معركةُ أخرى، مثيرة، بانتظار مشجعي الفورمولا 1 في موسم 2018 بين فريقين يسعيان للفوز بالألقاب، أحدهما ليستمر ببسط سيطرته، والآخر لينهي صياماً عن الألقاب دام قرابة 10 أعوامٍ. كيف سيسعى فريقا مرسيدس وفيراري للتخلص من نقاط الضعف التي واجهتهما على مدار العام الماضي؟
العام الماضي كان الأول في ظل التغييرات الجذرية في القوانين التقنية، والتي تركزت بشكلٍ أساسي على القوانين الانسيابية لتصميم جسم السيارة وكيفية توليد الارتكازية.
نظراً لأن القوانين أدت إلى تصميم سيارات جديدة كلياً، وغير مرتبطة بالجيل السابق مع السيارات من خلال إمكانية وضع المزيد من الجنيحات والقطع الانسيابية على جسم السيارة، وتغيير شكل الأجنحة الأمامية والخلفية، كانت هناك العديد من الحلول المتاحة، والعديد من فلسفات التصميم التي يمكن لأي فريقٍ اتباعها.
في نهاية المطاف، رأينا اتباع. مرسيدس وفيراري لنهج تصميم مختلفة كلياً. ولكن في الوقت ذاته كان لكل نهج تصميمٍ نقاط قوة، ونقاط ضعف، ما منحنا تلك المعركة المثيرة (خصوصاً في النصف الأول من الموسم) بين فيراري ومرسيدس في صدارة الترتيب للفوز بالألقاب.
ولكن الآن، ومع نهاية العام الأول من تلك القوانين واستعداد الفرق للكشف عن سياراتها الجديدة، من الطبيعي أن يعمل كل فريقٍ على التخلص من نقاط ضعفه، وتحسين مستوى أداء سيارته والاستفادة من أفكار بعض المنافسين سعياً للتمتع بسرعةٍ أعلى. لهذا السبب، من الطبيعي أن نشهد تقارباً، أو نقاطاً مشتركة أكثر، في تصاميم فيراري ومرسيدس.
بالنسبة لفريق فيراري، فإن سيارة ‘أس أف 70 أتش’ تميزت العام الماضي بقاعدة عجلاتٍ من الأصغر على شبكة الانطلاق، وللتوضيح فإن قاعدة العجلات هي المسافة بين العجلة الأمامية والعجلة الخلفية على الجهة ذاتها من السيارة. هذا الأمر منح الفريق حريةً أكبر في التعامل مع مركز ثقل السيارة وكيفية توزيع الأوزان، ولهذا السبب تمتع فريق فيراري بأفضليةٍ كبيرة في ما يتعلق بالتعامل مع إطارات بيريللي وتواجدها في المجال المثالي من درجات الحرارة.
تصميم سيارة بقاعدة عجلات صغيرة أدى إلى انخفاض وزن سيارة فيراري، ولهذا السبب كانت هناك سهولة أكبر في ما يتعلق بإيجاد معايير الضبط المثالية للسيارة، وإمكانية اتباع فلسفة التصميم التي تتمثل بزيادة الزاوية بين القسم الأمامي من السيارة والقسم الخلفي. ولهذا السبب، فإن سيارة فيراري كانت، العام الماضي، من الأفضل في ما يتعلق بتوليد الارتكازية.
وبالتالي، فإن تصميم سيارة مع قاعدة عجلات صغيرة، وبوزن أخف، يعني وجود حرية أكبر للتعامل مع كيفية توزيع الأوزان الإضافية للوصول إلى الحد الأدنى.
ولكن مع رغم الأفضلية الناجمة عن تصميم قاعدة عجلات صغيرة، إلا أن هناك تقارير بأن فريق فيراري واجه نقاط ضعفٍ غير متوقعة العام الماضي. كما يعلم الجميع، فإن هناك حد أدنى لوزن السيارات، لا يجب أن تكون أي سيارة أقل من هذا الحد الأدنى من الوزن.
سيارة فيراري ‘أس أف 70 أتش’ من العام الماضي كانت أقل من هذا الحد الأدنى بـ 8 كلغ بسبب تصميمها مع قاعدة عجلات صغيرة. نتيجةً لذلك، كان يجب زيادة وزن السيارة من خلال وضع شرائح من الأثقال على السيارة، بحيث تصبح مطابقة للقوانين.
يصل وزن كل شريحة من الشرائح إلى 5 كلغ، ولهذا السبب كان على فيراري وضع شريحتين، أي زيادة وزن السيارة بـ 10 كلغ، ما أدى إلى تجاوز الحد الأدنى بـ 2 كلغ والتضحية ببعض الارتكازية نتيجةً لذلك، إذ هناك 2 كلغ لم يكن لها داعي على متن السيارة.
لهذا السبب، فإن فريق فيراري يسعى إلى تصميم سيارة مع قاعدة عجلات أطول، وبحيث تكون السيارة أثقل بـ 3 كلغ، بمعنى آخر أقل بـ 5 كلغ من الحد الأدنى للوزن، لضمان وضع شريحة وحيدة فقط، وبالتالي ضمان تواجد السيارة بشكلٍ مثالي عند الحد الأدنى من الوزن المسموح به.
أما بالنسبة لفريق مرسيدس، فإن نقطة الضعف الأبرز لسيارة ‘دبليو 08’ تمثلت بعدم القدرة على التعامل مع الإطارات بشكلٍ مثالي، وعدم القدرة على استخلاص أقصى قدرات الإطارات طوال الوقت، وبالتالي السيارة كانت ‘انتقائيةً’.
كان ذلك ناجماً عن عدم وجود حرية كبيرة في ما يتعلق بالتعامل مع معايير ضبط السيارة وكيفية توزيع الأوزان. لهذا السبب، فإن فريق مرسيدس يسعى لضمان أن تكون سيارة ‘دبليو 09’ في موسم 2018 بقاعدة عجلات صغيرة، وذلك لضمان التعامل مع الإطارات بشكلٍ أفضل.
ولكن، في الوقت ذاته، فإن فريق مرسيدس يتجه إلى اعتماد مفهوم جديد في ما يتعلق بمعايير الضبط في 2018، وهو مفهومٌ اتبعه فريق ريد بُل، والعديد من الفرق المنافسة ومن ضمنها فيراري، على مدار العام الماضي والذي يتمثل بزاوية السيارة عن سطح الحلبة، وزيادة الاختلاف بين القسم الأمامي والقسم الخلفي من السيارة، بحيث يكون القسم الأمامي منخفضاً أكثر ما يمكن، والقسم الخلفي مرتفعاً أكثر ما يمكن.
هذا المفهوم التصميمي يؤدي إلى وجود ضغط مرتفع أسفل القسم الأمامي من السيارة، نظراً لاقتراب هذا القسم من سطح الحلبة، ولكن في الوقت ذاته مع وجود منطقة ضغط منخفض في القسم الخلفي من السيارة الأكثر ارتفاعاً، بفارق ملحوظ، عن سطح الحلبة.
نتيجةً لذلك، فإن التيارات الهوائية لديها مجال أوسع للتدفق إليه من القسم الأمامي نحو القسم الخلفي، ما يؤدي إلى زيادة كمية التيارات الهوائية المتدفقة أسفل السيارة وبالتالي زيادة الارتكازية بشكلٍ ملحوظ.
ورغم أن هذا المفهوم التصميمي لا يعتبر سراً على أحد، واتبعته العديد من الفرق منذ عدة أعوامٍ، إلا أن فريق مرسيدس لطالما فضّل عدم الالتزام بهذا التصميم، وآثر الاعتماد على الفعالية الانسيابية لهيكل السيارة بدلاً عن ذلك، إضافةً إلى الأفضلية الناجمة عن استخدام محركات هي الأفضل.
كانت هناك تناقضات كبيرة واختلافات جذرية بين سيارتي فيراري ومرسيدس العام الماضي، ولكننا شهدنا تقارباً كبيراً في الأداء. وبالتالي، مع مضي عام كامل ومحاولة الفرق لاكتشاف وسائل للتخلص من نقاط ضعف سياراتها، سنجد تشابهاً أكبر بين أضخم فريقين في الفورمولا 1 في 2018، ما يعدنا بمنافسةٍ شرسة ومحتدمة بينهما سعياً للأمجاد!