تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي أمراً مفيداً، لكن سيبين لنا إد ستراو أن الجماهير التي تعبر عن آرائها في تلك المواقع قد تكون خاطئة. كما في حالة سطوع نجم سائق الفورمولا واحد، رومان غروجان.
لا يمكن لأي شخص النجاح في رياضة عالمية إذا كان محافظاً للغاية. في الفورمولا واحد، يمكن قياس الفرق بين النجاح والفشل بأجزاء من الثانية.
عقلية الجماهير والمشجعين التي تتابع الرياضات تعتبر محافظة نوعاً ما، وهذا هو سبب نجاح عدد قليل جداً من الأحداث الرياضية المنظمة من قبل مجموعات كبيرة. الأمر يقودنا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، إحدى أهم وسائل تعبير المشجعين في القرن الحادي والعشرين.
من السهل جداً التحسر على العصر الحديث، وهو شيئ يقوم به الناس بالفطرة. وفي الواقع، فإنه مواقع مثل تويتر تعتبر وسائل ممتازة للتواصل، لكنها وللأسف مغمورة فقط بأصحاب الأصوات العالية.
هناك العديد ممن يستخدمون تلك المواقع ولا يقعون في ذلك الفخ. ولكن المشكلة تكمن بانتشار ثقافة التعليق السريع من دون تفكير، وإطلاق الأحكام، وتكوين آراء مماثلة لوجهات نظر أشخاص آخرين دون استيعابها بشكل صحيح.
هذه المشاكل تعني عدم وجود أي مناقشة مفيدة، حيث تصل أصداء الآراء فقط لتضخم من الحكمة المثيرة للجدل. في بعض الأحيان تكون هذه الآراء صحيحة، وفي أحيان أخرى قد تكون خاطئة. وفي كلتا الحالتين، فإن الرأي الحقيقي للشخص المعني لا يتم تحديده بدقة.
والآن سنعود للحديث عن رومان غروجان. فمنذ سنة، تكون الرأي العام تجاهه بأنه شخص غبي، لا يستطيع قيادة سيارته بخط مستقيم، ويجب عليه مغادرة الفورمولا واحد بشكل نهائي، ليتم استبداله بالعديد من السائقين الذين يفوقونه خبرة.
لكن نضوج غروجان، وسطوع نجمه كسائق ممتاز في كل سباق، وليس كسائق جيد في بعض السباقات، وبأن لديه إمكانية لا يمكن إنكارها لتحقيق الانتصارات هو دليل عدم صحة آراء المشجعين والجماهير في بعض الأحيان.
لا يوجد شك بأن غروجان ارتكب أخطاءً كارثيةً في الموسم الماضي. حيث كان هو الملام عن حادث الاصطدام في بداية سباق جائزة بلجيكا الكبرى، الأمر الذي أدى إلى حرمانه من المشارك في سباق جائزة إيطاليا الكبرى لذلك العام.
كما أن محاولته السخيفة لتجاوز سيارة إتش آر تي الخاصة ببدرو دولا روسا في التجارب التأهيلية لسباق جائزة البرازيل العام الماضي، برهنت عدم قدرته على معاينة الأخطار.
هذه الأمور كونت طابعاً مثيراً للجدل عن السائق الفرنسي، وحتى الحوادث التي لم يكن مسؤولاً عنها، شكلت عاملاً في تكوين هذه الآراء، مثل حادث اصطدامه بباستور مالدونادو في السباق الاسترالي.
هذه الحوادث والمشاكل كانت تثير القلق لدرجة تهدد مسيرته في الفورمولا واحد. بالمقابل، وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لهم، قام فريق لوتس بدعم موهبة غروجان الصرفة، وقامت بالتأكيد أن فشل غروجان، إن حصل، لن يكون بسبب عدم محاولته تصحيح أخطائه.
كان هذا القرار، وعلى الرغم من إثارته للجدل، هو القرار الصائب. حيث يحصد فريق لوتس النجاحات الناجمة عن قراره. يقود لصالحهم سائق يعتبر من الأفضل خلال النصف الثاني من الموسم. ويعود سبب نجاح الفريق بالاعتراف بموهبة سائقهم الفرنسي الشاب، ومنحه الوقت الكافي لينضج ويتطور. وفي عالمٍ تطلق فيه الأحكام بشكل متسرع، لا يجب حصول ذلك.
يمكن لسائق ممتاز أن يشكل عاملاً أساسياً في تحسن أداء الفريق. يمكننا ملاحظة ذلك من نية فريق ماكلارين إعادة ضم فرناندو ألونسو بعد جميع مشاكل موسم 2007.
لقد شعر فريق لوتس بأن غروجان يستطيع أن يصبح أفضل من مجرد سائق عادي. وبدلاً من استبداله، اختار الفريق دعمه وتوفير الشروط اللازمة لضمان نجاحه.
أوشك منهج فريق لوتس على الفشل. فخلال سباق جائزة موناكو الكبرى لهذا العام، كان غروجان سريعاً جداً. لكنه اصطدم بالحواجز المعدنية لعدة مرات خلال يومي الجمعة السبت، انطلق في مركز متأخر على خط الانطلاق، وازدادت الأمور سوءً باصطدامه بمؤخرة سيارة دانيال ريكاردو أثناء السباق.
بدت خيبة الأمل واضحةً على غروجان، مع اقترابه من نقطة الانهيار. لكن مدراء فريق لوتس، وبالأخص إيريك بولييه، شعروا بأن الوقت ما زال مبكراً للتخلص من غروجان.
كان يتوجب على السائق الفرنسي الشاب تحسين أداء بعد سباق مونت كارلو. وخلال السباق الكندي، كان غروجان ضحية استراتيجية سيئة في التجارب التأهيلية، بالإضافة إلى حصوله على عقوبة التراجع عن مركز تأهله. بعد هذا السباق، حصل تحول كبير في أداء غروجان نحو الأفضل.
في تلك المرحلة، انتاب الشك نفوس الناس التي تؤمن بموهبة غروجان الواعدة، وبدأت تخاف إن كان السائق سينضج في يوم من الأيام.
لقد قام فريق أوتوسبورت بمتابعة مسيرة غروجان الاحترافية عن كثب، ونتيجة لذلك كنا نعلم بأنه سائق موهوب حتى بعد موسم 2012 الصعب، خصوصاً بعد تعافيه من نصف موسم كارثي مع فريق رينو في نهاية موسم 2009. لكن مع انتصاف موسم 2013 الحالي، بدأت الشكوك تتبلور حول موهبة غروجان.
قمنا بنشر مقال تحت عنوان ‘‘حان وقت نضوج الماسة القاسية’’ قبل بداية السباق الألماني لهذا العام. خلاصة هذا العمود كانت بأن الوقت يمر بالنسبة لغروجان. وفي حين كان واضحاً بأنه يستطيع إنهاء السباقات بمراكز متقدمة، يتوجب عليه عدم ارتكاب الأخطاء.
في ذلك الوقت، صرح بولييه بأن غروجان يجب أن ‘‘يستخلص الأفضل من موهبته، وعدم الاكتراث لمخاوفه.’’ وهذا الأمر الذي تمكن السائق الفرنسي من تحقيقه على أفضل وجه منذ ذلك الحين.
لم تكن الفرصة ستتاح لغروجان كي يظهر معدنه الحقيقي في حال كان الرأي العام للمشجعين هو ما اتبعه فريق لوتس. كان كل من الفريق، والبطولة بشكل عام، سيخسرون سائقاً بإمكانه أن يحقق الانتصارات بشكل مستمر في الأعوام القادمة.
في تلك الحادثة درس لكي يتعلمه أولئك من يتسرعون بإطلاق الأحكام. بالأخص مع وجود قوانين تمنع إجراء التجارب خارج الجوائز الكبرى بشكل كبير. فبعد مرور موسمان ونصف الموسم على مسيرة غروجان الاحترافية، قام السائق الفرنسي بتجربة سيارة الفورمولا واحد لحوالي 6000 كلم. هذا الرقم لا يقترب من خبرة هايكي كوفالاينن الكبيرة، حيث قام بإجراء 92 من التجارب قبل بدايته مع فريق رينو عام 2007، وأقل من عدد الكيلومترات التي سجلها هاميلتون قبل بداية مسيرته في العام ذاته.
أرجو من المشجعين مواصلة النقاش والتحدث عن هذه الرياضة العظيمة على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الرياضة التي تعتمد بشكل أساسي على المشجعين فقط. وكل مشجع لديه فرصة غير مسبوقة لإعلاء صوته عن طريق تلك المواقع. ولكن مع تلك المواقع يجب على كل شخص تحمل المسؤولية.
يجب انتقاد الأخطاء مهما كانت. في الوقت ذاته، يجب الابتعاد عن إصدار الأحكام السريعة والموافقة على الأفكار السائدة دون إعادة النظر فيها. هذه الأمور قد تؤدي إلى تدمير مسيرة أحد ألمع المواهب، لتبقى بطولة الفورمولا واحد مليئة بسائقين محافظين، يستطيعون تقديم الأداء بشكل ثابت، وجعل إحدى أكثر البطولات تشويقاً بعيدةً جداً عن مستوى الإثارة المتوقع من تلك البطولة.
ما أسلفت بذكره لا يعني أن انتقاد السائقين المتهورين أمر خاطئ، لكنه يعني أنه يجب منح هؤلاء السائقين الوقت الكافي للاستقرار. فبمجرد النظر إلى بداية مسيرة جيل فيلنوف، لن نجد سوى مثالاً آخراً عن سائق تم انتقاده قبل أن ينضج.
بالمختصر، يجب تفضيل الإمكانيات الكامنة بدلاً من المطالبة برحيلها. هذا ما يقوم به الرابحون في رياضات المحركات.