إدارة الفورمولا 1 (FOM)، والاتحاد الدولي للسيارات (FIA)، الجهتان المسؤولتان عن إدارة وتنظيم أعرق بطولة في رياضة المحركات، لطالما كانتا تسيران جنبًا إلى جنب. لكن، مؤخرًا، هناك بعض الخلافات غير المسبوقة التي نستعرضها سويةً…
التعامل مع بطولة ضخمة، مثل الفورمولا 1، تضم آلاف العاملين فيها، وبمشاركة 10 فرق، وتتطلب السفر إلى مختلف أنحاء العالم أسبوعًا تلو الآخر، تعني أن الحاجة ضرورية لوجود آلية عمل ديناميكية، فريدة من نوعها، تضمن سعادة كافة الأطراف سعيًا لإنجاح هذه البطولة عامًا تلو الآخر.
بالفعل، كان ذلك التعاون، وكانت فعالية تلك الديناميكية، واضحةً عندما كانت الفورمولا 1 إحدى اول الرياضات العالمية التي عادت لتنظيم أحداثها ونشاطاتها في 2020، عندما توقف العالم بأكمله إثر جائحة كوفيد-19.
إحدى أبرز عوامل النجاح كانت تلك العلاقة المميزة التي تجمع الفورمولا 1، ممثلةً بـ (FOM)، وي مالكي الحقوق التجارية للبطولة، مع الاتحاد الدولي للسيارات، الهيئة التي تنظم البطولة من الناحية الرياضية، وتقوم بفرض التعليمات والقوانين.
لكن، مؤخرًا، هناك بعض التوتر في العلاقة بين هذين الطرفين، لعلها تبدو واضحةً في ما يتعلق بإمكانية انضمام فريق جديد إلى الفورمولا 1، ألا وهو فريق أندريتي الأميركي الشهير، حيث اختلفت وجهات النظر بين الفورمولا 1 والاتحاد الدولي حول جدوى انضمام الفريق الجديد.
بشكلٍ مختصر، الاتحاد الدولي للسيارات يشجع انضمام فريق أندريتي، أو أية فرق جديدة، إلى البطولة، بخلاف الفورمولا 1 التي تبقى حذرةً في مثل هذه القرارات. لكن لمَ هذا الاختلاف؟
الفورمولا 1، كإدارة، لا تريد أية فرق ضعيفة، وإنما تريد فرق يمكنها تحقيق إضافة ملموسة للبطولة، يمكنها زيادة قوة البطولة، وقوة العلامات التجارية المتواجدة فيها.
في السابق، ربما قبل 2018، كانت الفورمولا 1 لترحب بانضمام أي فريق أميركي جديد، خصوصًا وإن كان اسمًا عريقًا مثل أندريتي، أحد أنجح الفرق في السباقات الأميركية. لكن،كان ذلك لأن الفورمولا 1 كانت تسعى دومًا إلى كسر السوق الأميركي، كانت تسعى إلى زيادة شعبية البطولة في الولايات المتحدة، وهو ما حققته، بنجاحٍ مذهل بالفعل، في الأعوام الماضية مع سلسلة وثائقيات (Drive To Survive) على نتفلكس، والعديد من المبادرات الأخرى التي زادت شعبية البطولة في الولايات المتحدة، وانعكس ذلك أيضًا بشكلٍ ملموس على وسائل التواصل الاجتماعي، كما انعكس على عدد سباقات الفورمولا 1 في الولايات المتحدة، حيث يشهد موسم 2023 إقامة 3 سباقات هناك، في ميامي، أوستن، ولاس فيغاس.
لهذا السبب لا تجد الفورمولا 1 جدوى كبيرة من انضمام أندريتي، ويبدو في الواقع أن فريق أندريتي هو من سيستفيد من تواجده في البطولة، وليس العكس.
كان هذا الانطباع السائد لدى الفورمولا 1 عندما أعلن فريق أندريتي أن هدف المشاركة في الفورمولا 1، وبعدها غاب أندريتي، لم تكن هناك ضجة كبيرة، وظنّ الجميع أن حلم أندريتي بالمشاركة في البطولة قد وصل إلى نهايته.
إلا أن أندريتي عاد وبقوة، مع الإعلان عن تحالف مع شركة جنرال موتورز، ممثلةً بـ كاديلاك، إحدى عمالقة صناع السيارات الأميركيين، وأن هذا التحالف هدفه المشاركة في البطولة في 2026.
مرةً أخرى، رحب الاتحاد الدولي للسيارات، ممثلًا برئيسه محمد بن سليّم، بهذا التحالف وبهذه الخطوة، التي تمت مواجهتها، مرةً أخرى، بالحذر من إدارة الفورمولا 1، وبعدم الترحيب كما كان الجميع يأمل.
بالنسبة لـ أندريتي، يعتقد الأميركي أنه أجاب على تساؤلات الفورمولا 1: “ما الإضافة التي سيقدمها الفريق الجديد؟” من خلال التحالف مع أحد أكبر وأهم صانعي السيارات.
لكن بالنسبة لإدارة الفورمولا 1، ما زال هناك حذر وعدم رغبة بانضمام أندريتي، خصوصًا وأن تلك الخطوة قد تُغضب معظم فرق الفورمولا 1 الحالية.
إذ أن العائدات المالية التي تحصل عليها إدارة الفورمولا 1، يتم توزيعها وفقًا لاتفاقية كونكورد على عدة جهات، من ضمنها بالتأكيد كافة الفرق الـ 10 المشاركة في البطولة.
زيادة عدد فرق الفورمولا 1، يعني أن تلك العائدات المالية ستبقى على ما هي عليه، ولكن سيتم توزيعها على عدد أكثر من الفرق، وبالتالي ستنخفض العائدات التي سيحصل عليها كل فريق من فرق البطولة، وهنا يأتي الاستياء الأبرز من فرق الفورمولا 1، وعدم رغبتهم بالترحيب بانضمام فريق جديد.
فعليًا لا يمكن لفرق الفورمولا 1 التدخل بإمكانية الموافقة على انضمام فريق جديد أو رفضه، إلا أن الإعراب عن عدم ترحيبهم يعني أن إدارة البطولة (FOM) تفكر بمصلحة البطولة، تفكر بعدم إغضاب 10 فرق مقابل ضم فريق جديد قد لا يحقق قفزة في العائدات المالية للفورمولا 1 في المستقبل قصير الأمد.
هنا يأتي الخلاف مع الاتحاد الدولي للسيارات، الذي يعتقد أن على فرق البطولة الترحيب بانضمام منافسين جدد، حتى وإن كان ذلك يعني انخفاض العائدات المالية، لأنه سيؤدي إلى زيادة متانة وقوة الفورمولا 1 بعد عدة سنواتٍ، فيما تعتقد إدارة الفورمولا 1 أن زيادة قوة البطولة قد لا تتحقق، وبالتالي قد تكون هناك مخاطرة بالترحيب بفريق جديد، انخفاض العائدات المالية، ومن ثم انهيار هذا الفريق بعد بضعة سنواتٍ كما حصل مع كافة الفرق التي دخلت معترك الفورمولا 1 في 2010 وانهارت بين 2013 و2016.
إذ أن إعلان أندريتي التحالف مع كاديلاك والسعي للمشاركة في الفورمولا 1 ترافق مع تأكيد إدارة الفورمولا 1 أن هذا الأمر غير محصور بموافقة الاتحاد الدولي فقط، وأن على الإدارة منح موافقتها أيضًا وأنه يجب إجراء العديد من المفاوضات، وبالتالي لم يكن هناك ترحيب إطلاقًا.
هذا الأمر دفع رئيس الاتحاد الدولي، محمد بن سليّم، إلى نشر بيانٍ مختصر أعرب فيه عن استغرابه، ودهشته، بأسلوب الفورمولا 1، مؤكدًا على أهمية الترحيب بانضمام فرق جديدة إلى البطولة.
.@Cadillac @FollowAndretti @GM @FIA @F1 pic.twitter.com/ziVL91FCec
— Mohammed Ben Sulayem (@Ben_Sulayem) January 8, 2023
تحالف أندريتي مع كاديلاك لا يعني أن شركة السيارات الأميركية ستقوم بتصنيع المحركات، كما سيحصل مع شركة آودي التي ستدخل الفورمولا 1 في 2026 والتي ستقوم بتصنيع وحدات الطاقة الخاصة بها، ولكن كاديلاك ستكون مجرد الراعي الرسمي والرئيسي لفريق أندريتي، بشكلٍ مماثلٍ لشركة ألفا روميو، الراعي الرئيسي لفريق ساوبر الذي أصبح يُعرف بفريق ألفا روميو منذ 2019.
لا بد من القول أنه رغم هذا الخلاف الواضح بين الاتحاد الدولي والإدارة، إلا أنه لا يوجد طرف صحيح وطرف مخطئ. يمكن تفهّم وجهات النظر لمختلف الأطراف.
يمكن تفهم وجهة نظر الاتحاد الدولي، الذي يرغب بوجود أعرق العلامات التجارية في الفورمولا 1، وبأكبر عدد ممكن من السيارات على شبكة الانطلاق، كما يمكن تفهم وجهة نظر إدارة الفورمولا 1 التي تريد بطولة متينة، قوية، صحية، تكون كافة الفرق المشاركة فيها سعيدة بآلية العمل وبأسلوب توزيع العائدات المالية.
ما الذي سيحصل خلال الفترة المقبلة؟ لا أحد سيعلم، ولكن سيكون من مصلحة الجميع إيجاد الحلول والعودة إلى التفاهم بين الفورمولا 1 والاتحاد الدولي، إذ أن غياب هذا التفاهم سيزعزع استقرار البطولة وأسلوب عملها، وسيكون ملاحظة ذلك سهلًا على الجميع.