوة مُحركات مرسيدس التي تستخدمها سيارات سيارات ويليامز.
نفذ اﻻثنان عملية الاعتراض حيث كل ما فعله ريكياردو هو تجاوز بوتاس ومن ثم ماسا، إذ ساعده التوقف البطيء للبرازيلي وخسارة الوقت جراء تأخره في لفة الدُخول لمنصات الصيانة، ولكن ريكياردو أظهر نفسه مُجددًّا على أنه مُقاومٌ للضُغوط وبأنه في وضعٍ مثاليٍّ للاستفادة من الوقت الضائع، والنتيجة كانت إنهاءه السباق ضمن المراكز الثلاثة اﻷولى للمرة الثامنة هذا الموسم.
سمعنا الكثير من اﻷصوات المُشككة عندما اختار فريق ريد بُل ترقية ريكياردو للفريق اﻷول على حساب الكثير من المُرشحين ذوي الخبرة، مثل الفنلندي كيمي رايكونن، ولكن حتى أولئك الذين عرفوا بأنه كان الخيار الصحيح وكان لديهم توقعاتٌ مُرتفعة عنه تفاجؤوا بسُرعة تأقلم ريكياردو مع الحياة في مُقدمة شبكة اﻻنطلاق.
أما مع روزبرغ فإن اﻷمور تبدو صعبةً حيث تُصبح الضُغوط والتوترات أكثر شدةً مع تقدم البُطولة، ما الذي يُمكن أن يُقدمه للقليل من الحُرية مثل المُقاربة الجريئة التي يتميز بها ريكياردو في الفورموﻻ واحد؟
والسُؤال اﻵن ما الذي يُمكن لروزبرغ أن يفعله مع هاميلتون خلال آخر سباقين؟ المُشكلة ليست في أدائه الأساسي؛ إذ أظهر أنه قادرٌ في مُعظم اﻷحيان على العيش مع رجل يُصنف – وبشكلٍ مُبرر – من بين أسرع السائقين، إن لم يكُن السائق اﻷسرع في الفورموﻻ واحد. ولكن على روزبرغ أن يستغل الإيجابيات التي يتمتع بها بشكلٍ أفضل، ولكن كيف يُحقق هذا؟
قال روزبرغ: “من خلال اعتمادي لنفس الطريقة” حيث شرح كيف يُمكنه التعامل مع السباقين الحاسمين، وأضاف: “اﻻلتزام الكامل، والهُجوم الكامل، ومُحاولة أن أنطلق أوﻻً على شبكة اﻻنطلاق ومن ثم الفوز بسباق إنترﻻغوس [في البرازيل] وهذا هو اﻷمر، ما يزال هُنالك العديد من النقاط ﻹحرازها والكثير من اﻷمور التي يُمكن حُصولها”.
مع ذلك تكمن المُشكلة ببساطة في أنه لا يُمكن لروزبرغ أن يقوم بنفس اﻷمر، حتى عندما حقق المركز الأول على شبكة اﻻنطلاق، علمًا بأنه انطلق أوﻻً أكثر من هاميلتون هذا الموسم، فإن اﻷمور لا تسير معه كما يأمل.
عندما أنهى السائقان السباقات معًا، كان مُتقدمًا على هاميلتون في 3 سباقات فقط من أصل 17 سباقًا، وحتى لو فاز روزبرغ فيسباقي البرازيل وأبوظبي، فإن بإمكان هاميلتون أن يُحقق لقب البُطولة بوصوله ثانيًا في كلا السباقين.
لقد فاجئنا روزبرغ من قبل، ويُمكنه أن يُفاجئنا مُجددًا. لكن السيطرة على تقدم هاميلتون الكاسح هذه المرة سيكون أصعب مما مضى.