عندما أُعلن العام الماضي عن تأكيد عودة فرناندو ألونسو ليشارك في سباق إندي 500 مع فريق ماكلارين في 2019، حتى أكبر المشككين لم يكن يتوقع عدم تأهل هذا التحالف للمشاركة في السباق على أقل تقديرٍ. السلسلة من الأخطاء الكارثية التي ارتكبها الفريق تشير إلى الفوضى التنظيمية التي تشمل كافة ‘أفرع’ التسابق في ماكلارين، ومن ضمنها الفريق المشارك في بطولة العالم للفورمولا 1.
لطالما أكد فرناندو ألونسو بأن رغبته بالرحيل عن بطولة العالم للفورمولا 1 أتت لأنه لم يتمكن من إظهار قدراته الحقيقية كـ ‘أحد أفضل السائقين في التاريخ’، حسب تعبيره، وأنه أراد المشاركة في فئاتٍ أخرى من عالم رياضة المحركات سعياً لإثبات ذلك.
المهمة تعتبر ناجحةً، بشكلٍ جزئي، مع فوز ألونسو بسباق لومان 24 ساعة مع فريق تويوتا، واقترابه من الفوز بلقب بطولة العالم لسباقات التحمل، وهو أول لقبٍ له في بطولةٍ ينظمها الاتحاد الدولي للسيارات منذ فوزه بلقبه الثاني في الفورمولا 1 في 2006.
ولكن، ربما فإن مشكلة ألونسو لم تكمن مع الفورمولا 1 بحد ذاتها، بقدر ما أنها كانت مرتبطةً بفريق ماكلارين في وضعه الحالي.
إذ أن فريق ماكلارين أكد بأن عودته للمشاركة في سباق إندي 500 لن تكون بالتحالف مع إحدى الفرق الحالية، كما حصل في 2017، وإنما من خلال إنشاء فريق جديد بالكامل وبناء السيارة الخاصة اعتماداً على هيكل كارلين ومحركات شيفروليه.
ورغم أن الإعلان عن مشاركة ألونسو في سباق إندي 500 جاء في وقتٍ مبكر، إلا أن الفريق ارتكب سلسلةً من الأخطاء الكارثية التي كشفت عنها مقالة في ‘أسوشيايتد بريس’.
فعندما وصلت سيارة ماكلارين إلى حلبة تكساس لإجراء تجاربها الأولى، كان الفريق قد اكتشف قبل أسبوعٍ فقط بأنه لا يوجد مقود للسيارة! ما أدى إلى سعي الرئيس التنفيذي في ماكلارين، زاك براون، إلى بذل مجهود كبير لشراء مقود من شركة كوزوورث لاستخدامه في تلك التجارب.
وإضافةً إلى ذلك، فإن السيارة التي استخدمها فريق ماكلارين في تجارب تكساس كان لونها برتقالياً، ولكنه درجة اللون لم تكن الصحيحة التي اشتهر بها فريق ماكلارين، ولهذا السبب تقرر إرسال السيارة إلى ورشةٍ لإعادة طلائها بالدرجة الصحيحة من اللون البرتقالي.
السيارة التي قادها ألونسو في تجارب تكساس كانت السيارة الاحتياطية التي يمكن للفريق اللجوء إليها في حال تعرض السيارة الأساسية لحادثٍ على مدار الأسبوع لسباق إندي 500.
هذا ما حصل مع ألونسو، الذي تعرض لحادثٍ عنيف يوم الأربعاء استدعى لجوء فريق ماكلارين إلى السيارة الاحتياطية التي كانت في ورشة الطلاء، بعد أكثر من شهر من طلب فريق ماكلارين بتغيير درجة اللون البرتقالي، وبالتالي كان هناك تأخر كبير مع إكمال طلاء السيارة وإعادتها إلى الحلبة، ما كلف فريق ماكلارين حوالي يومين من التجارب.
هذه التأخيرات كانت غريبةً في ذلك الحين، قبل معرفة الأسباب، خصوصاً وأن بقية الفرق كانت تتمكن من إكمال تجهيز السيارات الاحتياطية خلال بضعة ساعات فقط والعودة إلى الحلبة لاكتساب المزيد من الخبرة.
كل ذلك أصبح غير مهمٍ، وصولاً إلى الحصة التأهيلية، لضمان تأهل ألونسو ضمن المراكز الـ33 الأولى على أقل تقديرٍ، من أصل 36 سيارة، وذلك للمشاركة في سباق إندي 500 على أمل حصول ‘معجزة’ والفوز بالسباق أو تحقيق نتيجة مشرفة.
إلا أن أخطاء فريق ماكلارين استمرت، كانت أخطاءً غريبة نظراً لأن الفريق لديه تاريخ عريق من التسابق وسجل حافل ومثقل بالألقاب والانتصارات.
إذ أن ألونسو أكمل محاولته التأهيلية الأولى مع ثقبٍ في إطاره الخلفي الأيمن، ولكن فريق ماكلارين لم يتمكن من كشف هذا الثقب قبل مغادرة ألونسو لمنطقة الصيانة لأن براون قام بشراء مستشعرات إطارات خاطئة.
ومع إنهاء ألونسو لليوم التأهيلي الأول بالمركز 31، كان عليه المشاركة في اليوم التأهيلي الثاني لحسم هوية السائقين الذين سينطلقون من المركز 31 وحتى المركز 33، وإقصاء أبطأ ثلاث سيارات.
في الليلة التي سبقت اليوم التأهيلي الثاني، أدرك فريق ماكلارين أنه يواجه خطراً حقيقياً بعدم إمكانية التأهل للمشاركة في السباق، وكان هناك ‘ذعر’ لتغيير معايير الضبط بالكامل والاستعانة بمساعدة بعض الفرق الأخرى مثل بينسكي وأندريتي.
ولكن، في ظل تلك التغييرات الجذرية في معايير الضبط، ارتكب فريق ماكلارين خطاً في التحويل من نظام ‘الإنش’ الذي تستخدمه فرق سلسلة إندي كار، إلى النظام المتري المُستخدم في فريق ماكلارين في الفورمولا 1.
لهذا السبب، عندما توجه ألونسو لإكمال لفته الأولى في التجارب التي سبقت الحصة التأهيلية الحاسمة، كانت السيارة تصطدم بأرضية الحلبة وانبعثت الشرارات منها، ولم يتمكن ألونسو من استغلال الوقت المتاح له مع عمل فريق ماكلارين على تعديل معايير الضبط مرةً أخرى.
ومع انتهاء الحصة التأهيلية، وصدمة عدم التأهل للمشاركة في سباق إندي 500 مع إنهاء اليوم التأهيلي الثاني بالمركز 34، اكتشف فريق ماكلارين بأن مجالات علبة السرعة على متن سيارة ألونسو كانت خاطئةً، وأنه كان بإمكان السيارة تسجيل سرعة تصل إلى 229 ميل/ الساعة، ما كان ليضمن التأهل لـ ألونسو، الذي اكتفى بتسجيل سرعات ضمن حدود الـ 227 ميل/ الساعة إثر هذا الخطأ.
هكذا، انتهى سعي ألونسو للفوز بلقب التاج الثلاثي في رياضة المحركات في 2019، بهذا الأسلوب من الأخطاء الفادحة والتي لا يمكن وصفها سوى بالمهزلة.
ما يحصل مع فريق ماكلارين يعتبر غريباً، هذا الضياع الكبير طوال الوقت وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة، حتى أبسط القرارات، بالترافق مع غياب التنظيم الإداري للفريق.
بالتالي، ربما حان الوقت لأن يدرك ألونسو بأن فريق ماكلارين لم يعد كما كان. الوقت يمضي، وكل حقبةٍ كفيلة بأن تكون هناك تغييرات جذرية في مستويات الفرق.
في السابق، اشتهر فريق ماكلارين بأنه أحد أنجح الفرق في تاريخ الفورمولا 1، مع إنجازاتٍ لا يستهان بها على مر التاريخ ومستويات منافسة كانت مغريةً لكل سائقٍ متعطش لتحقيق الألقاب.
ولكن الآن، حان الوقت لـ ألونسو لأن ينسى تلك الصورة عن فريق ماكلارين، والسعي إلى الفوز بالتاج الثلاثي مع فريقٍ آخر بإمكانه إثبات جدارته في حقبتنا الحالية، بدلاً عن الاعتماد على أمجاد الماضي.
بالتأكيد، كل مشجع وعاشق للفورمولا 1 ورياضة المحركات بأكملها يرغب بعودة الاسم الأسطوري لفريق ماكلارين، ويرغب بعودة الأداء الجيد ورؤية اسم ماكلارين في صدارة الترتيب مجدداً.
ولكن لحصول ذلك، لا بد من إجراء تغييرات جذرية في مختلف الجوانب الإدارية، إضافةً إلى إجراء تغييرات في فلسفة وأسلوب تفكير أعضاء فريق ماكلارين، وضمان حصولهم على حوافز ودوافع للنجاح واتباع نهج مثالي وبعيد عن الأخطاء مع اتخاذهم لكل قرارٍ في سعيهم للعودة إلى الصدارة.