المندوب الطّبي السّابق لبطولة العالم للفورمولا واحد، واستشاري التّخدير وأخصّائي حالات الحوادث والطّوارئ غاري هارتستين يقوم بتحليل ما نعرفه عن وضع مايكل شوماخر الصّحي.
شغل غاري هارتستين منصب المندوب الطّبي الرّسمي لبطولة العالم للفورمولا واحد بين عامي 2005-2012. وكان يتابع الأخبار الّتي تلت تعرّض مايكل شوماخر لإصابةٍ في الرّأس عن كثب، وفي هذا المقال الحصري لأوتوسبورت، يقوم بتزويد تحليل مفصّل عن حالته الصحّية في الوقتِ الحالي.
لنلقِ نظرةً على ما حصل لمايكل شوماخر، منذ لحظة وقوعه أثناء التّزلج وحتّى الآن. هذا التّحليل مَبني على المعلومات الّتي حلصنا عليها في المؤتمرات الصّحفيّة، كما قمت بقراءتها وتحليلها بشكلٍ شخصيّ.
لن أقوم بالتّنبّؤ، ولكنّني سأقوم بالقراءة بين سطور الأطّباء المُشرفين على شوماخر لأقوم بوضع قراءاتي ضمن سياق معالجة المصابين بإصابات بالغة في الرّأس.
يجب علينا التّفكير بأنّ تأثير الاصطدام بالصّخرة أدى لإحداث أمرين: قام بإحداث آفات شديدة بشكلٍ فوريّ، ومن ثمّ أدى الاصطدام لتحريك تلك الآفات بشكلٍ عشوائي أدّت إلى تفاقم الضّرر الحاصل.
ولكن ماذا عن تلك الآفات البدائيّة؟ من المرجح حصول أربع أنواع من الإصابات -على الأقل- الّتي نتجت عن الوقوع.
أول تلك الإصابات هو تشكّل التّورّمات. حيث أنّ الأوعية الدّمويّة المُمزّقة والمُتضرّرة سمحت للدم بالنفاذ بكميّاتٍ كبيرة سمحت لها بتشكيل كتل. وهذه الكتل خطيرة لأنّها ناتجة عن الاصطدام القوي بالإضافة لتسبّبهم برفع الضّغط الدّموي داخل الجمجمة.
تمّ إخبارنا بأنّ مايكل عانى من ورمٍ دموي خارج الجافية في الجهة اليمنى (بين الجمجمة والجافية الّتي تحيط بالدّماغ) وتمّ التّخلص من هذا الورم بشكلٍ جراحي، بالإضافة لسلسلة من التّورّمات داخل المخ (داخل نسيج الدّماغ). إحدى هذه التّورمات على الجهة اليسرى تمّ التخلص منها خلال الأسبوع الّذي تلى الحادثة، ولكن هناك عدّة تورّمات أخرى على الجهة اليمنى، في الوسط، بالإضافةِ للجهة اليسرى أيضاً.
النّوع الثّاني من الإصابات هو الكدمات. هذه عبارة عن رضوض، مشابهة تماماً في حال تعرّضنا لإصابة في يدنا أو قدمنا. كميّات قليلة من الدم المُتسرّب من الأوعية الدّمويّة، ولكنّه لا يتجمّع بشكلٍ كافٍ. هذا يؤدّي إلى تشكّل الألوان السوداء والزرقاء ظاهريّاً. بالتّأكيد توجد انتفاخات أيضاً، والّتي تؤدّي إلى رفع الضّغط الدموي بشكلٍ أكبر الّذي كانت قد تسبّبت به التّورمات.
الإصابة الثّالثة هي احتمال حصول ضرر في ‘الأسلاك’ الطويلة في الدّماغ. من الصّعب رؤية الضّرر في هذه المحاور مع آلات التّصوير الحديثة، ولكنّها مرتبطة بحصول ضرر عصبي ناجم عن الحادث.
فيما يتعلّق بالنّوع الرّابع من الإصابات، تمّ إخباري من مصادر مطّلعة عن حصول ضرر في واحدٍ من أربع شرايين تقوم بتغذية الدّماغ. وحتى في حال صحّة تلك المصادر، من الصّعب تقدير الإصابة النّاجمة عن هذا الضّرر، حيث يوجد لدى معظم الأشخاص نقاط اتّصال مكثّفة بين الشّرايين الأربعة تسمح بتدفق الدّم بإحداها لتعويض عدم التدّفق الحاصل في الشّرايين المُغلقة.
والآن، ماذا عن تلك الإصابات الخبيثة الّتي ذكرتها فيما سبق؟ أهمها يتركّز حول الضّغط الدّموي داخل الجمجمة. حيث أنّ الضّغط الدّموي المرتفع داخل الجمجمة سوف يقوم بالضّغط على الأوعية الدّمويّة الّتي تقوم بتغذية الدّماغ.
المشكلة هي ما يلي، عندما لا يحصل الدّماغ على كميات كافية من الدم، ماذا يحصل برأيكم؟ ينتفخ بالتأكيد. وهذا يؤدّي إلى زيادة الضّغط الدّموي داخل الجمجمة العالي أصلاً مما يجعل الدّم يتدفّق بشكلٍ أقل مما هو عليه أيضاً.
العناية بإصابات الرأس البالغة يعتمد على الالتزام الصّارم ببعض المبادئ. فبشكلٍ أساسيّ، يجب أن يحصل الدّماغ على كميّاتٍ كافية من الأوكسجين والمواد المُغذّية باستمرار.
ولكي يتحقّق ذلك، يجب أن تبقى ممرّات الهواء مفتوحة ومؤمّنة عن طريق أنبوب يتوضّع في القصبة الهوائيّة. حيث يتم تأمين التّهوية بواسطة مراوح معقّدة ومتطوّرة للغاية، حيث يتم تعيير جميع القيم لجعل التّهوية أقرب ما يمكن إلى الحالة الطّبيعيّة. ومن أجل ضمان تدفّق دموي سليم إلى الدّماغ، من الضروري للغاية التّحكّم بالضّغط الدّموي المُرتفع داخل الجمجمة.
تمّ القيام بأولى الخطوات للتحكّم بالضّغط الدّموي المرتفع داخل الجمجمة بنجاح خلال يومي الأحد والاثنين التّاليان لحادث شوماخر. حيث تمّ التخلّص من التورّمات الّتي يُمكن الوصول إليها بشكلٍ جراحيّ.
بالإضافة لذلك، فإنّ الثّغرات في العظام الّتي تمّ فتحها من قبل الجراح لم يجري إغلاقها، لتسمح للدّماغ بالانتفاخ فيزيائيّاً بشكلٍ بسيط قبل ارتفاع الضّغط.
كما تبيّن أن تبريد جسد المريض ببضع درجاتٍ مئويّة يساعد بضمان توفير الطّاقة الكافية. ويعود سبب ذلك إلى أنّ التّبريد يؤدّي لإبطاء عملية تبادل المواد في الدّماغ. وهذا يعني أنّ أي كميّة من الأوكسجين والمواد المُغذيّة الّتي يتم الحصول عليها ستكون كافية لتلبية حاجات الدّماغ. كما يُعتبر انخفاض درجة حرارة الجسم فعّالاً للتصدّي لضغط الدّم المرتفع داخل الجمجمة.
كما أنّه من الضروري استيعاب معنى الغيبوبة الاصطناعيّة ودورها.
قمت بذكر التحكّم بالممرات الهوائية عن طريق أنبوب في القصبة الهوائيّة، التحكّم بالتّنفس عن طريق مراوح وخفض درجة حرارة الجسم. بشكلٍ عمليّ لا يمكن تحقيق جميع هذه الشّروط لمريض، حتّى لمُصابٍ بإصابات بالغة في الرّأس (خصوصاً لمصابٍ بإصابات بالغة في الرّأس!) من دون تخديرهم. وبالتّالي يتمّ تنويم جميع المرضى الّذين يعانون من هذه الإصابات.
ويساعد ذلك في ضمان عدم إصابة المريض بالرّعشة خلال فترة تبريد درجة حرارة الجسم (والّتي تمتدّ غالباً بين 48 وحتّى 72 ساعة). إذا لم ينخفض الضّغط الدّموي المرتفع داخل الجمجمة على الرّغم من جميع الإجراءات الّتي قُمت بذكرها، يتم زيادة التّخدير بشكلٍ ملحوظ. هذا يؤدّي إلى إيقاف جميع الأنشطة الكهربائيّة في الدّماغ بشكلٍ مؤقّت، وذلك من أجل ضمان استخدام الطّاقة المتوفّرة في استمرار عمل الخلايا الأساسيّة وليس في نشاطاتٍ ووظائفٍ إضافيّة.
بالنّسبةِ للمُستقبل؟ الطّريق طويل للغاية. وسوف يستغرق شهوراً على الأقل. أمّا على المدى القصير، يجب تخفيف التّخدير بالتّرافق مع عودة الضّغط الدّموي داخل الجمجمة لنسبه الطّبيعيّة. هذا هو الهدف الأساسي في المرحلة الحاليّة.
بإمكانكم متابعة غاري على موقع تويتر عبر حسابه الشّخصي @former_f1doc