هل تذكرون لفّات آيرتون سينّا الصّاروخيّة باستخدام إطارات غوديير والّتي كانت تصلح للفّة واحدة فقط؟ يتمنّى إد سترو عودة قوانين تُشابه ذلك في بطولة العالم للفورمولا واحد.
يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الإطارات المُستخدمة في التجارب التأهيلية في الفورمولا واحد، وفي هذا الإطار سيعقد الاتحاد الدولي للسيارات “فيا” إجتماعاً، خلال الشهر الحالي، مع الفرق المشاركة في البطولة للبحث في إمكانية تعديل نظام التجارب التأهيلية المُعتمد في الوقت الراهن.
يهدف هذا الإجتماع للحدّ من مخاطر عدم قدرة السائقين من المشاركة بفعاليّة في الحصّة الثالثة Q3 من التجارب التأهيلية حيث يُفضّل بعض السائقين البقاء في مرآب الفريق ويُحرمون من إجراء لفات سريعة في سبيل الحفاظ على إطاراتهم للسباق.
من الغامض أن تأتي كل هذه الامور في محاولة من “الفيا” لمعالجتها قبيل بضعة أسابيع من انطلاقة الموسم الجديد، وهو مثالٌ آخر عن فشل بطولة الفورمولا واحد في ترتيب أمورهم ومواجهة المشاكل قبل أن تكبر ويصبح من الصّعب إيجاد الحلول لها. لذا ارتأى الإتحاد الدولي للسيارات تخصيص اجتماعات خاصة للبحث في هذا الامر قبل فوات الأوان لا سيّما بعد الإنتقادات التي وجّهها عشاق هذه الرياضة فيما يتعلّق بنظام الحصّة الأخيرة من التجارب التأهيلية، وبالتّالي فإن ايجاد حلول لهذه المُعضلة سيكون ايجابي جداً، وحتى لو أتت متأخرة لكنها افضل من أن لا تأتي أبداً.
بشكلٍ أساسيّ، فإن نظام التجارب التأهيلية الحالي جيّد. التجارب التأهيلية الحالية مقسّمة إلى ثلاثة حصص، بحيث يتمّ إقصاء السيارات الأضعف تباعاً بعد كل حصة، إذ يبلغ زمن الحصّة الأولى عشرون دقيقة تتنافس فيها جميع السيارات سعياً منهم للحصول على المراكز الستّة عشرة الأولى على أن يتمّ إقصاء السيارات الستة الأبطأ، ليخوض بعدها السائقون المُتبقّون الحصّة الثانية ومدّتها خمسة عشرة دقيقة بحيث تتأهل السيارات العشرة الأسرع الى الحصّة الثالثة والأخيرة من التجارب التأهيلية، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تحسّن وتطوّر أداء فرق المؤخّرة في الموسم الحالي فسيكون بمقدورهم منافسة فرق الوسط خلال الحصة الأولى، وهذا ما سيجعل الحصّة الأولى للتجارب التأهلية أكثر حماسةً هذا العام.
هناك عدّة اقتراحات مطروحة على طاولة البحث، فالبعض يرغب بالعودة الى النظام القديم عبر فتح حصّة تأهيلية واحدة مدّتها ساعة كاملة تتنافس فيها السيارات، والبعض الآخر يطرح فكرة تقسيم التجارب التأهيلية الى قسمين يومي الجمعة والسبت، لكن وبالرغم من اعتماد هذا الحلّ والذي يُعتبر أكثر جذباً للجماهير، والذي كان متبّع في فترة التسعينات، إلّا أنّه من شأنه أن يلقى بعض الإنتقادات أهمّها وجود أوقات طويلة مملّة بحيث تكون الحلبة شبه خاليةٍ من السّيارات، كما يصبح الأمر بلا فائدة في حال جرت التجارب في ظلّ أجواء رطبة. لذلك فإن عملية الإقصاء المباشر أثبتت فعاليتها كما أصبحت أكثر شعبيةً في مختلف رياضات المحركات التي اعتمدت هذا النظام.
إلا أنّ المُشكلة تكمن في التفاصيل، خصوصاً مع رغبة الفرق في الحفاظ على إطاراتها أثناء التجارب التأهيلية. ففي حين أن المشاهدين لا يستمتعون بمشاهدة سيارات تدور على أرض الحلبة خلال الحصة الثالثة بقدر استمتاعهم بمشاهدة سيارات تدخل بكل قوّة لإجراء لفات سريعة، لذلك فإن حرمان السائقين من إطاراتٍ كافية يحول دون إكمالهم للفاتهم السريعة يُعتبر من أكبر نقاط الضعف الحالية في نظام التجارب التأهيلية.
أما الإقتراح الأكثر إقناعاً، هو اعتماد إطارات خاصة للتجارب التأهيلية. فالهدف إعطاء ضمانة للسائق من أجل المشاركة بقوة في الحصّة الثالثة وبشكل فعّأل دون وضع أي عوائق تحدّ حريّة تحديد استراتيجيّة السّباق.
وفقاً النظام الحالي يُمنح كل سائق 12 طقم من الإطارات لكل جائزةٍ كُبرى، بحيث تقسّم إلى 7 أطقم من الإطارات القاسية وخمسة أطقم من الإطارات اللّينة.
وبعد التجارب الحرّة التي يُجريها السائقون يومي الجمعة وصباح السبت، تُستهلك الإطارات ليبقى لكل سائق ثلاثة أطقم من نوعي الإطارات: القاسية واللّينة، للمشاركة والمنافسة بها في كُلٍّ من التجارب التأهيلية والسباق.
في الوقت الحالي، يتوجّب على السّائق استخدام نفس الإطارات التي أحرز بها توقيته الأسرع في تجارب الحصّة الثالثة عند انطلاقة السّباق، وهذا ما تمّ اعتماده منذ عام 2010 بعد إلغاء نظام التزوّد بالوقود خلال السباق بحيث أصبحت السيارات تصطفّ على خطّ الإنطلاق مزوّدةً بكميّة الوقود الكافية لإنهاء السباق بعد إمكانها لإجراء لفّتها السّريعة في الحصّة الثالثة من التّجارب التأهيليّة باستخدام كميّة قليلة من الوقود.
وهنا تكمن المشكلة. حيث حصل في عدّةِ مناسباتٍ أن يقوم السائقون بالتخلّي عن لفاتهم السريعة في الحصّة الأولى والثانية، إما لعدم وجود إطارات كافية بعد الحصّتين الأوليَّتين من التّجارب، أو حفاظاً منهم على طقم إطارات جديد للحصّة التي تليها وللسباق، الأمر الّذي يدفعه لعدم الضغط بكامل قوّته في التجارب التأهيلية.
ويسعى السائقون لتسجيل لفّة سريعة لهم في البداية من محاولة واحدة للحصول على مراكز جيدة في الترتيب بمُجرّد خروجهم على الحلبة. كما يوجد بعض السائقين لا يختارون عدم الخروج إلى الحلبة مما يجعل التجارب التأهيلية أقل فعاليةً وحماسةً. بالإضافة لوجود حالاتٍ غريبة حيث يقوم بعض السّائقين بمغادرة منطقة الصّيانة ولكن من دون الضّغط في لفّتهم السّريعة ليحتلّوا مراكزاً أعلى من أولئك الّذين بقوا في المرآب الخاص بهم. لذلك فإن وجود إطارات خاصة بالتجارب التأهيلية سيمنع حدوث ذلك، وبالتّالي فإنّ منح طاقم أو اثنين من الإطارات المخصّصة لخوض الحصّة الثالثة من التجارب التأهيلية سيكون أمر جيّد دون أن يخشى السائق تآكل أو استهلاك تلك الإطارات التي لن يستخدمها مرّة أخرى.
إنّ اعتماد هذه الطريقة سيدفع بالسائقين للخروج والمشاركة في الحصة الثالثة بكل قوّة وباستخدام الإطارات الأسرع، بدلاً من اختيار الإطارات الأبطأ في التّجارب التأهيليّة من أجل اكتساب أفضليّة في السّباق، حيث أنّ هذه الطّريقة ستُلغي مفعول ذلك، مما سيجعل المنافسة في الحصة الثالثة من التجارب التاهيلية مثيراً للغاية.
وبهذه الطريقة سيتمّ السماح للسائق باستخدام نوعية الإطارات التي يريدونها في بداية السباق، ما يعني امكانية اختيار استراتيجيات مختلفة للسائقين خلال السباق. وسيتمكّن السائقون من تقديم كل ما بوسعهم لتحقيق أسرع الأزمنة في التجارب التأهيلية دون أن تساورهم الشكوك من استهلاك وتآكل إطاراتهم. علماً أنّ إمكانيّة اقتراب المُنطلقين من المركز السّادس أو السّابع من أصحاب مراكز المُقدّمة بسبب اعتمادهم لاستراتيجيّاتٍ فعّالةٍ سيصبح أقلّ فعاليّةً.
لا يخلى الأمر من وجود بعض الجوانب السلبية، فهي أكثر كلفةً كما يترتّب عليها المزيد من الأعباء. في الحالة المثاليّة، سيتمكّن السائقون من إجراء لفتين سريعتين حول الحلبة في الحصّة الثالثة من التّجارب التأهيليّة، لذا يتوجّب على بيريللي تقديم 44 طقم من الإطارات أي 4 لكل فريق للمشاركة الفعّالة وبشكلٍ فوريّ. وبطبيعة الحال هذا ليس بالحلّ المثالي خصوصاً من الناحية الاقتصادية والبيئيّة مما سيؤدّي إلى تلف الإطارات غير المُستخدمة بعد كل نهاية أسبوع من سباقات الفورمولا واحد.
إنما السؤال الأقوى يتمحور حول من سيتحمّل عبء تلك التكاليف؟ سعت شركة بيريلّي العمل على فكرة تقديم إطارات خاصّة بالتجارب التأهيلية منذ عودتها لساحة الفورمولا واحد عام 2011. حيث تعتقد الشركة المزوّدة الإطارات أن الفرق هي من سوف تغطّي هذه التكاليف كما أن الفرق تعتقد العكس بأن بيريلّي هي من ستتكفّل بذلك. وهذا سبب أساسي يوضح لنا لماذا هذا الوضع لم يُطرح سابقاً على طاولة النقاش.
لكن الوقت يمضي، وبدون شك يكمن الحل الأمثل في تقاسم أعباء التكاليف بين الفرق وبيريلّي. الفرق تسعى إلى سماع مطالب المشجعين والجماهير لتحسين متابعة هذه الرياضة (بالرغم من ان الفرق لا زالت إلى حدٍّ كبير صامتة وعلى حيرة من أمرها في اقتراح منح نقاط مضاعفة للسائقين في الجولة الأخيرة من الموسم، وهي ما زالت تملك القدرة، في حال الموافقة الجماعيّة، على منع حدوث ذلك) لذا تفضّل الفرق أن تضع أموالها حيث يكون الأمر مُجدياً بالنسبة لها.
أما بالنسبة لنوعية الإطارات المُستخدمة خلال التجارب التأهيلية والمُتاحة لدى السائقين، في الحالية المثالية يجب استخدام إطارات فائقة اللّزوجة، حيث لاقت هذه الفكرة إعجاباً كبيراً من المتابعين حينذاك ونتذكّر السباق الأسترالي عام 1991 مع أيرتون سينا حيث تمكّن من تسجيل أسرع زمن والانطلاق من المركز الأوّل بعد استخدامه لتلك الإطارات في التّجارب التأهيليّة.
ولكن من المرجّح أنّ الوقت أصبح مُتأخّراً للغاية من أجل تصنيع إطارات تمتلك نسب تماسك كبيرة للغاية من دون إجراء تغيير جذري في بُنية الإطارات الحاليّة وآليّة عملهم (الأمر الغير مُحبّذ خصوصاً مع القيود الموضوعة على إجراء تعديلات في ضبط السّيارة بين نهاية التّجارب التأهيليّة وبداية السّباق)، وبالتّالي فإنّ الحل على المدى القصير يكمن باستخدام الإطارات فائقة الليونة، والمُثيرة للاهتمام. أمّا فيما يتعلّق بالمدى الطّويل، فإنّ استخدام تلك النّوعية من الإطارات سيُعتبر حلّاً ممتازاً.
“نحن نعلم أن الجمهور سيكون سعيداً بوجود إطارات خاصة بالتجارب التأهيلية بالإضافة لرؤية منافسة محتدمة وصراع كبير على الحصول على المراكز الأولى” قال مدير القسم الرياضي لشركة بيريلّي بول هِمبري لأوتوسبورت عام 2011، عندما طرح تلك الفكرة للمرّة الأولى.
“إنها محاولة واحدة، بدون أخطاء، ما يجعل الضغط أكبر على السائقين، ويُزيد الأمور صعوبةً.”
الفكرة المطروحة ربما لا تلقى صداً واسعاً. ولكن ينبغي ، إزلال العقبات التي تواجه الفورمولا واحد في الوقت الراهن.
لطالما كانت التّجارب التأهيليّة تتعلّق بالسرعة القصوى وقيادة السّيارة بأقصى سرعة ممكنة مع محاولة عدم ارتكاب الأخطاء. سيكون من الخاطئ التّصريح بأن الفورمولا واحد قد خسرت ذلك في الأعوام القليلة الماضية، حيث أنّه ليس أمراً صحيحاً، ولكن يوجد العديد من النّواحي الّتي من المُمكن تحسينها في هذا المجال.