العطلة الصيفية لموسم 2018 من بطولة العالم للفورمولا 1 شهدت مفاجأةً من العيار الثقيل عندما أعلن الأسترالي دانيال ريكاردو رحيله عن فريق ريد بُل للانضمام إلى فريق رينو. لكن ريكاردو يواجه خطر مواجهة بعض الأسباب ذاتها التي دفعته للرحيل عن ريد بُل، في مرحلةٍ مبكرة جداً من موسم 2019.
عندما أعلن ريكاردو أنه سيرحل عن صفوف فريق ريد بُل، لم يكن ذلك للانتقال إلى مرسيدس أو فيراري كما توقّع العديد، وإنما كان للانضمام إلى فريق رينو، وبالتالي ريكاردو كان يعلم أنه يخرج عن دائرة ‘الثلاثة الكبار’ للانضمام إلى فريق من فرق متوسط الترتيب.
وبالتالي، فإن ريكاردو كان يعلم أنه لن يتمكن من الاستمرار بالمنافسة في مراكز الصدارة، على الأقل في المستقبل قصير الأمد، إلا أن الأسترالي أكد أن رغبته بالرحيل عن ريد بُل لم تكن بخصوص مستوى الأداء، وإنما كانت لمواجهة تحديات جديدة ‘منعشة’، على حد تعبيره.
فضمن صفوف فريق ريد بُل، واجه ريكاردو خطراً متزايداً من ماكس فيرشتابن الذي كان مرتبطاً مع الفريق حتى 2021 على الأقل، وكان يلعب دوراً ليبني الفريق حوله، وبالتالي أراد ريكاردو الابتعاد عن هذا الوضع لضمان عدم لعب دور مساند بشكلٍ مشابهٍ لما حصل مع مواطنه مارك ويبر عندما كان زميلاً لـ سيباستيان فيتيل في السابق.
وإضافةً إلى هذا العامل، فإن أحد العوامل المهمة التي دفعت ريكاردو للرحيل عن ريد بُل تمثلت بأن الأسترالي كان مستاءً ضمن صفوف الفريق وشعر بأن موسم 2018 كان منهكاً بالنسبة له. علينا ألا ننسى بأن ريكاردو لم يصعد إلى منصة التتويج سوى مرتين على مدار العام الماضي، عندما فاز بسباقَي الصين وموناكو في أول ست جولات.
بعد ذلك، واجه ريكاردو سلسلةً من النتائج السيئة، إضافةً إلى الحظ السيئ الكارثي الذي حال دون تحقيقه للعديد من النتائج القوية، نظراً لمواجهة العديد من المشاكل المتتالية التي أدت إلى إنهاكه نفسياً وذهنياً مع عدم قدرته على إظهار أفضل قدراته.
كان من الواضح مع الوصول إلى الجولات الأخيرة من الموسم بأن ريكاردو أصبح مجهداً كثيراً على الصعيد النفسي، وأنه لا يتمتع بالحوافز اللازمة للاستمرار بالقيادة والمنافسة، وأنه كان يريد الانتهاء من الموسم وكان واثقاً من أن ‘الحظ السيئ لن يستمر في 2019’ في إشارةً منه إلى البداية الجديدة مع رينو.
لهذا السبب كان ريكاردو بحاجةٍ للرحيل عن ريد بُل، ووجد في رينو الخيار الأفضل، ليبدأ بشكلٍ جديد، وليتمكن من إظهار أقصى قدراته مجدداً دون وجود ضغوطات كبيرة للمنافسة في الصدارة، وفي ظل آمال انتهاء الحظ السيئ.
ولكن بعد مضي أول سباقَين في 2019، يبدو بأن ‘لعنة سباق أستراليا’ تستمر بمطاردة ريكاردو، الذي واجه جولةً كارثيةً في بلاده وانسحب من السباق إثر تضرر سيارته بعد ثواني على انطلاق السباق. ومن ثم، في جولة البحرين، ورغم وجود بوادر التمتع بمستوى أداء جيد، إلا أن ريكاردو واجه مشكلةً تقنيةً أدت إلى انسحابه من السباق على الفور.
سواءً في التجارب الشتوية لموسم 2019، أو في الأيام التي تسبق السباقات، كان من الواضح سعادة ريكاردو، وكان من الواضح أنه يشعر بارتياحٍ في بيئته الجديدة.
إلا أن عدم تحقيقه لنتيجة جيدة في أستراليا إثر حظ سيئ، ومواجهة مشكلة تقنية في البحرين، سيعني أن هذا الارتياح سيبدأ بالانخفاض، إذ يخاطر ريكاردو بإمكانية الدخول في الحالة النفسية ذاتها التي تعرض لها أواخر فترة تواجده مع ريد بُل.
تجدر الإشارة إلى أننا في المراحل المبكرة من الموسم، وبالتالي فإن عدم تحقيق ريكاردو لنتيجةٍ جيدةٍ بأقرب وقتٍ ممكن، بدءاً من جائزة الصين الكبرى نهاية الأسبوع الحالي، قد يعني المخاطرة بإمكانية البدء بتعرضه لضغطٍ نفسي وإنهاك ذهني ولكن في مرحلةٍ مبكرة جداً، وبالتالي شيئاً فشيئاً سيفقد ريكاردو الحوافز للمنافسة، وقد يواجه موسماً طويلاً جداً مع انتظاره لـ 2020.
بالتأكيد، ريكاردو لا يتحمل مسؤولية ما يحصل معه في الوقت الحالي، إذ لطالما رأينا خروج عدة سائقين عن المسار عند الانطلاق في سباق أستراليا في الأعوام الماضية، إلا أن ريكاردو لم يكن محظوظاً مع وجود حفرة أدت إلى تضرر سيارته.
وفي البحرين، لم يكن بإمكان ريكاردو التحكم بالمشكلة التقنية التي أدت إلى انسحابه من السباق. وبالتالي في هذا المجال، لا بد من رينو رفع مستوى الأداء بشكلٍ ملحوظ، على الأقل على صعيد الموثوقية، نظراً لأن وحدات طاقة رينو لم ترتقِ لمستوى الموثوقية المطلوب سواءً في أستراليا (مع تعرض سائق ماكلارين كارلوس ساينز لمشكلة في نظام استعادة الطاقة الحركية ‘أم جي يو كيه’) أو في البحرين مع الانسحاب المزدوج لثنائي رينو، ريكارو وزميله نيكو هولكنبرغ.
على فريق رينو أن يدرك بأن لديه تشكيلة سائقين من الأفضل على شبكة الانطلاق، وأن ريكاردو وهولكنبرغ سيدفعان بعضهما البعض لضمان تحقيق رينو لمكاسب ضخمة سعياً للعودة إلى الصدارة. إلا أن عدم حصول ريكاردو على نتيجةٍ جيدةٍ في أقرب وقتٍ ممكن قد يعني المخاطرة بإمكانية عدم تمتعه بالحوافز والدوافع اللازمة لمساعدة رينو لكسر منطقة متوسط الترتيب والتقدم إلى منافسة فيراري، مرسيدس، وريد بُل في المقدمة.
بالتأكيد، يبقى من المستبعد في ظروفٍ طبيعية فوز ريكاردو بسباق الصين أو حتى الصعود إلى منصة التتويج، ولكن تواجد الأسترالي في صدارة متوسط الترتيب عند اجتياز خط النهاية في حلبة شانغهاي سيكون أساسياً لضمان شحن طاقاته والعودة إلى تمتعه بالدوافع اللازمة للمنافسة في هذه الفئة الملكة من عالم رياضة المحركات…