منذ أن ابتدأ ملاحقة الفورمولا واحد إن كان كمشاهد، كسائق أو كمحلل ومعلق لم تمر عليه تجربة مليئة بالتناقضات سواءً من ناحية أخبار سوق الانتقالات أو الطريقة المقلقة التي انتهت بها جائزة اليابان الكبرى.. .
في هذا المقال يكتب لنا خليل بشير، المحلل والمعلق المتخصص في سباقات الفورمولا واحد على شبكة قنوات “بي إن سبورتس” عن أبرز التطورات التي شهدتها حلبة سوزوكا.
سأركز في بداية تناولي للجائزة الكبرى الجنونية، التي شهدت العديد من المفاجآت، بالتطرق لكل يومٍ على حدا. ولكن قبل خوض التفاصيل، أرجو من الجميع الدعاء بالشفاء العاجل للسائق جول بيانكي. على أمل أن تكون الأخبار المتعلقة بتطور حالته الصحية إيجابية خلال هذا الأسبوع.
كان يوم الجمعة اعتيادياً، وتمثلت أبرز المفاجأت خلاله بسرعة سيارات فريق مرسيدس اللافتة مقارنةً بباقي السيارات، وفي الوقت ذاته تأخر فريق ريد بُل على حلبةٍ تتميز بوجود العديد من المنعطفات السريعة التي تلائم الارتكازية المتقدمة التي تتحلى بها سيارة أبطال العالم الحاليين. إلا أن جلب تحديثات جديدة، مثل موزع الهواء الخلفي، إضافةً للاستمرار بتطوير سيارة سريعة بشكلٍ مكثف منح فريق مرسيدس أفضليةً لا يستهان بها، أتاحت له بسط سيطرته، بغض النظر عما إذا كان الطقس جافاً أم ممطراً، وكان الجميع يتوق لمتابعة منافسة شرسة تدور رحاها من جديد بين كل من لويس هاميلتون ونيكو روزبرغ على الحلبة. تلك المنافسة التي حُرمنا منها قبل أسبوعين في سنغافورة نتيجة المشاكل التي واجهت نيكو روزبرغ قبل بداية السباق وتسببت بانسحابه.
كما شهد يوم الجمعة ظهور أصغر سائق في تاريخ البطولة ماكس فيرشتابن (17 عاماً و3 أيام) في إحدى الجوائز الكبرى، عندما قاد سيارة تورو روسو مكان السائق جان-إريك فيرن. وكانت المشاركة الأولى له ملفته للأنظار إذ لم يسبق له قيادة هذه السيارة، وأنهى الحصة متخلفاً بفارق أربعة أعشار من الثانية فقط عن السائق الآخر في الفريق دانيل كفيات، الذي كان يستخدم أنفاً جديداً في سيارته. الأمر الذي برهن عن صوابية قرار شركة ريد بُل بضمه إلى صفوف فريق تورو روسو.
سوق الانتقالات
إستيقظت صباح يوم السبت الماضي في الساعة 02:30 فجراً حسب التوقيت المحلي لمدينة الدوحة (بسبب تواجدي هناك لتغطية مجريات الجائزة الكبرى)، على وجود نشرة صحافية صادرة من فريق ريد بُل عنوانها “تشكيلة سائقين جديدة لفريق ريد بُل”. في العادة، لا أعُير النشرات الصحافية الخاصة بالفرق ذاك الاهتمام الكبير، إذ أنني أعتمد على فريق العمل الرائع المُشرف على موقع أوتوسبورت لملاحقة كافة الأخبار المُتعلقة برياضة المحركات على أنواعها ومعرفة كل جديد.
شدّ إنتباهي عنوان النشرة وقرصت نفسي لأتأكد أنني ما زلت أغط في نومي … أو لعليّ أحلم . وأثناء القراءة، أيقنت صحة الخبر وأن سيباستيان فيتيل سيرحل عن فريق ريد بُل مع نهاية السنة الحالية.
بصراحة، لم أكن أتوقع مثل هكذا خبر على الإطلاق. اعتدت على هذا الثنائي، والتعاون الأكثر من ناجح الذي جمع بينهما، لوقتٍ طويل حتى الآن. إذ بذلوا جهوداً كبيرة لا يستهان بها طيلة الأعوام القليلة الماضية. علماً بأنني أتفهّم وجهة نظر فيتيل ورغبته في الرحيل.
تمكن فيتيل، حتى الآن، من الفوز بلقب بطولة العالم للسائقين لأربعة أعوام متتالية، جاءت جميعها خلف مقود سيارات قام بتصميمها أدريان نيوي. كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الضغطوطات الكبيرة التي تعرض لها فيتيل من قِبل زميله الجديد في فريق ريد بُل دانيال ريكياردو (علماً أن فيتيل كان قد واجه حظاً عاثراً لناحية موثوقية سيارته في عدة مناسبات على مدار الموسم)، إذ أن تأدية ريكياردو فاجأت العديد، بمن فيهم أعضاء فريق ريد بُل أنفسهم.
كل سائق محترف يطمح لمواجهة تحديات جديدة بشكلٍ دائم، ولا يجب أن يغفل عن بالنا أن حلم كل سائق محترف هو القيادة لصالح السكوديريا فيراري والمنافسة على متن سياراتها. وفي حال بقاء فيتيل ضمن صفوف فريق ريد بُل لموسمٍ إضافي آخر، عندها سيستمر بالتعرض للضغوطات المتواصلة من قبل ريكياردو، كما أن سمعته وحتى أسهمه ستنخفض بعض الشيء. وأعتقد أنه عندما يتم تأكيد إنتقال فيتيل إلى صفوف فريق الحصان الجامح. وأتوقع أن يكون الإعلان الرسمي قريب. سندرك جميعاً أن هذا هو الخيار الأمثل بالنسبة لفيتيل. تخيلّوا لو تمكن الألماني من الفوز بلقبٍ عالمي وحيد على الأقل مع فريق فيراري، هذا الأمر سيجعله من العظماء، وستترسخ بالتالي مكانته بشكل أكبر في سجلات البطولة.
سيكون قد تمكن من إنجاز ما فشل ألونسو في تحقيقه. وسيكون فاز بألقاب عالمية مع فريقَين، وسيكون نال ألقابه مع فيراري بعد فترة من الاضطرابات عاشها الفريق الإيطالي امتدت لعدة أعوام. ألا يذكركم هذا الوصف بالسائق الأسطوري مايكل شوماخر؟
ما زلت أشعر بالحزن على فرناندو ألونسو لأنه سائق رائع. من دون شك، هو من أفضل السائقين الذين جلسوا خلف مقود سيارة فورمولا واحد. وأعتقد أن فريق فيراري خذله، والاعتقاد الخاطئ ينطبق أيضاً على القول إنه قد خذل فيراري. طوال أعوام منافسته لصالح “السيدة ذات الرداء الأحمر”، لم يتمتع ألونسو بميزة قيادة سيارة قادرة على المنافسة على الألقاب، ورغم ذلك تمكن من المنافسة على لقب السائقين حتى الجولة الأخيرة لعامَين. بإمكان ألونسو أن يجعل كل شيء يتحقق وإن كان مستحيلاً.
أين سيتواجد الإسباني خلال سنة 2015؟ من المرجح أنه سينضم لفريق ماكلارين – هوندا، إذ أن هذا هو المقعد الوحيد المتاح في الوقت الحاضر. هل سيكون انتقاله أمراً صائباً أم لا؟ الوقت كفيل بالإجابة عن كل هذه الأسئلة.
كما يجب علينا عدم نسيان أن هوندا، ومن خلال عودتها الجديدة إلى ساحات الفورمولا واحد، ستجلب معها ميزانية هائلة، وهدفها الوحيد الذي لا ثان له هو الفوز بالألقاب العالمية بأسرع وقتٍ ممكن. هم يريدون أفضل سائق ليقود سيارات مزوّدة بمحركاتهم، كما يمتلك فريق ماكلارين فريقاً هندسياً رائعاً للسنة المقبلة.
أعتقد أن صبر ألونسو قد نفذ من وعود فيراري “الجوفاء” والمستمرة … التي لم تثمر عن شيء، كما أن أكثر الأشخاص المقربين له داخل الفريق الأحمر كانوا قد غادروه – سأقوم بالغوص في تفاصيل إضافية عندما يتم البت بشكل نهائي في مستقبل – .
جائزة اليابان الكبرى
حسناً، لنوقف الحديث عن آخر أخبار سوق الانتقالات، ونتوجه للجولة المثيرة التي شهدتها حلبة سوزوكا.
استحق نيكو روزبرغ الانطلاق من المركز الأول على شبكة الإنطلاق، إذ أن لفته الطائرة الأخيرة كانت خاليةً من العيوب. وتمكن خلالها من التغلب على هاميلتون بشكلٍ عادل. من دون شك، فإن الحادث الذي تعرض له هاميلتون في حصة التجارب الثالثة شكل إعاقةً بسيطةً، ولكن لا يجب علينا التقليل من المجهود الخارق الذي بذله روزبرغ.
بالانتقال إلى يوم السباق الذي شهد أمطاراً غزيرةً. أعتقد أن كافة المتابعين أدركوا منذ يوم الاثنين الماضي أن السباق سيكون ممطراً. وكان هاميلتون ينتظر وعلى أحر من الجمر دخول سيارة الأمان إلى منطقة الصيانة ليبدأ السباق، من أجل إظهار سرعته الفريدة من نوعها وبالأخص وسط الأجواء المتقلبة ولينافس بالتالي لإحراز الفوز. هذا الفوز الإضافي سيكون الثالث (هاتريك) في ثلاث جولات توالياً.
هذا يعني التمتع بالأفضلية على روزبرغ، ليس فقط من الناحية الحسابية وإنما من الناحية النفسية والعقلية، مع التوجه إلى الجولات الأخيرة والحاسمة من عُمرهذا الموسم. وهذا ما تمكن هاميلتون من إنجازه.
فور التلويح بالأعلام الخضراء، كان هاميلتون أسرع من زميله، وخاض سباقاً رائعاً. كنا نسمع تذمّر روزبرغ من إنحراف كبير للقسم الخلفي لسيارته لحظة خروجه من المنعطفات، هذا أمر عادي بالنسبة لسيارات الفورمولا واحد عندما تكون الأجواء ممطرة، خصوصاً مع عزم الدوران الكبير للمحركات التوربينية الجديدة. ويعني أيضاً أن البريطاني كان يتأقلم مع هذه الظروف بصورة أفضل من زميله الذي كان يعاني، ولكنه تمكّن من القيام بذلك بشكلٍ ممتاز.
حركة التجاوز التي حسبت الأنفاس، بعد انقضاء لفةٍ واحدة على الخطأ الذي ارتكبه هاميلتون جراء سوء تقدير منه أثناء استخدامه لنظام الحد من قوة الجر “دي آر أس ” أظهر نضوجه وتعلّمه من أخطائه، وتمكن نتيجة ذلك من خطف الصدارة والتحليق في المقدمة وتوسيع الفارق بشكلٍ كبير.
في حين لم يكن أمام روزبرغ أي خيار سوى الاكتفاء بحصد 18 نقطة دون أن يترك في الموازي أي أثر مميز على أرض الحلبة التي ما زالت تعانده، على أمل أن تشهد الجولات المقبلة انقلاباً في موازين القوى. لكن الألماني حقيقة في هذه الجولة لم يكن يمتلك – خلال السباق- أي وسيلة للرد على سرعة هاميلتون المُفرطة.
حادث بيانكي
لننتقل إلى الموضوع الأخير، وهو الأكثر أهمية بالنسبة لي، ألا وهو الحادث المؤسف الذي تعرض له سائق فريق ماروسيا جول بيانكي.
من دون أدنى شك، كان يفترض بالمعنيين إطلاق السباق في موعد أبكر، بحيث يبدأ قبل أربع ساعات من موعده المحدد، وفي حال تمّ هذا الشيء فإن ذلك كان سيقلص من فرص حصول مثل هذا الحادث. ولكن لا يجب توجيه اللوم إلى الاتحاد الدولي للسيارات (“فيا” أو للمدير التجاري للفورمولا واحد “السوبريمو” بيرني إكليستون.
تمّ تقديم عدة طلبات من أجل تحديد انطلاقة السباق في الساعة 11 صباحاً (بالتوقيت المحلي)، إلا أن القرار النهائي كان بيد مروجي السباق (اليابانيين)، الذين رفضوا هذه الطلبات.
سوء الحظ لعب دوراً كبيراً في الحادث بحد ذاته. كم مرة شاهدنا في السباقات عدة حالات تدخل فيها شاحنات القطر إلى الحلبة من أجل إزالة السيارات المتوقفة. كما تم التلويح بأعلامٍ صفراء مزدوجة في موقع حصول الحادث من أجل تحذير السائقين بضرورة التخفيف من سرعتهم.
بغض النظر عن كافة هذه الحقائق، الأمر الأكثر أهمية في الوقت الحالي هو إستقاء العبر من هذه الحادثة واتخاذ كافة الإجراءات الممكنة من قِبل الاتحاد الدولي للسيارات من أجل ضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً.
ما هي بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها من قِبل صنّاع القرار؟
– استخدام رافعات ضخمة لرفع السيارات، تتموضع خارج حدود الحلبة، كتلك المستخدمة في موناكو.
– دخول سيارة الأمان على الفور في حال حصول أي حادث في ظل تساقط الأمطار مهما كان الحادث بسيطاً، كما كان الحال مع حادث السائق أدريان سوتيل.
– إجبار السائقين على التخفيف من سرعتهم بشكلٍ أكبر لحظة إشهار الأعلام الصفراء، وربما إجبارالسائقين على خسارة حوالي خمس ثواني في منطقة رفع الأعلام الصفراء لضمان إحكام سيطرتهم على السيارة.
في الوقت الحالي، الأمر الأكثر أهمية هو وضع جول بيانكي الصحي. أكتب هذا المقال صباح يوم الاثنين وآمل أن تكون الأخبار أكثر إيجابية طيلة هذا الأسبوع في ما يتعلق بوضعه الصحي. لندعو جميعاً أن يتعافى هذا السائق المميز.