لطالما لعبت إيطاليا وبريطانيا دوراً كبيراً في عالم رياضة المحركات تاريخياً، فما هو سبب تهميش هذا الدور في الأعوام القليلة الماضية؟ يشرح لنا آندي فان دير بورغت أسباب حصول ذلك، وما برأيه هو النموذج الأمثل الواجب اتباعه لتطوير رياضة المحركات في هذه البلدان، وإمكانية بزوغ نجم أولى سائقي الفورمولا واحد العرب نتيجة اتباع هذا النموذج.
لم يأتِ فوز ألمانيا في بطولة كأس العالم لكرة القدم على الملعب وحسب، بل كان وراء الكواليس. في الحقيقة، وخلال السنوات المقبلة، سيكون هذا الفوز بمثابة مدعاة احتفال لأولئك الذين يقومون بالترويج للأهداف الاستراتيجية بعيدة الأمد بدلاً من الترويج لنجاحٍ قصير لن يدوم طويلاً.
فبعد مشاركتهم الكارثية في كأس أمم أوروبا لعام 2000، عندما أنهى منتخب ألمانيا، وهو بطل النسخة السابقة، دور المجموعات في المركز الأخير ودون تسجيل أي فوز، قام الاتحاد الألماني لكرة القدم بالتشجيع على إعادة تنظيم عملية تطوير اللاعبين الشباب والتدريب. إذ تمّ إجبار كافة النوادي التي تُشارك في أفضل دوريّيَن على تشكيل منتخبات لا تتجاوز أعمار لاعبيها 9 أعوام، وذلك بغاية تطوير وتدريب لاعبين بإمكانهم منافسة الأفضل على مستوى العالم. وبعد أربعة عشر عاماً، تمّ تحقيق هذا الهدف بأفضل طريقة ممكنة.
لن يقتصر تعلّم هذا النموذج الألماني على البلدان التي تسعى لتطوير مهارات لاعبي كرة القدم وحسب. في الأعوام الماضية، واجه عالم رياضة المحركات مشاكل عديدة في إيجاد أفضل طريقة لتطوير السائقين الشباب.
بإلقاء نظرة سريعة على السائقين المشاركين في بطولة العالم لسباقات الفورمولا واحد، نشاهد كيف يؤثر تخلخل البنى التحتية في البطولات البسيطة والصغيرة على تطوير سائقين من طراز عالمي. على سبيل المثال، في السابق كان الإيطاليون يسيطرون على بطولة الفورمولا واحد بالكامل، ولكن الآن لا يوجد أي سائق إيطالي.
هناك عدة أسباب لوقوع ذلك، لكن تدهور إحدى أفضل فئات التسابق للسائقين الشباب، مثل سلسلة فورمولا رينو الإيطالية وسلسلة فورمولا 3 الإيطالية، تلعب دوراً كبيراً في ذلك لا يقل أهميةً عن المشاكل الاقتصادية.
حتى بالنسبة لبريطانيا، فهي قد تواجه نفس المصير الإيطالي، وهي التي تعتبر موطن رياضة المحركات من قِبل العديدين. في حال اعتزال جنسن باتون، من المرجح أن يكون لويس هاميلتون هو السائق البريطاني الوحيد السنة المقبلة (على اعتبار عدم تمكّن ماكس شيلتون من إيجاد فريق الموسم المقبل).
تزامن هذه التطورات مع تدهور بطولة فورمولا 3 البريطانية قد يتعدى كونه مجرّد مصادفة.
هناك عدة أسباب لتدهور بطولات المقعد الأحادي في بريطانيا. بعضها اقتصادي، بعضها سياسي، وبعضها بسبب محاولة بريطانيا التقاط كُل ما هو رائج وتجاهل باقي الأمور. ولكن تدهورها سيؤدي لتجزؤ بقية هرم رياضة المحركات كنتيجةٍ لذلك من دون شك.
في السابق كانت بريطانيا تعتبر حجر الأساس في رياضة المحركات، خصوصاً مع وجود بطولات الكارتينغ المحلية والعالمية. وأظهرت أكاديمية نيسان في الـ‘بلاي ستايشن’ أن التسابق الافتراضي قد يشكّل نقطة بدايةٍ ممتازة للبحث، خصوصاً مع إحراز يان ماردنبوروه فوزه الأول في سلسلة ‘جي بي 3‘ خلال جولة ألمانيا الماضية، ولكن بغض النظر عن ذلك، لا يوجد بديل عن التسابق على أرض الواقع من دون شك.
يبدأ الضياع فور تخرّج وترقية السائقين من عالم الكارتينغ، ويستمر هذا الضياع لحين حصولهم على تلك الفرصة المثالية لقيادة سيارة فورمولا واحد.
لحسن الحظ، يبدو أنه يتم توجيه هذه العملية تحت إشراف جان تود، رئيس الاتحاد الدولي للسيارات، ومراقبة غيرهارد بيرغر السائق السابق في الفورمولا واحد. ويُعتبر إنشاء سلسلة فورمولا 4 عالمية بدايةً ممتازة. إلا أن ذلك سينجح فقط في حال توفر دعم سلطات رياضة المحركات الإقليمية والعالمية.
وفي حين قد تبدو هذه الأوقات عصيبة بالنسبة للسائقين الإيطاليين والبريطانيين، إلا أن بزوغ نجم أول سائق عربي في بطولة العالم للفورمولا واحد سيكون ممكناً في حال تمّ التشجيع والترويج لهذا النظام الهرمي الجديد.
الحلبات الموجودة في أبوظبي، البحرين ودبي، وهي تحتوي على مسارات مختصرة ستكون مثالية للفورمولا 4. هذه السلسلة قد تجري على هذه الحلبات، إضافةً إلى قطر، وستلعب دوراً ممتازاً في تطوير المواهب المحلية التي تنبثق عن عالم الكارتينغ.
المرحلة التالية في هرم الاتحاد الدولي للسيارات تتمثل ببطولة الفورمولا 3. إذ أن تمن إعاد الاتحاد الدولي للسيارات إحياء هذه السلسلة الأوروبية في الموسم الحالي، وعليكم أن تراقبوا كيف سيتمكن إستيبان أوكون وماكس فيرشتابن من الوصول إلى الفورمولا واحد خلال السنوات المقبلة، ولكن القفزة ستعتبر كبيرةً للغاية من فورمولا 3 إلى الفورمولا واحد بشكلٍ مباشر.
> البحرين تستضيف سباقات فورمولا 3
إلا أن وجود بطولات فورمولا 3 محلية، تستخدم فيها سيارات أقدم نوعاً ما، ستُمثل نقطة بداية ممتازة. وقامت مملكة البحرين باحتضان هذه الفكرة عن طريق استضافة سلسلة فورمولا 3 الأوروبية في سباق ليلي كجزءٍ من كأس عربية للفورمولا 3. ولكن لماذا لا نقوم بتطوير ذلك، وجعل هذه الفكرة تتحول لسلسلة تتألف من ثلاث جولات (أو أكثر) خلال الفترة الشتوية على كافة حلبات المنطقة؟
ستكون هذه فرصةً ممتازة تسمح للمواهب المحلية بمقارنة أنفسهم بنجوم المستقبل من مختلف أنحاء العالم، وبالتالي تقييم إمكانية الانتقال للمشاركة في بطولات أوروبية بشكلٍ نظاميّ.
لا يمكن تحديد المرحلة الأخيرة من هذا الهرم بشكلٍ دقيق، بما أن سلسلتي ‘جي بي 2‘ وفورمولا رينو 3.5 العالمية تشكلان الخطوة المثالية قبل الوصول إلى الفورمولا واحد.
كان لسلسة ‘جي بي 2‘ عدة تجارب بخصوص إنشاء سلسلة آسيوية خلال الفترة الشتوية، ولكنها لم تكن ناجحةً بسبب عدم وجود سائقين محليين في المراحل الصحيحة من مسيراتهم الاحترافية. ولكن في حال تمّ تطبيق ونجاح المراحل الأولى من الهرم، فإن تطبيق المراحل المتبقية سيكون مسألة وقتٍ لا أكثر.
وكما كان الحال مع المنتخب الألماني عام 2000، يتطلب ذلك فهم بنّاء للمشاكل، إضافةً لشجاعة كبيرة في إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل. لا توجد طرق مختصرة لتحقيق النجاح، ولكن في حال تمّ وضع الأهداف والتحلي بالانتظار من أجل تحقيقها، سيصبح كل شيء ممكن.