كما حصل في أول جولتين من موسم 2018 من بطولة العالم للفورمولا 1، فإن هناك تقارب كبير في الأداء بين الفرق الثلاثة الكبار في ظروف محاكاة السباق بعد نهاية تجارب جائزة الصين الكبرى. ولكن، في حين تظهر الأرقام ومعدلات التواقيت فكرةً، إلا أن التفاصيل ما بين السطور قد تشير إلى اقتراب الأسهم الفضية لفريق مرسيدس من فوزٍ هو الأول في الموسم الحالي.
لربما كان الأمر غير الاعتيادي في جائزة الصين الكبرى هو جلب بيريللي لمجموعات الإطارات متوسطة القساوة، اللينة، والألتراسوفت، مع الاستغناء عن الإطارات فائقة الليونة التي تكون عادةً بين الإطارات اللينة والألتراسوفت من ناحية التآكل والليونة.
هذا الأمر سيكون له أثر كبير في استراتيجيات السباقات، خصوصاً وأن معظم الفرق عانت مع الإطارات الألتراسوفت في ظروف محاكاة السباق مع تدهور التواقيت المسجلة بشكلٍ كبير على مدار عدد قليل من اللفات.
ولكن، في الوقت ذاته، كان هناك فريق وحيد لم يواجه مثل هذه المشاكل: هذا الفريق هو ريد بُل. إذ أظهر الفريق سرعةً لا يستهان بها في ظروف محاكاة السباق على مدار عدد كبير من اللفات.
إلا أن فريق ريد بُل يواجه مشكلةً أخرى متمثلةً بسرعته في الحصة التأهيلية وفي ظروف اللفة الواحدة، خصوصاً وأن وحدات طاقة رينو التي يستخدمها فريق ريد بُل لا يمكنها التمتع بالقوة ذاتها لـ مرسيدس وفيراري في الحصة التأهيلية حيث يتم استخلاص أقصى قدرات المحركات لتسجيل أسرع تواقيت ممكنة.
لهذا السبب، عند النظر إلى ترتيب أفضل التواقيت في حصة التجارب الثانية بعد اختبارات الحصة التأهيلية، فإن ماكس فيرشتابن ودانيال ريكاردو تواجدا بالمركزين الخامس والتاسع على الترتيب، دون تسجيل تواقيت ملفتة للانتباه.
ولكن مع النظر إلى ظروف محاكاة السباق، فإن سرعة ريد بُل كانت مثيرةً للاهتمام جداً. ويجب مقارنتها مع فريقا فيراري ومرسيدس لوضعها ضمن سياق.
إذ استخدم فيرشتابن وريكاردو الإطارات الألتراسوفت في المرحلة الأولى من ظروف اختبارات السباق، وفي حين اكتفى ثنائي فيراري ومرسيدس بإكمال ما لا يزيد عن 7 لفات مع هذه النوعية من الإطارات، أكمل فيرشتابن 10 لفاتٍ مع هذه الإطارات وبتواقيت مذهلة جداً.
حيث بلغ معدل تواقيت فيرشتابن مع الإطارات الألتراسوفت، وعلى مدار 10 لفات، 1:39.0 د، فيما بلغ معدل تواقيت سائق مرسيدس لويس هاميلتون المعدل ذاته ولكن على مدار 7 لفات فقط. ما يشير إلى وجود استقرار أكبر في أداء فيرشتابن مع الإطارات الألتراسوفت التي يبدو أنها ستلعب دوراً حاسماً في المراحل المبكرة من السباق على وجه الخصوص.
للأسف، فإن هطول الأمطار في المراحل الأخيرة من الحصة حال دون حصولنا على فكرةٍ واضحةٍ عن أداء الفرق مع الإطارات اللينة أو متوسطة القساوة.
فريق مرسيدس، وكما جرت العادة، أظهر مستوى أداء أفضل مع الإطارات الأكثر قساوة في هذه الجولة. إذ بلغ معدل تواقيت هاميلتون 1:38.6 د مع الإطارات اللينة، فيما سجل فيرشتابن 1:38.5 د مع النوعية ذاتها من الإطارات ولكن على مدار ثلاث لفات فقط.
فيما أظهر زميل هاميلتون في مرسيدس فالتيري بوتاس سرعةً جيدةً جداً مع الإطارات متوسطة القساوة، وهي إطارات تفضّلها سيارة مرسيدس ‘دبليو 09’ على الدوام. حيث سجل بوتاس معدل تواقيت 1:38.4 د مع الإطارات متوسطة القساوة.
لهذا السبب، فإن ظروف السباق تعطي أفضليةً طفيفةً لـ ريد بُل. ولكن في الوقت ذاته، لا بد لنا من الإشارة إلى استخدام هاميلتون وبوتاس لمعايير ضبط محركات محافظة، مع عدم الحصول على أقصى قوة هذه المحركات وبالتالي لم نرَ السرعة الحقيقية لفريق مرسيدس، خصوصاً في حلبةٍ يكون فيها تأثير المحركات كبيراً جداً خصوصاً على الخط المستقيم الطويل بين المنعطفين 13 و14.
ونظراً لأن معدلات تواقيت هاميلتون وفيرشتابن كانت متطابقةً مع النوعية ذاتها من الإطارات، ورغم إكمال فيرشتابن لثلاثٍ لفاتٍ أكثر من هاميلتون، سيكون من المنطقي منح هاميلتون أفضليةً في ظروف محاكاة السباق، خصوصاً وأن حامل اللقب سيحصل، بكل تأكيد، على أقصى قوة محرك مرسيدس على متن سيارته في بعض اللفات الحاسمة في السباق عند اقتراب مواعيد توقفات الصيانة والحاجة لإجراء التجاوزات.
بينما فريق فيراري يبقى متأخراً بعض الشيء في ظروف السباق في الوقت الحالي، على الأقل بعد نهاية تجارب الجمعة.
سيباستيان فيتيل لم يكن مرتاحاً مع معايير ضبط سيارته ‘أس أف 71 أتش’، مشيراً إلى ضرورة تحسين توازن السيارة ليتمكن من استخلاص أقصى قدراتها، ومؤكداً بأن السيارة لديها السرعة الكافية للمنافسة على الفوز بالسباق.
ولكن في ظروف محاكاة السباق، اكتفى معدل تواقيت فيتيل بـ 1:39.6 د مع الإطارات الألتراسوفت، فيما اكتفى بإكمال ثلاث لفات فقط مع الإطارات متوسطة القساوة ولكن على مدار ثلاث لفاتٍ فقط.
أمرٌ آخر لا بد من مراجعته هو عمر الإطارات أثناء تسجيل التواقيت، على سبيل المثال عند مقارنة تواقيت هاميلتون، فيرشتابن، وفيتيل مع الإطارات الألتراسوفت عندما كان عمرها 12 لفة، نجد أن هناك أفضلية طفيفة جداً لـ هاميلتون على منافسيه. ولكن مرةً أخرى، تجدر الإشارة إلى أن تواقيت فيرشتابن كانت أكثر استمراريةً لعدد أكبر من اللفات، رغم التقارب الكبير في تواقيت هؤلاء السائقين.
كما أن تأدية فيراري كانت قريبةً جداً من أداء مرسيدس في اللفات السريعة لمحاكاة الحصة التأهيلية، مع تأخر رايكونن عن هاميلتون بفارق 0.007 ث فقط، ومع تأكيد رايكونن أنه كان بإمكانه تسجيل توقيت أسرع إن لم يواجه ازدحاماً في لفته الأفضل.
أما من ضمن فرق متوسط الترتيب، فإن سائق فريق رينو نيكو هولكنبرغ قدم تأديةً قويةً، إذ كان أبطأ بما يعادل 0.4 ث من فرق الصدارة عند استخدامه لمجموعةٍ من الإطارات اللينة، كما قدم سائق فريق تورو روسو بيار غاسلي أداءً مذهلاً مع إكماله لحوالي 20 لفة متواصلة مع الإطارات الألتراسوفت، ورغم عدم تسجيله لتواقيتٍ بقوة تواقيت فرق الصدارة، إلا أنه كان هناك استقرار وثبات كبير في مستوى تأديته ضمن حدود الـ 1:39 د.
ولكن في نهاية المطاف، هذه مجرد قراءاتٍ لتجارب الجمعة. السباق يروي قصةً مختلفةً بالتأكيد. رأينا في أستراليا، فيتيل فاز بالسباق رغم عدم امتلاكه للسيارة الأسرع. رأينا في البحرين أيضاً، فاز فيتيل بالسباق رغم الضغط الكبير وأفضلية الإطارات لـ بوتاس في اللفات الأخيرة من السباق.
يمكننا الحديث مطولاً عن محاولة تحليل بيانات الجمعة، ولكن في نهاية المطاف ستكون هذه بيانات نظرية. على أرض الواقع، وفي السباق، سيختلف الكلام. ستكون هناك العديد من المتغيرات والعوامل الخارجية.
الأمر الوحيد الذي تمنحنا إياه تجارب الجمعة هو أن هذا التقارب الكبير في الأداء، مجدداً، بين ثلاثي الصدارة يؤكد لنا أن هناك معركة مثيرة بانتظارنا، وفي حلبةٍ يمكن فيها التجاوز مثل شانغهاي، ينتظرنا سباق رائع يحبس الأنفاس يوم الأحد!