لجميع كان يرغب بعودة البولندي روبيرت كوبيتسا إلى بطولة العالم للفورمولا 1 كسائق أساسي. البولندي يعتبر محبوباً جداً، ولا يمكن نسيان مستوى سرعته وتأديته المذهلة في الفورمولا 1 قبل الحادث الأليم الذي تعرض له. ولكن رغم عدم اختياره من قِبل ويليامز، إلا أن حلم العودة ليس مستحيلاً بعد.
ابتعد اسم كوبيتسا عن ساحات الفورمولا 1 منذ عام 2011 والحادث الأليم الذي تعرض له أثناء مشاركته في إحدى الراليات في إيطاليا. لفترةٍ طويلة، اعتقدنا بأن رؤية البولندي خلف مقود سيارات الفئة الملكة من عالم رياضة المحركات أصبح ضرباً من الخيال.
لهذا السبب، كان من المذهل متابعة التقدم الذي حققه منذ الإعلان عن مشاركته مع فريق رينو في تجارب مع سيارة تعود لعام 2012 في حلبة فالنسيا في شهر حزيران/ يونيو الماضي. منذ ذلك الحين، بدأت الإشاعات حول إمكانية حصوله على مقعد السائق الأساسي في الفريق في 2018 إلى جانب نيكو هولكنبرغ.
المشكلة الأساسية لـ كوبيتسا تمثلت بقيادة سيارات بمواصفات 2017، والتي تعتبر مختلفةً كثيراً عن الجيل السابق من السيارات بين أعوام 2009 و2016.
إذ أن الجيل السابق من السيارات تميز بقوى جر منخفضة جداً، وبالتالي تميزت تلك السيارات بسرعة كبيرة على الخطوط المستقيمة، ولكن مقابل انخفاض سرعة السيارة، نسبياً، أثناء اجتياز المنعطفات السريعة وعدم التمتع بنسب ارتكازية كبيرة مقارنةً مع ما كان الحال عليه في السابق.
ولكن موسم 2017 مع تغييراته الجذرية في القوانين التقنية أدى إلى تصميم سيارات كانت الأسرع في تاريخ البطولة، مع وجود قيود أقل صرامةً في ما يتعلق بتصميم جسم السيارة والجنيحات المتموضعة عليه، وبالتالي توليد السيارات لنسب ارتكازية مرتفعة جداً.
هذا السبب أدى إلى ازدياد سرعة السيارات أثناء اجتياز المنعطفات بشكلٍ ملحوظ، وبالتالي ازدياد القوى التي يتعرض لها السائق أثناء القيادة بسرعة.
في تجارب كوبيتسا مع رينو مع سيارة بمواصفات 2012، ومن ثم تجاربه مع ويليامز مع سيارة بمواصفات 2014، كنا نسمع دوماً بأن البولندي تمتع بمستوى أداء قوي جداً وأنه شعر بارتياحٍ كبير، ولكن بعد قيادته لسيارةٍ بمواصفات 2017 مع الفريقين، كانت النبرة أقل تفاؤليةً، ذلك لأن البولندي لم يتأقلم بشكل مثالي مع القوى الناجمة عن سيادة سيارة بمواصفاتٍ حديثة.
في نهاية المطاف، اختار فريق ويليامز سيرغي سيروتكن ليزامل لانس سترول في الموسم المقبل من البطولة. لم يرق هذا القرار للمشجعين إطلاقاً، مع اتهام العديد لفريق ويليامز بأنه فضّل الدعم المادي على موهبة كوبيتسا.
حسناً، سيروتكن يتمتع بدعم مادي كبير جداً، ويفوق ما يمكن لـ كوبيتسا تقديمه. هذا الأمر سيكون مغرياً لفريق ويليامز الذي بدأ يعاني من تدهور مستوى تأديته بعد ‘الصحوة’ التي تمتع بها عام 2014.
ولكن الدعم المادي لم يكن العامل الوحيد في قرار ويليامز. من المؤكد أن كوبيتسا يتمتع بموهبة كبيرة، وسرعة جيدة جداً، وفي أفضل أيامه سيكون من الصعب المقارنة بينه وبين سيروتكن.
إلا أن كوبيتسا ليس في أفضل أيامه. لا بد لنا من التطرق إلى هذه النقطة، كوبيتسا لم يعد السائق الذي تصدر التجارب الشتوية في فالنسيا عام 2011 قبل تعرضه للحادث.
موهبة كوبيتسا لم تختفِ بالتأكيد، وسرعته قوية جداً أيضاً، ولكن هناك عامل يتفوق بالأهمية على تلك الأمور: اللياقة البدنية والقدرة الجسدية. هنا كانت نقطة ضعف كوبيتسا.
نقطة الضعف هذه حالت دون إظهار كوبيتسا لتلك الموهبة التي لمعت وتألقت في عالم الفورمولا 1 حتى مطلع عام 2011. لهذا السبب، وفي تجارب حلبة مرسى ياس بعد جائزة أبوظبي الكبرى نهاية العام الماضي، كان سيروتكن هو السائق الأفضل.
جميعنا كان يريد عودة كوبيتسا إلى الفورمولا 1 كسائق أساسي. ورغم أن سيروتكن لديه دعم مادي ضخم جداً، إلا أن الاعتقاد بأن هذا السبب هو الوحيد الذي دفع فريق ويليامز لضمه يعتبر سطحياً.
المعطيات التي حصل عليها فريق ويليامز في تجارب أبوظبي هي أن سيروتكن تفوق على كوبيتسا في كافة الجوانب، سواءً في تجارب محاكاة الحصة التأهيلية أو السباق، ولهذا السبب آثر الفريق ضمه ومنحه منصب السائق الأساسي إلى جانب سترول.
في الوقت ذاته، فريق ويليامز سيكون رابحاً في كافة المجالات. حيث لم يُستبعد كوبيتسا بالكامل، وإنما سيستمر ضمن صفوف الفريق كسائق احتياطي وسائق تجارب.
هذا الأمر لديه العديد من الفوائد. في البداية، أشارت شركة بيريللي التي تزود فرق الفورمولا 1 بالإطارات إلى أن كوبيتسا كان جيداً جداً عندما شارك مع فريق ويليامز، وأنه كان بحاجةٍ لمزيدٍ من الوقت للتأقلم.
مدير برنامج بيريللي في الفورمولا 1 ماريو إيزولا كشف أنه كان متفاجئاً بالدقة التي قدمها كوبيتسا في ما يتعلق بمعطيات الإطارات، وكيفية التعامل معها.
من خلال تواجده كسائق تجارب، سيحصل كوبيتسا على فرصة قيادة سيارة ويليامز بأحدث المواصفات في عدة أيامٍ من التجارب، إضافةً إلى حصص التجارب الأولى، على مدار الموسم بأكمله، ما يمنح فريق ويليامز فرصة مراقبة التقدم الذي سيحققه البولندي.
فريق ويليامز يدرك أن هناك إمكانية لعودة كوبيتسا إلى البطولة كسائق أساسي. يدرك أن البولندي لديه القدرة لتحسين لياقته البدنية والتأقلم مع متطلبات القيادة، وإلا لم يكن ليحصل على منصب السائق الاحتياطي.
ومن جهةٍ أخرى، يدرك فريق ويليامز أن لديه تشكيلة سائقين مبتدئين مع لانس سترول، الذي تقتصر خبرته في الفورمولا 1 على موسمٍ وحيد، وسيرغي سيروتكن الذي سيسجل مشاركته الأولى في السباقات في جائزة أستراليا الكبرى.
هذا الأمر سيؤثر في عملية تطوير السيارة على مدار الموسم، إذ لا يمكن الاعتماد، بالكامل، على المعطيات التي سيقدمها هذا الثنائي ومعرفة كيفية التخلص من نقاط الضعف لسيارة ويليامز ‘أف دبليو 41’.
تواجد كوبيتسا سيكون مفيداً جداً لفريق ويليامز. فرغم ابتعاده عن ساحات البطولة لفترةٍ طويلة، إلا أن كوبيتسا يمكنه تقديم معطيات دقيقة وواضحة عن مستوى تأدية السيارة، الجوانب التي لا بد من تحسينها، وكيفية العمل للتخلص من كافة نقاط الضعف.
لهذا السبب فإن فريق ويليامز سيعمل على منح كوبيتسا العديد من أيام التجارب، مع فرصة اختبار التحديثات وتقييمها، إضافةً إلى إكمال العديد من اللفات في جهاز محاكاة القيادة في المصنع.
لربما كان من الأفضل لنا، كمحبين وعشاق لبطولة الفورمولا 1، أن نرى عودة كوبيتسا كسائقٍ أساسي. تواجد البولندي على شبكة انطلاق سباق أستراليا كان ليصبح أشبه بقصص الخيال التي تحققت.
ولكن رغم خيبة الأمل، علينا أن ندرك أن سيروتكن، في الظروف الراهنة، كان الأفضل. ولكن من يعلم ما يحمله المستقبل لنا؟