يعتقد إد سترو أنه رغم أهمية الأموال لأي فريق في بطولة العالم لسباقات الفورمولا واحد، إلا أن التاريخ يُظهر لنا أن الأموال لن تؤدي لتقديم نتائج جيدة في حالة غياب العقلية المناسبة.
في ظلّ الحديث المستمر عن كيفية تقليص النفقات، ما زالت الأموال تمثل كل شيء في بطولة العالم للفورمولا واحد، إذ يعتقد العديدون أن الأموال قد تكون سبب كُل المشاكل، أو قد تكون السر الوحيد لتحقيق النجاح.
يمكن أن يكون الخيار الأول صحيح، إلا أن الخيار الثاني ليس صحيحاً بشكلٍ دقيق. قد تكون الموارد المادية ضروريةً لتحقيق الألقاب، إلا أن التاريخ أظهر لنا على مرّ الزمان أن الموارد المادية الضخمة لن تؤدي لتحقيق النجاح ونيل الألقاب لوحدها.
هناك العديد من العوامل الأخرى التي تلعب دوراً كبيراً بين تحقيق النجاح أو الفشل. استثمار أموال طائلة في تجهيزات ضخمة وأشخاص ذو كفاءة عالية لا يُشكل سوى جزء المعادلة.
نرى في فريق ويليامز مثالاً جيداً على ذلك. ففي حين لم يعد الفريق غنياً كما كان الحال عليه في السابق، ولم تكن نتائجه على قدر التوقعات في الأعوام الـ17 الماضية. إلا أن فشله النسبي كان يختلف من حيث التأثير من عامٍ لآخر.
في عام 2013، كانت سيارة الفريق سيئةً للغاية ولم يتمكن من تسجيل سوى خمس نقاط. في العام الذي سبقه، قام الفريق بإنتاج سيارة تنافسية والتي كانت تبدأ معظم الجولات بالقرب من مؤخرة الترتيب، إلا أن الفريق أنهى البطولة في المركز الثامن في ترتيب بطولة العالم للصانعين.
هذا العام بدا مشابهاً لعام 2012 في المراحل المبكرة، مع امتلاك الفريق السيارة سريعة للغاية لم تُعطيها النتائج حقّها، ولم تتمكن من إظهار إمكانياتها.
بدأت ملامح عام 2012 منذ سباق جائزة أستراليا الكبرى. عندما انسحب لويس هاميلتون من السباق كان من الممكن لكُلٍّ من سائقي الفريق الصعود على منصة التتويج في نهاية السباق، إلا أن ذلك لم يتحقق بسبب ارتطام سيارة فالتيري بوتاس بالحائط (ليتمكن من التعافي وإنهاء السباق في المركز الخامس) وانسحاب فيليبي ماسا بسبب اصطدام سيارة كاترهام، ذات المكابح المعطلة، الخاصة بكاموي كوباياشي به في بداية السباق.
ولكن منذ حوالي عشرة أيام في جائزة النمسا الكبرى، قدّم فريق ويليامز النتائج المستحقة بعد تصدّره للصف الأول في الحصة التأهيلية (وإن كان سبب ذلك يعود بشكلٍ كبير لعدم تمكّن مرسيدس من استغلال أفضليتهم في الحصة التأهيلية)، وتمكّنوا من إنهاء السباق في المركزين الثالث والرابع. وفي ظل تعرض الفريق للانتقادات بسبب اتباعهم منهجاً محافظاً في التسابق، إلا أن هذا ما احتاجه الفريق تماماً.
هناك العديد من العوامل التي ساهمت في تحقيق فريق ويليامز لنقلةٍ نوعية في الأداء، ولكن هناك عامل وحيد أساسي يجب تواجده في أي فريق ناجح.
يرتبط مصطلح ‘الحديث الصريح’ باسم روب سميدلي، المشرف على أداء السيارات في فريق ويليامز والذي انضم لصفوف الفريق قبيل جائزة البحرين الكبرى. من الخاطئ اعتبار أن طريقة روب في التحدث هي مجرد انعكاس لشخصيته، إذ أن هذا الأسلوب يكشف لنا العديد من الأمور الإضافية.
في حال لم تسر الأمور على ما يرام، لن يواجه روب سميدلي مشكلةً في الاعتراف بذلك. يتفادى اختلاق الأعذار ولا يخشى تحمّل المسؤولية لأي أخطاء قد تحصل في قسمه. يواجه العديد من الانتقادات بشكلٍ علني، وهو لا يحاول التخفيف منها، وقد يكون حذراً في حماية هؤلاء الذين قد يتعرضون للانتقادات لوحدهم. أما وراء كواليس الفريق، يكمن كامل التركيز على فهم ومحاولة إصلاح المشاكل بدلاً من معاقبة أولئك الذين ارتكبوا الأخطاء.
الأمر مشابه للمدير التقني بات سايموندز. كانت لديه فرصة كبيرة للتحدث عن إنجازات فريق ويليامز في هذا الموسم، ولكنّه لم يتردد في الإشارة إلى كيفية تحسين الوضع الحالي للفريق. وعن طريق اتباعهم لمنهج محافظ، سيتمكنون من تحقيق ذلك.
يمكن اعتبار فرق الفورمولا واحد بمثابة منظمات معقدة تتألف من عدة أقسام، يجب إدارة كافة هذه الأقسام بشكلٍ يسمح استخلاص أقصى ما يمكن من كل قسم. ولكن، بالتماشي من الطبيعة البشرية، من غير المفاجئ ارتباط هذه الفرق بالأمور السياسية.
هناك خط عريض لا يجب تجاوزه. في حال تجاهل الأخطاء، وضمان إكمال كافة أعضاء الفريق لأعمالهم بشكلٍ صحيح، ستتكرر كافة الأخطاء. ولكن هذا لا يعني أنه يجب معاقبة كافة الأشخاص في حال حصول أخطاء.
في حال اتباع سياسة ‘كبش الفداء’، أي تحميل الأشخاص مسؤولية عدم تحقيق كافة طموحات الفريق، في هذه الحالة سيتم خلق بيئة يحاول فيها كل قسم إلقاء اللوم على القسم الآخر بدلاً من محاولة تصحيح الأخطاء.
وبما أن الأخطاء تكون نتيجة حصول تقاطع لعدّة عوامل في مختلف الأقسام بدلاً من عاملٍ وحيد ومحدد، من المستبعد أن يؤدي هذا المنهج لضمان عدم تكرار هذه الأخطاء.
برهن فريق ريد بُل مهارته في هذه الناحية خلال سيطرته المطلقة في الأعوام الأربعة الماضية. لم يكمن سر النجاح بضم آدريان نيوي وحسب، بل خلق بيئة تسمح لنيوي بتقديم أفضل ما لديه في فريقٍ يمكن فيه تقديم كافة الأفكار ومحاولة تحقيقها دون خوف.
عدم اتباع هذا المنهج سيؤدي لتحقيق نتائج مغايرة لتلك المراد الحصول عليها.
لننظر إلى فريق مرسيدس. هذا الفريق، وفقاً لبنيته الحالية، يعتبر فعالاً وناجحاً للغاية. ولكن بالنظر للفرق التي سبقته في مصنع براكلي، مثل براون جي بي، و‘بار’ وهوندا، كافة هذه الفرق كانت تعمل في بيئة سياسية حالت دون تحقيقهم لنجاحات مذكورة.
كما يجدر بنا الإشارة إلى أن أرفع المسؤولين التقنيين في فريق مرسيدس هو آلدو كوستا، والذي لم يرقَ لطموحات فريق فيراري واعتبر غير قادرٍ على تحمل المسؤولية منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
وفي حين اختلاف دوره في فريق مرسيدس بشكلٍ طفيف، إذ يشغل قسم رئيس المهندسين بدلاً من المدير التقني، إلا أنها تعتبر مناقضة لسياسة تحميل الأشخاص الاخطاء وعزلهم من مناصبهم التي أعاقت فريق فيراري لعقود. تخيّلوا لو حصل ذلك بعد عامَين فقط على بداية تشكّل الفريق الذهبي المؤلف من جان تود/ مايكل شوماخر/ روس براون/ وروري بيرني عندما كانت طموحات تحقيق الألقاب تبدو بعيدة المنال…
من المحتمل أن يثبت العديد من الأشخاص عدم أحقّيتهم في مناصبهم، ليتم إقالتهم نتيجةً لذلك، إلا أن هذه الطريقة ستُلقي بظلالها على المشاكل الحقيقية. من المؤكد أن مشاكل المحركات زادت من جراح فريق فيراري في موسم 2014، ولكن يجب علينا النظر إلى هذا الأمر، إضافةً لوعود بات فراي بجعل فريق فيراري أكثر إبداعاً بعد استلامه لمنصبه عام 2011، لندرك أن المشاكل الأخرى لم يتم مواجهتها بشكلٍ صحيح.
بدون شك، عندما تواجه الفرق عدة مشاكل في أدائها وتبدأ الصدوع تظهر في بنية الفريق، السياسة ستلعب دوراً كبيراً بسبب سعي كافة أعضاء الفريق المحافظة على مناصبهم. وبالتالي من المرجح وجود العديد من الارتباك في هذه الحالة. ولكن هناك العديد من الأخطار في المؤسسات التي يكون الخوف فيها أهم من الحاجة لمواجهة الأخطاء ومحاولة إيجاد الحلول لها.
من المحتم وقوع الأخطاء. إذ أن مدراء تقنيين مشهورين تُدفع لهم مبالغ مالية طائلة ليسوا في نهاية المطاف سوى بشر، وبالتالي سيكونون عرضةً للأخطاء. الأمر الضروري هو معرفة كيفية الاستجابة لوقوع هذه الأخطاء. في حال كانت سياسة الفريق تهدف لتحميل المسؤولية وحصول انشقاقات، من الطبيعي عدم تحسّن نتائج الفريق على الحلبة.
لا يمكن إدارة فرق الفورمولا واحد وفق عقلية اللوم. مواجهة المشاكل بكل صراحة وعدم التهرب من المسؤولية وغياب الخوف لها نفس أهمية الميزانية الضخمة في حال أراد أي فريق النجاح.
لا أحد يحب شعور الفشل. إلا أن الخوف من الفشل يحجب الرغبة بتحقيق النجاح، يجب اتباع حل وسط.