دراما، منافسات رائعة، سباقات أسطورية، وأفضل السائقين في جيلنا الحالي. بالفعل، موسم 2021 من بطولة العالم للفورمولا 1 كان تاريخيًا، وعلينا جميعًا كعشاق للفورمولا 1، بغض النظر عن ميولنا، الاحتفال بما تابعناه خلال فترة 9 أشهر ممتعة لهذه الفئة الملكة لرياضة المحركات.
مضت عدة أيامٍ على نهاية موسم 2021 من بطولة العالم للفورمولا 1. موسمٌ كان رائعًا، ولكن أسلوب انتهائه، بقضايا مثيرة للجدل، ربما لم يكن مثاليًا.
تجنبت الكتابة عن أي موضوعٍ بعد انتهاء سباق جائزة أبوظبي الكبرى، شعرت أن الفورمولا 1 ابتعدت قليلًا عن كونها رياضة، في ظل احتدام تبادل وجهات النظر بين مؤيدٍ ومعارضٍ لما حصل في حلبة مرسى ياس، إضافةً إلى الخطوات التي اتخذها فريق مرسيدس ونية الاستئناف والذهاب إلى المحاكم الرياضية العليا، ما كان من شأنه الانعكاس سلبًا، بالتأكيد، على صورة الفورمولا 1 كرياضة وكبطولة عالمية.
الآن، بعد مضي بعدة أيامٍ، والعودة إلى نوعٍ من الهدوء، ومع تراجع مرسيدس عن الاستئناف، والقبول بنتيجة ما حصل في أبوظبي، ربما حان الوقت لنتذكر سويةً ما تابعناه في هذا الموسم.
بدايةً، لا بد لنا من القول أن ما حصل في اللفات الأخيرة من سباق حلبة مرسى ياس كان، بأقل تقديرٍ، غريبًا بالفعل، ولم يسبق لنا أن تابعنا ذلك. ربما كان الأفضل رفع الأعلام الحمراء ومنح سائق فريق مرسيدس لويس هاميلتون، ومنافسه ماكس فيرشتابن، فرصًا متساويةً.
ربما، وفقًا لمجريات سباق أبوظبي قبل تلك اللفات الأخيرة، كان هاميلتون هو الأحق بالفوز بالسباق. لكن هل نتيجة سباق أبوظبي هي التي تحدد هوية بطل العالم؟
بالتأكيد لا. لقب البطولة لم يُحدد في أبوظبي، لقب البطولة تحدد خلال 22 جولة في مختلف أنحاء العالم، وهذا ما نريد التركيز به في هذه الزاوية. جميعنا تابع ما حصل في أبوظبي، لكنه أنسانا ما حصل في موسم 2021 بأكمله.
قد يعتقد عشاق هاميلتون أن أحقيته الفوز بسباق أبوظبي تعني أحقيته الفوز باللقب، ولكن من جهةٍ أخرى يدرك عشاق فيرشتابن أنه عانى من سوء حظٍ وانسحاباتٍ من عدة سباقاتٍ حالت دون تسجيله لعددٍ كبيرٍ من النقاط.
لذلك، لن نتحدث عن من يستحق اللقب. في هذا الموسم، في هذا المستوى من الأداء الذي تابعناه جميعًا في 2021، الإجابة واضحة: فيرشتابن وهاميلتون يستحقان الفوز بلقب بطولة العالم، وجولة أبوظبي لم تكن هي العامل الوحيد لتحديد هوية البطل.
في موسم 2021، تألق هاميلتون وفيرشتابن سويةً. مع فيرشتابن، تابعنا الهولندي اليافع الذي كانت لديه، للمرة الأولى في مسيرته، سيارة تتيح له فرصة المنافسة على اللقب، وتابعنا سرعته المذهلة بالفعل والتي يمكن ملاحظتها بسهولة في النتائج التي حققها في السباقات الـ 22.
لنتذكر ما حققه فيرشتابن. حسناً، أنهى سباق المجر بالمركز التاسع مع سيارة متضررة بعد أن كان جزءًا من حادث لم يكن له علاقةً به عند المنعطف الأول، انسحب من سباق باكو بسبب ثقب في الإطار لا يتحمل مسؤوليته، وانسحب من سباقي بريطانيا وإيطاليا بسبب حوادث.
في ما عدا تلك السباقات الأربعة، أنهى فيرشتابن كافة السباقات الـ 18 المتبقية إما بالمركز الأول أو الثاني، محققاً 10 انتصاراتٍ، وليتصدر 652 لفة (مقابل 297 لفة لـ هاميلتون، على سبيل المقارنة).
وبالتالي، لا يمكننا أن لا نقول عن ماكس فيرشتابن سوى أنه بطل مستحق في موسم 2021، استخرج أقصى قدرات سيارته، وتألق رغم صغر سنه ومنافسته لأحد أفضل السائقين في تاريخ الفورمولا 1.
ولكن، أحقية فيرشتابن الفوز باللقب في موسم 2021 لا تعني أن هاميلتون لا يستحق الفوز باللقب.
البريطاني ليس بحاجةٍ لإثبات موهبته، مع سجل مثقل بالانتصارات والأرقام القياسية التي كان يسعى لختمها مع فوزه باللقب العالمي الثامن، وليكسر بذلك رقم البارون الأحمر مايكل شوماخر.
رغم ذلك، أعتقد أن بإمكان كافة عشاق الفورمولا 1 ملاحظة أن منافسة فيرشتابن في موسم 2021 دفعت هاميلتون لتقديم أفضل ما لديه، وللتمتع بمستوى أداء لربما كان غير معهودٍ له طوال مسيرته الاحترافية لأنه لم يواجه من قبل مثل هذا المنافس الشرس، الذي أدى إلى وصول هاميلتون إلى مستوياتٍ غير مسبوقة والتألق في العديد من المناسبات والسباقات.
يدرك الجميع أن سيارة مرسيدس، في بداية الموسم على الأقل، لم تكن جيدةً وفعالة، خصوصًا مع عدم استيعاب كيفية إيجاد معايير الضبط المثالية، ومن ثم أثبت فريق مرسيدس جدارته من خلال تحليل البيانات بشكلٍ مكثف، واعتماد سلسلة من التحديثات الانسيابية التي رفعت مستوى تأديته وأعادت هاميلتون إلى دائرة المنافسة على اللقب.
لكن، في نهاية المطاف، لا يمكن أن يكون هناك سوى فائز وحيد. من الطبيعي أن يشعر جمهور أحد هذين السائقين بخيبة أملٍ بعد نهاية الموسم.
هي خيبةُ أملٍ، لربما كانت ستكون أقل قساوة، في حال انتهى الموسم بأسلوبٍ طبيعي حتى وإن فاز فيرشتابن بسباق أبوظبي، لكن ظروف تلك اللفات الأخيرة، جعلت جمهور هاميلتون يشعرون وأن بطلهم كان مستهدفًا.
هذا شعور، ربما مبرر، ولكنه خاطئ بالتأكيد. ولكن في الوقت ذاته ما حصل في سباق أبوظبي كان غريبًا وجاء نتيجة افتقار إدارة السباق لخبرة التعامل مع هذا النوع من الضغط. توجيه الانتقادات سهل بالتأكيد، ولكن من المستحيل تخيّل الضغط الذي كان يشعر به مدير السباق في تلك اللفات الأخيرة، وهو ضغطٌ لربما أثر في طبيعة الأحكام التي اتخذها.
مرةً أخرى، آمل أن ما حصل في أبوظبي لن يؤثر في ذاكرة عشاق الفورمولا 1، وما حصل في هذا الموسم الرائع.
جميعنا تابعنا المنافسات الشرسة في مختلف الحلبات، من التواجد جنبًا إلى جنب في البحرين، في السباق الافتتاحي، إلى منافسات جولة إسبانيا، الاستراتيجيات المذهلة في أوستن والبرازيل، والسيطرة المطلقة للجيش البرتقالي في النمسا وهولندا.
نحن، بالفعل، محظوظون لمتابعة مثل هذه المعارك بين سائقَين من الأفضل في الحقبة الحالية. أحدهما أثبت أنه من الأفضل في التاريخ عبر الأرقام القياسية التي حققها، والآخر فاز بلقبه العالمي الأول، والذي من المستبعد أن يكون الأخير، والذي أثبت بتأديته أن طموحه هو تحطيم الأرقام القياسية التي يتمتع بها منافسه في 2021.
بالخروج عن المجال الرياضي قليلًا، والتطرق إلى المجال التقني الذي أعتبره ساحرًا بتفاصيله الدقيقة، راودتني فكرة منذ منتصف الموسم، كم سيكون فريق ريد بُل ممتنًا لتأجيل قوانين الفورمولا 1 الجديدة حتى 2022 بسبب تأثر العالم بأكمله بجائحة كوفيد-19.
الجميع يعلم أن موسم 2021 كان من المفترض أن يمثل بداية حقبةٍ جديدة للفورمولا 1، مع سياراتٍ مختلفة بالكامل عن سابقاتها، ولكن ما حصل في 2020 من ظروفٍ عالمية أدى إلى تأجيل تلك الحقبة حتى 2022، والاستمرار بقوانين 2020، مع بعض التعديلات، في موسم 2021.
الأمر الأساسي هنا هو أن ذلك القرار جاء بعد انتهاء التجارب الشتوية وكشف الفرق عن سياراتها.
حسنًا، كانت هناك عدة ابتكاراتٍ لسيارة مرسيدس ‘دبليو 11’ من ضمنها نظام (DAS)، ولكن منذ التجارب الشتوية، كنا قد ذكرنا في موقع AutosportME أن أحد أبرز عوامل تفوق السيارة هو تمتعها بنظام تعليق خلفي فريد من نوعه، يسمح بحريةٍ انسيابيةٍ وتدفق هواء مثالي إلى موزع الهواء الخلفي.
بالعودة إلى موسم 2021، وكشف الفرق عن سياراتها، فريق ريد بُل أجرى تعديلًا جذريًا وحيدًا في سيارته، في ظل القيود التطويرية المفروضة على الفرق للحد من النفقات. ماذا كان ذلك التعديل؟ نظام التعليق الخلفي الذي أصبح مشابهًا لسيارة مرسيدس العام الماضي، وضمن تمتع سيارة ريد بُل باستقرار القسم الخلفي الذي افتقرت له في 2020.
تجول في خاطري سيناريوهات ‘ماذا لو؟’. ماذا لو لم يتم تأجيل الحقبة الجديدة من القوانين؟ ماذا لو كان فريق مرسيدس يعلم أن تلك القوانين ستتأجل، هل كان سيعتمد نظام التعليق الخلفي هذا في 2020 (الموسم الذي كان من المفترض أن يكون الأخير في الحقبة الحالية)، أم كان سيؤجله موسمًا إضافيًا؟
كلها افتراضات، ونظريات، لن نعلم مصيرها إطلاقًا، ولكن مزيجًا من كافة تلك العوامل، بالترافق مع تعطش ماكس فيرشتابن للفوز بلقبه العالمي الأول، وخبرة لويس هاميلتون وعزيمته لتحطيم كافة الأرقام القياسية، أدت إلى متابعة موسم أسطوري في 2021.
انتهى ذلك الموسم، وانتهت معه القضايا المثيرة للجدل، وبدأ الآن الانتظار لحقبة الفورمولا 1 الجديدة في 2022.
ماذا سيحصل؟ لا أحد يعلم، ولكن لا يمكننا أن نأمل سوى أن يكون الموسم المقبل بنفس روعة وتقارب موسم 2021 بين هاميلتون، فيرشتابن، والعديد من السائقين الآخرين، بغض النظر عن هوية الفائز باللقب.