هذا الموسم من بطولة العالم للفورمولا 1 يصبح أفضل طوال الوقت. لا أحد يعلم من سيكون الفائز سباقاً تلو الآخر. سباق جائزة النمسا الكبرى، تاسع جولات هذا الموسم، كان أبرز مثالٍ على ذلك.
لم يتوقع أحد انطلاق سائق مرسيدس فالتيري بوتاس من المركز الأول. إذ أنه حقق تلك النتيجة لمرةٍ وحيدة فقط قبل هذه الجولة، وكانت هناك توقعات أن زميله لويس هاميلتون سيحصل على مركز الانطلاق الأول للمرة الثالثة على التوالي، والسادسة له هذا الموسم.
ولكن ذلك لم يأخذ بالحسبان مواجهة هاميلتون لواحدة من تلك الجولات التي تسير كافة الأمور فيها بشكلٍ خاطئ والتي لم يشعر فيها بثقةٍ كبيرة وارتياحٍ كبير. ولكن مشجعي هاميلتون كانت لديهم وجهة نظر لأسباب ذلك.
فبعد زعزعة استقراره إثر خسارته لفوزٍ شبه مضمون في باكو نظراً لمشكلةٍ نادرة مع عدم تثبيت مسند الخوذة على متن سيارته بشكلٍ جيد، بدأت المشاكل لـ هاميلتون في النمسا حتى قبل بداية الجولة، يوم الثلاثاء عندما اكتشف فريق مرسيدس مشكلةً في علبة التروس استدعى تغييرها. هذا الأمر يعني، تلقائياً، الحصول على عقوبة التراجع 5 مراكز من مكان تأهله. كان يمكن المخاطرة بإكمال جولة النمسا دون تغيير علبة التروس، ولكن ذلك كان يعني المخاطرة بحصول هاميلتون على عقوبة في سباق بلاده في بريطانيا. وبالتالي اتُخذ قرار بالتأقلم مع العقوبة في النمسا والانتهاء منها.
لم يساعد ذلك هاميلتون. كما لم يساعده التغيير الاستراتيجي، الذي يمكن تفهّمه، مع استخدامه للإطارات الأكثر قساوة عند بداية السباق على أمل تعويض تأخره عند الانطلاق وفي المراحل المبكرة من السباق مع إجراء السائقين أمامه لتوقفات صيانة مبكرة نظراً لاستخدامهم الإطارات الألتراسوفت. فمع اتباعه لهذه الاستراتيجية، لم يكن هاميلتون مستعداً للقسم الأخير من الحصة التأهيلية، ليكتفي بالمركز الثالث، ما يعني الانطلاق من المركز الثامن. هذا تأخرٌ كبير على شبكة انطلاق تتمتع بمستوى تنافسي متقارب!
كان من الجيد والسيئ في الوقت ذاته تواجد زميله في مركز الانطلاق الأول. كان جيداً، إذ يمكن لـ بوتاس تأخير سائق فيراري سيباستيان فيتيل. وسيئاً، لأن ذلك يعني تحسين حظوظ بوتاس للمنافسة على اللقب.
قبل قيامه بكل من ذلك، فإن بوتاس احتاج للتغلب على فيتيل عند انطلاق السباق. أدرك فريق مرسيدس أنه، وفي حال تقدم فيراري، ستكون سرعتهم أفضل مع الإطارات الألتراسوفت. استغل بوتاس انطلاقته المثالية بأفضل شكل ممك.
كانت انطلاقة بوتاس مثاليةً لدرجة دفعت فيتيل للاعتقاد بأنه انطلق قبل الموعد المحدد، وهذا ما ظهر على شاشات التلفزة أيضاً. ولكن التدقيق وتحليل المعطيات يظهر أن سيارة مرسيدس تحركت بعد 0.201 ث من انطفاء الأضواء الحمراء، وهو مقبول. لم يكن من المهم أن بوتاس توقع انطفاء الأضواء الحمراء مع توقفه عن الضغط على ذراع القوابض قبل لحظات بسيطة من انطفاء الأضواء. كان ذلك قانونياً، ومثالياً.
كما أن الأمر الأفضل بالنسبة لـ بوتاس تمثل بسرعته التي أظهرها مع الإطارات الألتراسوفت مع توسيعه للفارق في الصدارة أمام فيتيل. كان بحاجةٍ لكل المساعدة، خصوصاً في المراحل الأخيرة من السباق عندما سمحت التشققات على الإطارات الخلفية لـ فيتيل بمطاردة بوتاس حتى خط النهاية، ليكتفي بالمركز الثاني بأقل من ثانية واحدة فقط.
يمكن النظر إلى فوز بوتاس الثاني في الموسم من عدة وجهات نظر. إذ أنه خطف سبع نقاطٍ من فيتيل، وهذا إيجابي لـ مرسيدس وهاميلتون (الذي أنهى السباق رابعاً). ولكن ذلك سمح لـ بوتاس بالاقتراب إلى فارق 15 نقطة خلف هاميلتون. ما يجعله منافس واقعي على اللقب.
مع اقتراب انتصاف الموسم الحالي من بطولة العالم للفورمولا 1 نجد أنفسنا في معركةٍ ثلاثيةٍ على اللقب. لا أحد يمكنه التوقع من سيفوز. هذا مثالي!