سرعة فيراري على مدار التجارب والحصة التأهيلية لسباق جائزة النمسا الكبرى، تاسع جولات موسم 2019 من بطولة العالم للفورمولا 1، دفعتنا للاعتقاد بأن مهتهم ستكون سهلةً للفوز. لكن السباق كشف بأن لدى الفريق الإيطالي نقاط ضعفٍ أخرى لا تتعلق بتأدية السيارة فقط…
جولةً تلو الأخرى، يستمر سعي فيراري لتحقيق فوزٍ أول طال انتظاره في الموسم الحالي. بالتأكيد، لم يكن أحد يتوقع أن يحقق فريق ريد بُل، مزوداً بمحركات هوندا، فوزه الأول في الموسم الحالي قبل الفريق الإيطالي.
ولكن في جائزة النمسا الكبرى، هذا ما حصل، مع وجود تشتت في الفريق الاستراتيجي لـ فيراري أدى إلى خسارة شارل لوكلير لفرصة تحقيق فوزه الأول في الفئة الملكة من عالم رياضة المحركات.
كانت لدى فيراري السرعة الكافية للفوز بسباق جائزة النمسا الكبرى، وهذا أمرٌ مؤكد وفقاً لما أظهرته سيارة ‘أس أف 90’ في تجارب محاكاة السباق يوم الجمعة من جهة، ومن جهةٍ أخرى من خلال السرعة التي أظهرها شارل لوكلير أثناء تواجده في صدارة السباق.
إلا أن فريق فيراري اتخذ قراراً في الحصة التأهيلية باستخدام الإطارات اللينة في القسم الثاني، ما يعني استخدام تلك النوعية من الإطارات عند انطلاق السباق.
حسناً، قد يبدو هذا القرار منطقياً بعض الشيء نظراً للأفضلية التي تمتع بها فريق فيراري. وهذا القرار يشير إلى الثقة الكبيرة التي تمتع بها الفريق، والتي ربما كانت ثقةً أكبر من اللازم.
فريق فيراري كان يثق بأنه سيضمن الحصول على الصف الأول من شبكة الانطلاق مع شارل لوكلير وسيباستيان فيتيل، بغض النظر عن ترتيبهما، وبالتالي فإن استخدام تلك النوعية من الإطارات عند انطلاق السباق، والتمتع بتماسك جيد مع انطفاء الأضواء معطيةً شارة البداية، سيضمن احتفاظ السيارات الحمراء بالصدارة ومن ثم توسيع الفارق في الصدارة والاستجابة لاستراتيجيات المنافسين لضمان المحافظة على الأفضلية.
إلا أنه كان من الأفضل، ربما، بأن يفكر فريق فيراري بإمكانية مواجهة إحدى سيارتَيه لمشاكل في الموثوقية نظراً لدرجات الحرارة المرتفعة في حلبة ريد بُل رينغ، والتي كانت من ضمن الأعلى في تاريخ الفورمولا 1، والتي كانت سيارة سيباستيان فيتيل ضحيةً لها مع مواجهته لمشاكل حالت دون مشاركته في القسم الثالث من الحصة التأهيلية ولينطلق من المركز التاسع نتيجةً لذلك.
هذا الأمر ترك لوكلير وحيداً، بالمركز الأول، عند انطلاق السباق. كانت هذه الضربة الأولى لـ فيراري، إذ لم يكن هناك سائق بإمكانه ‘حماية’ زميله في الفريق في حال اتباع الفرق الأخرى لاستراتيجيةٍ مختلفة، وهذا ما حصل تماماً، في سيناريو مشابه لجائزة إيطاليا الكبرى من العام الماضي عندما تراجع فيتيل في الترتيب إثر حادثةٍ في اللفة الأولى، وكان زميله آنذاك كيمي رايكونن وحيداً في الصدارة وتعرض لضغطٍ استراتيجي كبير من مرسيدس ليخسر مركزه الأول.
رغم ذلك، كانت انطلاقة لوكلير مثاليةً، واحتفظ بصدارته، وشعر فريق فيراري بأن مهمة الفوز بالسباق أصبحت أسهل مع تراجع منافسه الأبرز في ريد بُل ماكس فيرشتابن، المنطلق ثانياً، إلى المركز التاسع في الترتيب إثر مشكلةٍ في النظام القابض عند انطلاق السباق.
لكن هنا جاء الخطأ الثاني الذي ارتكبه فريق فيراري في سباق النمسا، إذ أن تلك الانطلاقة السيئة لـ فيرشتابن كانت، ربما، من أبرز أسباب فوزه بالسباق في نهاية المطاف.
إذ أن تراجع فيرشتابن إلى المركز التاسع مع نهاية اللفة الأولى أدى إلى ثقة فريق فيراري بأن الهولندي لن يعاود المنافسة على الفوز، ولينحصر التركيز في فريق مرسيدس والاستجابة لاستراتيجية الأسهم الفضية وضمان التفوق على لويس هاميلتون وفالتيري بوتاس.
لكن ذلك كان سهلاً جداً، إذ أن فريق مرسيدس عانى من ارتفاع درجات حرارة أنظمة السيارة بشكلٍ ملحوظ على مدار الجولة، وكان عليه اعتماد معايير ضبط ‘محافظة’ لوحدة الطاقة لم تسمح له بالتمتع بمستوى أداء جيد على مدار السباق، إذ أن فريق مرسيدس أراد اجتياز خط النهاية مع السيارتين بغض النظر إمكانية المنافسة على الفوز، وكان الهدف تفادي تكرار ‘الانسحاب المزدوج’ مثلما حصل في تلك الجولة من العام الماضي.
ومع تركيز فريق فيراري في مستوى أداء مرسيدس فقط، وعدم الانتباه إلى ما يقوم به فريق ريد بُل مع ماكس فيرشتابن الذي تمتع بمستوى أداء مذهل ووتيرةٍ عالية منذ اللفات الأولى من السباق.
وبالتالي، مع توجه بوتاس لإجراء توقفه المبكر نسبياً، اختار فريق فيراري الاستجابة واستدعى فيتيل، الذي لم يكن ضمن دائرة المنافسة على الفوز، وفي اللفة التالية تم استدعاء لوكلير ليتجه إلى منطقة الصيانة وليواصل سباقه أمام بوتاس.
وفي حين ظنّ فريق فيراري أن المهمة نجحت، إلا أنه لم يركز في وتيرة فيرشتابن الذي اختار تأخير توقف الصيانة وحافظ على سرعةٍ مميزة لحين إجراء التوقف، ومن ثم استخلص أقصى قدرات سيارته بعد إجراء التوقف ليقلص الفارق إلى لوكلير وليتجاوز كافة السيارات أمامه وليصل إلى لوكلير قبل بضعة لفات على نهاية السباق ويتجاوزه ويخطف المركز الأول محققاً فوزه الأول في الموسم الحالي.
مرةً أخرى، يثبت فريق فيراري أنه بحاجةٍ لأكثر من سرعة السيارة لتكون لديه الفرصة للمنافسة على الفوز بالسباق. وربما يكون الفريق الإيطالي بحاجةٍ لمثل هذه السباقات التي يتمتع فيها بوتيرةٍ عالية، ولكنه يفشل في الفوز بسبب مزيج من عدة عوامل وأخطاء، أو هفوات، استراتيجية ساهمت، مجتمعةً، في عدم الفوز.