تُعتبر جائزة إسبانيا الكبرى، تقليديًا، إحدى أهم جولات الفورمولا 1 على صعيد جلب التحديثات وتحديد مستوى الأداء حتى نهاية الموسم، لطالما اعتُبرت بداية ‘الموسم الأوروبي’ في السابق. لكن، في 2022، فإن هذه الجولة أثبتت لمَ فريق مرسيدس يعتبر من الأفضل في تاريخ بطولة العالم للفورمولا 1، أثبتت لمَ هم الأبطال الحاليون، وأثبتت كيف كان بإمكانهم مواصلة النجاح وفرض سيطرتهم منذ 2014 وحتى 2021.
لطالما اعتبر العديد نجاح مرسيدس منذ بدء الحقبة الهجينة، وفرض السيطرة المطلقة على مجريات الفورمولا 1، بأنه مجرد حظ، أنه ناجم عن تصميم محرك أفضل من الآخرين، وأن نجاح الفريق كان مجرد ‘طفرة’ في تاريخ الفورمولا 1 العريق.
لكن، ربما استفاد فريق مرسيدس من تفوق المحرك في 2014 والعمل على قوانين ذلك الموسم قبل أيٍّ من منافسيه، إلا أن مواصلته للنجاح عامًا تلو الآخر ناجمة عن أمرٍ وحيد: الجهود الجبارة التي تُبذل، الهدوء، المحافظة على التركيز، عدم الذُعر، وهي دلائل انعكست على أداء الفريق في جائزة إسبانيا الكبرى في الموسم الحالي أيضًا.
في التجارب الشتوية، قبل إكمال سيارة مرسيدس ‘دبليو 13’ لأية لفة، كانت هناك ثقة مطلقة في الفريق أن سيارتهم سريعة، وأنها تتمتع بأفضلية على المنافسين، ولهذا السبب أبقوا تصميم الجوانب المبتكر سرّا حتى تجارب البحرين، لم يكشفوا عنه في برشلونة.
لكن، مع بدء التجارب، انخفض سقف التوقعات لدى فريق مرسيدس، عانت السيارة من الارتدادات التي أثرت في مستوى الأداء بشكلٍ كبير، وللتخلص منها واجه الفريق مشاكل إضافية تتمثل بعدم استقرار القسم الخلفي وعدم الاستقرار عند الكبح.
ما الذي قام به فريق مرسيدس في ذلك الوضع؟ حافظ على هدوئه، ببساطة. اختار الفريق التعامل مع الجولات الأولى من الموسم على أنها حصص تجارب، جمع من خلالها كمية ضخمة من البيانات والمعطيات، التي كان لا بد له من العمل على تحليلها ومراجعتها لإيجاد الحلول.
لم يُصب بالذُعر، لم تبدأ سياسة توجيه الاتهامات لتراجع الأداء، وإنما استمر التعاون والتنسيق على أعلى المستويات لضمان الخروج من هذا المأزق، لضمان معالجة كافة نقاط الضعف.
نتيجة تلك الجهود الجبارة من التركيز وجمع البيانات، دراستها، وتعديل السيارة هي ما نراه في جولة إسبانيا حتى الآن، حيث ظهرت سيارة ‘دبليو 13’ مختلفة بالكامل أثناء القيادة، بسبب عدم المعاناة من الارتدادات، والتمتع بسيارة متوازنة ومستقرة جدًا أثناء اجتياز المنعطفات، كما أظهرت السيارة وتيرة جيدة ومستقرة في تجارب محاكاة السباق يو الجمعة في حلبة برشلونة.
هنا تظهر عقلية البطل لفريق مرسيدس، هنا تظهر العقلية التي ساهمت بتفوقهم في الأعوام الماضية وفوزهم بكافة بطولات العالم للصانعين منذ 2014 وحتى 2021، من هذه العقلية، ومن هذا النهج في التركيز، استمر تألقهم موسمًا تلو الآخر. في حين أنهم لم يفقدوا الأمل وحافظوا على تركيزهم أثناء مصاعب الموسم الحالي، فإنهم اتبعوا النهج ذاته من التركيز ولم ينجرفوا وراء الشعور بالراحة أثناء التمتع بأداء قوي في الأعوام الماضية.
هل يعني ذلك أن فريق مرسيدس سيفوز بألقاب موسم 2022؟ هذا أمرٌ مستبعد جدًا. في نهاية المطاف، علينا ألا ننسى أن فريق مرسيدس تأخر حوالي شهرَين في عملية تطوير السيارة، إذ أن عملية التطوير الذي كان عليه اتباعها منذ التجارب الشتوية توقفت بالكامل ريثما قام بدراسة البيانات لمعالجة نقاط الضعف التي واجهها والخروج من المأزق الذي وجد نفسه به. بالتالي، سيكون من المفاجئ تحقيق قفزة نوعية في الأداء والتفوق على فيراري وريد بُل في كافة جولات الموسم.
إلا أن تحسن أداء مرسيدس في إسبانيا يثبت أهمية عدم استبعادهم من دائرة المنافسة، ومن يعلم، ربما يساهم تحسن الأداء في خطفهم لنقاطٍ ثمينة من فيراري وريد بُل والتأثير في معركة اللقب بين هذين الفريقين في موسم 2022.
من وجهة نظرٍ شخصية، قد يتفق معها بعضكم وقد يخالفني بعضكم الآخر الرأي، ولكن مصاعب فريق مرسيدس مع بدء الحقبة الجديدة من القوانين التقنية، ومن ثم تحسن أداء هذا الفريق في سادس جولات الموسم الحالي، تزيد من قيمة وأهمية الإنجازات التي حققوها منذ 2014، لأنها تُلقي الضوء، بالفعل، على نهج العمل الاحترافي، والتوليفة المميزة، التي ساهمت في فوزهم بلقب بطولة العالم للصانعين في الأعوام الماضية، بغض النظر عن نتيجة الموسم الحالي.