في أول مشاركةٍ له على حلبة موناكو، تمكن ماكس فيرشتابن من تسجيل ثاني أسرع زمن خلف لويس هاميلتون في حصة التجارب الأولى. يحلل بن أندرسون كيف تمكن السائق الناشئ من تحقيق هذه النتيجة ويشرح لمَ لم يقتصر الأمر على إجراء لفة سريعة باستخدام كمية قليلة من الوقود.
حالت الأمطار دون إمكانية معرفة تأدية إطارات بيريللي فائقة الليونة الجديدة لهذا الموسم من أجل رؤية الأزمنة السريعة على شوارع إمارة مونت كارلو، وبالتالي لعلّ الأمر الأكثر إثارةً للاهتمام في اليوم الأول من تجارب جائزة موناكو الكبرى تمثّل بتأدية سائقٍ يبلغ من العمر 17 عاماً الذي يعتقد العديد بأنه صغيرٌ للغاية من أجل المشاركة في الفورمولا واحد.
في حال كنّا نحتاج لإثباتٍ إضافي بانتماء ماكس فيرشتابن لهذا المستوى من المنافسة، تمكّن الهولندي من تقديم أكثر من ذلك في حصة التجارب الأولى في موناكو.
إذ أن فيرشتابن هو السائق الوحيد من سائقي الفورمولا واحد لموسم 2015 الذي لا يملك أية خبرة إطلاقاً عن هذه الحلبة (في مختلف فئات التسابق)، لكنه تمكن رغم ذلك من تسجيل ثاني أسرع زمن خلف مقود سيارة تورو روسو الخاصة به وفي أول مشاركةٍ له، وهُزِم من قِبل بطل العالم الحالي سائق مرسيدس لويس هاميلتون فقط.
بالتأكيد، فإن تحقيق هذا الأمر – وإن كان يقتصر على التجارب حتى الآن – أدى لوجود الكثير من الاهتمام والانتباه، كما سيؤدي لكتابة العديد من عناوين الأخبار الإيجابية، ولكن كم كانت تأدية فيرشتابن مذهلةً بالفعل؟
من الواضح أن فريق تورو روسو يتبع استراتيجية خروج سائقيه إلى الحلبة في وقتٍ مبكر من أجل إكمال أكبر عدد ممكن من اللفات. كما تحدث هاميلتون قبل بداية الجولة (عندما لم يُسأل عن تجديد عقده مع مرسيدس) عن ضرورة إيجاد إيقاع مناسب على هذه الحلبة إلى جانب التحلي بثقةٍ بالنفس من أجل القيادة بشكلٍ عدائي على هذه الحلبة وبالتالي تسجيل أزمنة أسرع.
في نهاية المطاف فإن التأدية في نتيجة الحصة التأهيلية على هذه الحلبة لكل سائق هي التي ستحدد مسار سباق هذا السائق يوم الأحد، إذ أن الحصة التأهيلية تلعب دوراً كبيراً على هذه الحلبة يفوق أهميتها على بقية الحلبات، وبالتالي من الضروري إجراء أكبر عدد ممكن من التجارب. في حصة التجارب الأولى، تمكّن فيرشتابن وزميله في فريق تورو روسو كارلوس ساينز من إكمال 82 لفة في ما بينهما، وحدهما سائقا فريق مرسيدس تمكنا من إكمال عدد أكبر من اللفات.
وبعد مجموعةٍ من اللفات الاستطلاعية على هذه الحلبة باستخدام الإطارات الخاصة بالسطح الرطب (إنترميديت)، كان هاميلتون أول سائق يخرج إلى الحلبة باستخدام الإطارات الملساء، ومن وجهة نظري أثناء متابعة هذه الحصة عند المنعطف المزدوج، كان من الواضح أن هاميلتون يضغط على سيارته منذ البداية – إذ كان يتّكل بشكلٍ كبيرٍ على مؤخرة سيارة ‘دبليو 06’ الخاصة به وكان يحاول أن يرقص ضمن هذه السلسلة من المنعطفات، علماً أن محاولاته لم تكن ناجحةً على الدوام.
كانت سيارتا تورو روسو على مقربةٍ من هاميلتون على الحلبة، وكان من الواضح في بداية الحصة قيادة فيرشتابن الحذرة للغاية مقارنةً بكل من ساينز وهاميلتون، وكان يمكن التأكد من ذلك نتيجة سماع صوت المحرك أثناء ضغط فيرشتابن على دواسة الوقود بشكلٍ طفيف بين المنعطف اليساري واليميني الذي يليه أثناء تقييمه للسرعة التي يمكن القيادة بها في هذه المنعطفات. ولكن بعد بضعة لفات بدا فيرشتابن أكثر ارتياحاً، إذ كانت تأديته مطابقةً، على الأقل، لتأدية زميله في الفريق الذي شارك على هذه الحلبة في سلسلة فورمولا رينو 3.5 في السابق.
وبعد حوالي ست لفاتٍ تغيّر أسلوب فيرشتابن بالقيادة إذ ازدادت سرعته بشكلٍ كبير في القسم الأول من المنعطف المزدوج، كما أن سرعته كانت تتزايد بوتيرةٍ مرتفعة، ولكن حذرة، إذ كان يحرص على عدم الضغط أكثر من اللازم.
لم تكن هناك مسافة كبيرة بين سائق ريد بُل دانيل كفيات وكارلوس ساينز، وكان هذا الثنائي خلف فيرشتابن بشكلٍ بسيط، ولم يكن بإمكانهما اللحاق بماكس حتى مع نهاية السلسلة الأولى من اللفات السريعة التي جرت على حلبةٍ جافة. في هذه المرحلة، كان فيرشتابن أبطأ بشكلٍ طفيف من ساينز (بحوالي 0.243 ثانية)، لكن تأديته كانت أكثر ثباتاً.
كان من الواضح ازدياد نسبة تماسك الحلبة مع مرور السيارات، ولهذا السبب تهاوت الأزمنة المسجلة في نهاية الحصة، علماً أن العديد من السائقين صرحوا أنهم احتاجوا لحوالي عشر لفات متواصلة من أجل رفع درجة حرارة الإطارات اللينة وتسجيل الأزمنة الأسرع.
وبعد تقدّم فيرشتابن إلى المركز الثاني في لفته السريعة الأخيرة من هذه الحصة، اعتقد العديد بأن سيارته كانت مزودة بكميةٍ قليلةٍ جداً من الوقود. حسناً، هذا الأمر صحيحٌ بعض الشيء ولكن لا تقف الأمور عند هذا الحد.
أثناء تحليل لفّات السائقين العشرة الأوائل، فإن ثنائي فيراري، بالإضافة إلى سائق مرسيدس نيكو روزبرغ وسائق ويليامز فيليبي ماسا، تمكنوا من تسجيل أزمنتهم الشخصية الأسرع في منتصف هذه الحصة، وبالتالي كان بإمكانهم تسجيل أزمنة أفضل في وقتٍ لاحقٍ.
من ضمن هذه المجموعة من السائقين، من المنطقي توقّع أن فيرشتابن لم يكن ليتغلب على روزبرغ أو ثنائي فيراري، وبالتالي كان ليكتفي بالمركز الخامس بدلاً من الثاني. من الصعب تحليل أزمنة سيارة ويليامز نظراً للتوقعات التشاؤمية حول تأدية سيارة ‘أف دبليو 37’ على شوارع موناكو، إضافةً إلى أن فريق ويليامز لا يظهر كامل أوراقه في تجارب يوم الجمعة.
من المؤكد أن نتيجة فيرشتابن النهائية في الحصة الأولى من التجارب كانت مفاجئة للعديد (من ضمنهم فيرشتابن نفسه!) ورغم ضرورة توخّي الحذر في قراءة أزمنة التجارب، إلا أن تأديته الناجحة أدت لنيله المديح من كافة أوساط الفورمولا واحد.
قال سائق فريق لوتس رومان غروجان: ‘‘لم أعلم أنه يحتل المركز الثاني. هذا أمرٌ مذهل في الواقع’’.
‘‘هذه الحلبة مخادعة، ولكن عند التحلي بالثقة بالنفس، يصبح بإمكانك أن ترقص مع سيارتك عبر المنعطفات المتواصلة. إن لم تتوفر هذه الثقة، ستواجه العديد من المشاكل والمخاوف!’’
‘‘عندما شارك في تجارب الجمعة في الجولات الأخيرة من العام الماضي كان يضغط على سيارته على الفور، وبالتالي هذا أمرٌ مذهل من دون شك’’.
كما يعتقد السائق الاحتياطي في فريق ماكلارين كيفن ماغنوسن أن فيرشتابن قام بعملٍ جيد، لكنه يعتقد أن قيادة سيارة فورمولا واحد كانت سهلةً للغاية بالنسبة للهولندي نظراً للتقنيات المتوفرة لديه في أجهزة المحاكاة وما إلى ذلك والتي تفوق كافة التقنيات المتوفرة في فئات التسابق الدنيا.
قال ماغنوسن لموقع أوتوسبورت: ‘‘شاركت على هذه الحلبة مرتين في سلسلة فورمولا رينو 3.5 وكانت القيادة صعبة للغاية. ففي هذه السلسلة يجب تعلّم الحلبة رويداً رويداً لأن السيارة ثقيلة للغاية وبالتالي فإن ارتكاب الأخطاء سيؤدي للاصطدام بالحائط’’.
‘‘أما في الفورمولا واحد يمكن إحكام السيطرة على السيارة بشكلٍ أفضل، لأن السيارة أكثر توازناً وبالتالي تكون سهلة القيادة، يمكن أن تتعامل مع الحفف الجانبية بشكلٍ أفضل. شعرت أن قيادة سيارة فورمولا واحد على هذه الحلبة كانت أسهل من بقية الفئات، إذ كان يمكن الضغط على الفور’’.
‘‘أصبحت أجهزة محاكاة القيادة جيدةً للغاية في يومنا هذا، وبالتالي هذا أمرٌ إضافي ساهم بمساعدة فيرشتابن من دون شك’’.
يجب أن نتوقف قليلاً عند هذه النقطة الأخيرة، إذ أن سائقا تورو روسو أشادا بالمساواة في استخدام جهاز محاكاة القيادة الذي سمح لهما القيادة لأكثر من 200 لفة افتراضية على شوارع موناكو قبل القدوم إلى الإمارة.
ويعتقد ساينز، الذي كان أبطأ بـ0.335 ثانية من زميله في الفريق في الحصة الأولى من التجارب، أن الانضباط لعب دوراً كبيراً في هذه النتائج الجيدة من المراحل الأولى من الجوائز الكبرى لهذا الموسم حتى الآن.
قال ساينز، الذي ينال مديحاً مستحقاً بسبب أسلوب قيادته هذا الموسم، والذي يساهم في تقدّم فيرشتابن بسبب التأدية التي يقدمها: ‘‘أثبتنا، أنا وماكس، أن لدينا سيارةً جيدةً للغاية’’.
‘‘نشارك في حصص التجارب الأولى كسائقين ناشيئين مقابل كافة هؤلاء السائقين الذين يمتلكون خبرةً كبيرةً، ونتمكن من تسجيل أزمنة ضمن المراكز الخمسة الأولى، هذا الأمر يظهر العمل الذي يبذله الفريق من أجل تجهيزنا بأفضل شكلٍ ممكن’’.
من الواضح أن فيرشتابن يشعر بالراحة على حلبات الشوارع، وهذا ما يظهر من أدائه في موسم فورمولا 3 العام الماضي (عندما اقترب من تسجيل ثاني أسرع لفة في الحصة التأهيلية لجولة باو، إلى جانب تسجيله لأسرع لفة في سباق ماكاو).
يتمتع فيرشتابن بأسلوب قيادة ديناميكي ويتّكل بشكلٍ كبير على مؤخرة السيارة، ما يجعله سريعاً للغاية في المنعطفات البطيئة التي تهيمن على حلبةٍ مثل موناكو. ولكن لعل الأمر الأكثر إعجاباً في تأدية فيرشتابن هو الثبات. من المؤكد أن عدم ارتكابه لأخطاءٍ هو ما أثار إعجاب مدير فريق تورو روسو فرانز توست.
قال توست: ‘‘ندرك جميعاً أن ماكس فيرشتابن يتمتع بموهبةٍ كبيرة، ولكنني معجب للغاية بالزمن الممتاز الذي تمكن من تسجيله في حصة التجارب الأولى’’.
‘‘في كل مرةٍ كان يخرج فيها إلى الحلبة كان يحسن من زمنه دون ارتكاب أية أخطاء، لم يقم بغلق مكابحه. قدرته السيطرة على سيارته وتقديم المعطيات للمهندسين كانت مذهلةً’’.
بإمكاننا التخمين في ما يتعلق بكمية الوقود في سيارته، ظروف الحلبة، رفع درجة حرارة الإطارات، الازدحام وما إلى ذلك، ولكن لا يمكننا الاختلاف مع تصريحات بول هيمبري، المدير الرياضي لشركة بيريللي، بأن تأدية فيرشتابن كانت ‘‘مميزةً واستثنائية’’ في أول زيارةٍ له لحلبة موناكو.
وهذا ما بدا عليه الأمر على الحلبة، في يومٍ حالت الظروف المناخية دون إجراء تجارب بنّاءة تساهم في جمع عدد أكبر من المعطيات التي تتعلق بتأدية الفرق في هذه الجولة. من دون شك، فإن فيرشتابن يستحق المديح الذي نال عليه بعد نهاية هذه الحصة.