يمكننا القول أن العام الماضي كان غريباً، صعباً، واستثنائياً بالفعل مع تأثر العالم بأكمله بانتشار فيروس كورونا. لكن، إذا نظرنا إلى الجانب الإيجابي، فإننا – كعشاق لبطولة الفورمولا 1 – حصلنا على معارك رائعة في موسمٍ مذهل بالفعل.
مع المضي قدماً، واقتراب موعد موسم 2021، فإننا نتجه نحو موسمٍ سيشهد منافساتٍ مذهلة، ويمكننا القول أنه سيكون الموسم المثالي لتوديع هذه الحقبة الحالية من الفورمولا 1 مع بدء الحقبة الجديدة، والتغييرات الشاملة في القوانين التقنية، السنة المقبلة.
بدايةً، لا بد لنا من التنويه إلى أننا عندما نتحدث عن تلك المعارك المذهلة، ندرك أنها لا تشمل، للأسف، منافساتٍ محتدمة على الفوز بالألقاب، في ظل استمرار التفوق المريح لفريق مرسيدس الذي يعيد كتابة تاريخ الفورمولا 1 بالكامل مع إنجازاته القوية.
ولكن، حتى في ظل ذلك التفوق، ومع توجه فريق مرسيدس إلى موسم 2021 وهو المرشح الأبرز للفوز بالألقاب مرةً أخرى، حظينا بعدة سباقاتٍ ممتعة، مثيرة، مع منافساتٍ نارية في العام الماضي، وهناك العديد من المؤشرات التي تعد بالمزيد من تلك السباقات الأسطورية التي تمتّعنا كعشاقٍ لبطولة الفورمولا 1 بأكملها، وليس كمشجعين لأحد الفرق.
يتجه فريق مرسيدس إلى موسم 2021 وهو المرشح الأبرز للمحافظة على سجله المثالي من الفوز بكافة ألقاب الفورمولا 1 منذ بدء الحقبة الهجينة في 2014، ولكن هناك عدة دلائل، من الجولات الختامية للعام الماضي، التي تشير إلى أن مهمة مرسيدس قد لا تكون سهلةً للغاية في الموسم الجديد.
إذ أن فريق ريد بُل تمكن من تقليص الفارق بشكلٍ ملحوظ خلال الجولات الأخيرة من العام الماضي، مع عدم محافظة فريق مرسيدس على وتيرةٍ تطويريةٍ عاليةٍ لسيارة ‘دبليو 11’، وانعكس ذلك على أداء ريد بُل، حيث كان ماكس فيرشتابن من أبرز المرشحين للفوز بسباق تركيا، وأيضاً للفوز بجولتَي البحرين، ولكن ظروفاً مختلفةً حالت دون تحقيقه لتلك الانتصارات، ومن ثم اختتم الموسم مع فوزه بسباق جائزة أبوظبي الكبرى في حلبة مرسى ياس.
في ظل استقرار القوانين التقنية لموسم 2021، فإن فريق ريد بُل بإمكانه المحافظة على ذلك ‘الزخم’ من الجولات الأخيرة من العام الماضي، التي ستكون قد منحت الفريق دفعةً للمحافظة على وتيرة تطويرية عالية طوال الفترة الشتوية لضمان تخلص ريد بُل من إحدى أبرز نقاط ضعفه: انطلاقات الموسم. ما يعني أن فريق ريد بُل يأمل أن يبدأ موسم 2021 بقوة.
كما أن لدى فريق ريد بُل سلاح بإمكانه الاستفادة منه واستغلاله، لم يكن متاحاً لديه في الأعوام الماضية للأسف، ألا وهو زميل قوي إلى جانب ماكس فيرشتابن.
مع عدم تطور وتحسن أداء أليكساندر ألبون بالشكل المطلوب، قام فريق ريد بُل بالتخلي عن خدماته كسائقٍ أساسي [يحتفظ به كسائق احتياطي فقط]، واختار الفريق اللجوء إلى سائق من خارج أكاديميته، مع ضم المخضرم سيرجيو بيريز الذي كان قد تألق بالفعل وقدم أقوى موسم له في الفورمولا 1 العام الماضي.
حسناً، رغم خبرته المذهلة في الفورمولا 1، وتأديته التي ستكون أفضل من ألبون بالتأكيد، قد يواجه بيريز بعض المشاكل في مجاراة وتيرة فيرشتابن، الذي يُعتبر – بوجهة نظر العديد – من أفضل السائقين في الفورمولا 1، حيث تترافق موهبة فيرشتابن مع معرفته بالفريق ولعبه لدور ‘القائد’.
لكن، على الأقل، بيريز سيكون على مقربةٍ من فيرشتابن، وبالتالي سيمنح فريق ريد بُل مرونةً استراتيجية لمهاجمة فريق مرسيدس والضغط عليهم استراتيجياً طوال السباقات، ما من شأنه زيادة حدة المعركة والمنافسة في الصدارة التي قد لا تقتصر على سرعة السيارات فقط، وإنما ستشمل الذكاء الاستراتيجي، والجميع رأى ما يمكن حصوله عند تعرض فريق مرسيدس لضغطٍ على صعيد الاستراتيجيات، حيث قد تزداد إمكانية ارتكاب الأخطاء.
كما لا بد لنا من الانتباه إلى ما سيقوم به فريق فيراري، الذي مر بموسمٍ كارثي العام الماضي والذي يسعى لتعويض خيبة أمله.
بكافة المقاييس، ومن مختلف وجهات النظر، العام الماضي كان غير مقبولٍ على الإطلاق لفريق فيراري. المركز السادس في ترتيب بطولة العالم للصانعين، عدم الفوز بأي سباقٍ، عدم القدرة على المنافسة حتى على صدارة متوسط الترتيب.
بالتالي، ورغم أن التوقعات قد تكون واقعيةً بعض الشيء بعدم قدرة فيراري على تحقيق قفزة نوعية في الأداء في 2021 نظراً لاستقرار القوانين، إلا أن إكمال موسم آخر مثل 2020 لن يكون مقبولاً على الإطلاق بالنسبة للحصان الجامح وعشاقه المتعطشين لتذوق طعم الانتصارات والمنافسة على الألقاب مجدداً، وليس فقط المنافسة في متوسط الترتيب!
بغض النظر عن تقارير وجود ‘غش’ من فريق فيراري أو تحايل على القوانين في ما يتعلق بتدفق الوقود في المحركات في 2019، حيث لم يتمكن أي طرف من إثبات ذلك، لكن يمكننا القول أن فريق فيراري تأثر بفرض قيود ومستشعرات جديدة لمراقبة تدفق الوقود.
إذ أن فرض تلك القيود في مرحلةٍ متأخرةٍ جداً أثناء العمل على سيارة 2020 كان يعني أن فريق فيراري لم يجد أية حلولٍ بديلة، ومن ثم كان على الفريق إكمال موسم مع محرك ضعيف لم يكن بإمكانه تطويره في ظل عدم السماح بتطوير المحركات، كإجراءٍ للحد من النفقات في ظل تأثر الفورمولا 1 بانتشار وباء فيروس كورونا.
الآن، طوال موسم 2020، سيكون فريق فيراري قد بذل مجهوداً جباراً، وكرّس كامل موارده، للخروج من مأزق المحركات. قد لا يكون محرك فيراري هو الأفضل في 2021، ولكن في حال استمرار التأخر الكبير لمحركات الصانع الإيطالي عن الصدارة، لن يكون ذلك سيئاً فقط، بل سيكون محرجاً لشركةٍ تفتخر، طوال تاريخها، بأهمية المحركات ووحدات الطاقة.
بالانتقال إلى معركة متوسط الترتيب (والتي قد تشمل فريق فيراري أيضاً في نهاية المطاف) فإن معركة العام الماضي كان رائعة بين ماكلارين، رايسنغ بوينت، ورينو، مع إعادة تسمية آخر فريقَين من ضمن تلك الفرق الثلاثة لتُعرف بـ أستون مارتن، وألبين.
السؤال بسيط: هل ترغبون بمتابعة معاركة بين دانيال ريكاردو، سيباستيان فيتيل، وفرناندو ألونسو؟
لا أعتقد أن هناك أي مشجعٍ للفورمولا 1 لا يشعر بالإثارة لمجرد فكرة متابعة معارك بين هؤلاء السائقين المخضرمين، جميعهم في لحظاتٍ مختلفة من مسيراتهم الاحترافية، ولكن هدفهم واحد: إثبات اتخاذهم لقرارٍ صحيح بالمشاركة لمصلحة الفرق التي سيشاركون معها في 2021.
التقارب المذهل في مستويات الأداء خلال العام الماضي بين هذه الفرق الثلاثة يعد بمزيدٍ من الإثارة والتشويق في معركة متوسط الترتيب في موسم 2021، ومع أسماءٍ من ألمع نجوم الفورمولا 1 الحاليين يتنافسون ضد بعضهم البعض في متوسط الترتيب، سيكون ذلك رائعاً بالفعل، ولا بد من مراقبة تلك المعارك باستمرار حتى وإن كانت تحصل بعيداً عن أضواء المنافسة عن الصدارة.
أخيراً، وليس آخراً، كعاشقٍ للفورمولا 1 منذ أكثر من 20 عاماً، يعيش في منطقة عربية، أثق أنني أشترك مع كافة القراء الأعزاء بالشعور بالفخر مع النظر إلى روزنامة موسم 2021 من هذه الفئة الملكة لرياضة المحركات.
View this post on Instagram
الموسم سينطلق من مملكة البحرين، مع جائزة البحرين الكبرى، كما أن ختام الموسم سيكون من منطقة عربية مرةً أخرى، ولكن هذه المرة ليس مع جولةٍ وحيدةٍ فقط، هي مسك الختام، في حلبة مرسى ياس مع جائزة أبوظبي الكبرى، وإنما أيضاً ستسبقها جولة انتظرها العديد، والعديد من عشاق الفورمولا 1.
حيث يشهد موسم 2021 انضمام المملكة العربية السعودية، مع إقامة سباق يتوقع الجميع بأن يكون رائعاً، في حلبةٍ مذهلة، في مدينة جدة الساحلية، وتحت أضواء الأنوار الكاشفة حيث سيكون السباق ليلياً.
كافة تلك الخطوات تشير، مرةً أخرى، إلى الأهمية المتزايدة لمنطقة عربية في عالم الفورمولا 1، مع تثبيت أنفسنا كمحطة أساسية، ومفصلية، في روزنامة بطولة العالم، ومن المؤكد أنه سيكون لهذا الموسم طعم آخر مع زيارة الفئة الملكة لرياضة المحركات لثلاثة بلدانٍ عربية.
لا يمكننا القول، في النهاية، سوى أن الأيام الأخيرة من آذار/ مارس المقبل لن تأتي بسرعةٍ كافيةٍ، مع انتظارنا جميعاً لانطلاق موسم 2021 من الفورمولا 1 لمتابعة العديد من السباقات الرائعة والممتعة!