بدا زواجاً رائعاً من الصعب تصديق حصوله بين أحد أفضل السائقين الحاليين في بطولة العالم لسباقات الفورمولا واحد، وأفضل فريق تاريخياً. إلا أن هذا الزواج انتهى بطلاقٍ مرير. يشرح لنا إد سترو أسباب حصول ذلك.
بدأت حكاية فرناندو ألونسو مع فيراري وانتهت في عربية. ولكن، بعد أن سجّل فوزاً في أولى سباقاته مع فيراري في البحرين عام 2010، يرحل ألونسو عن صفوف الفريق بشكلٍ هادئ بعد عبوره لخط النهاية في المركز التاسع في سباق جائزة أبوظبي الكبرى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بعد أن أمضى الفترة َ الأخيرة من السباق دون أي محاولات للضغط على سيارته، الأمر الذي لا يعتبر اعتيادياً على الإطلاق بالنسبة لسائقٍ بخبرات ألونسو.
كانت هذه نهاية محزنة لعلاقة ألونسو مع فريق فيراري المتمركز في مدينة مارانيللو، بعد خمسةِ أعوامٍ من الإحباط المتزايد باستمرار.
لا يمكن اعتبار الوقت الذي أمضاه ألونسو مع فيراري على أنه ناجح أو فاشل. بشكلٍ عام، قام الإسباني بتقديم أداء مبهر في سباقاته التي قاربت 100 سباقاً لصالح فيراري. فاز بسباقه الأول، وكان ينافس على لقب بطولة العالم في السباق الأخير لعامَين، كما قدّم في عام 2012 إحدى أفضل النتائج ثابتة المستوى في تاريخ بطولة العالم للفورمولا واحد.
كان من المفترض أن يشكّل هذا الفوز في البحرين بداية علاقةٍ تاريخية. حتى من دون فوزه بلقب بطولة العالم، كان بإمكان ألونسو الرحيل عن صفوف فيراري بطلاً محلياً كما أثبت لدينا جان أليزي في السابق أن النتائج وحدها ليست كفيلةً بالتمتع بمحبة قاعدة مشجعي فيراري المعروفين بالتيفوزي. إلا أن العلاقة بين الفريق والسائق انهارت خلال الأعوام الماضية لدرجةٍ أصبح فيها كلاهما سعيداً بابتعاده عن الآخر.
فاز ألونسو بـ11 سباقاً مع فيراري فقط. ورغم وجود ثلاثة سائقين فقط تمكّنوا من تحقيق عدد أكبر من الانتصارات لصالح الفريق، إلا أنه لم يتم وضعه بنفس خانة السائقين العظماء لفريق فيراري أمثال مايكل شوماخر، نيكي لاودا، وألبيرتو أسكاري، هؤلاء السائقين قادوا فريق فيراري لتحقيق نجاحات غير مسبوقة.
لا يمكن لأي سائق أن يتمكن من تحويل سيارة جيدة لسيارةٍ رائعة. من الممكن أن يقدم السائق تأدية مذهلة في عدّة مناسبات، إلا أن ألونسو لم يكن محظوظاً على الإطلاق لأن موسمه الأول مع فيراري كان هو الأنجح. ففي عام 2010، تمكن من الفوز بخمسة سباقات، وتحسّنت تأديته بشكلٍ كبير في المراحل الأخيرة من الموسم، وفوّت على نفسه فرصة الفوز باللقب بسبب خطأ استراتيجي قاتل.
إذ أن كافة العقول المدبّرة في فريق فيراري قامت بالتركيز على المنافس الأبرز على اللقب، ألا وهو مارك ويبر، في حين لم يكن أحد يكترث للمنافس الذي يملك فرصةً أقل بالفوز باللقب، ألا وهو سيباستيان فيتيل. ومنذ ذلك الحين، بدأت علاقة ألونسو مع فيراري بالتدهور دون توقّف.
لم يتمكن فريق فيراري من إتقان تقنيّة انبعاث غازات العوادم نحو موزّع الهواء الخلفي. وعام 2011، كانت يمكن توليد نسب ارتكازية مرتفعة باستخدام هذه التقنية قبل أن تحد القوانين من تأثيرها، وجاء فوز فيراري الوحيد على حلبة سيلفرستون، عندما تمّ حظر أكثر الأشكال تطوراً من هذه التقنيات بشكلٍ مؤقت. لم يكن ذلك محض صدفةٍ.
سيارة عام 2012 كانت سيئة، خصوصاً في النصف الأول من الموسم، ورغم ذلك تمكّن ألونسو من جرّها لتحقيق انتصارات في جوائز ماليزيا، أوروبا، وألمانيا الكبرى، ليتمكن من المنافسة على اللقب حتى الجولة الأخيرة. في ذلك العام قدّم ألونسو تأديةً لا تقل شأناً عن تلك التي قدّمها كل من شوماخر ولاودا، وتماثل أعوام اقتراب شوماخر من الفوز بالألقاب في تسعينيات القرن الماضي عند منافسته لسيارات ويليامز وماكلارين التي كانت أقوى في ذلك الوقت.
منذ ذلك العام، اكتسب تدهور علاقة ألونسو مع فيراري زخماً كبيراً. تمكن ألونسو من الفوز بسباقين في بداية عام 2013، ولم يفز بأي شيء بعد ذلك. حتّى عندما كانت كل العوامل ملائمة وممتازة، لم يتمكن ألونسو من الفوز بسباق جائزة المجر الكبرى العام الماضي رغم تقديمه لقيادةٍ مذهلة. تراجعت تأدية فريق فيراري بشكلٍ غير مسبوق. إذ قام الفريق بتصميم محرّكات ليست الأفضل على الإطلاق، إلى جانب أعوام من النتائج المخيبة للآمال من الناحية الانسيابية، وكان هناك واقع جديد أن فريق فيراري لا يمكنه إنتاج سيارة بجودة سيارات ريد بُل.
وبالتالي يبدو أن القضية كانت واضحة. لننقل تأدية ألونسو مع فيراري لتصبح مع سيارة سريعة، كان بإمكانه الفوز بلقبين إضافيين بدلاً من إمضاء حوالي نصف عقد من الزمن في إيطاليا. ولكن رغم أن العامل الأساسي لتدهور العلاقة كان تقنياً بحتاً، لا يعتبر ألونسو بريئاً بشكلٍ كاملٍ هو الآخر.
لطالما تمتّع ألونسو بشخصية قادرة على إحداث شقوق ضمن الفرق، إذ بدأ برمي ثقله على الفور عام 2010 عندما أمضى معظم السباق الثاني من الموسم في أستراليا عالقاً خلف زميله في الفريق فيليبي ماسا، الأمر الذي حال دون صعوده على منصة التتويج.
عقب ذلك عدّة محادثات في مارانيللو، أدت لوضع سياسة السائق الأول والسائق الثاني، ما أدى لقضيةٍ مثيرةٍ للجدل في ألمانيا عندما أُمِر فيليبي ماسا، وبعد عامٍ كاملٍ من الحادث الذي كاد يودي بحياته في جائزة المجر الكبرى، بالسماح بتجاوز ألونسو له ليتخلى عن الفوز.
وفي عامَيه الأخيرين مع فريق فيراري كانت هناك العديد من المؤشرات على أن ألونسو أساء تقدير مدى أهمية موقعه في فيراري. عندما قام، بشكلٍ علني، بالتلميح لإمكانية الانتقال لفريقٍ آخر منتصف عام 2013، قام رئيس فيراري آنذاك، لوكا دي مونتيزيملو، بانتقاده بشكلٍ لاذع علنياً.
كانت هناك إمكانية كبيرة للتخلي عن خدمات ألونسو نهاية عام 2013 عندما أصبح كيمي رايكونن متوفراً، وكان هناك مسؤول وحيد رفيع المستوى، على الأقل، يريد القيام بذلك.
منذ تلك اللحظة، أصبح من الواضح أن لا مفرَّ من الافتراق. كان بإمكان ألونسو الاستمرار مع فريق فيراري عاماً إضافياً بسهولة، ولربّما أصبح يثق بضرورة القيام عندما فشلت محاولات إنجاح صفقة انتقاله لفريق مرسيدس لسنة 2015.
لكنه كان يدرك ضرورة مغادرة فيراري إذ أن العلاقة بين الطرفين استاءت لدرجةٍ لا يمكن إصلاحها. ورغم تصريحاته أنه كان يمتلك حرية اتخاذ قراره وأنه قرر مصيره لوحده، فإن انتقاله لفريق ماكلارين في أولى سنوات عودة هوندا إلى الفورمولا واحد لم يكن خياره الأول على الإطلاق. إلا أنه كان أمراً لا مفر منه.
عندما كان جزءاً من فريق فيراري كان ألونسو في المكان الملائم، ولكن في التوقيت غير الملائم. وفي خضم الظروف التنافسية التي مرّ بها الطرفان، ظهرت الشقوق والتصدعات في العلاقة بينهما. عندما يحقق الفريق والسائق الانتصارات، من السهل المحافظة على علاقةٍ جيدةٍ. ولكن بالمختصر المفيد، لم يتمكن فريق فيراري سوى من إنتاج سيارات كانت جيدة لإحراز المركز الثاني، الثالث، والرابع خلال فترة مشاركة ألونسو مع الفريق الإيطالي.
بإمكان السائق أن يصنع الفارق. تمكن ألونسو من تحقيق العجائب في معظم الأوقات خلال فترة بقائه مع فيراري لخمسة أعوام. ولكن رغم اعتقاد ألونسو أنه قادر على تحقيق المستحيل، إلا أنه لم يتمكن من تحويل السيارات المخيبة للآمال إلى آلات ناجحة لحصد الألقاب.