بعد عدة أعوامٍ من السيطرة المطلقة، يستعد فريق مرسيدس لموسمٍ سيكون الأول له بدون ‘مهمة الدفاع عن لقب البطولة’. لكن هذا الأمر، بالترافق مع العقلية المذهلة التي تمتع بها الفريق منذ 2014، سيجعله من أبرز الفرق التي يجب مراقبتها واعتبارها منافسةً على بطولة العالم للفورمولا 1 في موسم 2023.
منذ بدء الحقبة الهجينة في بطولة العالم للفورمولا 1 في 2014، اعتبر فريق مرسيدس الفوز نتيجةً حتميةً لجهوده. لم يعتبرها أمرًا مسلمًا به، لم يعتبر الفوز أمرًا بديهيًّا، ولكنه اعتبر الفوز بالسباقات والسيطرة المطلقة للفوز بالألقاب هو النتيجة الوحيدة المُرضية والمقبولة.
خلال تلك الفترة، وعبر إدارةٍ مثالية من توتو وولف، ترافقت مع فعالية القسم التقني، وخبرة السائقين، تمكن فريق مرسيدس من وضع معايير عالية جدًا للنجاح سمحت له بتحقيق إنجازات منقطعة النظير: الفوز بكافة ألقاب السائقين بين 2014 و2020، وكافة ألقاب الصانعين بين 2014 و2021.
عامًا تلو الآخر، تمكن فريق مرسيدس من إيجاد الابتكارات وتحقيق المكاسب اللازمة لمواصلة نجاحاته، حتى في 2017 و2018، في ظل التهديد من فيراري في بداية الموسم، حافظ فريق مرسيدس على هدوئه، لم يكن هناك ذعر، وإنما تمكن الفريق من تطوير سيارته ومعالجة نقاط ضعفها جولةً تلو الأخرى ليتمكن من حسم الألقاب لمصلحته قبل عدة جولات على نهاية كل موسم.
تلك العقلية لم تتغير في موسم 2022، الذي كان الأسوأ لفريق مرسيدس منذ عدة أعوامٍ مع إنهاء الموسم بالمركز الثالث في ترتيب بطولة العالم للصانعين والاكتفاء بفوزٍ وحيد. ببساطة، ذلك الموسم شهد تغييراتٍ جذرية في القوانين التقنية، أدت إلى اتباع كل فريق لنهج تصميمي مختلف عن الآخر. بعض تلك المفاهيم كانت ناجحة، كما حصل مع ريد بُل وفيراري، وبعضها لم يثمر عن النتائج المرجوة، كما حصل مع مرسيدس.
لكن رغم هذا التراجع في الأداء، والمعاناة في التأهل ضمن المراكز العشرة الأولى في الجولات الأولى من الموسم، حافظ فريق مرسيدس مجددًا على هدوئه، شهدنا عدم التخلي عن عقلية الفوز، بقي الفريق يعمل كأحد فرق الصدارة، في قراراته الاستراتيجية، في إدارة السباقات، في فعالية توقفات الصيانة، وفي تطوير السيارة أيضًا.
هذه العوامل، مجتمعة، ساهمت في تحسين أداء السيارة والتخلص من بعض نقاط ضعفها جولةً تلو الأخرى، ليتمكن فريق مرسيدس من الفوز بالسباق قبل الختامي في موسم 2022، في جائزة البرازيل الكبرى.
كما أن نجاح مرسيدس في تحسين أداء السيارة، وتحديد نقاط ضعف المفهوم التصميمي، تعني أن لديهم أسسًا متينة في العمل على سيارة الموسم الجديد.
ببساطة، فريق مرسيدس يعلم كيفية التطوير بنجاح، وكيفية اتباع أساليب فعّالة لتحسين الأداء. لم تكن تأديتهم قوية في بداية 2022 إثر بعض الابتكارات التي توصلوا إليها، ولكن فور إدراكهم لسلوك المسار التطويري الصحيح، بدؤوا بتحقيق المكاسب بوتيرةٍ عالية.
ذلك كله يعني أنه سيكون من المنطقي اعتبار فريق مرسيدس من أبرز المرشحين للمنافسة في الصدارة، والمنافسة على الألقاب، في موسم 2023.
إذ أن فريق مرسيدس قرر عدم الاستغناء عن فلسفة تصميم جوانب السيارة، حافظ على النهج ذاته، ولكن مع تعديلاتٍ بسيطة هي لمعالجة نقاط الضعف، وبالتالي قام بالعمل على تطوير سيارة العام الماضي، وهي عمليةُ تطويرٍ كان قد بدأها بنجاحٍ خلال موسم 2022.
نتيجةً لذلك، وبالترافق مع التعطش الذي يشعر به كافة أعضاء فريق مرسيدس بسبب غياب الألقاب التي اعتادوا عليها، سيعني أن على الجميع مراقبة ‘الحصان الأسود’ لموسم 2023، الذي لربما سيكون من أكثر الفرق خطورة في الصدارة، خصوصًا وأن علينا ألا ننسى أن فريق مرسيدس سيكون لديه وقت أكثر من فيراري وريد بُل في النفق الهوائي لأنه أنهى العام الماضي خلف ثنائي الصدارة في الترتيب النهائي للبطولة.
رغم ذلك، سيواجه فريق مرسيدس تحديات في موسم 2023، خصوصًا في حال كانت تأدية السيارة تنافسية، حيث ستكون هناك حدية في التنافس بين لويس هاميلتون وجورج راسل، حيث شهد العام الماضي تناغمًا بين الثنائي لأنهما كانا يدركان أن فرصة المنافسة على الألقاب مستحيلة. لكن في حال المنافسة على الصدارة، من المتوقع عدم استمرار هذا التناغم، مع سعي كل من ثنائي مرسيدس لفرض تفوقه على الآخر وإثبات أحقيته بالفوز.
موسمٌ مثير للاهتمام بانتظارنا بالنسبة لفريق مرسيدس، الذي أثبت قدرته على بذل جهود جبارة سعيًأ للنجاح في السابق، ومن المؤكد أن الفريق يريد إسكات الجميع وإثبات ما يمكنه القيام به، وما جعله يتفوق على كافة منافسيه لعدة أعوامٍ متواصلة في السابق.