بدأت الإستعدادات للموسم الجديد من بطولة الإندي كار ومجدّدًا ستكون المنافسة مشتعلة على أشدها في 2014. ولكن في ظل تراجع مكانتها، قد تصبح الإندي كار جوهرة الرياضات الميكانيكية المخبّأة، هذا ما يعتقده مارك غليندانينغ.
في أوائل التسعينات من القرن الماضي أطلق الموسيقار والملحن “فرانك زابا” ألبومًا حيًا يوثّق ما كانت لتصبح آخر جولة موسيقية له، لكنه تخلى عن تلك الجولة بسبب المشاكل الشخصية بينه وبين باقي أعضاء الفرقة. إسم الألبوم؟ الفرقة الأفضل التي لم تسمعها في حياتك.
لا شيء حاليًا يرجح حصول إنهيار في منتصف موسم الإندي كار، لكن المؤشرات على تقديم عرض لم يسبق لأحد مشاهدته أكبر من أي وقتٍ مضى.
في ظل تراجع نسب مشاهدة الرياضة على التلفاز سنةً بعد سنة، أعلن العقل المدبر الجديد “مارك مايلز” أنه يملك مخططا لإيقاف هذا التراجع. إنها ليست رياضة مشهورة بشكلٍ كبير على حد قول “ماريو أندريتي”، لكن دعونا نتحدث عن ذلك لاحقًا.
لا يهم من تسأل لأن الإجابة ستكون بأن الركود الذي تعيشه رياضة الإندي كار حاليًا إمّا أنه أحد ألغاز رياضة السيارات، أو أنه أكبر دليل إدانة على فشل قسم التسويق، لأنه حتى بالرغم من تراجع النسب، إلا أن معايير التسابق في الإندي كار لا تجدها في أي بطولة مقاعد أحادية أخرى على الكوكب.
من الواضح أن حقبة سيطرة فريقين فقط على البطولة قد إنتهت. كبداية، تمكن فريق أندريتي أتوسبورت من اللحاق بفريقي بانسك وغاناسي رايسنغ على مدى السنوات القليلة الماضية.
ثانيًا، تستطيع الفرق الصغرى الإطاحة بالفرق الثلاث المتصدرة في أي أسبوع والأسبوع الذي يليه كذلك، لقد كان ذلك الدرس الذي تعلمناه من موسم 2013.
وكدليل على ذلك، أنهى “سايمون بايجنود” سائق فريق شميدت بيترسون البطولة أمام “رايان هانتر” سائق فريق أندريتي، نجم فريق بانساك “ويل باور” وبطل فريق غاناسي “داريو فرانكيتي” في 2013.
من بين هؤولاء الثلاثة، وحده “فرانكيتي” كان عازمًا للتعويض عن خيبة 2013، لكن إصابته التي أجبرته على الإعتزال حرمته من ذلك.
سيترك غياب الإسكتلندي فراغًا واضحًا ليس داخل فريق غاناسي فقط بل من خلال البطولة ككل. سائق بمثل مهارته، لا تعثر عليه كل يوم: تمكن من الفوز ببطولة الإندي كار 4 مرات وفاز بسباق إندينابوليس 500 ثلاث مرات، في حين يمتلك مزيج دقيق جدا من إيثار الذات والثقة بالنفس المطلوبة للعمل بشكل منفتح مع زميله في الفريق “سكوت ديكسون”.
لذلك خسارة “فرانكيتي” ستغير من دينامكية وإستعداد فريق غاناسي لحملة الدفاع عن اللّقب. كما سيعود الفريق لإستخدام أربع سيارات في 2014 بعد أن إكتفى بثلاث فقط الموسم الماضي، وكل واحد منهم يمثل
سيأخذ “طوني كنعان” مكان “فرانكيتي” في الفريق، الأمر الذي سيجعله في الواجهة صحبة “سكوت ديكسون”.
“سباق الإندي 500 هو ما يتطلع له فريقنا” صرح المدير التنفيذي مايك هال لأتوسبورت نهاية الموسم الماضي، على هذا الأساس إستقدام الفائز الأخير بسباق الإندي يُعَدُّ أمرًا منطقيًا. لكن من المهم أن نذكٍّر أنه قبيل إعتزال “فرانكيتي” تم تخصيص السيارة الرابعة أساسًا من أجل “كنعان”.
السير على خطى “فرانكيتي” كان أمرًا مختلفًا عن مهمته الأساسية التي كلف بها في بادئ الأمر، ومن أوكد واجبات السائق البرازيلي أن يبرهن بسرعة بأنه مرن وثابت في المستوى بما فيه الكفاية، ليكون الذراع اليمنى “لديكسون” وحملته للحفاظ على اللّقب. “كنعان” سيصر على أنه متواجد للمنافسة على اللّقب، وإذا كان الأمر كذلك، بالتوفيق لفريق غاناسي.
ويأتي بعد ذلك “شارلي كيمبال”، السائق الأكثر تطورًا في موسم 2013. تمكن الأمريكي من تحقيق فوزه الأول على حلبة ميد-أوهيو، وكرر نفس الأداء في فونتانا حيث بدى مرتاحًا في الصدارة بينما كان الصراع على اللقب بين “ديكسون” و”كاسترونيفيز” في فصله الأخير مبنيًا حوله قبل أن يحترق محركه.
في حين سيعوض “كنعان” “فرانكيتي”، سيحظى “رايان بريسكو” بالمقعد الشاغر المتبقي في فريق غاناسي، ليحصل على فرصة للعودة للبطولة بعد أن غادرها نهاية موسم 2012.
لن تكون هذه التجربة الأولى للأسترالي مع فريق غاناسي، حيث قاد في موسمه الأول من البطولة للفريق في 2005، وعاد الموسم الماضي ليقود السيارة الرابعة للفريق مؤقتًا في سباق الإندي 500.
ليس من العدل التشكيك في قدرة “بريسكو”، لقد أثبت أنه قادر على إنجاز عمله على أكمل في حال لم تخنه الظروف. مشاركته في سباق الإندي لم تكن الظهور الوحيد له في 2013 حيث شارك في أكثر من مناسبة مع فريق بانتر رايسنغ ما يعني أنه لا زال يملك لياقة بدنية عالية لقيادة السيارات أحادية المقعد.
إنضمامه لفريق غاناسي الغير متوقع يعد تغييرًا كبيرًا. أحد أهم العوامل في نجاح “فرانكيتي” مع الفريق كانت محركات هوندا، لكن الفريق سيدخل الموسم الجديد مع محركات مختلفة للمرة الأولى منذ ثمان سنوات.
قرار الفريق إستخدام محركات شيفروليه، يعني أنه سيستخدم نفس محركات فريق بانسك. مالك الفريق “شيب غاناسي” قرر تفادي ما حصل بداية الموسم الماضي حيث عانى فريقه مع محركات الهوندا، هذا التغيير سيؤدي إلى إزالة أحد الإختلافات بين عملاقي الرياضة. للتذكير، ساعدت محركات هوندا “ديكسون” على الفوز بلقب السائقين الموسم المنصرم، وفي المقابل فازت محركات شيفروليه بلقب الصانعين.
تغييرك للمحرك الذي ساعدك على الفوز ببطولة الصانعين قد تكون خطوةً جريئة بالنسبة لفريق غاناسي، وأوحى ذلك للجميع بوجود أزمة داخل المصنع الياباني. عندما قرر فريق غاناسي التخلي عن محركات هوندا، لم يكن للأخير أي فريق تنافسي لكي يزوده بالمحركات في 2014.
في تلك المرحلة جدد الصانع الياباني تعاقده مع فريق شميدت لكي يتمكن من إختبار محركه الجديد في أقرب فرصة، لكن وبالرغم من مهارة “بايجنود” إلاً أنه لن يكون قادرًا على رفع أمال هوندا للفوز بالبطولة لوحده.
هنا يبرز الجزء الخاص بالأزمة الوهمية لهوندا: في حين أمضت شيفروليه عقدًا مع بانسك وغاناسي، إلاً أن فريق أندريتي الذي يستخدم بدوره محركات شيفروليه لا زال دون أي عقد للموسم القادم.
في ذلك الوقت، كانت الشائعات تحوم حول سعي هوندا لإقناع أندريتي بإستخدام محركاتهم الموسم القادم، لكن إذا ما نظرت أن فريق أندريتي سيتراجع للمركز الثالث خلف غاناسي وبانسك على لائحة شيفروليه. أصبح من الواضح أن كلاً من هوندا وأندريتي بحاجة لبعضهما البعض. بدت الصفقة حتمية، وبالفعل تم الإعلان عنها بعد وقتٍ قصير من ذلك.
ومن بين الفرق الثلاث الكبرى، فريق أندريتي أكثر فريق بحاجة لإثبات نفسه في 2014 بعد الأداء المتذبذب في 2013: بدأت الأمور على ما يرام حيث تمكن “جايمس هينككليف” من تحقيق ثلاث إنتصارات بداية الموسم لكنه تراجع بشكل تدريجي مع مرور الموسم لينهي البطولة في المركز الثامن. الأمور لم تكن أكثر سهولة للبطل “رايان هانتر” الذي عانى من مجموعة من الحوادث المؤسفة في طريقه لإنهاء الموسم في المركز السابع. ما ترك “ماركو أندريتي” في المركز الخامس كأفضل سائق في الفريق، الأمر الذي يعتبر قصة بحد ذاته إذا ما رأينا مشاركته الكارثية في 2012.
ومن المفارقات، كان “أندريتي” السائق الوحيد في الفريق الذي أنشأه والده الذي لم يفز بأي سباق في 2013، لكن لم يتمكن أي سائق من مضاهاة تأديته الثابتة طيلة الموسم: حيث أنهى 4 سباقات فقط خارج النقاط. في حال واصل هذه التأدية في 2014 قد يغير ذلك الكثير بالنسبة لحظوظ فريق أندريتي الموسم القادم.
أمر آخر قد يساهم في ذلك وهو السيارة الرابعة. سيفسح “إيج فيزو” المجال للمبتدئ “كارلوس مونووز” الذي خطف أنظار الجميع بفضل تأديته البطولية في السيارة الخامسة لفريق أندريتي في سباق الإندي 500.
وفي ظل السمعة التي إكتسبها بكونه سريعًا لكنه متهور، التعاليق على وتيرته في التجارب الإفتتاحية كانت دومًا تنبه من إمكانية مبالغته في الأمر وإصطدامه بالحائط في أي لحظة.
لكن عوضًا عن ذلك، تمكن من التأهل في الصف الأول، وحافظ على رباطة جأشه خلال السباق لينهيه في المركز الثاني.
تأديته في تورنتو لم تحظى بنفس التقدير، لكنها كانت مثيرة للإعجاب على حد السواء. إصابة “بريسكو” يوم السبت جعلت فريق بانتر رايسنغ يسابق الزمن للعثور على سائقِ بديل لسباق يوم الأحد. ومن الصدف كان “مونووز” متواجدًا على الحلبة ليحظى بالمقعد وينهي السباق بالرغم من أنها أول تجربة له لقيادة سيارة إندي كار على حلبات الشوارع.
رغم كل المؤشرات الجيدة، إلاً أنه ينتظر السائق الشاب وفريق أندريتي الكثير من العمل لكي يصقل موهبته، لكن النتيجة قد تعود بالنفع بشكل كبير على الفريق.
السبب الوحيد لكي يحظى الشاب الكولومبي بهذه الفرصة، هو أن السائق الكولومبي الآخر لم يكن متاحًا، ليدخل “مونووز” مباشرة في دائرة التكهنات للموسم الجديد.
الأخبار القادمة من فريق غاناسي في الناسكار التي أوضحت أن الفريق لن يجدد عقد “خوان بابلو مونتويا” لموسم 2014 أجّجت شائعات إنتقاله للإندي كار، وكان مالك فريق أندريتي أوتوسبورت “مايكل أندريتي” المبادر من أجل تحويل وجهة بطل الكارتينغ والفائز بسباق الإندي 500 السابق لفريقه.
بحلول منتصف شهر أغسطس، وبعد أسبوع واحد من إنفصال “مونتويا” عن فريق غاناسي للناسكار، أعلم “أندريتي” الصحافة أن كلا الطرفين تجاذبا أطراف الحديث، وأن الصفقة تعتمد فقط على حجم الرعاية. وبعد مرور ثلاثة أسابيع لا زال الفريق واثقًا بنجاح الصفقة، وأعلن أنه تمكن من توفير نصف الميزانية اللازمة لجلب “مونتويا”. لكن بعد مرور أسبوع من ذلك تم إعلان إنظمام “مونتويا” لفريق بانسك.
في ظاهر الأمر، يبدو الأمر وكأن “أندريتي” لم يكن ماكرًا بما فيه الكفاية لإنجاح الصفقة بينما كان يبحث عن المال لتأمين قدوم “مونتويا”، وإعترف مالك فريق بانسك “تيم سيندرك” بإبتهاج أن فريقه كان مركزًا بشكلٍ كامل على إستقدام “مونتويا” منذ البداية. الجزئيات البسيطة، مثل كيف تمكن من تأمين المال لجلب مونتويا، لم يتم الإفصاح عنها بعد.
لكن ذلك يدفعنا للتساؤل، هل كان “مونتويا” يتلاعب “بأندريتي” طيلة الوقت؟ وكشف “سيندرك” أن “مونتويا” أمضى على العقد الأوليّ في منتصف شهر أغسطس، تقريبًا في نفس الفترة التي تحدث فيها مع “أندريتي”. لكن بالحديث عن الوقت الذي تم فيه الإعلان عن الصفقة، يبدو أن “مونتويا” كان قد إتخذ قراره بالرغم من سعي “أندريتي” للحصول على ممولين.
“إذا كنت تحلم بالحصول على مقعدٍ جيد كسائق، فإن التواجد مع فريق بانسك سيحتل المرتبة الأولى” قال مونتويا آنذاك. “عندما علمت بأنني لن أكون متواجدًا في الناسكار الموسم القادم، هدفي الأول كان الحصول على سيارة قادرة على تحقيق الإنتصارات. وعندما حظيت بهذه الفرصة لم آخذ وقتًا كبيرًا للتفكير”.
قدوم “مونتويا” يعني عودة فريق بانسك لإستخدام ثلاث سيارات بشكل مستمر طيلة الموسم، هذا الأمر يمثل التغيير الحقيقي إلى الفريق الذي يعرف بأنه أقل الفرق الكبرى التي شهدت أي تغييرات. جميع العاملين الأساسيين لا زالوا متواجدين بالإضافة لمحركات شيفروليه، كما لا يمكن أن ننسى “باور” و”كاسترونيفيز”. إذا ما كنت تعمل للفريق، السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه، هل بإمكان الفريق الفوز ببطولة أخرى والتخلص من شعار “صاحب المركز الثاني”.
إذا نظرنا لكل شيء على حدى، جميع هذه التغييرات داخل حظائر الفرق من شأنها إضافة المزيد من الإثارة للموسم القادم. الآن إذا جمعنا كل هذه التغييرات، فإنه تلوح في الأفق منافسة ضارية على البطولة في 2014: أربع سيارات لفريقي غاناسي وأندريتي، ثلاث سيارات لفريق بانسك، وجميعها قادرة على تحقيق الإنتصارات.
أرض المعركة شبيهة بالموسم الماضي، مع بعض التغييرات المؤثرة: تم حذف بالتيمور وساو باولو من الرزنامة، حارمين بذلك البطولة من إثنين من أفضل سباقات الشوارع. وسيحل مكانهما للمرة الأولى سباق إندي كار على حلبة إندينابوليس.
هذه التغييرات والرزنامة الضيقة للبطولة التي تتضمن 18 جولة التي ستدور منافساتها على مدى خمسة أشهر فقط، تشكل أحد مخططات إدارة “مايلز” لإشعال الإهتمام بالبطولة مرة أخرى.
السباق الثاني في إندي يستغل مستويات التقدير الكبيرة التي يتمتع بها الطريق السريع؛ الرزنامة المضغوطة من شأنها مساعدة المشجعين غير المنتظمين على معرفة مواعيد الجولات القادمة.
ودفعت الرغبة في تجنب تكرار المشاحنات السياسية التي ساهمت في تحديد وجهة سير مواسم الإندي كار الأخيرة، لإعتماد العديد من المسؤولين نهج الانتظار والترقب لما ستؤول إليه المخططات، على الرغم من أن “ماريو اندريتي” أعرب عن استيائه من ذلك في العدد الأخير من مجلة أوتوسبورت.
“لماذا لا يهتم مايلز بالأشياء التي أعطت نتائج جيدة” قال أندريتي، “إذا كانت الفورمولا واحد غير قادرة على النجاح على مسارات الطرق، لن ينجح أي شيء آخر عليها”.
سواء كانت رؤية مايلز أو مخاوف ماريو صحيحة سوف تكونان مجرد أمرٍ عابر مقارنة بمالموسم الذي سيكون فريدًا من نوعه، حتى في ظل المعايير المرتفعة المعدة للتآمر للرياضة. السؤال الحقيقي هو كيف يمكن للإندي كار الاستفادة من ذلك بفاعلية.
موسم الإندي كار مثل الشجرة التي تقع في الغابة، إذا كان إستثنائيًا لكن لا أحد إهتم به، هل نستطيع أن نصفه بذلك؟