يطلعنا إيد ستراو على ما قد تكون أكثر عودة للفورمولا واحد سيتحدث عنها الجميع في 2014. إنتظروا قليلاً، إنها ليست عودة الفنلندي كيمي رايكونن لفيراري.
من طبيعتنا كبشر نتوقع حصول الأسوأ دائمًا. وفق معايير الفورمولا واحد، توقُّع مدير فريق ريد بل إنسحاب نصف السيارات في الجولة الإفتتاحية في أستراليا ، يعتبر توقعًا تحفضيًا.
في ظل الشكوك التي تحوم حول كفاءة وإعتمادية (موثوقية) محركات الست إسطوانات سعة 1.6 لتر ذات الشاحن التوربيني، يسعى الكثيرون لتوقع حصول أشياء أكثر دراماتيكية.
يرى البعض إمكانية تكرار ما حصل موسمي 1977 و1978 عندما تم تقديم محركات رينو ذات الشاحن التوربيني للمرة الأولى حيث أنهت 4 سيارات فقط السباق الإفتتاحي في حين بدأت 18 سيارة السباق.
هل الإفتقار للإعتمادية أمر سيئ؟ صراحةً، لا أعتقد ذلك.
من الواضح، أنه لو إنسحبت معظم السيارات في اللفات الأولى، لن يكون السباق جميلاً على غرار سباق جائزة الولايات المتحدة موسم 2005 الذي شاركت فيه 6 سيارات فقط. لكن كان هناك وقت حيث حتى أكثر السباقات التي يسهل التكهن بنتيجتها شهدت أجواء مشحونة.
سائقك المفضل يكون في الصدارة بفارق مريح، وفجأة تظهر سيارته على التلفاز مع الدخان الأبيض يتصاعد من خلفها .
وكانت هناك أوقات حصل فيها العكس، حيث فاز سائقك المفضل بفضل إنسحاب المتصدر أمامه. وحتى إن لم يحصل ذلك، إمكانية حدوثه تظل كبيرة.
حصل هذا الأمر عدة مرات في السنوات الأخيرة. إنسحاب الألماني سيباستيان فيتيل من سباق جائزة بريطانيا وهو في الصدارة، كذلك البريطاني لويس هاميلتون الذي أضاع إنتصارين في سنغافورة وأبوظبي موسم 2012 بسبب أعطال ميكانيكية. لكن هذه الحالات كانت نادرة ولا يمكن إعتبارها معيارًا للمواسم الماضية.
التنبؤ بما سيحصل سيقتل إهتمامك بالرياضة. إذا عرفت المرشح بشكلٍ كاسح للفوز بالسباق حتى قبل أن ينطلق، لن تكون مهتمًا بمتابعته، بالتأكيد ما عدى المشجعين الأكثر إلتزامًا وتشددًا.
في ظل سلسلة إنتصارات سيباستيان فيتيل الموسم الماضي وفوزه بتسعة سباقات على التوالي في النصف الثاني من الموسم، إزداد يقين الجميع أن إعتمادية سيارته كانت رهيبة بفضل المجهود الكبير الذي بذله فريق ريد بل والذي إلى الآن لا يحظى بالتقدير الذي يستحقه بعد سيطرته على الحقبة التي وصفت بالحتمية عوضًا عن المثيرة.
بإختلاف الرياضة يختلف مقدار التنبؤ بما سيحصل. كرة القدم أفضل مثال على ذلك حيث عودتنا دومًا على نتائج صاعقة.
لانها رياضة حيث تسجيل الأهداف يكون قليلاً، لذلك بإمكان الفريق الضعيف مباغتة خصمه بتسجيل هدف في الثواني الأخيرة. على مدار الموسم سيبرز المرشحون الرئيسيون للفوز باللقب كالعادة، لكن على مدى 90 دقيقة القصة تكون مختلفة كليًا.
لكن في حين تعتمد كرة القدم على بعض اللحظات المهمة في المباراة، في السباقات كل لفة تكون حاسمة. بإمكان السائق أن يستخرج أكثر مما تستطيع السيارة تقديمه في التجارب التأهيلية ليجد نفسه في مركز متقدم في حين البعض الأخر سيقوم بالعكس، لكن عادة سيتراجع للخلف على مدى مسافة السباق.
وهذا ما جعل عدم موثوقية السيارة أمرًا مصيريًا. وعدم موثوقية السيارات لم يكن بهذه الأهمية منذ إنطلاق البطولة في خمسينات القرن الماضي كما كان في الموسم الفائت.
في 2013، مجموع إنطلاق جميع السيارات في السباقات كان 417 إنطلاقة. 366 منهم تم تصنيفهم على أنهم أنهوا السباق (87.8 بالمئة) و351 تم تصنيفهم على أنهم عبروا خط النهاية (84.2 بالمئة). كلاهما رقم قياسي.
معدلات إنهاء سباقات الفورمولا 1 بين 1950 و 2013
إذا ما نظرنا لتاريخ الفورمولا واحد، معدل إنهاء السباق يتراوح بين 40-60 بالمئة. بإعتماد الذين عبروا خط النهاية لكنهم كانوا خلف المتصدر بعدة لفات ودون إحتساب الذين إنسحبوا ولكن وقع تصنيفهم، موسم 1985 سيكون أكثر موسم إفتقر للموثوقية في تاريخ الفورمولا واحد. فقط 39.8 بالمئة تمكنوا من الوصول لخط النهاية.
منذ موسم 1950 (نسبة إنهاء السباقات 47.4 بالمئة) وإلى موسم 2002 (نسبة إنهاء السباقات 56.9 بالمئة)، المعدل التقريبي لإنهاء السباقات بلغ 51.5 بالمئة.
في 2003، تجاوز المعدل الـ60 بالمئة للمرة الأولى في التاريخ، بفضل وصول 64.4 بالمئة لخط النهاية، ومنذ ذلك الحين كان هذا المعدل في تصاعد بشكلٍ مستمر.
الأسباب لهذا التصاعد واضحة. في حين كانت هناك تحديثات كبيرة على إجراءات التحقق من الجودة والدقة للفرق، والتي شهدت تطورًا سنويا، أحد القوانين الجديدة المعتمدة في موسم 2003 شكلت العامل الرئيسي في ذلك الإرتفاع. إنه قانون وضع السيارات داخل “البارك فيرمي” بعد التجارب التأهيلية.
“الإعتمادية الآن أصبحت ممتازة حتى أني لم أعد أقضي السباق قلقًا إذا ما كنا سننهي السباق كما جرت العادة” صرح مدير فريق ماكلارين مارتن ويتمارش الموسم الماضي، “حاليًا تحسنت الفرق بشكل كبير في ذلك المجال. لكن وبغرابة قانون “البارك فيرمي” الذي توقع الجميع أنه سينتقص من الموثوقية، ساهم في ذلك.
“عدم السماح لإجراء أي تغييرات على السيارة حسن من إعتماديتها كما حسن من فكرة بناء السيارة بشكلٍ صحيح عوض قضاء طيلة الليل وأنت تعمل عليها”.
قانون آخر والذي إنتقده الكثيرون لأنه سيساهم في إرتفاع عدد الإنسحابات كان قانون الحد من عدد المحركات التي سيستخدمها السائق في الموسم الواحد. في 2004، تم وضع قاعدة تجبر الفرق على إستخدام محرك واحد لكل سباق، ومع ذلك إرتفعت نسبة إنهاء السباقات إلى 72.2 بالمئة.
وإستمر التوجه نحو تحسين الموثوقية مع إعتماد قوانين أكثر صرامة فيما يتعلق بالمحركات بإعتماد قانون الثمان محركات لكل سائق في الموسم الواحد الذي تم العمل به في الفترة الممتدة بين 2009 و2013.
وتجاوزت نسبة إنهاء السباقات حاجز الـ 70 بالمئة في جميع مواسم حقبة محركات الثمان إسطوانات سعة 2.4 لتر ماعدى الموسم الأول الذي تم إعتمادها فيها حيث بلغت النسبة 68.2 بالمئة في موسم 2006.
وفي ظل عدم إختبار المحركات الجديدة لموسم 2014 على أرض الواقع، من شبه المؤكد أن نسبة الموثوقية ستنخفض. من المهم أن نذكر أن ذلك لن يعتمد على المحركات فقط بل على السيارات الجديدة كذلك وفاعلية وحدة الطاقة ككل.
وبالنسبة لفرضية كريستيان هورنر، لنفترض أن 11 سيارة ستصل لخط النهاية في ملبورن، الشيئ الذي سيؤدي لتذمر الكثيرين. نسبة إنهاء السباق 50 بالمئة ستكون قريبة للحقبة التي سبقت موسم 2003 والتي قدرت بـ51.5 بالمئة ولن تكون بعيدة عن نسبة إنهاء السباقات لجميع مواسم بطولة العالم للفورمولا واحد الـ64 التي قدرت بـ55.6 بالمئة. إنها نسبة مقبولة إلى حدٍ جيد.
ومن المستبعد أن تنزل هذه النسبة بشكل دراماتيكي إلاً إذا حصل شيئٌ لم يكن بالحسبان. اللوائح المنظمة لموسم 2014 ستخفض من عدد المحركات التي سيسمح لكل سائق بإستخدامها إلى خمس “وحدات طاقة” في الموسم الواحد. وسيكون المحرك مقسمًا إلى ست عناصر مختلفة يمكن دمجها وتطابقها.
مما يعني، في حال تعطل شاحنك التوربيني تستطيع تغييره وإستخدام شاحن آخر ودمجه مع العناصر الخمس الأخرى. سيسمح لك بإستخدام خمس بدائل عن كل عنصر، وفي حال إضطررت لإستخدام بديل سادس عندئذ ستنال عقوبة تراجع عدة مراكز للخلف على شبكة الإنطلاق.
بإمكاننا القول، أن هذا هو العائق الأكثر إرباكًا فيما يخص موثوقية المحركات، حيث من المتوقع أن تشهد المراحل الأخيرة من الموسم العديد من العقوبات على غرار عقوبة التراجع 10 أو5 مراكز للخلف بشكلٍ فوضوي.
لكن في السباق بحد ذاته، قد تحظى السيارة المتصدرة وبفارق مريح بنسبة 50 بالمئة للإنسحاب، مثل هذه المواقف لن تزيد الموسم إلا إثارة.
شريطة توفر عدد مقبول من السيارات قادر على إنهاء السباقات، والمستوى العالي للهندسة والإستثمار في الفورمولا واحد، سيحدث ذلك. العودة الحميدة لعدم موثوقية السيارات، حتى وإن كانت على المدى القصير إلاً أنها ستكون مفيدة لسباقات الجوائز الكبرى.
وبمعرفة ذلك، في حال تعرض المتصدر لمشاكل في اللفة الأخيرة سيضمن ذلك مشاهدة عدد أكبر من المتابعين على التلفاز السباقَ لنهايته.