رغم موسم 2015 الكارثي، يثق فريق ماكلارين أن شراكته مع هوندا ستنجح. ولكن، وكما يحذر بن أندرسون، فإن الاستمرار لفترةٍ طويلة دون تحقيق أية نجاحات في بطولة العالم للفورمولا واحد سيكون مكلفاً كما لاحظنا في السابق مع فريق ويليامز.
تتصدر نتائج ماكلارين – هوندا المريعة في الفورمولا واحد عناوين الأنباء باستمرار في الوقت الحالي، ولكن في الواقع فإن تأدية الفريق كانت متواضعة منذ عدة أعوامٍ.
تتميز الرياضة بالعديد من التقلبات في الأداء، إلا أن الفشل المتواصل له تأثيرات سلبية للغاية على فرق الفورمولا واحد، خصوصاً عندما ترتبط العقود التجارية بما يقومون به على الحلبات بشكلٍ مباشر.
يدرك فريق ويليامز هذه الآلام بشكلٍ جيد. إذ أن فريق السير فرانك ويليامز تربّع على صدارة البطولة خلال تسعينيات القرن الماضي قبل انسحاب رينو ورحيل المصمم الأسطوري أدريان نيوي إلى ماكلارين. منذ ذلك الحين، لم تعود الأمور إلى ما كانت عليه.
وأُعيد إحياء إنجازات الفريق لفترةٍ وجيزة نظراً لشراكته مع ‘بي أم دبليو’ مطلع القرن الحالي، بما فيها منافسة سائقه أنذاك الكولومبي خوان بابلو مونتويا على اللقب عام 2003. ولكن منذ نهاية عام 2003 وحتى العام الماضي، لم يتمكن ثالث أنجح فريق في تاريخ الفورمولا واحد – من ناحية الفوز بالسباقات – من تحقيق نتيجة أفضل من المركز الرابع في ترتيب بطولة الصانعين.
هذا يعني مرور أكثر من عقدٍ من الزمان دون تحقيق أية نجاحات ضرورية للتمتع بثقل قوي في ساحة الفورمولا واحد.
وبعد الطلاق المؤلم من بي أم دبليو نهاية عام 2005، وقبل الشراكة مع مرسيدس مع بداية حقبة المحركات الهجينة العام الماضي، تنقّل فريق ويليامز كزبون للمحركات بين كل من كوزوورث، تويوتا، ورينو، وتمكن من الفوز بسباقٍ وحيد في تلك الفترة (عام 2012 في إسبانيا مع باستور مالدونادو) وجاءت أفضل نتيجة في بطولة الصانعين عام 2007، المركز الرابع.
ولكن على مدار ستة أعوامٍ من الشراكة مع بي أم دبليو، أنهى فريق ويليامز الموسم بصورةٍ أسوأ لمرةٍ واحدة فقط…
عند مضي فترة طويلة دون تحقيق إنجازات اعتاد الفريق عليها، تكون هناك مشكلة كبيرة تتمثل بتقليص الخيارات التنافسية لدى الفريق.
وقالت مديرة فريق ويليامز بالوكالة كلير ويليامز لموقع أوتوسبورت: ‘‘إنها حلقة مغلقة. مع انخفاض عدد الممولين نتيجة تأديتك السيئة تنخفض ميزانية فريق التسابق، ومع انخفاض ميزانية فريق التسابق عليك ضمان استثمار الأموال بشكلٍ فعال وذكي’’.
‘‘هناك ارتباط وثيق بين التمويل والأداء بالنسبة لأي فريق، وبالتالي في أية مرحلة لا تقدم فيها نتائج قوية على الحلبة سيتأثر سوق الممولين بالنسبة لك ولن يرتقي لطموحاتك’’.
‘‘ولكن عند استمرار الفشل، تنخفض ميزانية الفريق ولن يتمكن من تصميم سيارة تنافسية كما هو مرغوب’’.
ورغم القلق الناجم عن تخفيض الميزانية وتقليص حجم الفريق في مثل هذه المواقف (حتى مع بقاء البنى التحتية ذاتها)، هناك عوامل تدعو لقلقٍ أكبر تتمثل بتغير عقلية وثقافة الفريق، ما يمكن أن يتفشّى بين أعضاء كافة الفريق ونسيان أهمية تحقيق النجاحات.
فور توقف تأدية الفريق كفريق مقدمة، سيعتقد كافة أعضائه بأنه فريق صدارة. وفي نهاية المطاف، لن يصبح هذا الفريق فريق صدارة.
وتتابع ويليامز: ‘‘على كل فريق أن يكون واقعياً بموقعه. هناك ثقافة سائدة في بعض الفرق تعني تفكيرهم بعقلية الفرق الكبيرة، وهذا أمرٌ جيد إذ من شأنه ضمان التقدم. يجب التفكير بأن الفريق قادر على منافسة أفضل المراكز على الدوام’’.
‘‘ولكن في نهاية المطاف سيكون لتأديتك على الحلبة تأثير على الثقافة السائدة ضمن أروقة الفريق، وبالتالي عندما لا تسير الأمور على ما يرام لن يشعر أعضاء الفريق أنهم ضمن فريق صدارة’’.
‘‘ولكن من أجل قلب موازين القوى على مدراء الفريق نيل ثقة كافة أعضاء هذا الفريق بأن الفوز ممكن. هذا أساسي للغاية. في حال عدم حصول ذلك ما هو المغزى من المشاركة في السباقات إذاً؟’’
‘‘القيادة ضرورية. على كل موظف أن يدرك أن مدراء الفريق يتخذون القرارات الصحيحة. وبعد فترةٍ من الفشل المتواصل، كان علينا بذل مجهود كبير لتغيير ثقافة ويليامز وعقلية أعضاء الفريق’’.
‘‘كان علينا التواصل بأسلوب صريح حول الأخطاء التي ارتكبناها وعن الخطوات التي يجب القيام بها من أجل العودة إلى ما كنا عليه’’.
يستمتع فريق ويليامز حالياً بإعادة إحياء جزء بسيط لما أنجزه في السابق، وذلك بسبب الجهد الجبار المبذول وإعادة هيكلة الفريق التقني تحت إشراف بات سيموندز الفائز بالألقاب مع رينو/ بينيتون في السابق، إضافةً إلى قوة وحدة طاقة مرسيدس في هذه الحقبة من المحركات المؤلفة من ست أسطوانات بشكل حرف ‘V’ الهجينة.
ولكن في الواقع فإن فريق ويليامز ينافس فرق أضخم منه بكثير. فرقاً مصنعية وتمتلك ميزانيات ضخمة مثل فيراري ومرسيدس، إضافةً إلى زبون رينو ‘المفضل’، فريق ريد بُل.
لم يفز فريق ماكلارين بلقب بطولة الصانعين منذ عام 1998، ولكن نظراً لميزانيته الضخمة وبنيته التحتية المتينة – فضلاً عن تحقيقه لنجاحاتٍ أكبر على الحلبات – كان من المفترض أن يتقدم على فريق ويليامز في الوقت الحالي.
إلا أن قرار ماكلارين إنهاء شراكته كزبون لمرسيدس، مفضّلاً الحصول على شراكة ‘مصنعية’ مع هوندا، أثبتت أنها كانت كارثية في ما يتعلق بالنتائج والتأدية.
موقع ماكلارين الحالي يعيدنا بالذاكرة إلى أعوام 1994-1996، والتي كانت تعتمد على المحركات بشكلٍ كبير أيضاً. فبعد إحباطه من تواجده خلف سيارات بينيتون المزودة بمحركات فورد، أقدم رون دينيس على توقيع صفقة مع بيجو عام 1994 كانت كارثيةً من ناحية الوثوقية.
كان خطف صفقة الشراكة المصنعية مع مرسيدس من فريق ساوبر عام 1995 ناجحاً، ولكن بعد عامين من عدم الفوز بأية سباقات، ولكن في تلك الأعوام الثلاثة الصعبة بأكملها – بما فيها التزود بمحركات بيجو عام 1994 – تمكن فريق ماكلارين من الصعود على منصة التتويج 16 مرة إضافةً إلى إنهاء كل موسم من هذه المواسم بالمركز الرابع في ترتيب بطولة الصانعين.
بعد ذلك، تمكن فريق ماكلارين من فرض سيطرته لبضعة مواسم، وهذا ما يأمل الفريق تكراره مع هوندا.
إلا أن تأدية المصنّع الياباني ليست كما هو متوقع حتى الآن، ومع الوضع التنافسي الحالي – ومن دون الفوز بأية سباقات منذ سباق جائزة البرازيل الكبرى الختامي لعام 2012 إضافةً إلى اتجاه فريق ماكلارين نحو إنهاء الموسم الحالي بالمركز التاسع في ترتيب بطولة الصانعين – يجب أن تكون الأمور مقلقة للغاية بالنسبة لهذا الفريق المتمركز في مدينة ووكينغ.
وكان مدير التسابق في ماكلارين إريك بولييه اعترف بأن الفريق تلقى ضربةً موجعةً من الناحية المادية للسنة المقبلة بسبب هذه النتائج المخيبة للآمال في الموسم الحالي.
ولكن السؤال المطروح: إلى متى بإمكان ماكلارين تلقي الضربات الموجعة في حال لم تتمكن هوندا من إخراج نفسها من الورطة المتعلقة بتصميم نظام استعادة الطاقة ‘إي أر أس’؟
وقال بولييه لموقع أوتوسبورت بثقة: ‘‘أعدكم، لن ننهي البطولة بالمركز التاسع الموسم المقبل. في ما يتعلق بالموارد، لا توجد أية أسباب للقلق في ماكلارين هوندا’’.
ولكن عندما ننظر إلى الوقائع، نجد أن فريق ماكلارين تخلى عن أفضل محرك على ساحات الفورمولا واحد ليتزود بأسوئها، ومع استمرار الوضع على ما هو عليه، تزداد استمرارية انتقال فريق ماكلارين من فريقٍ اعتاد المنافسة على صدارة الترتيب إلى فريق ضمن منطقة وسط الترتيب.
بولييه محق في إشارته إلى اختلافات بين كل من ماكلارين وويليامز، إذ أن فريقه يتمتع بصفقة محركات مصنعية في حين يبقى فريق ويليامز زبوناً للمحركات لدى مرسيدس.
بدأت حقبة الظلام في ويليامز عندما خسر الفريق سمته المصنعية، وبالتالي يمكن ألا يجد فريق ماكلارين نفسه في وضعٍ مشابهٍ إلا في حال عدم تمكن هوندا من إيجاد حلول لمشاكلها ما قد يؤدي إلى تدهور العلاقة بين الثنائي بشكلٍ سريع.
لم تكن هناك شراكة وثيقة بين ريد بُل ورينو في أية مرحلة من المراحل كما هو الحال بين ماكلارين – هوندا، إلا أن الرواية الحزينة لنهاية العلاقة بين هذا التحالف قد تشير إلى ما هو قادم…
وبعد خسارته صفته المصنعية، أمضى فريق ويليامز حوالي عشرة أعوامٍ ضمن متاهات يبحث عن طريقه ليخرج من الظلام إلى أضواء المجد من جديد. هل المصير نفسه ينتظر ماكلارين؟
ورغم أن فريق ماكلارين يعتقد أن الفوز بالألقاب ‘‘مستحيل’’ بالنسبة لفريق زبون للمحركات، يختلف فريق ويليامز معه. المواسم المقبلة ستكون كفيلة بإظهار صاحب وجهة النظر المحقة، ولكن في الوقت الحالي فإن فريق ويليامز هو الأفضل على الحلبات، وندرك جميعاً أن النتائج هي كل ما يهم في عالم الفورمولا واحد.
وبالتالي على ماكلارين – هوندا التركيز على الخروج من المشاكل الحالية، وضمان تحسن النتائج بوقتٍ قريب.
وفي حال عدم حصول ذلك، وظهور شقوق في علاقتهما بدلاً عن التعاون، فإن ما حصل مع إحدى أفضل الفرق البريطانية في الفورمولا واحد يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار لما قد يتكرر مع ماكلارين.
يبقى فريق ماكلارين واثقاً حتى الآن، ولكن عليه أن يحذر من إمكانية تحول بضعة مواسم من المشاكل إلى عقودٍ من الآلام…