عندما أعلن نيكو روزبرغ عن اعتزاله المفاجئ، كانت هناك العديد من الأسماء التي طُرحت للحصول على مقعده في مرسيدس لموسم 2017 من بطولة العالم للفورمولا 1. ولكن لماذا انتهى المطاف بحصول فالتيري بوتاس على هذا المقعد؟
بعد إدراك أن اعتزال روزبرغ أصبح أمراً واقعياً، وليس مجرد ‘مزحة’ أو حلم، بدأ الجميع بطرح أسماء العديد من السائقين للانضمام إلى مرسيدس. لمَ لا، وقد أصبح أكثر المقاعد المرغوبة على شبكة الانطلاق متاحاً فجأة.
كانت هناك شائعات بإمكانية خطف مرسيدس لـ ماكس فيرشتابن أو دانيال ريكياردو من ريد بُل، أو إمكانية إغراء سيباستيان فيتيل للرحيل عن فيراري، أو ربما محاولة استقدام فرناندو ألونسو من ماكلارين إذ أن الإسباني يسعى جاهداً للحصول على لقبه العالمي الثالث الذي طال انتظاره.
في ذلك الحين، خرج المدير الرياضي لفريق مرسيدس توتو وولف، بعد الإعلان بساعاتٍ قليلة، ليخفف من وتيرة الشائعات، وليؤكد أن مرسيدس لا تريد التسبب بمشاكل لفرقٍ أخرى بالحصول على خدمات أحد سائقيها قبل هذه الفترة البسيطة التي تفصلنا عن بداية الموسم الجديد.
هناك جانبٌ من الدقة والصحة في تصريحات وولف، ليس من مصلحة مرسيدس التسبب بهذا النوع من المشاكل أو التدخل بعقود السائقين الآخرين. ولكن من جهةٍ أخرى، يمكن شراء أي عقدٍ في الفورمولا 1 مهما كان صارماً، كل شيءٍ له ثمن. ومن المرجح أن ثغرات فسخ عقود العديد من السائقين ‘النجوم’ كانت مكلفةً للغاية، خصوصاً وأن مالك ريد بُل ديترتيش ماتيزيتش صرح مؤخراً بأن وولف تواصل مع سائقَيه بعد إعلان روزبرغ.
كل ذلك جعل من باسكال فيهرلاين المرشح الأبرز للانضمام إلى الأسهم الفضية. إذ أنه يحظى بدعم مرسيدس، أجرى اختباراتٍ عديدة على مدار موسم 2016، وكان منها اختبارات إطارات موسم 2017. إلا أن مرسيدس لم ترد المخاطرة مع فيهرلاين الذي أكمل لتوه موسمه الأول في الفورمولا 1 فقط.
في نهاية المطاف، كان هذا المقعد من نصيب فالتيري بوتاس. ويمكننا تفهّم أنه، في ظل الوضع ‘المقعد’ لـ مرسيدس بعد إعلان روزبرغ، فإن بوتاس يعتبر السائق المثالي للانضمام إلى فريق أبطال العالم.
تمتلك مرسيدس مع لويس هاميلتون سائقاً سريعاً، فاز باللقب 3 مرات في مسيرته، ويمكن الاعتماد عليه للمنافسة على اللقب مجدداً في حال استمر مستوى الأداء القوي للفريق في 2017، وبالتالي سيكون الفريق بحاجةٍ لسائق يمكنه ضمان تسجيل النقاط بشكلٍ مستمر، يمكنه ضمان الحصول على لقب بطولة الصانعين.
إن عدنا بالذاكرة إلى عام 2008، شهد ذلك الموسم انضمام هايكي كوفالاينن لمزاملة لويس هاميلتون ضمن صفوف فريق ماكلارين إثر رحيل فرناندو ألونسو عن الفريق بعد تدهور العلاقة مع إدارة الفريق.
في ذلك العام، كانت سيارة ماكلارين هي الأسرع على شبكة الانطلاق. كان هناك تقارب كبير في الأداء بين ماكلارين وفيراري، وتبلور ذلك في معركة اللقب بين لويس هاميلتون وثنائي فيراري آنذاك كيمي رايكونن وفيليبي ماسا، قبل أن تنحسم معركة اللقب لمصلحة هاميلتون.
ولكن بطولة العالم للصانعين لم تكن من نصيب ماكلارين، وإنما كانت من نصيب فريق فيراري نظراً لوجود سائقين تمكنا من تسجيل النقاط باستمرار، على عكس كوفالاينن الذي لم يتمكن من مجاراة زميله هاميلتون في مستوى الأداء التنافسي.
مع بوتاس، سيحصل فريق مرسيدس على هذا العامل، والمزيد.
من ناحية تسجيل النقاط، لا يمكن لأحد التشكيك بقدرات بوتاس الذي أنهى كافة سباقاته الأربعين باستثناء 11 سباقاً، وبالتالي هو سائق ثابت، في حال مُنح سيارةً قوية سيتمكن من تسجيل نقاط تتكافأ مع إمكانياتها، كما أنه من النادر ارتكابه للأخطاء.
هناك العديد من السائقين الذين وصلوا إلى الفورمولا 1 وأحدثوا جلبةً، مثل باستور مالدونادو، رومان غروجان، والعديد الآخرين، بسبب ارتكاب الأخطاء أو الحوادث.
إلا أن بوتاس لطالما أثبت أنه سائق هادئ، يتمتع بتركيز عالي، من النادر ارتكابه للأخطاء أو تعرضه للحوادث. وهذا ما يحتاجه فريق مرسيدس تماماً.
هذا الهدوء، الذي وصفه وولف بـ ‘‘الفنلندي’’ عندما قدّم بوتاس كسائق مرسيدس أمام أعضاء الفريق، سينعكس إيجابياً على علاقته بـ هاميلتون. من المؤكد أننا لن نشهد، في البداية على الأقل، ذلك التوتر الكبير الذي جمع هاميلتون بـ روزبرغ في الأعوام الثلاثة الأخيرة، لأن بوتاس يريد التركيز على مهمته ولا يريد الدخول في قضايا مثيرة للجدل ضد هاميلتون.
كما أن بوتاس تغلب على فيليبي ماسا أثناء مزاملة الثنائي ضمن صفوف ويليامز بين أعوام 2014 و2016، من الصحيح أن ماسا كان يقترب من نهاية مسيرته الاحترافية، ما كان واضحاً عندما أعلن البرازيلي اعتزاله الفورمولا 1 نهاية العام الماضي قبل أن يتراجع عن قراره ويعود إلى ويليامز مع رحيل بوتاس، ولكن لا بد من الإشادة بأن الأخير تمكن من فرض نفسه كسائقٍ أساسي في الفريق، كقائد يمكنه فرض رأيه بخصوص عملية تطوير السيارة أو استجابتها.
ولكن في الوقت ذاته، علينا ألا ننسى بأن بوتاس متعطش للفوز بشكلٍ كبير.
أثناء مجريات الموسم الماضي، كان يستاء كثيراً عندما يُشار إليه أنه أكمل عدداً كبيراً من السباقات دون الفوز بأي سباقٍ حتى الآن. هو يكره تلك الإحصائية، ويريد تغييرها. يريد الفوز بالسباقات بأقرب وقتٍ ممكن.
كان ذلك واضحاً أثناء مقابلةٍ له مع الفريق الإعلامي في مرسيدس تم بثها عبر موقع يوتيوب، عندما سُئل إن كان هناك سباق مميز يريد الفوز به، أجاب بوتاس على الفور: ‘‘أستراليا!’’.
يتمتع الفنلندي بتعطشٍ كبير، وثقةٍ كبيرة بالنفس للفوز، ومن المؤكد أن هذا التعطش لن يتوقف عند الفوز بسباقٍ أو سباقين فقط، وإنما من المؤكد أنه يريد منافسة هاميلتون على اللقب، وإن كان هذا التنافس بعيداً عن التوتر وعن القضايا المثيرة للجدل في بدايته.
لربما هذا التعطش مشابه لذلك الذي شعر روزبرغ به قبل وصوله إلى مرسيدس، ولكن، في حال لم يشهد فريق مرسيدس تراجعاً كارثياً في الأداء، يبدو بأن طريق بوتاس للفوز سيكون في موسمه الأول مع الأسهم الفضية، على خلاف ما حصل مع روزبرغ الذي انتظر أكثر من عامين قبل تحقيق فوزه الأول.
وبالتالي يحصل فريق مرسيدس على سائقين مقاتلين في 2017. لويس هاميلتون الذي يريد استعادة اللقب الذي خسره العام الماضي، وفالتيري بوتاس الذي يريد إثبات قدراته وتذوق طعم الانتصارات.
إلا أن بوتاس يدرك أن مستقبله مع مرسيدس ليس مضموناً. عليه إثبات أحقيته بالاستمرار ضمن صفوف الفريق، واستحقاق مكانته في المستقبل.
حيث يدرك بوتاس أن موسم الانتقالات لسنة 2018 سيكون مثيراً جداً، مع انتهاء عقود كل من ألونسو مع ماكلارين وفيتيل مع فيراري، وبالتالي على بوتاس إقناع فريق مرسيدس بأنه يستحق تمديد عقده بعد نهاية موسمه الأول حتى وإن كان ذلك على حساب ‘نجومٍ ألمع’ مثل ألونسو وفيتيل!